من رحمة الله تبارك وتعالى أن فاضل بين الأزمنة، فاصطفى واجتبى منها ما شاء بحكمته، قال عز وجل: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ..﴾ [القصص: ٦٨] وذلك التفضيل من فضله وإحسانه؛ ليكون عوناً للمسلم على تجديد النشاط، وزيادة الأجر، والقرب من الله تعالى.
وصايا عشر لأيام العشر من شهر ذي الحجة
وهي مأخوذة من نصوص الوحي كتابا وسنة، فخذوها هدية بلا منة ..
-
● وأولها:
أن تعظيمك لهذه العشر هو تعظيم لمن عظمها وأعطاها هذا القدر، فأقسم – سبحانه بها في سورة الفجر، فقال: (وَٱلۡفَجۡرِ * وَلَيَالٍ عَشۡر * وَٱلشَّفۡعِ وَٱلۡوَتۡرِ) [الفجر:1-3].
_ وفيما صح عند أحمد: “إنَّ الْعَشْرَ عَشْرُ الأضْحَى، وَالْوَتْرَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّفْعَ يَوْمُ النَّحْرِ”1(1) رواه أحمد مرفوعا برقم [١٤١٠٢]..
-
● ثانيها:
تعظيمك لها برهان على تقواك لمعظمها الذي قال: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32].
فاستشعر وأنت تعظمها أن ربك قد أخذ عليك فيها ميثاق العبودية وأنت في ظهر أبيك آدم في عالم الذر، كما قال سبحانه: (وإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهم وأشْهَدَهم عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا) [الأعراف:١٧٣].
_ وقد جاء عن ابن عباس مرفوعا:
[إن اللهَ تعالى أخذ الميثاق من ظهر آدم بنُعمان يوم عرفة، وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلا، قال: (ألَستُ بربكم؟ قالوا بلى)2(2) رواه أحمد وغيره بسند صحيح (صحيح الجامع:١٧٠٢)..
-
● ثالثها:
استحضر جلالها لاقتران أجل أيامها بيوم البعث في قسم الجليل سبحانه حين قال: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) [البروج: ١_٣] وقد صح أن (اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة)3(3) [صحيح الجامع:٨٢٠٠].
-
● رابعها:
أكثر الذكر والشكر والدعاء في أيامها ولياليها سرا وجهرا، فرديا وجماعيا، كما قال الله تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ) [الحج: ٢٨].
قال ابن عباس: “الأيام المعدودات” أيام التشريق، و”الأيام المعلومات” أيام العشر.
ولذلك كان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما4(4) [رواه البخاري]..
-
● خامسها:
لا تضيع أزمانك فيها، ولا تفرط في العمل الصالح بأيامها ولياليها، لأن أيامها خير أيام الدنيا، كما قال عليه الصلاة والسلام: (مَا مِنْ أَيَّامٍ، الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تعالى، مِنْ خَيْرٍ تَعْمَلُهُ فِي هَذِهِ الأيام الْعَشْرِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ)5(5) [رواه البخاري: 969]..
-
● سادسها:
تعميرك لأوقاتها بأن تكون من الذاكرين المكثرين، يجعلك مطيعا تبيعا لسيد الأولين والآخرين الذي قال: (فأكثرو فيهن من التسبيح والتهليل والتكبير)6(6) [رواه أحمد، وصححه الشيخ أحمد شاكر]..
-
● سابعها:
إذا لم تكن هذا العام ممن أحرموا بالحج والعمرة؛ فتعبد الله بشيء مما يتعبد به المحرمون، وذلك إذا عزمت على الأضحية؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ، فَإِذَا أُهِلَّ هلال ذِي الْحِجَّةِ، فلا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا، حَتَّى يُضَحِّيَ)7(7) [رواه مسلم]..
-
● ثامنها:
صم التسع من أيامها إن استطعت، فقد صح عَنْ أمِّ المؤمنين حَفْصَةَ رضي الله تعالى عنها أنها قَالَتْ: (أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صِيَامَ عَاشُورَاءَ، وَالْعَشْرَ، وثلاثة أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْــرٍ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ.)8(8) [رواه النسائي وأبو داود بسند حسن، وصححه الألباني: ٢٤١٦]..
وصوم يوم عرفة خاصة سنة مؤكدة، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (صِيامُ يومِ عَرَفَةَ، إِنِّي أحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنَةَ التي قَبلَهُ، والسنَةَ التي بَعدَهُ)9(9) [أخرجه مسلم:1162]..
واقرن صيامك فيه بالذكر والدعاء، كما جاء في الحديث: (أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لا إله إلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ)10(10) [رواه مالك والحاكم بسند حسن]..
ولا تنس في دعائك والديك وأرحامك ومن له فضل عليك من الأحياء والموتى، ولجميع المسلمين، وبخاصة المستضعفين المظلومين، فقد صح أنه: (إذا دَعا الرَّجُلُ لِأخيه بظَهرِ الغَيبِ قالتِ المَلائِكةُ: آمينَ، ولكَ بمِثلٍ)11(11) [رواه أبو داود بإسناد صحيح:١٥٣٤]..
-
● تاسعها:
اشتر نفسك بعتق رقبتك، سواء أكنت حاجا أو لم تكن من الحجيج، فقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ يَوْمٍ، أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الملائكة فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاء)12(12) [رواه مسلم:٧٠٩٤]..
وإن كنت لم توفق بعد للوقوف مع الحجيج يوم عرفة، فأنت بصيامه ستخرج مثلهم من ذنبك كيوم ولدتك أمك، كما بشر البشير النذير عن الرب الجليل، حيث قال صلى الله عليه وسلم: “صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده”13(13) [رواه مسلم:١١٦٢]..
-
● عاشرها:
كن سعيدًا باتخاذ هذا اليوم وما بعده عيدا، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الإسلام، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وذكر لله تعالى)14(14) [أخرجه أحمد وابو داود والترمذي بسند حسن صَحِيحٌ:٧٧٣]..
ومن مظاهر التعظيم لها والفرح بها، ذبح الأضحية في ضحاها بعد صلاة العيد لمن وجد سعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض، فطيبوا بها نفسا)15(15) [أخرجه الترمذي بإسناد صحيح:١٤٩٣]..
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
الهوامش
(1) رواه أحمد مرفوعا برقم [١٤١٠٢].
(2) رواه أحمد وغيره بسند صحيح (صحيح الجامع:١٧٠٢).
(3) [صحيح الجامع:٨٢٠٠].
(4) [رواه البخاري].
(5) [رواه البخاري: 969].
(6) [رواه أحمد، وصححه الشيخ أحمد شاكر].
(7) [رواه مسلم].
(8) [رواه النسائي وأبو داود بسند حسن، وصححه الألباني: ٢٤١٦].
(9) [أخرجه مسلم:1162].
(10) [رواه مالك والحاكم بسند حسن].
(11) [رواه أبو داود بإسناد صحيح:١٥٣٤].
(12) [رواه مسلم:٧٠٩٤].
(13) [رواه مسلم:١١٦٢].
(14) [أخرجه أحمد وابو داود والترمذي بسند حسن صَحِيحٌ:٧٧٣].
(15) [أخرجه الترمذي بإسناد صحيح:١٤٩٣].
المصدر
د. عبدالعزيز كامل.
اقرأ أيضا
خير أيام الدنيا .. ماذا يشرع فيها؟