أي دور يمكن أن يبقى للعلماء إذا عطلت الشريعة واختزلت في قضايا الأسرة والتعبدات دون أبواب الجنايات والعقوبات والسياسة الخارجية والعلاقات الدولية وعموم القضايا السلطانية وعموم مرافق الدولة والمجتمع؟!

تنحية الشريعة: هنا مربط الفرس

لقد تبرم بعض العلماء في المغرب الشقيق وأظهر استياء كبيرا من ظاهرة تهميش الدولة الملكية للعلماء.

إن هذا التبرم عجيب جدا، والأصل أن الشيء من معدنه لا يستغرب، لأن ذلك التهميش لازم من لوازم تخلي النظام الملكي عن تطبيق الشريعة وقد أهدر العمل بها من قديم. ومع إلغاء الدولة الملكية العمل بالشريعة والاعتياض عنها بالقوانين الإباحية إلا أن واجب الطاعة والنصرة ظل مبذولا من العلماء لهذه المملكة بالمجان. وقد تقرر أن واجب الطاعة والنصرة لا يبذل للملك إلا إذا أقام الدين وساس دنيا الناس به.

فأي دور يمكن أن يبقى للعلماء إذا عطلت الشريعة واختزلت في قضايا الأسرة والتعبدات دون أبواب الجنايات والعقوبات والسياسة الخارجية والعلاقات الدولية وعموم القضايا السلطانية وعموم مرافق الدولة والمجتمع.

فامتعاضنا ينبغي أن يكون من إلغاء الالتزام بحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والالتزام بحكم غيره.

وهنا النظرة الكلية العامة لأصل الانحراف الذي كان من آثاره إلغاء كثير من أحكام الإسلام والتلاعب بكثير منها كمدونة الأسرة والسكوت عن بعضها كأحكام التعبدات.

من هم أولو الأمر؟!

ولا يشك من له اطلاع على الفقه الدستوري الإسلامي أن العلماء المجتهدين الأحرار الجامعين بين علم الشريعة وفقه الواقع هم أولى الناس بمنصب الرئاسة والإمامة وما يتبعه من وجوب إثبات الولاية الشرعية وإمارة المؤمنين. فهم خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامة الدين وسياسة الدنيا به وعليه فهم وحدهم دون غيرهم ولاة أمور المسلمين. لأن من شروط الحاكم أن يكون عالما بالكتاب والسنة حتى لا يقود أمة الإسلام جاهل بأحكام الإسلام. فتنازلهم عن حقهم الشرعي واكتفاؤهم بأن يرجع إليهم الحكام الجهال عند الملمات والنوازل أغرى هؤلاء الحكام بإسقاطهم رأسا فلا يرجع إليهم حتى في القضايا الأسرية.

من يهن يسهل الهوان عليه …

ما لجرح بميت إيلام …

وعليه فإنه لا يجوز أن يزاحمهم ذو شوكة ومنعة ولو كان عاملا بالشريعة فكيف إذا زاحمهم جاهل بالشريعة معطل لأحكامها.

الولاية الدينية لمن؟!

وإن كان في الغرابة غريب فهو إثبات طائفة من العلماء الولاية الشرعية وإمارة المؤمنين للنظام الملكي مع إبطاله الالتزام بحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم واعتياضه عن ذلك بالتزام طاعة الدساتير والقوانين اللادينية.

وهل تثبت الولاية الدينية وتعقد البيعة الشرعية على اللادينية والإباحية؟؟؟؟ أم الشرط في صحتها أن تكون على الكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة؟

لا للتصالح مع الجاهلية ولا لأنصاف الحلول

وكان عليهم أن يعلموا أن مهادنة الجاهلية الوضعية ومحاولة الالتقاء معها في منتصف الطريق لا يلزمها -وهي صاحبة الآلة الحربية- بالانتهاء عند ذلك الحد الفاصل بل طبيعتها كطبيعة الإسلام تتوق إلى التمدد والهيمنة والسيطرة التامة حتى لا يكون توحيد وتكون الطاعة كلها لغير الله تعالى. (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) [البقرة: 217].

