إن اليهود والمنافقين قد انطوت نفوسهم على صفات بذيئة وأخلاق قميئة، فهم قساة القلوب، وجبناء متخاذلون، وينقضون العهود والمواثيق، ويحسدون الناس، ويبخلون بما آتاهم الله من فضله، فما أقبحها من صفات! وما أحوجنا إلى السلامة من هذه الآفات!

ابْنُ أَخْطَبَ وابن سلول وعداوتهم لهذا الدين

أورد الإمام ابن كثير في «البداية والنهاية» أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن هاجر من مكة إلى المدينة ذهب إليه زعيم اليهود حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، فَجَلَسَ إِلَى رَسُول الله وَسَمِعَ مِنْهُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، وَكَانَ فِيهِمْ مُطَاعًا، فَقَالَ: أَتَيْتُ مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ وَاللَّهِ لَا أَزَالُ لَهُ عَدُوًّا أَبَدًا، فقال له أخوه أَبو يَاسِر: أَهْوَ هُوَ؟ (يعني الرسول صلى الله عليه وسلم) قَالَ: نعم وَالله! قَالَ: تعرفه بنعته وَصِفَتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ، قَالَ: فَمَاذَا فِي نَفْسِكَ مِنْهُ؟ قَالَ: عَدَاوَتُهُ وَاللَّهِ مَا بَقِيتُ.

وأورد الإمام الطبري في تاريخه أن عبدالله بن أُبي بن سلول أعلن عداوته للرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه رأى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ منه المُلك، وقد صوّر الصحابي الجليل أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ هذا المشهد بقوله: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ارفق به، فوالله لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِكَ، وَإِنْ قَوْمَهُ لَيُنَظِّمُونَ لَهُ ‌الْخَرَزَ لِيُتَوِّجُوهُ، فَإِنَّهُ لَيَرَى أَنَّكَ قَدِ استلبته مُلكاً.

إن إعلان العداوة للرسول صلى الله عليه وسلم ودينه من زعماء اليهود والمنافقين في أوائل أيام تأسيس الدولة الإسلامية يدل على خطورة هذين الصنفين على الأمة الإسلامية، بل إن الأمر يزداد وضوحاً حين نعلم أن اليهود والمنافقين قد اتحدوا وتعاونوا فيما بينهم من أجل القضاء على هذا الدين، قديماً وحديثاً، وهذا يدعونا إلى الوقوف على الخلفية النفسية لهذا التعاون والاتحاد.

فما أوجه التشابه النفسي بين اليهود والمنافقين؟

أولاً: قسوة القلب

فاليهود قساة القلوب، وقد دل على ذلك ما جاء في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ ‌قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ (البقرة: 74)، وقد دفعتهم هذه القسوة إلى إنكار الحق الذي يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، بل إنهم عادوه وعاندوه وعارضوه وحرّفوه وصدوا الناس عنه، حتى قال الله عنهم: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ ‌قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ (الْمَائِدَةِ: 13)، ولم يكتف اليهود بالتكذيب والإعراض، بل إنهم قتلوا الأنبياء بغير حق، حيث قال الله عنهم: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ‌وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ (الْبَقَرَةِ: 61)، وقد أثبت التاريخ والواقع أن القسوة التي تحكمت في قلوبهم قد دفعتهم إلى ارتكاب الجرائم المتعددة، من قتل وحرق وتدمير للأخضر واليابس والصغير والكبير.

والمنافقون قساة القلوب، بل في قلوبهم مرض، قال الله تعالى عنهم: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ ‌مَرَضٌ ‌فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ (البقرة: 10)، إنهم يسارعون إلى اليهود وينصرونهم على المسلمين، بسبب قلوبهم التي تمكّن منها المرض وسيطرت عليها القسوة، وفي هذا يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ ‌فِي ‌قُلُوبِهِمْ ‌مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ (المائدة: 52).

ثانياً: الجبن والتخاذل

فاليهود جبناء متخاذلون، حيث تحدث القرآن الكريم عن جبنهم وتخاذلهم في قوله تعالى: ﴿‌لَا ‌يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ﴾ (الحشر: 14)، كما يدل على تخاذلهم ما قالوه لموسى عليه السلام حين طلب منهم أن يدخلوا الأرض المقدسة، فقالوا: ﴿إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾ (المائدة: 22)، بل زادوا في تخاذلهم فقالوا: ﴿إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ (المائدة: 24).

والمنافقون جبناء متخاذلون، فقد تركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة حين خرج للقتال، كما في غزوة «أُحد»، وتعللوا بالحجج الواهية، كما في غزوة «تبوك»، وكذلك في غزوة «الأحزاب» التي ابتلي فيها المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً، لكن المنافقين نكصوا على أعقابهم، وارتدوا على أدبارهم، وتركوا مواقعهم؛ ﴿يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا ‌عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ ‌بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا﴾ (الأحزاب: 13).

ثالثاً: نقض العهود والمواثيق

فاليهود ينقضون عهودهم، قال تعالى في وصفهم: ﴿الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ﴾ (الأنفال: 56)، وقد أثبتت السيرة النبوية أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام العهود والمواثيق مع اليهود، لكنهم نقضوا عهودهم جميعاً، كما حدث مع بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة، ويهود خيبر، فأجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم وأذاقهم سوء العذاب، لكنهم لجؤوا بعد ذلك إلى حيلة أخرى في نقض العهود والمواثيق، وهي: أنهم لا يجتمعون لنقض العهود، وإنما ينقضها فريقٌ دُون آخر، فإن أصابه سوءٌ تظاهَر الفريق الآخَرُ بالمحافظةِ على العهدِ، وإن استقامَ لهم الأمرُ، تتابَعوا في النقض، ومشى بعضهم وراء بعض، وقد قال الله تعالى في ذلك: ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾ (البقرة: 100).

وإن الواقع اليهودي المعاصر يثبت هذا اللون من نقض العهود، ففريق منهم يحارب على الأرض، وفريق يكتفي بإعلان العداء، وفريق يدعو إلى السلام، وفريق يفاوض لتحقيق المكاسب والمغانم، وكلهم في الحقد والمكر سواء.

والمنافقون ينقضون عهودهم، فقد قال الله عنهم: ﴿وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا﴾ (الأحزاب: 15)، وقد نزلت هذه الآية في المنافقين، الذين رأوا ما للمجاهدين الصادقين من فضل وكرامة، فعاهدوا الله ورسوله أن يجاهدوا ولا يتخلفوا بعد ذلك، فلما جاء موعد القتال، خانوا ميثاقهم ونقضوا عهودهم ونكصوا على أعقابهم، وهذه سمة المنافقين دائماً، فهم يعطون عهودهم ثم ينقضونها ويخلفون وعودهم، ولهذا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وعَدَ أخْلَفَ، وإذا اؤْتُمِنَ خانَ» (متفق عليه).

لقد دأب المنافقون في التخلق بهذا الخلق الذميم، فأصبحوا لا يراعون ديناً ولا خلقاً ولا عرفاً، وأصبحوا يستحلون نقض العهد والميثاق بأتفه الحيل، ويعطون مواثيقهم للتوصل لأغراضهم الدنيئة.

رابعاً: الحسد

فاليهود يحسدون الناس، قال تعالى في وصفهم: ﴿أَمْ ‌يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ..﴾ (النساء: 54)، إنهم يحسدون الرسول صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من النبوة، ويحسدون أمته، ويودون لو ارتد الناس عن الإسلام، وقد بيّن الله حسدهم في قوله تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ ‌كُفَّارًا ‌حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾ (البقرة: 109)، وقال عز وجل: ﴿أَمْ ‌يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه﴾ (النساء: 54).

والمنافقون يحسدون الناس، ويدل على ذلك ما فعلوه حين حسدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على التفاف الناس حوله وإيمانهم به وطاعتهم له، فتواصى المنافقون بعدم الإنفاق على المؤمنين حتى ينفضوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أوضح القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ ‌لَا ‌تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ﴾ (المنافقون: 7).

خامساً: البخل

فاليهود بخلاء، ويدل على ذلك ما وصفهم به الحق سبحانه وتعالى في قوله: ﴿الَّذِينَ ‌يَبْخَلُونَ ‌وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ (النساء: 37)، فقد بخل اليهود بالعلم الذي آتاهم الله إياه، وبخلوا بالإيمان برسل الله، وبخلوا بكل ما آتاهم الله، فاجتمع فيهم البخل كله، بل إنهم أسقطوا هذه الصفة الذميمة على الله، قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ ‌يَدُ ‌اللَّهِ ‌مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ (المائدة: 64).

والمنافقون بخلاء، فالمنافق شحيح حريص، لا ينفق إلا وهو كاره، قال الله عنهم: ﴿وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا ‌وَهُمْ ‌كَارِهُونَ﴾ (التوبة: 54)، وأوضح الله هذه الصفة فيهم من خلال ذكر بعض مواقفهم، حيث قال الله عنهم: ﴿وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ {75} فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ {76} فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ﴾ (التوبة).

إن اليهود والمنافقين قد انطوت نفوسهم على صفات بذيئة وأخلاق قميئة، فهم قساة القلوب، وجبناء متخاذلون، وينقضون العهود والمواثيق، ويحسدون الناس، ويبخلون بما آتاهم الله من فضله، فما أقبحها من صفات! وما أحوجنا إلى السلامة من هذه الآفات!

المصدر

مجلة المجتمع، بقلم محرر الإسلام والحياة .

اقرأ أيضا

اليهود وقسوة قلوبهم

المنافقون .. خطرهم وأبرز صفاتهم

التخذيل عن الجهاد..من صفات المنافقين

من صفات المنافقين المسارعة في ولاء الكافرين

التعليقات غير متاحة