تمليك اليهود لأرض فلسطين هو أحد لوازم التطبيع مع الصهاينة، وإقرار بشرعية تملكهم لها، وتمهيد لابتلاعهم المسجد الأقصى. ولعلماء المسلمين مواقف واضحة وفتاوى حاسمة.
الاعتراف بشرعية الغاصب
الاتفاقيات السياسية بالتطبيع، والتي يعقدها الحكام الخائنون للأمة، تستلزم طوام وكوراث يصعب على أجيال المسلمين تلافيها. وهي تساهم في تغييب الأجيال عن حقيقة الصراع وإبعادهم عنها. ومن هذه الطوام الاعتراف بشرعية ما نهب اليهود من بلاد المسلمين وتمهيد الأوضاع للمزيد..!
جريمة تمليك اليهود لأرض الإسلام
هذه الاتفاقات تملّك اليهود أرض الإسلام؛ ففيها الاعتراف الصريح بملكية اليهود لأراضي المسلمين في فلسطين وإعطائهم لها، وإقرارهم عليها؛ وهذا من أعظم الخيانات للأمة. وفرقٌ كبير بين ترك قتالهم والهدنة معهم لوجود الضعف للإعداد لهم، وبين الاعتراف بهم وإقرارهم على أراضي الإسلام؛ فالأول جائز بالإجماع، والثاني محرم بالإجماع.
وقد أفتى العلماء في منتصف القرن الرابع عشر بأن بيع شيء من أراضي فلسطين خيانة لله ولرسوله وللإسلام؛ فكيف بمن يبيع فلسطين كلها..؟
بل ويزيد على البيعِ حمايةَ الحدود، والتعهد بترك قتاله، واعتبار من يقاتله إرهابياً خارجاً على دولة شرعية، ويعمل على تقوية اقتصاده، ويدعو إلى تطبيع العلاقات معه..؟!
مواقف علماء الإسلام
لعلماء المسلمين مواقف حاسمة من تمليك اليهود لأرض الإسلام، ومواقف حاسمة ممن يبيعهم أو يملكهم هذه الأرض.
ومن هذه الفتاوى السابق ذكرها:
1- فتوى علماء فلسطين بتاريخ 20 شوال 1353 (26 كانون ثاني 1935م)؛ وأولها:
“الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإننا نحن المفتين، والقضاة، والمدرسين، والخطباء، والأئمة، والوعاظ، وسائر علماء المسلمين، ورجال الدين ـ في فلسطين ـ المجتمعين اليوم في الاجتماع الديني المنعقد في بيت المقدس بالمسجد الأقصى المبارك حوله، بعد البحث والنظر فيما ينشأ عن بيع الأراضي في فلسطين لليهود من تحقيق المقاصد الصهيونية في تهويد هذه البلاد الإسلامية المقدسة..
وبعد النظر في الفتاوى التي أصدرها المفتون وعلماء الإسلام في العراق ومصر والهند والمغرب وسوريا وفلسطين والأقطار الإسلامية الأخرى والتي أجمعت على تحريم بيع الأرض في فلسطين لليهود، وتحريم السمسرة على هذا البيع، والتوسط فيه، وتسهيل أمره بأي شكل أو صورة، وتحريم الرضا بذلك كله والسكوت عنه، وأن ذلك كله أصبح بالنسبة لكل فلسطيني صادراً من عالم بنتيجته راضٍ بها ولذلك فهو يستلزم الكفر والارتداد عن دين الإسلام باعتقاد حله..
بعد النظر والبحث في ذلك كله، وتأييد ما جاء في تلك الفتاوى الشرعية، والاتفاق على أن البائع والسمسار والمتوسط في الأراضي بفلسطين لليهود، والمسهل له، هو:
أولاً: عامل ومظاهر على إخراج المسلمين من ديارهم.
ثانياً: مانع لمساجد الله أن يذكر فيها اسمه، وساع في خرابها.
ثالثاً: متخذ اليهود أولياء ؛ لأن عمله يعد مساعدة ونصراً لهم على المسلمين.
رابعاً: مؤذ لله ولرسوله وللمؤمنين.
خامساً: خائن لله ولرسوله وللأمانة.
إلى أن قالوا:
فيُعلم من جميع ما قدّمناه من الأسباب والنتائج والأقوال والأحكام والفتاوى؛ أن بائع الأرض لليهود في فلسطين سواء كان ذلك مباشرة أو بالواسطة، وأن السمسار والمتوسط في البيع والمسهل له والمساعد عليه بأي شكل مع علمهم بالنتائج المذكورة، كل أولئك ينبغي أن لا يصلَى عليهم، ولا يُدفنوا في مقابر المسلمين، ويجب نبذهم، ومقاطعتهم، واحتقار شأنهم، وعدم التودد إليهم والتقرب منهم، ولو كانوا آباء أو أبناء أو إخواناً أزواجاً.
هذا وإن السكوت على أعمال هؤلاء والرضا به مما يحرم قطعاً”. (1انظر الفتوى كاملة في “صراعنا مع اليهود” 105 – 110)
2- فتوى علماء نجد في (يوليو 1937م) وفيها:
“إن ولاية اليهود في بلاد الإسلام باطلة ومحرمة”. (2نفس المرجع : 110)
ونحوها عن علماء العراق. (3نفس المرجع : 110، 111)
3- فتوى الشيخ محمد رشيد رضا:
“إن من يبيع شيئاً من أرض فلسطين وما حولها لليهود أو للإنجليز فهو كمن يبيعهم المسجد الأقصى، وكمن يبيع الوطن كله؛ لأن ما يشترونه وسيلة إلى ذلك، وإلى جعْل الحجاز على خطر؛ فرتبة الأرض من هذه البلاد هي كرقبة الإنسان من جسده. وهي بهذا تعد شرعاً من المنافع الإسلامية العامة، لا من الأملاك الشخصية الخاصة. وتمليك الحربي لدار الإسلام باطل، وخيانة لله ولرسوله ولأمانة الإسلام. ولا أذكر هنا كل ما يستحقه مرتكب هذه الخيانة؛ وإنما أقترح على كل من يؤمن بالله وبكتابه وبرسوله خاتم النبيين أن يبث هذا الحكم الشرعي في البلاد مع الدعوة إلى مقاطعة هؤلاء الخونة ـ الذين يصرون على خيانتهم ـ في كل شيء: المعاشرة، والمعاملة، والزواج، والكلام، حتى رد السلام”. (4نفس المرجع : 112)
4- فتوى رئيس جمعية العلماء المركزية في الهند محمد سليمان القادري:
“إن المسلمين الذين يبيعون أراضي فلسطين المقدسة لليهود في أيامنا هذه، أو يتوسطون بهذا الفعل القبيح، مع أنهم علموا بأن اليهود لا يشترونها إلا لجلاء المسلمين عن تلك الأرض المقدسة وتبديل الهيكل مكان المسجد الأقصى وتشكيل دولة يهودية؛ فإنهم عند الله ممن حاربوا الإسلام وسالَموا الكفر وظاهروا أعداء الإسلام: ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ ولا يكون جزاؤهم إلا نار جهنم. وأظن العلماء الذين أفتوا بكفرهم منعوا المسلمين من الصلاة عليهم ودفنهم في مقابر المسلمين زجراً عليهم وعبرة لغيرهم؛ قد أصابوا في فتياهم ولهم أجران”. (5نقلاً عن موقع : قاوم نت)
5- فتوى علماء الأزهر في إقامة الصلح والسلام مع اليهود والاعتراف بدولتهم عام (1956م):
“إن الصلح مع إسرائيل لا يجوز شرعاً لما فيه من إقرار للغاصب على الاستمرار في غصب ما اغتصبه وتمكينه، والاعتراف بأحقية يده على المعتدي من البقاء على عدوانه. فلا يجوز للمسلمين أن يصالحوا هؤلاء اليهود الذين اغتصبوا أرض فلسطين واعتدوا فيها على أهلها وعلى أموالهم، بل يجب على المسلمين أن يتعاونوا جميعاً على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم لرد هذه البلاد إلى أهلها، ومن قصَّر في ذلك أو فرَّط فيه، أو خذَّل المسلمين عن الجهاد أو دعا إلى ما من شأنه تفريق الكلمة وتشتيت الشمل والتمكين لدول الاستعمار من تنفيذ مخططهم ضد العرب والإسلام وضد فلسطين؛ فهو في حكم الإسلام مفارق جماعة المسلمين، ومقترف أعظم الآثام”. (6نفس المرجع : 113)
6- وفتوى أخرى للجنة علماء الأزهر برئاسة الشيخ “عبد المجيد سليم” في (14 شعبان 1366) عن مساعدة اليهود وإعانتهم في تحقيق مآربهم في فلسطين؛ فأجابت اللجنة إجابة طويلة. ومما جاء فيها:
“فالرجل الذي يحسب نفسه من جماعة المسلمين إذا أعان أعداءهم في شيء من هذه الآثام المنكَرة، وساعد عليها مباشرة أو بواسطة؛ لا يُعدّ من أهل الإيمان، ولا ينتظم في سلكهم؛ بل هو بصنيعه حرب عليهم، منخلع من دينهم. وهو بفعله الآثم أشد عداوة من المتظاهرين بالعداوة للإسلام والمسلمين”.
إلى أن قال:
“ولا يشك مسلم أيضاً أن من يفعل شيئاً من ذلك فليس من الله ولا رسوله ولا المسلمين في شيء. والإسلام والمسلمون براء منه. وهو بفعله قد دل على أن قلبه لم يمسه شيء من الإيمان ولا محبة الأوطان. والذي يستبيح شيئاً من هذا بعد أن استبان له حكم الله فيه يكون مرتداً عن دين الإسلام؛ فيفرَّق بينه وبين زوجه، ويَحْرُم عليها الاتصال به، ولا يصلَى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين. وعلى المسلمين أن يقاطعوه؛ فلا يسلموا عليه، ولا يعودوه إذا مرض، ولا يشيعوا جنازته إذا مات حتى يفيء إلى أمر الله، ويتوب توبة يظهر أثرها في نفسه وأحواله وأقواله وأفعاله “. (7فتاوى خطيرة في وجوب الجهاد الديني المقدس ص 17 –25)
مناط الجريمة
اعلم أنه لا يصح قياس التنازل عن أرض فلسطين أو ما يسمى “الأرض مقابل السلام” على تنازل المظلوم عن بعض حقه، وذلك أن بعض من أجاز هذا العمل قال لو أن ظالماً اغتصب بيت آخر، فرضي هذا المظلوم ببعض بيته مقابل الصلح ، فإن هذا جائز، وعدم صحة هذا القياس من وجوه:
الأول: أن البيت ونحوه حق شخصي محض، أما أرض فلسطين فالحق فيها لله، فهي وقف إسلامي، والنظر فيها لصالح المسلمين؛ فهي ملك لهم، وليست حقاً شخصياً لأحد يتنازل عن ما يشاء..!.
الثاني: أن لصاحب البيت أن يتنازل عن بعض حقه أو كله حتى لو كان قادراً على استرجاع حقه، وتعد هذه من مكارم الأخلاق، أما في مسألتنا فالجميع يتفق على أنه لو قدر على استرجاع حقه فتنازل عنه فإنه يوصف بالخيانة!!.
الثالث: أن المسألة ليست تنازلاً فقط، بل هو دخول في دوامة من المعاهدات والاتفاقات بغية التطبيع وإزالة حواجز البراء، وضرب المجاهدين، وغير ذلك، مما لا وجود له في مثل اغتصاب الحقوق الشخصية.
فتاوى مستقيمة
كانت هذه بعض الفتاوى الصادقة والمستقيمة شرعا، والتي كثر إصدارها من علماء الأمة وقادتها ووعاظها. وهي غيض من فيض. ولم تأخذ حقها اليوم في النشر والبيان؛ بل يكتفي المنافقون بتخوين أهل فلسطين، زورا وبهتانا، ولا ينظرون الى جهادهم علما وعملا في الماضي والحاضر، وتآمر الدنيا بقواها عليهم.
فاللهم اجعل لهم، ولأمة محمد، فرجا ومخرجا.
الهوامش
- انظر الفتوى كاملة في “صراعنا مع اليهود”، 105 – 110.
- نفس المرجع : 110.
- نفس المرجع: 111.
- نفس المرجع: 112.
- نقلاً عن موقع: قاوم نت.
- نفس المرجع: 113.
- فتاوى خطيرة في وجوب الجهاد الديني المقدس ص 17 –25.
المصدر
- التبيين لمخاطر التطبيع على المسلمين، ص51-72. ناصر بن حمد الفهد.
اقرأ أيضا
منكرات وطوام التطبيع مع اليهود؛ إلغاء فريضة الجهاد
من منكرات التطبيع مع اليهود؛ ولاية الكافرين ومظاهرتهم على المسلمين
من منكرات التطبيع مع اليهود؛ التحاكم إلى الطاغوت