الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فسأقتصر في هذا المقام على ذكر بعض آيات من كتاب الله تعالى رأيت من المناسب ذكرها في هذا الحدث الكبير مع تعليق مختصر بعد كل آية بما يناسب المقام ولعلنا بعد أن نذكر هذه الآيات والتعليق عليها أن نخرج بقراءة للمشهد كله أهدافه وأبعاده وتداعياته مع ربطه بواقع الأمة وأحوالها وحقيقة أعدائها مما يساعد في تحديد الموقف الصحيح من هذا الحدث:
منهج القرآن القويم وأحكام البشر النسبية
الآية الأولى والثانية:
قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء:9].
وقوله سبحانه: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء:82].
التعليق:
الابتداء بهاتين الآيتين الكريمتين مقصوده بيان الفرق بين موازين وأحكام من ينطلق من كتاب الله عز وجل ومسلماته القطعية لأنه كلام رب العالمين الذي ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت:42]، وبين موازين من ينطلق من عقول البشر وآرائهم وتحليلاتهم المعرضة للخطأ والصواب والاختلاف الكثير.
إرادة الله في الأحداث: تسليم المؤمن وثمرات اليقين
الآية الثالثة والرابعة والخامسة:
قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ [آل عمران:154].
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام:112].
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ [البقرة:253].
التعليق:
إن حدث الحرب الدائرة بين إيران واليهود كغيره من الأحداث الصغيرة والكبيرة التي لا تكون إلا بعد أن يأذن الله فيها وأن مقاليدها ونواصي أهلها بيد الله عز وجل يقضي فيها ما يشاء حسب ما تقتضيه حكمته وعلمه وعدله ورحمته وعزته ولطفه وهذا مقتضى أسمائه الحسنى وآثارها في الخلق والأمر، والخلق إنما هم منفذون لما يريده الله عز وجل في ملكه. وبيان هذا المنطلق في تفسير الأحداث والنوازل واليقين بذلك يثمر الطمأنينة في قلب المسلم وإحسانه الظن بالله عز وجل وقضائه مما يكون له الأثر في التفاؤل من عواقب هذه الأحداث وذهاب اليأس والخوف والإحباط من النفوس، وهذا ما نؤمله في عاقبة هذه الحرب.
قراءة الأحداث عبر السنن الإلهية: تدافع الطغاة وتمحيص المؤمنين
الآية السادسة والسابعة:
قوله تعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [آل عمران:137].
وقوله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ [فاطر:43].
التعليق:
إن النظر إلى هذه الحرب في ضوء السنن الإلهية التي أمرنا الله عز وجل أن ننظر إلى الأحداث في ضوئها ليعيننا على اتخاذ الموقف الصحيح واستشراف المستقبل إزاءها. ومن السنن التي أرى أن لها علاقة بهذه الحرب:
- سنة التدافع التي جاءت في قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة:251]. والتدافع والصراع ليس بالضرورة أن يكون بين المؤمنين والكافرين بل من التدافع الذي يمنع الله به الفساد في الأرض أو يقلله التدافع والمعارك بين الكفار أنفسهم حيث ينهك بعضهم بعضا ولا يستطيع قطب واحد أن ينفرد بقوته وفساده. ولعل ما يدور في هذه الحرب هو مقتضى هذه السنة، فيدفع الله شر اليهود بالرافضة، ويدفع شر الرافضة بسلاح اليهود، وهذا رجاؤنا واستشرافنا في ضوء هذه السنة، وأن يكون هذا الإنهاك للطرفين بداية التمكين لهذه الأمة، وظهور دينها على الدين كله.
- سنة الابتلاء والتمحيص: حيث ظهر وسيظهر في هذه الحرب أئمة النفاق وأصحاب القلوب المريضة، ومن يعطي الولاء لهذا الطرف أو ذاك، كما تظهر أهمية المفاهيم والتصورات فتظهر الأفهام الفاسدة والمفاهيم المنحرفة. وفي المقابل سيمحص الله المؤمنين الصابرين والصادقين ويثبتهم ويسددهم ويكونوا منارا للأمة يوالون ويعادون في الله ويبينون لها الحق ويعرون لها الباطل قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ [محمد:31]. وإنه لمن المؤسف أن يسمع أو يقرأ لبعض طلاب العلم الذين يعرفون حقيقة الرافضة ويقولون بأن الرافضة الشيعة مبتدعة وليسوا مشركين وهم من أهل القبلة الذي خطرهم أهون بكثير من اليهود.
عداوة اليهود والرافضة للمسلمين وموقف الأمة
الآية الثامنة:
قوله تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ [المائدة:82].
التعليق:
إن المعركة الدائرة بين الرافضة واليهود إنما هي معركة بين اليهود وأعوانهم الصهيوصليبية العالمية وبين الرافضة المشركين. وكلا الطرفين هما أشد الناس عداوة للمؤمنين بمنطوق الآية الكريمة، وبناء على هذا فإنه لا ناقة للإسلام ولا جمل في هذه الحرب، وكلا الطرفين عدو وحرب على الإسلام الحق الذي أُرسل به النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله وليس أحدهما بأقل خطرا من الآخر ونسأل الله عز وجل أن يدفع بأحدهما شر الآخر عن المسلمين.
التحالف الصهيوصليبي مع اليهود.. ودروس للمسلمين
الآية التاسعة والعاشرة:
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ [الأنفال:73].
وقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [المائدة:51].
التعليق:
رؤية الغرب الصهيوصليبي وعلى رأسه أم الطغيان أمريكا وكيف يستميتون في دعم اليهود في معركتهم المصيرية لأنهم يعدون اليهود رأس حربة ضد المسلمين وهي بمثابة قاعدة عسكرية في وسط المسلمين، وسيدافعون عنها لأن في سقوطها سقوط للغرب ومخططاته في حرب الدين وأهله، ودفاعهم عنها ليس لأجل مصلحة اليهود، وإنما لمصالح الغرب، وإعاقة أي نهضة إسلامية في بلدان المسلمين.
كما أن في هاتين الآيتين عتبا على المؤمنين الذين ما زال ولاء بعضهم لبعض ضعيفا، ولا زالت بعض مظاهر الفرقة بينهم، فجاءت آية الأنفال تحرصهم وتحثهم على الاجتماع وموالاة بعضهم لبعض وأن ينهضوا متعاونين في إقامة مشروع سني لأهل الحق يستقل برايته ومنهجه بعيدا عن هذا الطرف أو ذلك، وإن لم يفعلوا ذلك فسيكونون مسؤولين عن الفتنة والفساد الكبير الناتج عن ذلك. ويكفينا في ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال:46].
لماذا نُصاب بالمصائب؟ تفسير قرآني لأزمات الأمة
الآية الثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة:
قوله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم:41].
وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى:30].
وقوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام:43].
التعليق:
إن هذه الحرب وغيرها من الحروب التي تدور رحاها في بلدان المسلمين إنما هي قدر من الله عز وجل بسبب ذنوبنا لعلنا أن نتوب ونغير ما بأنفسنا، ذلك أن أكثر الناس عامتهم ومثقفيهم لا يلتفتون إلى هذه السنة الربانية، وأن ما أصابنا إنما هو بذنوبنا، وإنما الغالب منا من يسقطها على العدو الخارجي، والمؤامرات الخارجية، وكأننا قد كملنا طاعة ربنا، وتركنا معاصيه. وهنا يأتي دور الدعاة وطلبة العلم للتنبيه على هذه السنة والعلاج النافع بإذن الله تعالى.
المنهج الشرعي في التعامل مع أخبار الأزمات
الآية الخامسة عشرة:
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء:83].
التعليق:
هذا توجيه رباني لنا في منهج تلقي الأخبار التي تخص أمن الأمة أو خوفها وما تقتضيه، وذلك بأن يرد ذلك إلى أولي الأمر من العلماء الراسخين الذين يجمعون بين العلم بالشريعة والعلم بالواقع ومخططات الأعداء ويدخل في أولى الأمر بالتبع الأمراء والحكام الذين يصدرون عن شرع الله وعن علماء الشريعة وليس الحكام الذين يرفضون شرع الله ويوالون أعداء الله وبذلك تضبط أخبار الأمن والخوف ولا تكون سببًا في اضطراب الناس واختلاف موازينهم ومواقفهم، ومما يؤسف له في هذه الحرب أن يسمع من يحصر أولي الأمر في الحكام ولا يرى أن نَخرج عن مواقفهم وموازينهم وقراراتهم السياسية مع معرفته بعمالتهم وولائهم للشرق والغرب.
استبانة سبيل المجرمين والحذر من استخفاف المنافقين
الآية السادسة عشرة والسابعة عشرة:
قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام:55].
وقوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ [الروم:60].
التعليق:
في هاتين الآيتين أمر رباني باستبانة سبيل المجرمين من الكفار والمنافقين والحذر من كيدهم وخداعهم ولاسيما لأهل العلم والقائمين لنصرة الدين كما يحذرنا الله عز وجل في الآية الثانية بأن لا نكون ممن يستخفهم الذين لا يوقنون فيخدعونهم ويوظفونهم في أغراضهم وأهدافهم السياسية الخبيثة. وإن هذا الاستخفاف من قبل شياطين الإنس والجن ليبرز أيام الفتن والحوادث والنوازل، وإن مما يقي شر هذه الخداعات العلم بالشرع وبالواقع ومعرفة سبيل المجرمين، والحذر من استخفاف المنافقين، كما أن مما يقي هذه الشرور اجتماع الدعاة الصادقين؛ وتشاورهم؛ والتناصح فيما بينهم؛ وقبل ذلك وبعده دعاء الله عز وجل؛ واستخارته؛ وسؤاله الوقاية من الفتن؛ وطلب الهداية منه للحق في أوقات الإجابة.