هذا نداء إنساني عاجل وخطير، ينبثق من واقع مأساوي يعيشه الناس. إنه يلامس مسؤولية أخلاقية ودينية كبيرة في زمن أصبحت فيه المعلومة قاتلة أو منقذة.

مسؤولية البيان: على الدعاة والكتاب تحذير الناس من مصيدة الإبلاغ

إن هذا السعار المهووس الذي يعيشه نظام السيسي_عدو_الله، حتى إن الناس صارت تُقْتَل في السجون وأقسام الشرطة بمعدل يومي.. يوجب علينا جميعا أن ننتبه وننبِّه إلى هذا الأمر المهم..

وأتمنى من جميع الكاتبين والمشايخ والوعاظ والدعاة أن يُنَبِّهوا إليه، كلٌّ بحسب أسلوبه وطريقته، وبحسب ما يستطيع من البيان..

في هذه الأيام يكاد يكون الإبلاغ عن أحدٍ من الناس، وتوصيل المعلومة للشرطة، هو بمثابة التسبب في قتله.. وبالمثل: يكاد يكون تحذير الناس من الشرطة وإيصال المعلومة للمطلوب هو بمثابة إنقاذ حياته بل إحيائه..

وقد قال تعالى: {من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا * ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} [المائدة:32-33].

فإن لم يصل الأمر إلى القتل وإزهاق الروح، فلا شكَّ أنه سيُعذَّب عذابا شديدا، وإن مجرد الدخول إلى أقسام الشرطة وإلى السجون في مصر هو عذاب حقيقي في نفسه، حتى لو لم يَلْق المرء تعذيبا خاصا لانتزاع معلومة أو لإذلاله أو اتخاذه رهينة لآخرين كي يسلم هذا الآخر نفسه..

خُذْ عِبْرَةً: رجل خُلِّدَ بتحذيره، وآخر صُلِبَ بخيانته!

ومن أشدِّ ما يُنَبِّه على خطورة هذا الأمر أن الله تبارك وتعالى ذكر رجلا في القرآن الكريم، وجعل سيرته خالدة إلى يوم الدين، لم يفعل هذا الرجل شيئا إلا أنه حذَّر النبي أنه مطلوب..

{وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى، قال: يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك، فاخرج، إني لك من الناصحين} [القصص:20].

فتأمَّل في رجل، لم يخلد في التاريخ، ولم يرتفع في الملأ الأعلى إلا بأنه استبق الظالمين، وجاء من أقصى المدينة، ليوصل المعلومة إلى المطلوب ويحذره.. فخرج قبل أن يدركه الظالمون!!

ثم تأمَّل أيضا في حال رجل آخر، عاقبه الله بالصلب أمام العالمين، لأنه دلَّ على نبيِّ.. ففي بعض الروايات التي جاءت عن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام أن الله عاقب الذي خانَ المسيحَ فدلَّ اليهود والرومان عليه، بأن ألقى عليه شَبَه المسيح عليه، فأُخِذَ هو وصُلب وأهين وتعذب بدلا من المسيح عليه السلام الذي رفعه الله إليه!

مصير معاوني الظلمة: بين الإغراق في الدنيا والنار يوم القيامة

والآيات والأحاديث كثيرة في شأن تولي الظالمين ومعاونتهم.. وفيها تهديد وتخويف ووعيد لمن كان مع الظالمين..

ويكفي أن تقرأ في القرآن كل يوم، قصة موسى وفرعون، حيث أهلك الله مع فرعون جميع ملئه وحاشيته وجنوده {فاستخف قومه فأطاعوه، إنهم كانوا قوما فاسقين * فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين * فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين} [الزخرف:54-56].

وأخبرنا الله بعذابهم المستمر حتى الآن {النار يُعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة: أدخلوا آل فرعون أشدَّ العذاب} [غافر:46].

بل أخبرنا الله تعالى كيف ستأكلهم الحسرة {وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا: إنا كنا لكم تبعا، فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار؟!!} [غافر:47].

وأخبرنا الله بمسيرهم إلى النار، كما كان نفس مسيرهم في الدنيا.. موكبٌ يتقدمه الفرعون، ويتبعه فيه جنوده وأتباعه وأنصاره، حتى يُدخلهم النار بنفسه، قال تعالى: {يَقْدُم قومه يوم القيامة، فأوردهم النار، وبئس الوِرْدُ المورود * وأُتْبِعوا في هذه لعنةً ويوم القيامة، بئس الرِّفد المرفود}[هود:98-99].

