إن المشكلة التي تنطق بها أحداث أكثر من قرنين أنّنا فشلنا حين لم نمتلك الرؤية والمشروع والأجندة الواضحة المفارقة لما تقوم عليه هذه القوالب التعيسة التي وُضعت لنا لنبقى ضعفاء.

الثورات العربية.. فشل متجذر في قوالب الماضي

لم تكن لدى الثورات العربية التي اندلعت أواخر 2010 أية قيادة منظمة أو أجندة أو رؤية، ولهذا السبب فشلت في إحياء هذه الأمة وإخراجها من التبعية، وتمكّن الاستبداد الذليل من بسط شرنقته عليها وتكبيل عنفوانها.

في الحقيقة نحن نعيش هذا الفشل منذ أكثر من قرنين، منذ أن بدأت الدولة العثمانية تضعف وتنهار داخليا وتُقضم من الأطراف.. كان لا بدّ من قوة ترثها، ولكن الأمة التي اعتادت على أمراء ومماليك يتصارعون كانت قد أخرجت نفسها من المعادلة السياسية.

من عمر مكرم إلى الربيع العربي: غياب الرؤية وإعادة إنتاج الاستبداد

لم يكن رجل كالنقيب عمر مكرم يمتلك أية أجندة أو رؤية حين ناضل الفرنساوية والإنجليز والمماليك المستبدين الظلمة بشجاعة منقطعة النظير، كانت لديه قيم ومبادئ رائعة، ولكن انتهى به الأمر إلى تسليم مصر لرجل مستبد هو محمد علي، هكذا بلا أي بناء لنظام جديد قائم على الحق والعدل والشورى، سوى ضمانات قولية لا قيمة لها مع رجل مثل محمد علي سيمتلك القوة ويفعل بها ما تشاء أهواؤه.

لم يخرج عمر مكرم ومن معه عن القالب.. لم يفكّروا بأن يشكّلوا حكومة وأن يجعلوا أحدهم أميرا على البلاد، بل التزموا بالمعايير الفاسدة القائمة آنذاك وسلّموا البلاد إلى رجل عسكري لا قيمة لمبادئ الدين وقيمه في صدره، ولكنه كان يتماشى مع القوالب المعهودة، فتشفّعوا عند الدولة العثمانية كي تقبل به.

محمد علي نموذجًا: كيف تخذل المشاريع الفردية الأمة حين تنفصل عن ثوابتها؟

وحين امتلك محمد علي مصر بالاستبداد لم يستطع إكمال مشروعه الطموح الذي أوقفته القوى الأوروبية في الأناضول. فقد تضخّم هذا المشروع كثيرا، واستند فيه إلى استجلاب الثقافة والحضارة الغربية ليبني قوة حاولت أن ترث الدولة العثمانية، لكنه غفل عن كونه يستند إلى أرض هشّة، فلم ينطلق من ثوابت الشرع، ولم يستند إلى هذه الأمة الهادرة، بل كان مشروعه استبداديّا يستنزف الموارد ويقوم على المظالم ويشوّه المجتمعات وينفتح بأقصى اتساع على الغرب المتفوق.. فكان حقيقا به أن يسقط سريعًا في قبضة الأعداء، وتتحول دولته بعد عقود إلى رهينة لدى الإنجليز.

الدرس المستمر: لماذا تفشل حراكاتنا في صناعة نظام جديد؟

إن المشكلة التي تنطق بها أحداث أكثر من قرنين أنّنا فشلنا حين لم نمتلك الرؤية والمشروع والأجندة الواضحة المفارقة لما تقوم عليه هذه القوالب التعيسة التي وُضعت لنا لنبقى ضعفاء. وأي حراك سياسي أو ثوري لا يعي ذلك فهو محكوم عليه بالفشل، وسيولّد من جديد منظومات فاشلة شبيهة، تعجز عن مقاومة الذلّ والهوان الذي نعيشه، وترضى – إلى حين – بالخطاب الموارب والسلوك الموارب إلى أن تتورّط بالتبعيّة والاستبداد واستنزاف المقدّرات.

هذا هو درسنا الحالي.. هذا هو درس ضعفنا ومأساتنا المتكررة التي تستنزف أجيالنا وتجمّد مقدّرات أمة حقّ لها أن تقود العالم، لا أن تبقى في منطقة الذيل العاجز المتكلّس الذي لا يستطيع إنقاذ قطعة صغيرة منه تتفجّر ألمًا منذ عامين!

المصدر

صفحة الأستاذ شريف محمد جابر، على منصة ميتا.

اقرأ أيضا

المعالم الرئيسية لمنهج التغيير الصحيح

الأفكار أساس التغيير

دور الأمة في التغيير

التعليقات غير متاحة