مساعدة الناس على ترتيب أفكارهم وفصل المشاعر المشتبكة عن بعضها وتفهمِها، هذا كله يساعدهم على ألا يقعوا في موالاة أي من أعداء المسلمين. وهذه بعض النقاط التي تساهم في ذلك..

الموقف الشرعي مما يحدث في لبنان

بالنسبة لهجوم الصهاينة على جنوب لبنان، أود أن ألخص الموقف الذي أراه شرعياً في نقاط متتابعة:

أولا: حجم الأحداث عموماً أكبر من أن نقف عند الموقف الشعوري وسؤالِ هل نفرح ونشمت أم نحزن ونتعاطف فيما يخص مناطق ما يعرف بحزب الله.

والظاهر أن الدور آتٍ على العديد منا نحن المجتمعات التي تتساءل هذا التساؤل.

فبقاؤنا في وضع المتفرج العاجز هو نذير خطر يجب أن يجعل أولويتنا السعيَ لرفع حالة الوهن والعجز وانتظار الدور للذبح.

ثانيا: العربدة الصهيونية في المنطقة، والمدعومة من دول العالم، لا يقابلها أي نصير لنا من الناس، ولا إيران التي يعول عليها البعض، وقد ظهر جلياً تجنبها لخوض حرب شاملة، حتى ولو كان الثمن أن تخذل أولياءها. وإن كانت خذلت قد حلفاءها العقديين والسياسيين في لبنان فكيف يرتجى منها خير لأهل السنة وقد أمعنت فيهم قتلاً في ساحات أخرى؟

ثالثا: أمام خذلان القوى الوازنة لنا بل وتآمرها علينا، ليس لنا إلا اللجوء إلى رحمة الله، وقد وضح سبحانه مواصفات من يستحقون رحمته فقال:

(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:71].

فأول شرط هو الإيمان وتولي المؤمنين.

الفرقة والنزاع وتبادل الشتائم والاتهامات بناء على اختلاف موقفنا الشعوري مما يحصل في جنوب لبنان..هذا قطعاً لا يحقق حالة الولاية، ولا أمْرَ الله سبحانه إذ قال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا).

بل هذا يحرمنا الأمل الوحيد في النجاة وفي أن نكون أهلاً ليمكر الله لنا أمام مكر الأعداء الشديد.

رابعا: هناك أمور يجب الاتفاق عليها وأمور تقبل الاختلاف فيها. أمور يعذر بعضنا بعضاً فيها بلا إنكار وأمور أخرى ننكر على المخطئ فيها إنكاراً شرعياً دون سوء ظن ولا إسقاط للولاية الواجبة بين المؤمنين.

من الأمور التي يجب الاتفاق عليها أن الصهاينة ومن والاهم أعداء للمسلمين. وأن الذين قتلوا أهل السنة في سوريا وعذبوهم وشاركوا في أَسْرهم وانتهاك أعراضهم هم أيضاً أعداء للمسلمين، ولا يمسح جريمتهم في سوريا ما يُظهرونه من عداء للصهاينة في فلسطين. فالمسلمون تتكافأ دماؤهم.

ونحن هنا لا نحتاج التذكير بجرائمهم الماضية. فإن لم تكن تتذكر ما فعله ما يسمى بحزب الله في القصير في سوريا فإن جرائم هذا الحزب لا زالت حاضرة، حتى أنهم أثناء القصف عليهم في جنوب لبنان راحوا يقصفون أهلنا في إدلب وأسالوا دماء مسنيهم ونسائهم وأطفالهم من ليالٍ قليلة.

خامسا: لذلك فمن الأمور التي يجب أن نتفق عليها أن فرح من يفرح بالألم الذي يصيب هؤلاء ممن تسموا بحزب الله، وشماتته بهم، أن هذا ليس موالاة للصهاينة، ولا انحيازاً لحكام العرب! ولا غباء سياسياً، ولا قلة مروءة، ولا استهانة بمعاناة أهلنا في غزة وباقي فلسطين.

كل هذه الدعاوى سوء ظن بأخيك المسلم وتحميلُ موقفه ما لا يحتمل. فرحه بما أصاب المجرمين دافعه الأصيل هو الرحمة بإخوانه في سوريا وإشفاقه عليهم وقهره على ما أصابهم.

لكن في الوقت ذاته، نذكر من يفرح بما يصيب المعتدين من حزب إيران بالصورة الكلية وما فيها من آلام كثيرة تشوب هذا الفرح:

الألم لأن هذا القصف لا يطال حِزب إيران بلبنان فحسب، بل ويطال أهلنا من أهل السنة أيضاً، وقد تم اغتيال بعض دعاة أهل السنة وعامتهم في هذا القصف. كما أنه قد يطال أناساً من غير أهل السنة لكنهم ليسو معادين للمسلمين ولا يحاربونهم ولا يرضون عما يفعله المجرمون الحاقدون في سوريا. فهؤلاء الذين لا يناصبون المسلمين العداء هدايتهم وتألفهم أحب إلينا من أن يُقتلوا على أيدي الصهاينة.

ثم الألم أننا ننتظر ضرب الظالمين للظالمين بدل أن نكون نحن كمسلمين من ينتصر لمظلومينا ويأخذ بثأرهم.

والألم لأن الصهاينة الجبناء فرحوا بالأضرار التي ألحقوها بحزب إيران في لبنان. ونحن لا نحب أن يفرح هؤلاء الملاعين بشيء لا هم ولا من والاهم.

أيضاً مما يؤلم في هذه الأحداث أن هذا الذي يحصل بجنوب لبنان يضر بلبنان عموماً ويثقل كاهلها فوق ما هي مثقلة مدمرة أصلاً. موجات النزوح هذه مع فقر البلد، واستباحة الصهاينة للبنان طولاً وعرضاً يعني الإضرار بأهلها عموماً وتكرار المآسي التي نراها في غزة.

ومما يؤلم أن الصهاينة كانوا في انشغال جزئي بالجبهة الشمالية، – وهذا يعطي متنفساً ولو ضعيفاً جداً لإخواننا في غزة الذين يتمنون أن يأتي الصهاينةَ المجرمين ما يشغلهم من أي مكان. فكسر الصهاينة لشوكة حزب إيران تساعدهم في التفرغ للإجرام بأهل غزة وفلسطين. فما يصيب حزب إيران في لبنان يأتي في هذا السياق. ولو كان في سياق جرائمهم بحق أهلنا في سوريا لسهل على عامة المسلمين اتخاذ موقف شعوري موحد مما يصيبهم.

سادسا: وهذا يأتي بنا للموقف المقابل: لا يجوز لك أن تسيء الظن بمن يحزن لما يحصل في جنوب لبنان. حزنه هذا لا يعني أنه راضٍ بما فعله ويفعله حزب إيران بأهلنا في سوريا، ولا يعني أن العقيدة هينة عليه وأنه راضٍ بسب الصحابة والشركيات المعروفة. كل هذا سوء ظن وتحميل للموقف ما لا يحتمل إذا كان الأمر مقصوراً على الحزن وليس الدفاع عن حزب إيران ومواقفه وانحرافه العقدي.

سابعا: لأجل هذا كله لا عجب أن تختلط المشاعر في مثل هذا الموقف. ليس في هذا فصام ولا تيه. بل الموقف داعٍ إلى اختلاط المشاعر. إنما يطغى علينا الألم لأن الأمور في هذا الهجوم تسير في المحصلة لصالح الصهاينة ووفق مخططاتهم.

مساعدة الناس على ترتيب أفكارهم وفصل المشاعر المشتبكة عن بعضها وتفهمِها، هذا كله يساعدهم على ألا يقعوا في موالاة أي من أعداء المسلمين. لكن أنت لما تُخَون وتسيء الظن فإنك تدفع الناس إلى تبرير مواقفهم بالباطل، بحيث يدافعون عن حزب إيران ويبررون له أو يتعامون عن جرائمه أو يهونون من شأن انحرافه العقدي.

المصدر

صفحة الدكتور إياد قنيبي على منصة x.

اقرأ أيضا

الولاء والبراء بين النظرية والتطبيق في نازلة غزة المرابطة

نقاط حاكمة في فهم أحداث المنطقة

حدود الولاء المكفر .. حفظا للأمة ومنعا للغلو

التهوين من عقيدة الولاء والبراء

الولاء والبراء على أساس العقيدة من هدي الأنبياء

التعليقات غير متاحة