وهكذا كل قوم اتبعوا رؤساءهم وقادتهم.. يجدون أنفسهم يوم القيامة وقد وقعوا في الفخ.. الفخ الكبير.. المصير الأخير.. العذاب النهائي المستمر..

{يوم تُقَلَّب وجوههم في النار، يقولون: يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا * وقالوا: ربنا إننا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا * ربنا آتهم ضِعْفَيْن من العذاب والعنهم لعنا كبيرا} [الأحزاب:66-68].

ولذلك نهانا الله عن مجرد الميل والركون إلى الظالمين {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسَّكم النار} [هود:113].

من أعان على ظلم لم يزل في سخط الله..تذكرة للمخبرين وأعوان الظالمين

وفي الحديث: “من أعان على ظلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع” (يعني: يرجع ويتوب).

لا أدري.. ولكني لا أحسب أنه ثمة توبة يمكن أن يؤديها هذا الذي يعمل العمل القذر (المُخْبِر) فينقذ نفسه من عذاب الله ومن حقوق الناس الذين ظلمهم إلا بأن يسعى في إنقاذ آخرين.. عسى الله أن يتوب عليه، وعسى أن يتكفل عنه بردِّ المظالم السابقة يوم القيامة..

إذ لا يزال المسلم في فُسْحة من دينه ما لم يُصِب دمًا حراما -كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم!

وهؤلاء المخبرين، وأولئك الذين ساعدوهم بأي معلومة، تسببت في القبض على أحد من الناس.. فهم شركاء فيما نزل به من العذاب، أو من القتل..

ليس المُخبر فقط..بل كل من ساهم في ظلم بقلم أو إبرة أو كلمة

ومشهورة قصة الإمام سفيان الثوري حين سأله الخياط الذي يخيط ثوب السلطان: هل أكون من أعوان الظالمين؟ فقال له الإمام: أنت من الظالمين أنفسهم. وإنما أعوانه من يبيع لك الإبرة والخيوط!

وقريبٌ من ذلك ما روي عن الإمام أحمد، فقال: أعوان الظالمين من يحلق لك شعرك ويطهو لك طعامك ويعد لك ثيابك ويبيع ويشتري منك!

بل قال الحسن البصري: من دعا لظالمٍ بالبقاء، فقد أحبَّ أن يُعصَى الله تعالى!!

وإذا فتحتَ كتاب “الزواجر عن اقتراف الكبائر” للإمام ابن حجر الهيتمي، فستجد أن من الكبائر: إعانة الظالمين، والسعاية إليهم، والرضا بظلمهم!!

وتأمل معنى هذا.. فإن الكبائر لا تُغفر إلا بتوبة.. فليست هي كالذنوب التي تكفرها الصلاة والصيام ورمضان والعمرة..

دور الدعاة والعلماء في تحذير الناس من إعانة الظالمين

لقد كان للصالحين حساسية عالية من إعانة الظالمين، حتى إن سعيد بن المسيب، سيد التابعين، كانت له نصيحة خطيرة عالية جدا.. فقد جعل النظر إلى “أعوان الظالمين” مما تحبط به الأعمال الصالحة، قال: “لا تملؤوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم لئلا تحبط أعمالكم الصالحة”.

إن هذه المعاني تحتاج بثا ونشرا وترويجا وإذاعة بين الناس، لا سيما من الدعاة والوعاظ والعلماء وصُنَّاع المحتوى.. فعسى الله أن يعصم بهم الدماء التي تسيل والأرواح التي تُزْهَق.. وعسى الله أن يكف بهم بأس الذين ظلموا، ويكتب لهم أجر إحياء النفوس..

وكما سجَّل الله لنا قصة رجل في القرآن لم يفعل غير إنقاذ نبي.. فإن موعظتهم وتذكيرهم قد يشرح الله به صدور كثير من أمثال هذا الرجل الخالد، فيأتي ذلك كله في ميزانهم يوم القيامة.

المصدر

صفحة الأستاذ محمد إلهامي، على منصة x.

اقرأ أيضا

الظلم .. آثاره وعواقبه في الدنيا

أولوية الإصلاح في زمن الظلم والجبروت والعدوان

ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار

مصيبة العلماء في واقعنا المعاصر

التعليقات غير متاحة