حين تربّى الأجيال على مفاهيم الإسلام وقيمه وأحكامه ، يكون هذا أكبر نصر يحقّقه أهل الشام، فلا نصر أعلى ولا أسمى ولا أجلّ ولا أبهى من توجّه القلوب إلى بارئها والتعلّق به وحده والتلقّي عن كتابه سبحانه وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم.
معركة الوعي وبناء المفاهيم الشرعية
المعركة الأكبر والأهم في سوريا الآن هي معركة الوعي وبناء المفاهيم الشرعية وغرس حقائق الإيمان والإسلام في القلوب. فقد مرّت على أهلنا هناك عقود من التجهيل والتضليل، حتى غدت واضحات الإسلام مشوّهة أو غامضة، مما يستدعي جهدًا مضاعفًا من النخب الواعية على حقيقة هذا الدين في أن تعمل بعزيمة وجدّ لإحياء هذا الشطر من الأمة بما تيسّر من حرية في العمل والدعوة.
– حين تُربّى الأجيال على أنّ قبول شرع الله ورفض ما سواه هو من صلب كلمة لا إله إلا الله، في الأوضاع الجماعية كما في الأوضاع الفردية..
– وحين تُربّى على أنّ الولاء لا يكون في الوطن أو القومية، بل يكون لله وفي الله، وأنّ الوطن هو أرض وبلاد نعيش فيها وننميها ونحميها وليس وثنًا نقدّسه ونبني عليه ولاءنا..
– وحين تُربّى على أنّ الاستبداد محرّم، وعلى أنّ وجود “الجماعة” التي تمثّل الأمة وتأْطُر الحاكم على الحقّ أطرًا واجب شرعي، وعلى أنّ طاعة الحاكم الواجبة لا تستلزم السكوت عن ظلمه وجوره..
– وحين تُربّى على حبّ الله وحبّ رسوله وحبّ الآخرة، وعلى القيم القرآنية والأخلاق المحمّدية، وعلى الزكاة والإنفاق والبذل والعطاء والتكافل والتراحم والتواصي بالحقّ والصبر..
– وحين تُربّى على ثقافة شرعية راسخة، فتعرف ما أحلّ الله وما حرّم، وتصبح هذه الواجبات والمحرّمات القطعية خطوطها الحُمر التي تتألّم القلوب عند انتهاكها، وعلى “جُسورٍ على ما لم يُختلَف فيه من قرآن مُنزل وسنّة ماضية” كما يقول الإمام الضحّاك بن مزاحم..
– وحين تُربّى على أنّ ديار المسلمين ينبغي أن تكون عزيزة مستقلّة ممتلئة بالقوة والتقدّم، لا تركن إلى القوى الخارجية الأجنبية ولا تندرج في ولايتها ولا تفتح لها أرضها لتعيث بها فسادًا وتظلّ ضعيفة مقهورة..
حين إذن يكون النصر
حين تربّى الأجيال على مفاهيم الإسلام وقيمه وأحكامه هذه وغيرها، يكون هذا أكبر نصر يحقّقه أهل الشام، فلا نصر أعلى ولا أسمى ولا أجلّ ولا أبهى من توجّه القلوب إلى بارئها والتعلّق به وحده والتلقّي عن كتابه سبحانه وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم.
قال سبحانه: {إذا جاء نصرُ الله والفتح * ورأيتَ الناس يدخلون في دين الله أفواجًا}: يُعلمك أنّ الغاية العظمى لأي نصرٍ دنيوي أو فتحٍ يحقّقه المسلمون هي الدخول في دين الله عزّ وجلّ، وليس لمجرّد أن تكون الدنيا لهم، ولا أن يعيشوا حياة هانئة رغيدة، ولا أن يصبحوا أقوى أمة في الدنيا، ولا أن يمتلكوا وسائل الحياة المتقدّمة.
فإذا فهموا هذا نالوا من ذلك الكثير، ولكن الأهم أنّهم ينالون “البركة”، وهو مفهوم لا تعرفه الشعوب التي ضلّت عن طريق الله، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ}.
فنسأل الله سبحانه أن يفتح البركات على أهل هذه البلاد التي هي قطعة من الأرض التي باركها وجعل فيها عمود الكتاب وموضع الإيمان حين تقع الفتن، وجعلها عقر دار المؤمنين وخيرته من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده.
المصدر
صفحة الأستاذ شريف محمد جابر على منصة ميتا.
اقرأ أيضا
أولوية الإصلاح في زمن الظلم والجبروت والعدوان
الثورة السورية..تباشير ومحاذير..(١)