للإيمان طعم ذقناه بما جاء به رسول الله. وللإيمان طبيعة ومقتضى فيمن يعادي دين الله، وللإيمان مقتضى وحكم فيمن يسب رسول الله. تراه منذ بدر عبر التاريخ الى قلوب المؤمنين في كل أرض.

مقدمة

بين كل فينة وأخرى يطل علينا العالم الغربي الصليبي الحاقد، بنفثة من نفثات حقده، وخبيثة من خبائث سرّه، حتى اعتدنا أن نغضب منه فترة ثم نهدأ وننسى ما حدث بعدها، وننام إلى أن يتطاول مرة أخرى ليوقظنا من سباتنا ويؤجج غضبنا، والذي لا يلبث أن يتلاشى كالذي سبقه.

فالأعداء ـ إذاً ـ لم يكونوا لِطافاً في يوم من الأيام، ولم تنقص كراهيتهم للمسلمين، وربما زادت كلما رأوا شرائح من المفكرين الواعين يدخلون في دين الله أفواجاً، وكلما شعروا أن الإسلام دين القرن الحادي والعشرين دون منازع على الرغم من محاربتهم الشديدة له، ومحاولة القضاء عليه وعلى معتنقيه وأهله .

“الآخر..!” يؤذينا

كشَّر العالم الغربي عن أنيابه أول مرة، بتصرفٍ أرعن أهان فيه كتاب الإسلام الخالد المقدس فاشتعل العالم الإسلامي غضباً، وتتالت مظاهرات حرق الأعلام والتنديد بالأعمال، ومسيرات الغضب، ولم يلبث إلا يسيراً حتى خبَتِ النار وصارت رماداً تهوي به الريح.
وكشف عن قبح وجهه ثانية، برسوم مشينة تطاول فيها على سيد البشر صلى الله عليه وسلم؛ تفاعل المسلمون مع ذلك الحدث بصورة تبشر بالخير، قاطعوا الدولة الجانية، ومضوا بخطوات عازمة على نشر سيرة نبيهم، وظهرت خلال تلك الفترة العديد من الأقلام المنافحة عن النبي  صلى الله عليه وسلم، وازداد اهتمام الناس بسيرته، ولكنهم ما لبثوا أن نسوا القضية برمتها ـ عدا أناس قلائل لا زالوا يعملون.

ولو واصلوا انتصارهم لتوقف الغرب عند حده، لكنهم فتَروا وضعفوا، إلى أن انمسحت القضية من أذهانهم..!

وجاءت الإهانة هذه المرة من قائد من قاداتهم وزعيم من زعمائهم؛ رئيس أعتى دولهم وأشدها غطرسة، جاءت الإهانة هذه المرة على شكل اتهام موجه وتهديد صريح يمسّ الدين الإسلامي بشكل عام..

فرنسا بكل مكوناتها السياسية والاجتماعية والثقافية ، تعلن الحرب على الوجود الإسلامي بها على الرغم من كون الإسلام هو الديانة الثانية في فرنسا.

فرنسا تستفز مشاعر أكثر من مليار ونصف مسلم بطباعة كتاب خاص بكل الرسوم المسئية للنبي صلى الله عليه وسلم، وتوزعه على الطلبة في المدارس مجاناً، وتقوم بإغلاق مئات المساجد، وتستعد لترحيل البعثات الدينية الرسمية من الدول العربية.

ومن بني جلدتنا وبعض أبناء أمتنا الداخلين ضمن المليار، من كان انهزامياً حد الانبطاح؛ إذ كانوا يتزلفون إلى الغرب، وينادون بمراعاة مشاعرهم واحترامها، وذلك بألا ننعتهم بـ “الكافر” وأن نستبدل هذه اللفظة بلفظة “الآخر” حتى لا نجرح مشاعرهم ونعكر أمزجتهم ـ زعموا.

كيف لنا أن نتغاضى عن إساءة محتملة من تسمية أطلقها القرآن عليهم، ولا يتغاضون هم عن الإساة لنا كل فترة..؟؟

مَن المطالب باحترام المشاعر؛ نحن أم هم..؟؟!

إن خلافنا معهم ليس خلاف دول وسياسات؛ ولا خلاف مصالح واقتصاديات؛ إن خلافنا معهم خلاف عقيدة وخلاف دين.. وليس أدل على ذلك من تَناصرهم إذا أهانتنا إحدى دولهم.. فالقضية ليس قضية دول؛ إنها قضية عقيدة ودين.

مكانته صلى الله عليه وسلم في قلوب المؤمنين

أخبرنا نبينا، صلى الله عليه وسلم، أنه سيأتي من المسلمين من يتمنى أن يفقد أهله وماله وجميع ما يملك مقابل أن يرى النبي..! فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ليأتينّ على أحدكم زمانٌ، لَأَن يراني أحبّ إليه من أن يكون له مثل أهله وماله”. وفي لفظ مسلم “والذي نفس محمد بيده، ليأتينّ على أحدكم يوم ولا يراني، ثم لأن يراني أحب إليه من أهله وماله معهم”.

وروى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مِن أشد أمتي لي حبًّا، ناسٌ يكونون بعدي، يودُّ أحدهم لو رآني، بأهله وماله”.

كانت سيرته من أجمل السيَر، وصفاتُه من أنبل الصفات، وأخلاقُه من أعظم الأخلاق، وحياته من أروع الحياة وأوفاها وأشملها.

نعم، إنَّ التاريخ الإنساني على وجه الأرض لم يعرف عظيمًا من العظماء، ولا زعيمًا من الزعماء، ولا مُصلحًا من المصلحين، استوعب في صفاته الذاتية والعقلية والنفسية والخلقية والدينية والروحية والاجتماعية والإدارية والعسكرية والتربوية، ما استوعبته شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وما اختصَّه الله به من الكمالات التي تشرق في كل جانب من جوانبها، وتضيء في كل لمحة من لمحاتها، حتى استحق أن يصفه الله عز وجل بالنور في مثل قوله تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة: 15]؛ لذلك وجب الاقتداء به في أقواله وأفعاله، في بيعه وشراءه، في فرْحه وترْحه، في حركاته وسكناته، في إشاراته ونظراته، في أدقِّ تفاصيل حياته، في حربه إذا حارَب، وفي سِلْمه إذا سالَم، في تعاملاته مع أهله، مع أولاده، مع أحفاده، مع جيرانه، مع أصحابه.

ولا عجب في ذلك؛ فقد أرسله الله للناس كافةً، قدوةً صالحةً لهم، ورحمةً للعالمين، وهو القائل عن نفسه: «إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق»؛ (1الموطأ)

عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين».

مواقف مشرفة منذ بدر

جاء موقف “عبد الله الشيشاني”، وهو يغضب لسبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليذكرنا بموقف “ممتاز قادري” الباكستاني و”معاذ ومعوِّذ ابنَيْ عفراءَ” في موقعة بدر، حين أطاحا بأبي جهل لنفس السبب.

جاء في الصحيحين، عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه، أنه قال: “إنـي لواقف يوم بدر في الصفِّ، فنظرت عن يميني وعن شمالـي، فإذا أنا بغلامين من الأنصار، حديثةٌ سنهما، فتمنيت لو كنت بين أضلَعَ منهما ــ أي: بين أقوى منهما وأشد ـ فغمزني أحدهما وقال: “يا عم، هل تعرف أبا جهل بن هشام؟”، قلت: “نعم، وما حاجتك إليه يا بن أخي؟”، قال: “بلغني أنه كان يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والذي نفسي بيده، لئن رأيتُه، لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا”، وغمزني الآخر، وقال لي مثل ما قال الأول”.

وتطلَّع “عبد الرحمن بن عوف” فرأى أبا جهل، فدلَّ الغلامين عليه، فسارعا إليه وابتدراه بسيفيهما فضرباه فصرعاه، وهو بين الحياة والموت، ثم ذهبا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم وأخبراه بما فعلا، فقال لهما: «أيكما قتله؟»، فقال كل منهما: “أنا قتلته”، فهدَّأ النبي صلى الله عليه وسلم من روعهما، وقال لهما: «هل مسحتما سيفيكما؟»، قالا: “لا”، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى السيفين، ثم قال: «كلاكما قتله».

ويروى أن “معاذ بن عفراء” حينما طعن أبا جهل أقبل عليه ولد أبـي جهل وضربه بسيفه؛ فأصيبت يد معاذ، ولكنها بقيت معلقة فيه بجلدة، فاحتمل ذلك وظل يقاتل وهو يسحب يده المعلقة، فلما آذته وضع قدمه عليها، ثم تمطى حتى فصَلَها عنه، واستمر في جهاده وقتاله حتى لقي ربه شهيدًا.

﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [التوبة: 65، 66].

مواقف مشرفة اليوم؛”ممتاز القادري”

كل من يسيء إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم مجرمٌ، وسيقيِّض الله من جنده من يدمره تدميرًا، ومن حيث لا يدري. ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ [الحج: 38].

إذا كان ذلك للمؤمنين؛ فما بالك بقدوتهم ومنقذهم صلى الله عليه وسلم؟ فهو حبيبه، وصفيه من خلقه وخليله.

ما أشبه الليلة بالبارحة! «الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة». ها هي أكبر جنازة في التاريخ كانت بباكستان! الخميس 3 مارس 2016. وحضرها ـ طبقًا للتقديرات الرسمية ـ خمسة ملايين شخص؛ لتشييع “غازي ممتاز حسين قادري”.

فمَن هو غازي هذا حتى يحضر جنازته (5) ملايين شخص، ويدعو له حتى الجنود الذين كانوا موجودين بالمكان..؟

غازي ممتاز، نُفّذ فيه حكم الإعدام قبل فجر الخميس، (3 /3 /2016). وقصته أن امرأة سبَّتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا جُرم تصل عقوبته للإعدام في الباكستان، وقد زارها في سجنها حاكم إقليم البنجاب، وتعهد بأن يعمل على إلغاء قانون تجريم سابِّ الإسلام والرسول، وتعاطف مع المرأة وانتقد هذا القانون؛ فما كان من حارسه الشخصي ـ وهو نفسه ممتاز ـ إلا أن أفرغ رصاصات بندقيته في صدر ذاك الحاكم وأرداه قتيلًا.

وبعد أربع سنوات من الأخذ والرد، من دفاع العلماء والجماهير عنه ونصرتهم له، وإصرار القضاء على إعدامه؛ فقد نُفذ الحكم في ممتاز أمس فجرًا، وقد حضر الناس لجنازته من كل بقاع الباكستان رغم بعد المسافات.

خاتمة

وهنا تحسن الاشارة الى أن المواجهة المسلحة مع الكفار هي من مواطن الاجتهاد التي تختلف فيه مواقف العلماء وفق تعارض المصالح والمفاسد. وذلك وفقا لاعتبار وضع المسلمين المغتربين والمستضعفين في مكان دون آخر؛ فإنه لو كان لهم قوة ومُكنة فإمضاء حد الله تعالى واجب ويحقق المصالح. وإن كانوا في مكان ضعف واستضعاف وغربة فقد يكون الصبر مع الكراهة هو الحكم حينئذ تفريقا بين آيتين كريمتين ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [التوبة 73] وقوله تعالى ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ [الأحزاب: 43].

……………………….

هوامش:

  1. الموطأ.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة