كم من حرب مقامة ضد مصطلحاتٍ بعينها، والحقيقة المقصودة هي حرب الإسلام، ومن ذلك ما يزعمونه من حرب “الوهابية” والتخلص من تراثها..!

مَحجة بيضاء

ترك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمته على المحجة البيضاء، وترك خير القرون؛ قرنه، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه.

ثم حمل هذا العلم عن كل سلفٍ من يخلفهم، وقيّض الله تعالى أئمة العلم يحملونه، حتى صارت طبقات السلف طبقة تتلو أخرى لتحمل هذا النبع صافيا؛ من طلبه ـ بصفائه نقيا لم يتلوث ـ وجده؛ فكانت طبقات الأئمة من مالك الى الشافعي الى أحمد والبخاري، ثم الى ابن تيمية وابن القيم وابن كثير والذهبي، ثم الى المدرسة الوهّابية من علماء نجد الكرام، الى امتدادها من المعاصرين ممن حافظ على علم السلف نقيا صافيا بعيدا عن علم الكلام وقواعد الفلسفة والمنطق.

نبرة العداء المتصاعدة

ومع الهجمة الأخيرة منذ (11) سبتمبر، ثم منذ انتكاس “الثورات العربية”، والغرب في تحفز شديد وعداء متصاعد ضد الإسلام ومفاهيمه عموما، وضد “الدعوة الوهابية” خصوصا..

ثم أخيرا مع التبدّلات الأخيرة في المملكة وما جاورها في مصر والعراق سوريا؛ والضغط يزداد للانسلاخ من إرث الدعوة الوهابية والمفاهيم الشرعية التي أرْستها ـ بغض النظر عن خطأ بعض الممارسات.

بدأت تعلو نبرة المفهوم الأشعري للإسلام، بما يحمل من اتجاهات علم الكلام وبقايا الفسلفة كما قال أهل العلم.

وبجانب هذا بدأت تعلو نبرة “التصوف” بخرافاته وأباطيله وممارساته المبتدعة بل والشركية، بل والتصوف الفلسفي اللصيق بالشرك (الفلسفة الإشراقية والغنوصية)؛ أيضا كبديل عن الإسلام الصحيح الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

وفي هذا السياق كان مؤتمر “جوروزني” ثم مؤتمر رابطة العالم الإسلامي بمكة، لتذويب الفروق وتحقيق الانسلاخ المطلوب من الإسلام.

[للمزيد: لا تقم فيه أبدا .. مخاطر مؤتمر “مخاطر التصنيف والإقصاء”]

ومن ثم نلقي نظرة على هذه الدعوة الشريفة، وننظر الى نظرة الغرب نفسه لها وأنه يواجهها كمواجهة للإسلام نفسه؛ وهذه بعض كلماتهم التي إذا جمعتها مع هجومهم عليها اليوم ومطالبتهم بتجفيف منابعها تعرف لماذا هذه الهجمة على الإسلام والتي تتغطى بأردية مختلفة كأن المسلمين إذا تركوا هذا الرداء دون ذاك رضوا عنهم..! وهي الخدعة الكبيرة التي لا زالوا يمارسونها دون كلل، ولا زال المسلمون يُخدعون دون ملل أيضا..؟!!

[للمزيد: الغزو المصطلحي (1-2) دلالة المصطلحات على مفاهيم الأمم]

صيحات وحقائق

قائمة اتهامات تتعالى نبراتها.. “علماء الوهابية شرعنوا للقتل”، “الوهابيون صدروا الإرهاب للعالم”، “الوهابية كانت خلف أحداث الـ (11) من سبتمبر”، “الوهابية تدعم الاقتتال الطائفي”، “الوهابيون الوجه المتشدد للسلفية”، وقائمة طويلة من الاتهامات الموجهة للوهابية.

“إذا كنت تظن أن الوهابية التي يتحدث عنها السياسيون والكتاب الغربيون محصورة فيما دعا إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتبه وأحاديثه ودروسه، أو أن الوهابيين هم فقط أولئك الذين وافقوا الشيخ فيما دعا إليه، فأنت مخطئ. الوهابية عند هؤلاء هي وصف لكل أخذ لدين الإسلام مأخذ الجد.

مَنِ المسلمُ غير الوهابي إذن؟ هو المسلم الذي يفهم القرآن فهمهم لكتبهم، ويطبق دينه تطبيقهم لدينهم، ولا يعترض على شيء من ثقافتهم، ولا يدعو إلى مناهضة شيء من سياستهم حتى لو كان يراها ظالمة وضارة ببلده، ولا ينبس ببنت شفة عن كلمة اسمها الجهاد. إن كل من يفعل هذا عدو لهم؛ لأنه يعرقل ما يعدونه مصلحة وطنية لهم”. (1موقع صيد الفوائد، على الرابط:
المفهوم الغربي للوهابية
)

“لم يخلُ قرن من القرون التي كثرت فيها البدع من علماء ربانيين يجددون لهذه الأمة أمر دينها بالدعوة والتعليم وحسن القدوة، وعدول ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، كما ورد في الأحاديث.

ولقد كان الشيخ “محمد بن عبد الوهاب النجدي” من هؤلاء العدول المجدِدين، قام يدعو إلى تجريد التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده بما شرعه في كتابه وعلى لسان رسوله خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، وترك البدع والمعاصي وإقامة شعائر الإسلام المتروكة، وتعظيم حرماته المنتهَكة المنهوكة”. (2مدونات الجزيرة، 2/10/2017، على الرابط:
“هل كان محمد بن عبد الوهاب داعشيّا؟”
)

محمد بن عبد الوهاب في خطى الأئمة الأربعة

“إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يبتدع شيئا جديدا في أصول الاعتقاد؛ بل مشى في خطى الأئمة الأربعة، واستقى علمه ومنهجه وعبادته منهم ، وهو ـ  في ذلك ـ لم يفعل سوى “إعادة تحرير” عقيدة هؤلاء الأئمة العظام التي آمنوا بها وجهروا بها.

والبرهان على ذلك هو: عقيدة الشيخ التي آمن بها ودعا إليها وكافح في سبيلها؛ يقول:

“أُشهد الله ومن حضرني من الملائكة، وأُشهدكم؛ أني أعتقد ما اعتقده أهل السنة والجماعة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث والموت، والإيمان بالقدر خيره وشره.

ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله من غير تحريف ولا تعطيل؛ بل أعتقد أن الله ﴿ليس كمثله شيء﴾؛ فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه، ولا أحرّف الكلم عن مواضعه، ولا أُلحد في أسمائه وآياته، وأعتقد أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدا وإليه يعود، وأُؤمن بأن نبينا محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاتم النبيين والمرسلين؛ لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته.

وإذا بانت لنا سنة صحيحة من رسول الله عملنا بها، ولا نقدّم عليها قول أحد كائنا من كان، بل نتلقاها بالقبول والتسليم لأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صدورنا أجلّ وأعظم من أن نقدم عليه قول أحد؛ فهذا الذي نعتقده وندين الله به.

وأعتقد أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. وأتولى أصحاب رسول الله، وأذكر محاسنهم، وأعتقد فضلهم، وأترضّى عن أمهات المؤمنين المطهَّرات من كل سوء، وأُقر بكرامات الأولياء .
إن عقيدتي وديني الذي أدين الله به: مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين؛ مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة.

هذه عقيدة موجزة حررتها لتطّلعوا على ما عندي، والله على ما أقول شهيد”. (3موقع “صيد الفوائد”، على الرابط:
مقال “محمد بن عبد الوهاب على خطى الأئمة الأربعة”
)

حقيقة الدعوة الوهابية في أعين مخالفيها

دائرة المعارف البريطانية
جاء في دائرة المعارف البريطانية . وهي تتكلم عن الوهابية ما يلي:

“الوهابية: اسم لحركة التطهير في الإسلام . والوهابية يتبعون تعاليم الرسول وحده. ويُهملون كل ما سواها. وأعداء الوهابية هم أعداء الإسلام الصحيح”. (4مقال “الشيخ محمد بن عبد الوهاب المجدد المفترَى عليه” على موقع المكتبة الشاملة، على الرابط:
الشيخ محمد بن عبد الوهاب المجدد المفترى عليه
)

ولعل من أبلغ ما وصف به حال العالم الإسلامي ما خطته براعة المؤرخ الأمريكي (لوثروب ستودارد) في كتابه (حاضر العالم الإسلامي) حيث يقول:

“ولم يكن للإصلاح الذي بدأ هدف  سوى إعادة شريعة الرسول الخاصة إلى سابق عهدها.

وحارب تقديس قبور الأولياء؛ فحمل أنصاره على هدمها.

وحارب ابن عبد الوهاب ما كان يعيبه على التُرك من فساد الأخلاق.

وحارب تعاطي المسكرات.

ومما ذكَّر الناس به هو أن الشريعة تأمر المسلمين بأن يؤتوا الزكاة  وتحرّم عليهم الزينة وتلزم القضاة بالنزاهة التامة.

ومما عني به على الخصوص إبقاء روح “الجهاد” في قومه لما أدى إليه الجهاد من نصر عجيب منذ قرون.

وهو لموافقته تعاليم الإسلام الصحيحة؛ كان بالغ الأثر لمبادئه فصار صناديد قبائل ينضمون إلى لوائه، أفراداً وأرسالاً.

فخلع على دين محمد، صلى الله عليه وسلم، رونقاً جديداً، وبدّد الخرافات التي زالت مع الزمن فأظهر القرآن خالياً من جميع ما عُزى إليه من الشوائب.

وما لبثت النفوس التي أرهقتها شروح أئمة المسلمين المطوَّلة الغامضة أن رجعت إلى بضعة مبادئ عامة بسيطة واضحة، فتقبلت خطط ابن عبد الوهاب الإصلاحية بقبول حسن”. (5مجلة البيان، صفر – 1408هـ (السنة: 2).)

“قال برنادلوس في كتابه “العرب في التاريخ” ما يلي :

“وباسم الإسلام الخالي من الشوائب الذي ساد في القرن الأول؛ نادى محمد بن عبد الوهاب بالابتعاد عن جميع ما أضيف للعقيدة والعبادات من زيارات باعتبارها بدع خرافية غربية عن الإسلام الصحيح.

قال شيخ المستشرقين ـ جولد سهير ـ في كتابه “العقيدة والشريعة” ما يلي:

وإذا أردنا البحث في علاقة الإسلام السُني بالحركة “الوهابية” نجد أنه مما يُسترعي ـ خاصة من وجهة النظر الخاصة بالتاريخ الديني ـ الحقيقة التالية:

يجب على من ينصّب نفسه للحكم عن الحوادث الإسلامية أن يعتبر “الوهابيين” أنصاراً للديانة الإسلامية على الصورة التي وضعها النبي والصحابة. فغاية “الوهابية” هي إعادة الإسلام كما كان.

قال المستشرق “جب” الإنجليزي في كتاب “المحمدية”:

«.. وفي جزيرة العرب قام حوالي (1744) م (1157) هـ “محمد بن عبد الوهاب” مع أمراء الدرعية آل سعود بتحقيق الدعوة إلى المدرسة (المذهب) الحنبلية التي دعا إليها ابن تيمية في القرن الرابع عشر..»”. (6موقع “صيد الفوائد” على الرابط:
ما قيل في الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله
)

عدو خبيث

يجب ألا يجر المسلمين الى الدفاع عن أنفسهم من موقف ضعف، تهمٌ يكيلها عدوّ خبيث، قد ارتكب ولا زال يرتكب؛ أبشع ما يتصوره الناس؛ لكنه فقط لم يجد من يفضحه ويفضح قبحه وشراسته ونفاقه وإجرامه. إذ القدرة الإعلامية تابعة لموازين القوى..!

دين محمد، صلى الله عليه وسلم، هو كما أنزله الله؛ معانيه واضحة ودلالاته قاطعة، وأصوله محفوظة؛ فمن أراد الابتعاد عنه فلا يدعي أنه ما زال على دين؛ بل ليهلك الهالك عن بينة، ويحيا من حيّ عن بينة، والله يفصل بين عباده يوم القضاء.

لكن دور الأمة اليوم ـ وكل يوم الى يوم القيامة ـ أن تحفظ الطريق لها وللبشرية وللأجيال القادمة؛ فإذا طلبه طالب للهداية وجد أمةً قد حفظت له الطريق بعون ربها تعالى.. وتلك مهمة جليلة.

………………………………………..

الهوامش:

  1. موقع صيد الفوائد، على الرابط:
    المفهوم الغربي للوهابية 
  2. مدونات الجزيرة، 2/10/2017، على الرابط:
    “هل كان محمد بن عبد الوهاب داعشيّا؟”
     
  3. موقع “صيد الفوائد”، على الرابط:
    مقال “محمد بن عبد الوهاب على خطى الأئمة الأربعة”
  4. مقال “الشيخ محمد بن عبد الوهاب المجدد المفترى عليه” على موقع المكتبة الشاملة، على الرابط:
    الشيخ محمد بن عبد الوهاب المجدد المفترى عليه
  5. مجلة البيان، صفر – 1408هـ (السنة: 2).
  6. موقع “صيد الفوائد” على الرابط:
    ما قيل في الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة