قلت: لو كنت إسرائيلياً وأردت أن أكتب عن حصاد 200 يوم منذ السابع من أكتوبر، فماذا سأقول؟ وكيف هي نفسيتي وحالتي؟ وما هو شعوري؟
ماذا لو كنت إسرائيلياً؟!…
خطر هذا الخاطر على بالي، وأنا أتابع صمود الشعب الفلسطيني المبهر، وأنا أشاهد إيمان لا يتزعزع ويقين مطلق بالحق، وثقة بالله بالنصر، رغم كل المجازر والخسائر وحرب الإبادة البشعة التي يمارسها الاحتلال…
خطر على بالي وأنا أستمع لقادتهم وهم يكذبون كما يتنفسون، وتُنسف رواياتهم الواحدة تلو الأخرى…
خطر على بالي كمقارنة بسيطة بين شعب محاصر في رقعة جغرافية صغيرة يواجه أعتى قوى المنطقة مدعومة بشكل مباشر لا مواربة فيه بقوى العالم الكبرى كلها…
عن حصاد 200 يوم منذ السابع من أكتوبر
قلت: لو كنت إسرائيلياً وأردت أن أكتب عن حصاد 200 يوم منذ السابع من أكتوبر، فماذا سأقول؟ وكيف هي نفسيتي وحالتي؟ وما هو شعوري؟
وضعت نفسي في الطرف الآخر وبدأت الحصاد، وهذه كانت النتيجة بعد مائتي يوم!
- فشل الجيش في تحرير محتجز واحد في غزة بالقوة رغم شبكة الاستخبارات والاستشعار ومساعدة مخابرات بريطانيا والولايات المتحدة باعترافهم.
- فشل الجيش في تدمير شبكة الأنفاق في غزة.
- فشل الجيش والاستخبارات بأسر قيادي فلسطيني واحد، فاستبدلوا ذلك باختطاف واعتقال أقاربهم (صباح هنية من بئر السبع).
- بعد 200 يوم ما زال القتال في بيت حانون وبيت لاهيا والتي كانت أول المناطق التي دخلها الجيش.
- بعد 200 يوم ما زالت صافرات الإنذار تدوي في غلاف غزة والصواريخ تطلق منها.
- أصبح لدينا مئات الآلاف من النازحين من غلاف غزة ومن شمال البلاد لا يعرفون موعداً لعودتهم.
- المطار الرئيسي في اللد (بن غوروين) يعمل ب 20% من طاقته وفي اتجاه واحد: المغادرة.
- ميناء إيلات متوقف تماماً عن العمل.
- فقد الشيكل نسبة كبيرة من قيمته.
- تعطلت وأغلقت مصانع كثيرة وزادت البطالة.
- بعد 200 يوم تشوهت صورة “إسرائيل” وانكشف كذب رواياتها وسيطرت الرواية الفلسطينية.
- بعد 200 يوم لدينا عشرات الآلاف من القتلى والمعاقين والمضطربين نفسياً.
- تفاقمت الأزمة الداخلية وزادت حدة الاستقطاب والتخوين الداخلي.
- حكومة مفككة عاجزة يتم تسريب كل اجتماعاتها.
- حكومة يتحكم فيها معاتيه متعصبين متعطشين للدماء من أمثال بن غفير وسموتريتش.
- عجزنا عن تغطية النقص بالأفراد في الجيش مع رفض الحريديم الخدمة.
- صدامات في الشوارع بين المتظاهرين والشرطة وفيما بينهم.
- الاعلام الاعلامي انقلب بالكامل ضدنا بعد زخم السابع من أكتوبر.
- أصبحنا متهمين بجرائم حرب وجرائم إبادة جماعية تنظر فيها محكمة العدل الدولية.
- القادة من سياسيين وعسكريين ينتظرون إصدار أوامر اعتقال من محكمة الجنايات الدولية.
- بدأنا بخسارة حلفاء لنا باتوا يطالبون علناً بالمحاسبة والعقاب.
- لأول مرة يتم فرض عقوبات على مواطنين إسرائيليين (المستوطنين).
- ازدادت المطالب بالمقاطعة ووقف تصدير الأسلحة.
- لأول مرة يتم الحديث عن فرض عقوبات على وحدات من الجيش من قبل حليفنا الأكبر: الولايات المتحدة الأمريكية.
- خسرنا الرأي العالمي وباتت المظاهرات في كل أرجاء العالم تهتف ضدنا وتتهمنا بارتكاب الجرائم.
- انتفضت جامعات أمريكا ضدنا بشكل غير مسبوق.
- أردنا القضاء على الأونروا فزاد الدعم لها بعد أن فشلنا في إثبات ادعاءاتنا.
- ازداد عدد المقدمين للحصول على جوازات أوروبية 5 أضعاف عن السابق – لمغادرة البلاد.
- فشلت محاولات احتواء الحرب في غزة، فتدخل الحوثي من اليمن، وحزب الله من لبنان وإيران التي وجهت مسيراتها وصواريخها تجاهنا لأول مرة في التاريخ.
- رغم كل محاولاتنا اشتعلت الضفة الغربية خاصرتنا الأكثر إيلاماً.
- انعدم الأمان تماماً بعد السابع من أكتوبر وبعد أن تجرأ علينا ما لم يكونوا يفكرون بإطلاق رصاصة تجاهنا.
- عادت فلسطين وقضيتها للواجهة وبقوة.
- أصبح العلم الفلسطيني والكوفية وشعار فلسطين حرة رموزاً عالمية في كل دول الأرض.
- أصبحت المطالب بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة هي الطاغية على حوارات الأوروبيين رغم كل ما بذلناه ضد ذلك.
- لأول مرة في التاريخ يتظاهر يهود العالم ضدنا ودعماً لغزة، ومنهم من كتب وأعلن بوضوح.
- توقف قطار التطبيع مع العرب وتراجعت العلاقات من دول الاتفاق الإبراهيمي.
- لا نمتلك استراتيجية للخروج من رمال غزة.
- ولا نمتلك رؤية لليوم التالي لانتهاء القتال.
- فشلنا في إيجاد متعاونين معنا لإدارة غزة بعد انتهاء القتال.
- بعد 200 يوم ما زلنا نرواح في مكاننا وصورة الهزيمة عالقة في أذهاننا.
لو كنت إسرائيلياً لشعرت بالفشل والإخفاق والإحباط…
كيف لجيشنا الذي لا يقهر أن يفشل بعد 200 يوم من القضاء على بضعة آلاف من المسلحين المحاصرين والذين يقاتلون بأسلحة بدائية مقارنة بما نملك؟
كيف لنا بعد كل هذا الوقت أن لا نحقق أي إنجاز غير قتل البشر وتدمير الحجر؟
كيف لا نشعر باليأس وقد فشلنا وتجرأ علينا الجميع؟
لو كنت إسرئيلياً لكان هذا شعوري ووضعي ومكاني … الفشل والإخفاق والهزيمة واليأس والتخبط والخوف من القادم…
لو كنت إسرائيلياً لحزمت أمتعتي وغادرت على أقرب رحلة لأي مكان في العالم لأننا نواجه شعب غير قابل للهزيمة والانكسار ولو أيدتنا كل قوى العالم…
الحمد لله أنني لست إسرائيلياً…
والحمد لله أنني فلسطيني حر مؤمن بقضيته وشعبه وحقوقه، وعلى يقين أن التحرير والعودة قادمان – طال الزمان أم قصر.
ولا نامت أعين الجبناء
المصدر
د. إبراهيم حمّامي، بتصرف يسير.
اقرأ أيضا
أرض الرباط نموذج ” التصفية والتربية “
تداعيات الطوفان على الاقتصاد الإسرائيلي
دروس ووصايا من ملحمة الإباء في طوفان الأقصى