برغم أن الملحدين هم الأدوات الأساسية للغرب، لكنهم قليلون؛ لكنهم مع قِلتهم يستطيعون أن يخوّفوا الفساق على شهواتهم، ويحشدونهم و”يحشرونهم” ضد دينهم..!

هل صارت الدياثة خلُقا قوميا..؟

سرت في ربوع كثير من مجتمعات المسلمن ظاهرة ارتداء النساء لـ “البناطيل” والملابس الضيقة التي يخرجون بها في الطرقات.. وأصبح التبرج ظاهرة مستقرة تترافق مع مواقف معادية لإقامة الدين وتحكيم الشريعة.

يتساءل المؤمنون هل صارت الدياثة خلُقا قوميا؛ حين نرى بنات المسلمين ونساءهم مجسَّمين كأنهم عرايا. بعض أو كثير من الآباء والأزواج يسجد لله في المسجد ـ وبعضهم تنتقب امرأته ـ ثم تتعرى ابنتهم..!

وبعضهم تتعرى زوجته وبناته، ولا يجد غضاضة ولا حياء ولا ألما في قلبه والعيون تنظر إليهن كأنهن عرايا.

إنها الدياثة التي حذّر منها رسول الله وتوعّد أهلها..

لقد صار الأمر خلقا “قوميا !” وظاهرة عامة وأصلا للكثير. ثمة خلل سرى في قلوب الرجال، وفي نفوس النساء.

وللضعف الشديد للدين في هذه الفترة في نفوس المجتمعات فإنهم يتججون ـ كاذبين ـ أنهم “لا يجدون ما يشترونه غير هذا العري المجسِّم”..!

وكأن هذا عذر..! وكأن ملبس العفة ممتنع..! أو كأنهم مرغمون أو يعذَّبون ليعرّوا بناتهم ونساءهم..!

فيتحمل الكذابون معصية الله، ومعصية الجهر بها، ووزر كل نظرة محرمة ينظر اليها المئات بل الآلاف، ووز من تتأثر بها فتقلدها.. وهكذا.

يفجؤك الأمر أكثر أن بعضهم تستحيي بناتهم وترغب في ملبس يتوافق مع الشريعة أو يقترب منها ! فيقول لها الأب أو الأم: أنت صغيرة..!

يرى الآباء والأزواج بنات غيرهم ونساءهم مجسمةً عارية فيتأفف للوهلة الأولى، ثم ينظر الى ابنته فيبتلع الأمر، ثم يقبل القذارة العامة لأنه قد دخل فيها، وكأنه يقول كلنا يشاهد بعضنا بعضا..!

هل ندعو الناس اليوم الى الرجولة والإنسانية قبل أن ندعوهم الى الدين..؟

دليل حاسم للحجج المتهافتة

وعموما فلأصحاب الحِجاج المتسائلين عن حرمة هذا التجسيم والمجادلين في حرمته..

فهذا أمر الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾ (الأحزاب: 59). والجلباب هو الملبس الواسع الفضفاض الذي لا يشفّ ولا يصف ولا يجسّم.

فمن خالف ما أمر الله ولم يأمر أهله بما أمرهم الله فقد ترك واجبا وارتكب محرما، فلا يسأل أين حرمة ما أفعل، فقد ترك ما أمر الله، وهو مستلزم لحرمة ما يقر عليه أهله، وأما حرمة ما يفعل أهله ـ تحت نظره ـ فلا يشك فيه عاقل، فضلا عن رجل، فضلا عن مؤمن..!

البيئة التي يريدها الفُسّاق

لا يريد الفساق أن يعيشوا حالة الفسق في بيئة يتألمون بسببها أو تؤنبهم ضمائرهم أو يلومهم أحد أو يقرّعهم، بل يبحثون عن بيئة فسق شديد لا يُنكر فيها أحد على أحد، بل يتعارفون على المنكر ويتناكرون للمعروف، وتصبح الدياثة أصلا والتعري قيمة.

ثم يتمادى الفساق بعد ذلك فيبحثون عن بيئة  “ترد أمر الله وتبدل أحكامه” لكي يكونوا مرتاحين من تأنيب الضمير فلا يبقى للدين شعلة  تضيء.

لا تظن فجرة الممثلين والمطربين وغيرهم من كُتاب ومؤلفين، ومن ينساق خلفهم من جماهير خاوية العقيدة والموقف فاقدة المناعة، لا تظنهم يريدون أن يفجروا فحسب، قد يصح هذا لبعضهم، لكن الغالب منهم لا يمانع من هذا لو سلم له طريق الفجور.

لكن عندما يرون في أحكام الله تعالى مانعا، ويرون مَن يسعى لإقامة دينه وأحكامه، عندئذ يحاربون هذا الدين صراحة ويُظهرون أحقادهم تجاهه، ويحاولون إسقاطه ليخلو لهم طريق فجرهم بلا تأنيب ولا تردد ولا ممانعة مجتمع.

وعندئذ تسقط مساحيق التجميل لتبدو لك وجوه الذئاب وأنيابهم ومخالبهم. وينادون بحرق المؤمنين حرقا.

وبالتالي يريدون أن يصبح القانون مبيحا لما حرم الله فيتعارفون على ذلك، ومحرّما لما أمر الله ومحاربا لفرائضه وأحكامه؛ فيتفقون على إنكار أو رفض ما فرض الله وأمر.

ثم تصبح بيئة الثقافة ونماذج المجتمع، نماذج النجوم ونماذج الأسرة ونماذج الشباب، كلها دافعة في هذا الطريق.

يقول ربك ﴿بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾ (سورة القيامة: 5).. يريد الإنسان ليفجر فيما يستقبل من حياته ماضيا بلا رداع.

دعك من التعلات الهاوية والحجج التافهة والعلل الساقطة عن شيطنة “الإخوان” وعن ادعاء حب “الوطن” وعن المخاوف من “التشدد” و”التطرف” وغيره؛ قف على الحقيقة. إنها إزاحة لموانع الفجور والتحلل من الأخلاق. فإنهم أصحاب راية ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ (النساء : 27).

[للمزيد: حماة الفضيلة وحلف الرذيلة (2-3) علاقة الفضائل بالعقيدة]

شواهد مؤلمة

ومن يريد شاهدا، فهل يكفي الإعلام؟ أم الإعلان؟ أم الفن تمثيلا وغناء؟ أم الشارع؟ أم المؤسسات؟ أم الجامعة؟

هل تكفي صبغة مجتمع أضحى يعاني من آثار استخدام القوة والعساكر ضد حرية المجتمع ودينه، واستخدام “شيوخ الضلالة” ضد وعيه الديني، واستخدام “النخبة القذرة” ضد وعيه السياسي وقضاياه العامة؛ واستخدام “المال الحرام” ضد مستقبله وإرادته؛ فأصبح يعاني من أسئلة مؤلمة:

هل فقَد الغيرة أم الفطرة أم الموازين أم القيم أم الدين..؟

تخويف الفُسّاق على شهواتهم

ولما كان الأمر كما وصفنا كان الفساق هم أدوات الغرب لتنفيذ الانسلاخ من الدين.

فبرغم أن الملحدين هم الأدوات الأساسية للغرب، لكنهم قليلون؛ لكنهم مع قِلتهم يستطيعون أن يخوّفوا الفساق على شهواتهم، ويحشدونهم و”يحشرونهم” ضد دينهم..!

الفرق بين من يقع في الفتنة ومن ينجو منها ويستعلي عليها

وفي مواقف الفتنة فثمة فُسّاق علم الله من قلوبهم “خبث طويّة”؛ فيقفون مواقف الفتن ويقعون فيها، فإن رأوا أن شهواتهم لا تتم إلا بمحادة هذا الدين، قاموا بمحادته ورده ومحاربته وشقاقه” فـ “يشاقّون الله ورسوله”.. وهذا كثير اليوم. فينتقلون من معسكر “عصاة وفساق” الى خندق “محاربين لدين الله”.

وثمة عصاة لم يكن عندهم “خبث طوية”، فعندما يجدون أن طريق شهواتهم لا يتم إلا بموالاة الكفار وتبديل الشرائع ونصرة الإباحيين ومحادة الله، عندئذ يرفضون موقف الفتنة ويعتصمون بدينهم ويستعلون على شهواتهم.

ومن وقع منهم في غفلة أفاق سريعا.

الفساق هم محل اهتمام ومتابعة الغرب الصليبي التاريخ والشعور، الملحد العقائد، الإباحي المأخذ.

وهم أيضا محل طمع الطغاة؛ فثمة شهوة يُطمعونهم في قضائها إن حافظوا على الخضوع للطغاة فيخضعوا..!

وأما من سقط في الفتنة من “أهل الطاعة” فقد كانوا قبلها أهل رياء، كما جاء في الحديث أن عملهم هو «فيما يبدو للناس»؛ فلما جاءت الفتنة ظهر للناس حقيقة الحال.

وآخرون أُتُوا من قِبل آفة التقليد والتعصب.

وآخرون علموا أن عباداتهم وطاعاتهم كانت مدخولة أو لهم خبيئات خبيثة أو مواقف مجرمة جُوزوا بها ولو بعد حين حين سقطوا في فتنة عرضت، وكان أن صرخ بهم صارخ أن هلمّوا لا تقعوا في الفتنة لكنهم سقطوا “وهم يجمحون”..!

كيفية النجاة بالناس وإنقاذهم

من هنا ينبغي الالتفات لكيفية الخروج “بالناس” من الفتنة. إن الوعي السياسي وحده غير كافٍ. دورُه محوري؛ لكن لا يكفي
فكثير ممن قام بالتضليل السياسي وتغييب الوعي كانوا ممن صنع الفتنة، وكثير ممن أعطى شرعيةً للمجرمين هو داخل في صناعة الفتنة أيضا وعلى “بصيرة..!”

فالعلم الشرعي وحده، أو الوعي السياسي وحده لا يكفي، فكلهم حاجج بحججه؛ إذ حاجج السياسي وهو يعلم أنه يكذب على الناس، وحاجج الشرعيّ بحججه وهو يعلم أنه يكذب على الله..!

لكن التساؤل هنا أين القلب..؟ فدوره حاسم.

لا بد من الوعي، السياسي والشرعي، ولا بد معه من الموعظة، موعظة ليست قائمة على “الشحتفة”، و”مصمصة” الشفاه واعتماد “بحّة” الوعاظ لاستدرار الدموع المؤقتة من العيون.

إنما لا بد من موعظة تعتمد على التفكر ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ﴾ (الأنعام:50).

لا بد من تحريك القلوب لتعظيم الله وأن ترجوا لله وقارا، وأن تعظم كلامه والتكلم عنه والإخبار عنه بما يَرضَى وبما يَسخَط..

ولا بد من خوف الموت وسكراته، والرغبة عن الدنيا الراحلة والرغبة في الآخرة المقبلة، والانشغال بالبرزخ وحال أهل القبور، وحال القيام لرب العالمين، والموعد القادم الذي لا بد من ملاقاته، وأنه سينبئنا بما عملنا.

لا بد من الاستيقان والانشغال بعالم الجنة ووعدها، وعالم النار ووعيدها.

لا بد من الربط بين المواقف السياسية وبين الآخرة والمصير فيها، هذا مع علو الهمّة ومضاء العزيمة الذي لا غناء عنه..

وبهذا قد يكون للوعاظ مسلك يؤثر في الناس ويخرجهم من ورطتهم.

فإذا علموا “العقيدة” عرفتها قلوبهم ولم تنكرها إذ قد رسخت معانيها، وإذا جاءهم “الوعي السياسي” وجد محلا قابِلا.

ماذا يريد الفُسّاق..؟

يريد الفساق أمورا؛ أبرزها ثلاثة:

(1) تَرَفا منسيا ومطغيا. وهو ترفٌ قد يفوق قدرة الإنسان على الاستمتاع، والمتعة فيه قليلة والأغلب فيه للصور من أجل التفاخر ومكاثرة الآخرين. صورته وهو يستمتع أكثر أهمية من الاستمتاع نفسه؛ ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ﴾ (الحديد:20).

(2) الغيبوبة عن العالم وطلب الانتشاء الكاذب؛ فتكون الخمر والمخدر بأنواعه، ما بين أثمن الأنواع بأغلى الأموال، وبين أحط ما تتصور.. المهم الوصول الى الغيبوبة والانتشاء الكاذب واللذة المطربة المؤقتة.

ثم يفيقون جميعا على آلام واقعهم وفراغ حياتهم وآلام البِعاد عن رب العباد.

(3) كل التبرج والميوعة والتسكع، كل “المُوضات” والأغاني والكلمات والرقص، القصص والأفلام والروايات.. كلها تحوم حول الوصول الى محل خلق الإنسان، “الرحم” بطريقة محرمة؛ فيصل إليه فاسق ليقضي وطرا مهينا، وتفرّط فيه مستهترةٌ فتهين مخلوقا قادما لا ذنب له.

هذا محل مقصودهم، لقضاء شهوة تنقضي وتنتهي في لحظة عابرة، ليدمروا حياة إنسان قادم؛ لا يرحمونه فيجيء من حرام، ولا يرحمونه فيتدافعون نسَبه، ولا يرحمونه فيُلصقون به وصمة عارٍ لا تزول وبلا ذنب، ولا يرحمونه فيحاولون قتله، ولا يرحمونه؛ فيتجنبون وجوده قبل أن يأتي. ولو أتى جاء بعار، فيخفونه أو يتناكرونه.

ولا يرحمون غيرهم؛ فكم من قتلٍ ودمٍ يحوم حول هذه الجريمة، قتل لزوج أو لمولود أو لغيرهم.. وكم من عار وخزي يلحق بهم وبأناس لا ذنب لهم.

لا يرحمون المخلوق القادم ولا يرحمون المجتمع، فإذا شرع الله لهم الرجم قالوا أن الشرع لا يرحمنا!

فمن الخليق بانعدام الرحمة، ومن المانع من استمتاع الناس برحمة الله تعالى التي أنزلها..؟

[للمزيد: ضعف تحمّل الفطرة للشهوات .. دلالة على وظيفتها]

الفرق بين الموجة العابرة، والاتجاه الصاعد بنصر الإسلام

تعتمد الأنظمة العلمانية العتيقة منها، وحديثة الظهور، على البداية بالبطش والقهر وموجات العنف المستأصِل.. فتقتل وتعدم خيرة الأمة وخيرة الأبناء والعلماء والكفاءات.

وهذا له تأثيره، فقد اهتزت المجتمعات عقب موجات البطش، واختلّت فيها قيم وعقائد؛ بينما ثبتت فئة مخلصة وهي تلك الفئة التي من شأنها أنها تمثل “الصفوة المؤمنة” في المجتمع والتي تفيء إليها الجموع ولو بعد حين.

لكن هذا لا ينفي أن هذه الموجة تقتنص من الناس فريقا أو جيلا، تفترسه الى النار حيث سقط في الفتنة.

تفترس موجة الفتنة قطاعات هشة جدا، لا مناعة لديها، لا مناعة عقدية ولا مناعة خُلقية أو قيمية، يستطيع أي رمز ـ فاسق أو فاسقة ـ أن يعرّوهم أو يُلبسوهم ما يشاؤون أو يغيروا قيمهم ومفاهيمهم الى حيث أرادوا..!

ثمة جموع تنبت في زمن الفتنة، أو تُناسبها الفتنة..! وتراها فرصة للانعتاق من دين وأخلاقٍ تراها قيودا..! تنسى ما حدث في القريب ـ وما زال يحدث ـ من بطش وظلم، وتستهتر بالقيم والأخلاق، وتكون معولا في يد المجرمين لتغيير المجتمع وتأصيل هذا التغيير فيه بالانحلال.

ييأس البعض أو يحبطون من موجات التعري والانحلال والاختلال القيمي للمجتمع؛ ولكن يجب أن يعلموا أن الأمور بيد الله، وأن الله قدّر فتنة لقلوب علم تعالى ما فيها؛ تنتظمها الآية الكريمة ﴿فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ * مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ﴾ (الصافات: 161 – 163) فقد كتب تعالى من الفتنة ما كتب، وذرأ الى النار من ذرأ.

وإن هذه الموجات لتقنُص قلوبا، وتؤذي المؤمنين، وتجرح الأمة؛ ولكن يجب على المؤمن والمؤمنة وهم يتمسكون بهذا الدين، عقائد وأخلاقا، قيما وسلوكا، اهتماما وقضايا؛ أن يعلموا أن الموجة التي تقتنصها الجاهلية غير اتجاه التيار الهادر واتجاه مجرى النهار..

فالاتجاه للإسلام والفطرة، وستفيء إليكم الجموع يوما؛ تدلّونها على الخير ويسعدون بكم؛ فلا تتفلت أيديكم ولا تهِن عزائم مؤمن.

………………………………

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة