التطبيع مع الكيان الصهيوني جريمة. وهو يستلزم جرائم عقدية خطيرة، تصادم دين الله فينافق صاحبها نفاقا أعظم لا يبقى معه إيمان، مع مخاطره السياسية على المسلمين.

السقوط أمام العدو

مع موجة التطبيع المتسارعة، والتهالك الحالي تحت أقدام الصليبية العالمية والصهيونية التابعة لها، ثم تغطية هذا السقوط بأغطية شرعية مكذوبة على لدين الله، لا تستر أصحابها ولا فاعليها.. امام هذا تتبدى الجرائم الملازمة لجريمة التطبيع.

وفي هذا المقال نشير الى جريمة التخلي عن مقررات الكتاب والسنة، والبعد عن التصور الإسلامي للصراع، وأحكام الله تعالى في هذا الصراع وما أوجبه على الأمة وما حرمه عليها في شأنه، وجريمة اللجوء الى مقررات الصليبيين والصهاينة التي فرضوها على العالم عامة وعلى المسلمين خاصة من خلال الأمم المتحدة.

جريمة التحاكم الى الطاغوت

التحاكم في هذه الاتفاقات يكون إلى الطاغوت؛ وذلك أن الاستناد فيها على مواثيق الأمم المتحدة وقوانينها، وليس فيها رجوع إلى الشرع مطلقاً، وهذا من التحاكم إلى الطاغوت. (1كما ورد هذا في الفقرة الأولى من المادة الثالثة من معاهدة (كامب ديفيد) الموقعة بين مصر وإسرائيل في 27 ربيع ثاني سنة 1399 (26مارس 1979م)، وكما ورد في المادة الأولى من اتفاقية أوسلو بين فلسطين إسرائيل (13 أيلول 1993م)، وكما ورد في المادة الثانية من اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل (26 أكتوبر 1994م).

وكلنا يعلم أن أصحاب هذه الاتفاقات وغيرهم ممن يهرولون لاسترضاء أمريكا وربيبتها إسرائيل لم يلتفتوا إلى الشرع أصلاً في اتفاقاتهم، ولم يسألوا عن إباحة أو تحريم، ولا عن كفر أو إيمان، وإنما كان مرجعهم في اتفاقاتهم ما تمليه عليه أهواؤهم ومصالحهم الآنية، ولكن هذا كله لا يعفينا من بيان الحكم، والله المستعان
)

المخاطر العقدية للأمم المتحدة

وهيئة الأمم المتحدة قد جمعت بين أمرين:

الأول: أنها هيئة طاغوتية تحكم بآراء الكفار وقوانينهم الجاهلية.

والثاني: أنها هيئة ظالمة باغية، فإنها تقوم على قاعدة: «إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإذا سرق فيهم القوي تركوه».

فأي خيرٍ يرتجى من مثل هذه المنظمة..؟!

شرط الكفر بالطاغوت

وإيمان المسلم لا يتم إلا بالكفر بالطاغوت بجميع أشكاله؛ كما قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ [البقرة:256]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل:36].

ومن الطواغيت: طاغوت الحكم بغير ما أنزل الله كما قال الله سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء:60].

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله تعالى على هذه الآية:

“فمن خالف ما أمر الله به ورسولُه، صلى الله عليه وسلم؛ بأن حكم بين الناس بغير ما أنزل الله، أو طلب ذلك اتباعاً لما يهواه ويريده؛ فقد خلع ربقة الإسلام والإيمان من عنقه، وإن زعم أنه مؤمن؛ فإن الله تعالى أنكر على من أراد ذلك وأكذبهم في زعمهم الإيمان لما في ضمن قوله ﴿يزعمون﴾ من نفي إيمانهم؛ فإن ﴿يزعمون﴾ إنما يقال غالباً لمن ادعى دعوى هو فيها كاذب لمخالفته لموجبها وعمله بما ينافيها. يحقق هذا قوله ﴿وقد أُمروا أن يكفروا به﴾؛ لأن الكفر بالطاغوت ركن التوحيد ـ كما في آية البقرة ـ فإن لم يحصل هذا الركن لم يكن موحداً، والتوحيد هو أساس الإيمان الذي تصلح به جميع الأعمال وتفسد بعدمه، كما أن ذلك بين في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ وذلك أن التحاكم إلى الطاغوت إيمان به”. (2فتح المجيد : ص 345)

وقال ابن القيم رحمه الله في بيان معنى الطاغوت:

“طاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة”. (3إعلام الموقعين، 1/ 50)

وقال الشيخ عبد الله أبا بطين:

“إن اسم “الطاغوت” يشمل كل معبود من دون الله، وكل رأس في الضلال يدعو إلى الباطل، ويحسنه. ويشمل أيضاً كل من نصَّبه الناس للحكم بينهم بأحكام الجاهلية، المضادة لحكم الله ورسوله”. (4الدرر السنية 2/ 301)

وقال الشيخ محمد حامد الفقي، رحمه الله:

“ويدخل في ذلك، بلا شك، الحكم بالقوانين الأجنبية عن الإسلام وشرائعه من كل ما وضعه الإنسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال، وليبطل بها شرائع الله من إقامة الحدود، وتحريم الربا والزنا والخمر ونحو ذلك، مما أخذت هذه القوانين تحللها وتحرمها بنفوذها ومنفذيها، والقوانين نفسها طواغيت، وواضعوها ومروجوها طواغيت، وأمثالها من كل كتاب وضعه العقل البشري ليصرف عن الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إما قصداً أو عن غير قصد من واضعه فهو طاغوت”. (5في تعليقه على كتاب فتح المجيد : ص 243)

وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في قوله تعالى: ﴿وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ [الكهف:26] بعد أن ذكر مجموعة من الآيات التي تدل على كفر المتحاكمين إلى الطواغيت:

“وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا؛ يظهر غاية الظهور: أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه، مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله، صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله على بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم”. (6أضواء البيان : 4/ 92)

وقال الشيخ أحمد شاكر:

“إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس هي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة، ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام كائناً من كان في العمل بها، أو الخضوع لها، أو إقرارها، فليحذر امرؤ نفسه وكل امرئ حسيب نفسه”. (7عمدة التفسير4/ 174)

وقال الكتاني:

“قال الرازي: المقصود أن بعض الناس أراد أن يتحاكم إلى بعض أهل الطغيان، ولم يُردِ التحاكم إلى محمد، صلى الله عليه وسلم. قال القاضي: ويجب أن يكون التحاكم إلى هذا الطاغوت كالكفر. وعدم الرضى بحكم محمد عليه السلام كفر؛ ويدل عليه وجوه:

الأول: أنه تعالى قال: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ فجعل التحاكم إلى الطاغوت يكون إيماناً به، ولا شك أن الإيمان بالطاغوت كفر بالله، كما أن الكفر بالطاغوت إيمان بالله.

الثاني: قوله ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء:65] وهذا نص في تكفير من لم يرض بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم.

الثالث: قوله ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور:63] وهذا يدل على أن مخالفته معصية عظيمة.

وفي هذه الآيات دلائل على أن من رد شيئاً من أوامر الله أو أوامر الرسول، صلى الله عليه وسلم، فهو خارج عن الإسلام، سواء من جهة الشاك، أو من جهة التمرد، وذلك يوجب صحة ما ذهب الصحابة إليه من الحكم بارتداد مانع الزكاة وقتلهم وسبي ذراريهم”اهـ (8الدواهي المدهية للفرق المحمية : ص 188، 189)

تقرير حاسم

وفي تقرير عقدي حاسم ينقل ابن كثير رحمه الله تعالى الإجماع على هذا حيث قال:

“فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر؛ فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين”. (9البداية والنهاية : 13/ 109)

والنقول عن أهل العلم في هذا الباب كثيرة جداً، وليس هذا موضع استقصائها.

تلك بعض المخاطر العقدية التي يتضمنها جرم “التطبيع“. واستقرار هذا الجرم وتتابع الإعلام العالمي والمفاوضين وغيرهم عليه لا يعني صحته، بل الحق في محله ولو انحراف من انحرف. ولا تزال طائفة من أهل الحق ظاهرة ومتمسكة بالحق قد ضمن الله تعالى بقاءها حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك.

………………………..

هوامش:

  1. كما ورد هذا في الفقرة الأولى من المادة الثالثة من معاهدة (كامب ديفيد) الموقعة بين مصر وإسرائيل في 27 ربيع ثاني سنة 1399 (26مارس 1979م)، وكما ورد في المادة الأولى من اتفاقية أوسلو بين فلسطين إسرائيل (13 أيلول 1993م)، وكما ورد في المادة الثانية من اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل (26 أكتوبر 1994م).
    وكلنا يعلم أن أصحاب هذه الاتفاقات وغيرهم ممن يهرولون لاسترضاء أمريكا وربيبتها إسرائيل لم يلتفتوا إلى الشرع أصلاً في اتفاقاتهم، ولم يسألوا عن إباحة أو تحريم، ولا عن كفر أو إيمان، وإنما كان مرجعهم في اتفاقاتهم ما تمليه عليه أهواؤهم ومصالحهم الآنية، ولكن هذا كله لا يعفينا من بيان الحكم ، والله المستعان.
  2. فتح المجيد : ص 345.
  3. إعلام الموقعين، 1/ 50.
  4. الدرر السنية 2/ 301.
  5. في تعليقه على كتاب فتح المجيد : ص 243.
  6. أضواء البيان : 4/ 92.
  7. عمدة التفسير4/ 174.
  8. الدواهي المدهية للفرق المحمية : ص 188، 189.
  9. البداية والنهاية : 13/ 109.

المصدر:

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة