تبدو الخطورة كبيرة في قيادة السياسيين العلمانيين المنفلتين من عقال الدين والعقيدة والثوابت؛ إذ يتاجرون بقضايا المسلمين ويضحّون بها من أجل الكراسي، وقد أمرنا الله أن نقول لهم قولا بليغا مما أنزله تعالى.

الخبر

” أعلن السودان، الثلاثاء، (18/8/2020) عزمه تطبيع العلاقات مع إسرائيل. جاء ذلك في مؤتمر صحفي للمتحدث باسم الخارجية السودانية الخائن “حيدر بدوي”، بعد 5 أيام من إعلان الإمارات عن اتفاق تطبيعي مع إسرائيل.

وقال الخائن: “إن لقاء رئيس المجلس السيادي “عبد الفتاح البرهان” مع رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، قبل أسابيع، كان “خطوة جريئة فتحت الباب أمام اتصالات يمكن أن تتم بين الطرفين”.

وأشار إلى أن “الاتجاه نحو إقامة علاقات مع إسرائيل ليس بالجديد وسبقنا إليه وزير خارجية النظام البائد إبراهيم غندور”. وتابع: “تطبيعنا مع إسرائيل سيكون مختلفا ومن نوع فريد ولا يشبه الدول الأخرى”.

وقال: “السلام مع إسرائيل والتطبيع معها يسوقنا لنفي تهمة الإرهاب عنا”. وقال: “إسرائيل ستستفيد من السودان، ونحن سنستفيد منها ويجب التعامل ندا بند، إسرائيل ستستفيد منا فائدة عظيمة، وأن السلام معنا أهم لإسرائيل من السلام مع مصر.

وأضاف: “دبلوماسية الثورة يجب أن تكون مختلفة ولم يعد هنالك إمكانية للكتمان ولابد من خطط واستراتيجيات لنتقدم للأمام”. وأضاف أنه “ما من سبب لاستمرار العداء بين السودان وإسرائيل”، مضيفا: “لا ننفي وجود اتصالات” بين البلدين.

وأثنى الدبلوماسي الخائن على خطوة الإمارات الإجرامية بتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، واصفا إياها بـ”الجريئة والشجاعة التي ترسم خط السير الصحيح لباقي الدول العربية”. (1موقع “الأناضول”: السودان يعلن عزمه التطبيع مع إسرائيل
والموقع نفسه: السودان.. خلاف بين وزير الخارجية ومتحدث الوزارة حول التطبيع
المصريون: دولة عربية جديدة تتخذ قرار التطبيع مع إسرائيل
)

التعليق

ما وصلت اليه عروض التطبيع مع الصهاينة أمرٌ مخزٍ وفاضح؛ فإن الدول باتت تعرض ثرواتها ومقدراتها لتكون هي المنهوشة والمنهوبة للصهاينة؛ لاسترضائهم واسترضاء النصارى الصليبيين في الغرب؛ لقد بات الأمر أشبه بالبغايا يعرضن لحومهن ويتنافسن على الزبون نفسه ليختار هذه ويترك تلك، أو يأخذ هذه بجانب تلك..!

وما قام به هذا المسؤول مُهين لكل مسلم وعربي وعلى الأخص أهل السودان. لكن بكل وضوح إنه ليس وحده فثمة دول أخرى تعرض أيضا لحومها ومقدراتها على الصهيوني ليختار العدو أيا منهن تكون لها الحظوة بالأنياب الصهيونية وبشرف الخيانة للإسلام وأهله وللتاريخ ولقضايا أمة محمد، صلى الله عليه وسلم..! فالبحرين وعمان والسعودية تنتظر دورها؛ إضافة الى السودان المتطوع بالجريمة..!

وأكثر من سياسي مطلع ـ مؤيد للخيانة وآخر رافض لها ـ يتكلمون عن إقدام المنطقة على أمور مفصلية ومواجهات كبيرة؛ وجعلوا هذا عذرا لهم واتخاذا للحيطة..! أو تفسيرا للخطوة.

إن السياسيين المنفلتين من عقال دين الله، وإن السياسيين اللادينيين الذين لا يرون قيدا مما أنزل الله؛ سيبقون تائهين بلا انتماء، ولن يُصلحوا شيئا بل سيزيدون الأمة فسادا وخبالا..

وقد أمرنا الله تعالى في مواجهة هؤلاء الذين يقودون الأمة الى مهالك جديدة وخسائر لا حصر لها، ومع ضعف المسلمين؛ أن نواجههم ـ ولو في هذه المرحلة ـ بقول بليغ يصل الى نفوسهم؛ فقال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ (النساء: 63)

ولا نجد أبلغ مما أنزل الله ليصل الى نفوسهم؛ إعذارا الى ربنا ولعلهم يتقون ويستدركوا بعض الخسائر ويتوقفوا قبل الانهيار.

إن التطبيع ولاء للكافرين، ومظاهرة لهم، وإقرار على ما اغتصبوه من بلاد المسلمين وعلى ما أقاموا من شعائر الكفر. وإن موسم التساقط في ولاء الكافرين والهجرة الى الصهاينة، ودعوتهم للتمتع بمقدرات الأمة طلبا لرضا سيدهم النصراني الصليبي الغربي هو طلب لبقاء الكراسي ولطلب العزة وأمن الجانب. وقد قال تعالى فيهم: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾..

ثم سألهم ربنا تعالى عن قصدهم ودافعهم؛ فقال: ﴿أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ﴾ وهذه تعرية للحقيقة ووقوف على المقصد؛ فكان الجواب الإلهي وبيان طريق العزة فقال ﴿فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ (النساء: 138-139)، وقال ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ (فاطر: 10) فهو تعالى الذي يملك العزة ويمنحها.

وتواضعات الأرض مؤقتة والتغيير بيد الله، ولو استقاموا لتغيّرت الأمور في صالحهم، ولهذا صرح بهذا المعنى في موطن آخر ذكر فيه الجريمة نفسها: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ﴾. والمقصود بالمسارعة فيهم: المسارعة في ولائهم والركون اليهم والالتجاء اليهم والحماية بهم؛ فقال: ﴿يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ﴾ والدائرة هي الهزيمة والضعف السياسي والعسكري فيضعف خندق المسلمين لعارض ما؛ فردَّ تعالى عليهم أن المقادير بيده، وأن الغد مشحون بأحداث لا يعلمها غيره فالغيب لله وحده، وأن ما يرونه اليوم لم يخرج عن قبضة الله وتدبيره، وأن التغيير يحدث في أي لحظة، وأن من ألزمهم بشرعه ودينه هو الخلاق المقدر للأمور فالأمن في جنابه لا جناب غيره، والتغيير بيده لا بيد غيره؛ فكيف يلجأون لسواه أو يطيعون غيره؟ فإن لجأوا فسيندمون في غدٍ حيث تكون الكَرَّة للمؤمنين بعد هذا الابتلاء العارض ﴿فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ (المائدة: 51-52).

وأما الخوف الذي يشغلهم؛ فقد خاف مَن قبلهم ورد الله عليهم بذكر صورة عملية تحققت بأمره، ومن حقق الأمان لهم في صورةٍ ما قادرٌ سبحانه أن يحققه لهم بصور شتى بما يخلق وما يقدّر وبما يصرف من همم ويفسخ من عزائم ويهدي قلوبا ويفتح لعباده من القوة وآفاقها: ﴿وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (القصص: 57).

وضرب لنا مثلا فيمن خوَّفهم الناس ليكون الثمن هو الدين؛ فكان التصرف الأصوب ليس الاستجابة الى عوامل التهديد والتخويف بل التوكل على رب العالمين والالتجاء اليه؛ وقد فازوا وعُوفوا: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ (آل عمران: 173-174)

ولما أخرج الله هذه الأمة للعالمين علم تعالى أن البشر سيكيدون لها من كل صوب وبأهواء شتى، ولهذا لما أخبر بإخراج هذه الأمة وتسميتها في الكتاب الأول باسم الإسلام، أمرنا بالتزام العبادة والتزام الاعتصام به. والعبادة الاستقامة على أمره، والاعتصام به هو التقوّي به سبحانه، وهي عبودية لازمة لنا طول وجودنا: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ(الحج: 78) فانظر الى ما ختم  الله به الآية لتعقل عنه سبحانه.

ولقد كانت السيدة عائشة تعالج ما تخشى أن يقع فيه الملوك، بل خير الملوك، وهو معاوية رضي الله عنه؛ إذ أرسلت اليه ـ وهي الفقيهة العالِمة، رضي الله عنها ـ لما طلب منها النصيحة، أرسلت اليه بهذه النصيحة. روى الترمذي وغيره: «كتبَ معاويةُ بن أبي سفيان إلى عائشةَ أنِ اكتبي لي كتابًا توصيني فيهِ ولا تُكثِري فَكتبت سلامٌ عليكَ أمَّا بعدُ فإنِّي سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقول منِ التمَسَ رِضا اللَّهِ بسخطِ النَّاسِ كفاهُ اللَّهُ مَؤونةَ النَّاسِ ومنِ التمسَ رضا النَّاسِ بسخطِ اللَّهِ وَكلَه اللَّهُ إلى النَّاسِ والسَّلامُ عليكَ» (2أخرجه الترمذي (2414) باختلاف يسير، وعبد بن حميد في المسند (1522)، وابن حبان (277) المرفوع منه فقط).

خاتمة

إن النفاق، والردة، طريق موحل، يورط صاحبه ويجعل عليه لعنة الله ولعنة الخلق؛ حتى العدو يزدريه؛ إذ يرميه بعد أن يمتص منه ما يستطيع تقديمه له من خيانة أمته؛ ثم يلقيه بازرداء واحتقار.

ويبقى طريق هذا الدين يُعز أصحابه ويحقق لهم الأمن في الدنيا والآخرة، والعزة في الدنيا والكرامة في الآخرة ﴿يومَ نَحْشُر المتقين الى الرحمن وفدا﴾ ﴿أولئك في جناتٍ مُكْرَمون﴾، ويبقى لهم الذكر الحسن والأثر الجميل في التاريخ، وفي الملأ الأعلى.

إنها اختيارات الخلق، وما الحياة إلا اختيارات يقررها العبد فيتحدد مصيره. والله من ورائهم محيط، وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين.

نسأل الله أن يندم المنافقون على جرائمهم، ويعز المؤمنون بدينهم، وأن يدبر الله لعباده المؤمنين.

……………………………..

هوامش:

  1. موقع “الأناضول”: السودان يعلن عزمه التطبيع مع إسرائيل
    والموقع نفسه: السودان.. خلاف بين وزير الخارجية ومتحدث الوزارة حول التطبيع
    المصريون: دولة عربية جديدة تتخذ قرار التطبيع مع إسرائيل
  2. أخرجه الترمذي (2414) باختلاف يسير، وعبد بن حميد في المسند (1522)، وابن حبان (277) المرفوع منه فقط.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة