إن الأعداء اليوم ـ في كل الأرض ـ طغاة متجبرون يكيدون للإسلام بكل ما يملكون من وسائل الكيد، والقوة السياسية والعسكرية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية في أيديهم….فلماذا كل هذه الهجمة الشرسة؟!

لماذا هذه الهجمة الشرسة على الحركة الإسلامية؟!

إن المتأمل لمشهد العمل الحركي الإسلامي في مختلف أقطار الوطن العربي والإسلامي وتفاعلاته -المحلية والإقليمية والدولية- على الأقل خلال السنوات السبع العجاف الماضية – وتحديدًا عقب مجزرة رابعة والانقلاب على أول رئيس مدني إسلامي منتخب في مصر- وطبيعة المؤامرات المختلفة التي حيكت للقضاء عليه –عن طريق أفراد وجماعات وروح معنوية- من تشويه إعلامي مستمر إلى اعتقالات وحبس وإعدامات، ومن تضييق على مؤسساته الدعوية والإغاثية وصولًا للانقلاب على تجاربه السياسية وتمويل المارقين وإعطائهم الشرعية، ومن حرب على شخوص الدعوة وعلمائها العاملين وصولًا لمحاولات تشويه الإسلام ذاته وتفريغه من مضمونه، كل ذلك إنما كان -وما زال حتى اللحظة- بسبب تمثيله هذا العمل الإسلامي لروح الأمة الوثابة نحو تحكيم شرع الله واستئناف الحياة على شريعته بكل الصور، وأيضا ظهوره كرأس حربة أمام مشاريع الإمبريالية الأمريكية التي تسرق مواردنا وتحيلنا لسوق استهلاكي عفن، والمشروع الصهيوني الساعي لتفتيت أي مسعى لإيقاظ الأمة وتجميعها واستعادة نهضتها ودورها الريادي والإنساني، المتمثل في قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].

لو طال ليل الباطل فإن فجر الحق قريب

لكن إذا أمعنا النظر في تراتبية المشهد نجد أن حدة المؤامرات بدأت تتكسر، وأن موجتهم الارتدادية على مخرجات الربيع العربي بدأت تنحسر، وأن مجموع هذه الجهود التي أرادت أن تقتل روح المقاومة والعزة والإباء في المسلم المعاصر بدأت تتراجع، وهذا ما ظهر جليًا عقب أول رشقات صاروخية أطلقتها المقاومة في غزة انتصاراً لنداءت أهل القدس، وتفاعلات ذلك خلال 11 يومًا من المقاومة العسكرية – والتي سبقتها هبة باب العامود من بداية شهر رمضان المبارك – حتى ظهر “سيف القدس” ومضاؤه على الأمة فأحيا بها الأمل مرة أخرى، وكأنه يقول: لو طال ليل الباطل فإن فجر الحق قريب.

طبيعة الصراع وحقيقته

وعند العودة إلى منبعنا الصافي، سنجد أن القرآن ما يزال يحدثنا عما جرى وسيجري لنستعد لالتقاط لحظات الانتصار ونعمل لها وفق سننه التي لا تحابي أحدا، فقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36] وهذه الآية أوردت لنا طبيعة الصراع وحقيقته:

  1. فإن الذين كفروا لن يسمحوا للحق أن يتحرك، وسيعملون على الصد عن سبيله بكل الطرق.
  2. إنهم سينفقون أموالهم – وليس بضعها فقط – للصد عن سبيل الله، وسيظهر ذلك جليًا في: إعداد الجيوش وتسليح المرتزقة، ودعم الانقلابيين وشحن الإعلاميين وشراء ذمم علماء السلاطين، والزج بأهل الحق في السجون والمعتقلات ومقاصل الإعدامات، وإغلاق دور القرآن ورعاية الأيتام والتلاعب بالمناهج الدراسية، وغيرها من أدوات الصد عن سبيل الله.
  3. تأكيد القرآن على حدوث هذا الصد بمدى الإنفاق الكبير عليه في قوله تعالى: {فسينفقونها}.
  4. ذكر القرآن تتابع مشاهد هذا الصراع في آية واحدة:

البدء بتنفيذ خططهم ومؤامراتهم الممولة “فسينفقونها”.

بدء الانكسار لحدة هذه المؤامرات وتحسرهم على فشل نتائجها مقارنة بما أنفق “ثم تكون عليهم حسرة”.

الخسارة وعدم تحقق مرادهم في الدنيا “ثم يُغلبون”، ثم حشر من لم يتب منهم في جهنم “والذين كفروا إلى جهنم يحشرون”.

  1. هذه التراتبية القدرية ستحدث لا محالة، بعز عزيز أو بذل ذليل، لكن عامل الزمن لم يرد في هذه الآية حتميًا، بل استخدم أداة العطف (ثم) للفصل بين مراحل الصراع، وهي تعني في اللغة “حرف عطف يدل على المشاركة في الحكم مع الترتيب والتراخي في الزمن”، فالأمر لا يحصل بين ليلة وضحاها.
  1. استخدام حرف العطف (ثم) الدال على التراخي في الزمن يدل على وقوع الخطط وتنفيذها والإنفاق عليها ووقوع الآلام بين أفراد الدعوة، كما قال تعالى: {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} [آل عمران: 111]، حتى يمر ما شاء الله من الوقت، ثم تبدأ المؤشرات بالظهور بعدم نجاعة ما حصل {ثم تكون عليهم حسرة}، وهنا ينقلب السحر على الساحر وينكشف عوار ما فعلوا بإعادة التفاف الأمة حول رجال الدعوة والمقاومة – كما حصل في معركة “سيف القدس” – وبعدها يصبح الطريق ممهدًا لغلبة أهل الحق على الباطل “ثم يغلبون”.
  1. أظن أن محددات “التراخي في الزمن” المترتب على استخدام (ثم) يعود -بعد تقدير الله تعالى- إلى حسن فعل أهل الحق في دفعهم للباطل وخططهم، وهذا يعني أن أهل الحق ليسوا معفيين من تحمل مسؤولية إطالة زمن الباطل، فهم من يملكون الحق ومطالبون بإظهاره وإعداد الأجيال لمناصرته والمنافحة عنه والجهاد في سبيله، مما يتطلب أيضًا أن لا يتحججوا بصعوبة المرحلة فإنها من أقدار الله كما يقول سبحانه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [آل عمران: 179]، وما حصل من مفاجأة حسن إعداد المقاومة لمعركة “سيف القدس” لهو خير دليل على عدم جواز هذا التقاعس أو التواكل، بل إني أزعم أن أي تقاعس عن الإبداع والبحث عن مخترقات حقيقية لانسداد الواقع سيعطلنا طويلًا في الدنيا وسيطيل حسابنا يوم القيامة، فبماذا سنرد على سؤال الله لنا؟
  1. تحدثت الآية في آخرها حول النتيجة الحتمية للذين كفروا يوم القيامة {والذين كفروا إلى جهنم يحشرون}، وفي هذا إنذار لهم أن ينتبهوا قبل فوات الأوان، وتسلية للذين آمنوا بأن من مات منهم ولم ير نصر الله تعالى بعينيه أنه سيرى حساب هؤلاء يوم القيامة {الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر: 17].

الفهم الصحيح لمجريات أقدار الله تعالى

وقد يتساءل البعض: فلماذا تطول الفتن على أهل الإيمان والتقوى؟ ولماذا لا يعجل الله بنصرهم؟ ألم يعدهم بالنصر إن هم قدموا ما عليهم: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]؟

وللإجابة عن هذا التساؤل يتجلى الفهم الصحيح لمجريات أقدار الله تعالى، فبعدما عرّفنا الله على الترتيب القدري لنصره للمؤمنين في الآية 36 من سورة الأنفال، نجد أن الآية التي تعقبها هي التي تجيب عن سؤالنا: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأنفال: 37]؛ فالميزُ بين الحق والباطل حاصل لا محالة، وعلى أهل الحق أن يثبتوا لله تعالى ولأنفسهم ولمن حولهم أنهم ما قاموا إلا لله تعالى: نصرة لدينه، ورفعة لأمره، واتباعًا لنبيه، وبذلًا للغالي والنفيس لرضاه، وإدراكًا لسننه وأقداره ومجاراة لها، ناهيك عن أن أقدار الله الإقليمية والدولية تتحرك ضمن سيولة عجيبة تنبأ على أن انهيار الباطل أسرع مما نظن: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].

المصدر

موقع بصائر، مصطفى صقر.

اقرأ أيضا

الهجمة الشرسة والغد المأمول .. مخاطر التعجّل

الهجمة الشرسة والغد المأمول .. دور الصحوة

غزة الصابرة والسنن الإلهية

حتمية الانتصار في معركة طوفان الأقصى

سُنة “الإملاء” و”الاستدراج” للكافرين والظالمين

سُنة الابتلاء للمؤمنين، وأن العاقبة للمتقين

التعليقات غير متاحة