فنكول هؤلاء العلماء ورضاهم بالتصالح مع الجاهلية ورضاهم بأنصاف الحلول (العلمانية) بل واضطلاعهم بتحيف كثير من أحكام الإسلام وتحريف حقائقه الكبرى لا يلزم الجاهلية بأحكام هذا الاتفاق الضمني ولا يرضيها بل كلما ضعف سلطان الإسلام ازدادت شراسة الجاهلية واتسعت حدود سلطانها والتهمت منه أحكاما قطعية ومقاصد كلية كانت بالأمس خطوطا حمراء.

إنها تريد سحقه إلى الأبد ومحوه حتى يصبح أثرا بعد عين، فإن زوال سلطان الإسلام وانكسار سيفه الذي يدفع عنه وذهاب دولته التي تحمي حياضه جعله بمنزله السجين الذي غلت يداه وقيدت رجلاه وطفق أعداؤه يسومونه سوء العذاب يضربونه ويسحبونه ويبصقون في وجهه ويبولون عليه، وعلماؤه ينظرون ولا تتمعر وجوه طوائف منهم حمية له بل يباركون هذا الحراب ويصبغون الشرعية على من يتولى كبره.

إنما العلم لتكون شريعة الله هي العليا

فإن كان العلم يراد للنضال لتكون شريعة الله هي العليا فذاك مقام الأنبياء وتلك مقاصدهم من بث العلم ونشره، وعلى من سلك سبيلهم استحضار ما لحق بهم عليهم السلام من صنوف البلاء.

قال شيخ الإسلام الهروي: (عرضت على السيف خمس مرات، لا يقال لي: ارجع عن مذهبك، ولكن يقال لي: اسكت عمن خالفك، فأقول: لا أسكت).

وإن كان يراد لتحصيل الألقاب والتصدر في المجالس ليس غير، فتلك مقاصد غريبة عن هدي الشريعة وسمتها لذلك كان المستشرقون أحق بها وأهلها.

من المشرع: آلله أم البشر؟!  

إن هؤلاء العلماء الذين يتبرمون ويشتكون التهميش يصبغ طوائف منهم الشرعية على نظام ملكي لا ديني، يستعلن فيه بإسناد السيادة لغير الله تعالى وقد كان من لوازم هذه الفلسفة تنحية الدين وإقامة الدنيا على غيره (لا دينية) وإلغاء أحقية الحاكم الأعلى بالتفرد بالتشريع والحكم والاكتفاء بأن يرضخ له رتبة الاحتياط عند فقدان النص القانوني على شرط عدم مخالفته روح هذا القانون لذلك كانت الأحكام الشرعية التي تبنى عليها مدونة الأسرة مقطوعة الصلة بالحاكم الأعلى لأنها تعبير عن إرادة المشرعين لا عن إرادة الحاكم الأعلى لأنه عندهم ليس مصدرا أصليا للتشريع.

أي إهانة للحاكم الأعلى أعظم من هذه الإهانة، وأي إذلال لحملة الشريعة أعظم من هذا الإذلال، وأي احتقار للعلماء أعظم من هذا الاحتقار ومع كل هذا تجد فيهم: من رضي وتابع وشايع وبايع.

فنفسك لُمْ ولا تَلُمِ المطايا…

ومُتْ كمدا فليس لك اعتذار …

المصدر

صفحة الدكتور سليم سرار على منصة ميتا.

اقرأ أيضا

بيان حول التعديلات المقترحة لمدونة الأسرة المغربية

أهداف اتفاقيات ومؤتمرات حقوق المرأة

الأمن في الحياة الدنيا .. أمن البيت والأسرة

تطور حقوق المرأة عبر التاريخ

دحض شبهات حول نظام الأسرة في الإسلام

التعليقات غير متاحة