إن الله تعالى أعلم أين ومتى يهب نصره وتمكينه لمن يستحق ذلك من عباده. فالعبد ليس له تجاه المشيئة الإلهية إلا الإيمان بها والتسليم لها، وتوسم المقدمات والنتائج المرتبطة بها، دون أن يقعده ذلك عن مهمته التي كلفه بها ربه عز وجل، ووظيفته التي ألزمه بها بمقتضى الأوامر الشرعية التي توضح له هذه المهمة، وترسم له حدود هذه الوظيفة.

طلاقة المشيئة الإلهية

من معاني الإرادة: المشيئة. ومشيئة الله عز وجل مطلقة؛ فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. فلا يحدث شيء في الكون إلا بإذن الله تعالى. ولأجل ذلك فمشيئة البشر تابعة لمشيئة الله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير:29]. فما يصيب الإنسان في الدنيا من خير أو نفع فلا أحد يستطيع أن يمسك ذلك عنه، وما يصيبه من شر أو ضر فلا أحد يستطيع أن يكشفه عنه.

واجب العبد تجاه المشيئة الإلهية

والله تعالى أعلم أين ومتى يهب نصره وتمكينه لمن يستحق ذلك من عباده. فالعبد ليس له تجاه المشيئة الإلهية إلا الإيمان بها والتسليم لها، وتوسم المقدمات والنتائج المرتبطة بها، دون أن يقعده ذلك عن مهمته التي كلفه بها ربه عز وجل، ووظيفته التي ألزمه بها بمقتضى الأوامر الشرعية التي توضح له هذه المهمة، وترسم له حدود هذه الوظيفة.

فالمؤمن مطالب دائما بتتبع ما يحب الله عز وجل ويرضاه، والتزام ما هو مطلوب منه، والعمل به قدر وسعه وطاقته، كما هو مطالب بترك واجتناب ما لا يحبه الله جل ذكره ولا يرضاه، ليصل إلى درجة التقوى التي تؤهله ليكون عبدا شكورا.

أما ما وراء ذلك من الأمور الكونية التي قدرها الله عز وجل بمشيئته المطلقة وحكمته الباهرة، فالمطلوب تفويض الأمر فيها إلى الله جل ثناؤه والتسليم له.

حركة الإنسان وعلاقتها بالسنن الربانية

على أن لإرادة الإنسان دخل في سنن الله تعالى ومقاديره، وذلك بحسب سعة معرفته، وحسن تدبيره، وعلو همته، وبذل جهده، ودرجة إيمانه، وله ما يطلبه كله أو بعضه بحسب السنن، وتدبير الله تبارك وتعالى لنظم هذه الحياة.

فكل إنسان لا يخلو من الحرث والهم؛ أي العلم والإرادة، فالتسمية بحارث وهمام وصف للطبيعة البشرية على ما هي عليه دون اقتضاء مدح أو ذم للمسمى، ولهذا كانا أصدق الأسماء، كما جاء في الحديث الشريف11- أخرجه أحمد في مسنده، 4/345. وأبو داود في سننه، رقم 4950..

الفكر والإرادة من المزايا التي يفضل بها إنسان على إنسان وأمة على أمة

وأساس العمل في الحياة الدنيا وفق سنة الله تعالى هو الفكر والإرادة، ومعلوم أن الإنسان لا يخلو قط من الفكر والإرادة، وأنه لابد لها من متعلق ما وأثر ما في القلب ثم الجوارح، وليست حقيقة العلم إلا هذا22- سفر الحوالي: ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي، 1/159..

وعلى قدر صدق الفكرة وقوة الإرادة والرغبة يكون تحقق العمل في الخارج، إن خيرا وإن شرا؛ فأعمال الناس متشابهة في الكدح والعمل، ومشقتهم فيها متقاربة: (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ) [آل عمران: 140]، وإنما يتفاضلون بالإرادات والمقاصد: (وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ) [النساء: 140]، لأنها هي سبب طهارة الروح، وسمو النفس، وعلو الهمة، ورقة الوجدان، وهي المزايا التي يفضل بها إنسان على إنسان وأمة على أمة.

التوفيق بين مشيئة الله وإرادته وبين سعي الإنسان وقدر همته

إن الله سبحانه وتعالى جعل عطاءه للناس معلقا على إرادتهم وقدر همتهم: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ ٱللَّهِ كِتَٰبًا مُّؤَجَّلًا ۗ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِۦ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلْءَاخِرَةِ نُؤْتِهِۦ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِى ٱلشَّٰكِرِينَ) [آل عمران: 145] فتجري الإرادة على السنن التي اقتضتها حكمته تعالى33- تفسير المنار، 4/168..

فالبشر يتحركون بإرادتهم وحريتهم، والله تقدست أسماؤه يرتب على هذا السلوك أمورا مناسبة لذلك الفعل: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96].

فالإنسان يعمل وفق إرادته فاعلا في حدود الأسباب، وفي حدود قدراته وخبراته وعقيدته، ونظرته للكون والحياة، والنتيجة التي يرتبها الله عز وجل تأتي منسجمة مع طبيعة فعل الإنسان أو المجتمع.

فإذا الإنسان أو المجتمع استكمل كل الشروط المطلوبة، فإنه يحصل على مراده ويحقق أمانيه. ومتى توانى وتكاسل وتخاذل، فلن يرى النتيجة تحسنا وتوفيقا ونجاحا، بل انتكاسا وانحرافا وضياعا، يستوي في هذا المؤمن والكافر44- نعمان السامرائي: في التفسير الإسلامي للتاريخ، ص 87..

الهوامش

1- أخرجه أحمد في مسنده، 4/345. وأبو داود في سننه، رقم 4950.

2- سفر الحوالي: ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي، 1/159.

3- تفسير المنار، 4/168.

4- نعمان السامرائي: في التفسير الإسلامي للتاريخ، ص 87.

المصدر

أ.د. محمد أمحزون.

اقرأ أيضا

الاحداث المتسارعة .. وطلاقة المشيئة الالهية (1-2)

الاحداث المتسارعة .. وطلاقة المشيئة الالهية (2-2)

“لا تحسبوه شراً لكم” .. سنة جارية

العبر القرآنية في الأحداث الآنية

“لا تحسبوه شراً لكم” .. طمأنينة وسلامة قلب

التعليقات غير متاحة