فرق كبير بين الذنب مع الحياء والاعتراف والاستغفار، والذنب مع المجاهرة والتنظيم ودعوة الناس له وإلفه حتى يتعرى عن وصف الذنب والجريمة. وفي الثانية تنزل عقوبة الله.

مقدمة

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه. أما بعد:

فلقد كنت أقرأ هذه الآية ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ (الأنفال: 33) منذ سنين عديدة وما كنت أفهم من معناها إلا أن الله عز وجل يحث عباده على التوبة والاستغفار من الذنوب، وأن ذلك سببٌ في منع العذاب وإنزال العقوبة المترتبة على فعل المعاصي والذنوب، وهذا معنى صحيح وهو منطوق الآية.

وأما المعنى الذي غاب عني طيلة خمسين عامًا فهو مفهوم الآية الذي لم يتبين لي إلا بعد أن رأيت المنكرات والمعاصي التي يُعلَن عنها، وتُفعَل جهارًا نهارًا من غير إنكار ولا استغفار؛ كما هو الحاصل في كثير من مجتمعات المسلمين، ومنها مجتمعنا في بلاد الحرمين الذي انبرى فيه أهل الفساد الذين يتّبعون الشهوات ويريدون أن يميلوا بنا ميلاً عظيماً باسم الترفيه، وباتوا يعلنون المعاصي من الغناء والرقص وإظهار عورات النساء في الحفلات المختلطة الماجنة؛ الأمر الذي لم يختلف في حرمته علماء الإسلام.

ولو أن الأمر اقتصر على فاعليه في الخفاء ولم يعلنوه ويجاهروا به، ويأتوا بهذه المنكرات في نواديهم، ويدعوا الناس إليها لكان الأمر أخف ما دام أن فاعل المعصية يستحيي ويشعر بالذنب ويستغفر.

أما أن يكون الأمر بخلاف ذلك؛ حيث المجاهرة بالمعصية والإعلان بها ودعوة الناس إليها ومعاقبة من ينكرها، فهنا مكمن الخطر، وهذا الذي فهمته من مفهوم الآية الكريمة آنفة الذكر؛ وهو أن الله عز وجل لا يعاقب الناس بمجرد وجود المعصية ما دام فاعلوها يشعرون بأنهم مذنبون، وأنهم قد ارتكبوا أمرًا محرمًا، وهذه هو ما يفهم من قوله تعالى: ﴿وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾  أي إنهم يعترفون بأنهم مذنبون، وهذا يحْدوهم الى الاستغفار والندم في وقت من الأوقات.

أما إذا أضحت المعاصي أمرًا مألوفًا لا يشعر فاعلوها بأنهم مذنبون، وأنهم قد ارتكبوا أمرًا محرمًا، وسكت الصالحون عن بيان حرمتها، حتى ألِفها الناس وقال لسان حالهم: لو أنها كانت حرامًا لسمعنا من ينكرها؛ ففي هذه الحال ـ والعياذ بالله ـ تنزل عقوبة الله عز وجل لأنهم لم يستغفروا من فعلتهم، بل إنهم شرعوها وألِفُوها، واعتقدوا حلها؛ فمن أي شيئ يستغفرون؟! عياذًا بالله من أليم عقابه.

نصائح واجبة

وهنا أوجه النصائح التالية إلى أهلي وأقاربي وإلى المسلمين عامة:

أولاً: اعتقاد حرمة ما يُفعل في هذه الحفلات الماجنة من غناء وطرب وظهور للنساء فيها شبه عاريات، وتوعية كل مسلم بأدلة تحريمها.

ثانيًا: البراءة من هذه المنكرات، ودعوة الناس لمقاطعتها، ودعوة من حضرها إلى أن يتوب من ذلك ويستغفر ربه من حضورها والسكوت عليها ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾.

ثالثًا: المناصحة قدر الاستطاعة لمن له علاقة بإقامتها، وتذكيره بالله عز وجل وبالأدلة الواردة في حرمة هذه المعاصي، ويحذره من الوقوف بين يدي الله عز وجل ومحاسبة الله تعالى له على إفساد أخلاق الأمة وأعراضها.

رابعًا: على الآباء والأزواج والأبناء والإخوان منع أبنائهم وبناتهم وزوجاتهم وأخواتهم من حضور هذه النوادي والحفلات الماجنة، وإقناعهم بالأدلة الشرعية والعقلية بحرمتها وما تؤدي إليه من الفساد وحلول عقوبة الله عز وجل بالمجاهرين بها.

قال صلى الله عليه وسلم «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».

خاتمة

وفي هذا المقام أُذكِّر بنصيحة الرجل المؤمن الذي قصَّ الله عز وجل علينا قصته في كتابه وهو يدعو قومه إلى النجاة والخير والصلاح، ويحذّرهم عقوبة الله عز وجل إن استمروا على الفساد والإفساد؛ قال تعالى عن نصيحته: ﴿وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ * وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ (غافر:30-33).

اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، والحمد لله رب العالمين.

……………………………

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة