بينما تتسارع أنفاس العالم، وتتعلق أنظاره بساكن البيت الأبيض الجديد؛ فللمسلم موقفه المميز الذي تمليه عليه عقيدته ودينه، فهو موقف رباني واقعي، لا ينحني فيه لأحد ولا يخسر فيه قلبه.
الخبر
الخبر الذي يشغل الناس اليوم من سكان العالم شرقيه وغربيه هو الانتخابات الأمريكية وتغيير قيادة العالم الحالية، والمراوحة بين “ترامب” و”جوزيف بايدن”؛ بين الحزب الجمهوري بيمينيته والحزب الديمقراطي. بين مصارع وقح أو سياسي عفن. وقد فاز “جو بايدن” وإن لم تعلن النتيجة رسميا، ولا يزال هناك صراع دائر يجعل النتيجة محتملة حتى أوسط شهر (12) القادم. وقد تؤول النتجية الى “ترامب” في النهاية..! فالصراع محموم وأمريكا نفسها منقسمة انقساما شعبيا وتاريخيا عميقا.
التعليق
عَبَد الطاغوت
يتعلق غالب الطواغيت بـ “ترامب” والحزب الجمهوري، برغم أنه يذلهم ويستنزفهم، ولكنهم دأبوا على عبودية من هو أطغى منهم؛ فقد ولّى تعالى بعضَهم بعضا بما كانوا يكسبون، فإذ بقلوبهم متعلقة بعبودية دائمة لطاغوت يأتي من بعد آخر، كما كان عُبّاد الأصنام يتقلبون بين صنم وآخر؛ وهذه عقوبة فقد قال تعالى ﴿وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ [المائدة: 60].
فالحقيقة هنا أنه سُلّم عبوديات لدركات المشركين؛ فصغار الطواغيت لهم عُبّادهم. والطواغيت بدورهم عُباد لمن هو أطغى. ومَن يظهرون في الصورة رؤساء وحكاما لدول عظمى خاضعون بدورهم لأرذل الخلق من الصهاينة والحكومات الخفية وأرباب المال والإعلام والأجهزة الأمنية؛ وهكذا في تشابك ترى فيه قول رب العالمين ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ﴾ [الحج: 18]. وترى قوله تعالى ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [الحج: 31].
قلوب متعلقة..!
في جانب آخر تتعلق عيون بعض الشعوب ـ ومنهم شعوب المسلمين ـ بذلك التغيير أملا في رفع قبضة أو تخفيفها.
وهذا العنوان عنوان مجمل؛ فالتعلق إنما يكون بالله تعالى؛ فبيده الملك يُعطي ويمنع، ويخفض ويرفع. وهو يُجري أقداره تعالى على يد من يشاء. فالتعلق بالله وحده. ومن تعلق بغير الله وُكل اليه، وخُذل ﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا﴾ [الإسراء: 22].
وقد مرَّت على المسلمين في السنوات السبع الأخيرة، فترات من أشد فتراتهم شدة وبطشا، وإيذاءا وقتلا؛ ولكنهم فيها لم يتوجهوا لغير الله، وكانت عبوديتهم هي الصبر على أمره والتمسك بحبله والثقة في وعده. وهم في هذا يوقنون أن بيده هو تعالى التغيير. فنظرهم الى الأحداث ـ مع متابعتها ـ ليس لتعلق القلوب والأمل في البشَر، بل في رؤية يد الله تعالى تصنع الأحداث وتغير الدنيا؛ فتَرْقبُ يد الله تعالى وهي تعمل، وترى الطواغيت وهم مذعورون، وترى جريان أقدار الله بلطفه تعالى.
قيمة المسلم وقيمة الأمة
إن قيمة “المسلم” أكبر من أن يتعلق بكافر نجس، مهما كان حاله ووعوده ومعاداته لطاغية آخر. فعقيدة المسلم تسمو به وترفع رأسه وترفع تطلعاته. وهنا نذكّر ببعض تصريحات من يؤمل فيه، بغرض التأني والتريث وتعليق القلوب بالله وحده؛ فـ “جو بايدن” ـ الرئيس الأمريكي المنتخب (1نذكّر بأنه قد تؤول النتيجة الى “ترامب”؛ فالصراع هناك دار ومحموم والانقسام عميق والمحاولات لم تتوقف. والغيب لله) ـ يقول في تصريحاته:
“بحسب شبكة أنباء “CNN” عن بايدن: إن أبي أخبرني أنني ليس من الضروري أن أكون يهوديا لأكون صهيوينا؛ فأنا صهيوني”، ويقول: لو لم تكن هناك إسرائيل في المنطقة العربية لكان على أمريكا اختراعها لترعى مصالحنا. ويقول: إسرائيل تعتبر ضرورية لأمن اليهود حول العالم”. (2راجع: يوتيوب: الرئيس الأمريكي جون بايدن (أنا صهيوني) إسرائيل
وراجع: عربي 21: جون بايدن: أنا صهيوني وإسرائيل ضرورة لأمن يهود العالم)
هذا ليس تيئيسا لأحد؛ فلم ترقُبْه قلوب المؤمنين لكي يحبطها تصريحه..!! بل لنلفت أنظار المسلمين وقلوبِهم أن قبلة الصلاة تجاه البيت العتيق، وقبلة الوجه والقلب الى رب البيت العتيق، سبحانه.
إن المسلم يرفض التقزيم له ولأمته. فقد دأب العالم على تقزيم دور وقيمة المسلم، ودور وقيمة ـ بل ووجود ـ الأمة الإسلامية، بعد سقوط الأوضاع الشرعية للمسلمين. وهو يتعامل وكأنه لم يكن هناك تاريخ لأكثر من ألف عام يتعامل فيها مع أمة كانت تقود الدنيا بهذا الدين..! فإذا به يتعامل مع “أوطان” ممزقة و”قوميات” مترامية. والمسلم يأبى هذا فعقيدته تعني جنسيته وتعني انتماءه وأمته المسلمة الواحدة. وعليه؛ فالمسلم أكبر من التعلق بغير الله، وهو ينتمي الى أمة امتدادها عبر التاريخ كله حيث موكب جميع الأنبياء.
لسنا شيئا هامشيا، ولسنا على جانب التاريخ؛ بل نحن في قلبه وإن تقلّبَت الدنيا دولا بسبب ابتعادنا عن حقيقة هذا الدين وممارسته، ولكننا اليوم نعود الى ديننا وميداننا ولو استُشهدت نفوس وسُجنت أبدان وأوذي المسلمون وهُجروا من بلادهم؛ إذ يتنادى الناس الى دينهم رغم العوائق والتهديد والقتل والتشريد؛ فالأمر جِد مختلف، وهو يبشر بالمستقبل بإذن الله.
واقعية وربانية
وهذا لا ينفي واقعية المسلم ونظرته الى أمرين:
أولا) موازين القوى المعكوسة اليوم. وفي هذا يعتبر المسلم القوى البشرية الموجودة، وما وصل اليه تفريط المسلمين من جانب ونهَم الكافرين وجديتهم للدنيا والقوة والهيمنة على المسلمين من جانب آخر.
ولكن موازين القوى لا يخرج عنها قدر الله وقوته، وهيمنته وتدبيره.
وفي ضوء هاتين النظرتين ـ النظر الى الأوضاع على الأرض والنظر الى قوة الله تعالى ـ يكون النظر الى قوله، صلى الله عليه وسلم، «إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر» و«بأقوام لا خلاق لهم». فقد يتسبب هذا في رفع غُمة عن المسلمين أو يتسبب في فتح طريق لهم ولو لم يقصد صاحبه نصرة الدين بل نكاية في آخرين أو تحقيقا لمصلحة تخصه أو غير ذلك، بتقدير الله. ولهذا لا تتعلق للقلوب بهذا بل بالله تعالى؛ وإنما الواقعية في النظر الى الأحداث بعين ربانية. وتجد هذا مذخورا تحت قوله تعالى ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا﴾ [النساء: 84]. فقد يمرّ المسلمون بحالة من الضعف المادي؛ بحيث تتعلق القلوب برفع البلاء والغمة عن المسلمين، وهو ما يشير الى مثله الأستاذ سيد قطب رحمه الله؛ فيقول عن حالة المسلمين يوم تنزل هذه الآية:
“حتى لَيكون أقصى ما يعلق الله به رجاء المؤمنين أن يتولى هو سبحانه كف بأس الذين كفروا فيكون المسلمون ستارا لقدرته في كف بأسهم عن المسلمين، مع إبراز قوة الله سبحانه وتعالى وأنه أشد بأسا وأشد تنكيلا. وإيحاء هذه الكلمات واضح عن قوة بأس الذين كفروا يومذاك، والمخاوف المبثوثة في الصف المسلم” (3الظلال ج2 صـ 725)
ثانيا) مقدار البعد عن دين الله والمسافة بين الناس وبين العودة المطلوبة والصورة الشرعية الكاملة في السياسة والاقتصاد والاجتماع والإعلام والتعليم والجيوش والقضاء، وفي العلوم والقوى، وفي الترقي الحضاري والمنافسة العلمية.
ولما بعدت المسافة علمنا أن الجولات التي يخوضها المسلمون ـ دعاة ومجاهدين ـ فتُخفق وتصيب، والدروس التي يتلقاها المسلمون من قرن في محاولاتهم للعودة الرشيدة والجادة لدينهم، هي من طبيعة الصراع الذي قدّر الله أن يجري على نهج السُنن وأن يكون منوطا بأعمال البشر وتقدمهم وإخفاقهم، لما له تعالى من الحكمة، ومع عدم غياب قوته وقدرته؛ فهي سُنة عليا تمد المؤمنين بمددٍ رباني وتتدخل حسب تقدير اللطيف الخبير.
خاتمة
تتقلب الأحداث في أمريكا والعالم، ويتقلب وجه المؤمن نحو السماء، ويتقلب وجهه ساجدا لربه معفرا جبهته له. ولا بد للأمة أن تلم شعثها وتشق طريقها. والى هذا الحين يبقى المؤمنون الصادقون دعاة وعُبادا وجماعات دعوة وتيارات إحيائية يتمسكون بالأمر ويقبضون على الجمر ويحملون الراية ويهتفون بأمتهم يدلونهم على الطريق، وينفثون فيهم الروح ويذكّر بعضهم بعضا بقرب الوصول؛ فإن لم يدركوا هم في الدنيا جولة فستكون لإخوانهم، وعلى كلٍ فالغاية هي الجنة وهي أقرب من شراك نعالنا؛ فالله المستعان.
……………………………..
هوامش:
- نذكّر بأنه قد تؤول النتيجة الى “ترامب”؛ فالصراع هناك دار ومحموم والانقسام عميق والمحاولات لم تتوقف. والغيب لله.
- راجع: يوتيوب: الرئيس الأمريكي جون بايدن (أنا صهيوني) إسرائيل.
وراجع: عربي 21: جون بايدن: أنا صهيوني وإسرائيل ضرورة لأمن يهود العالم. - الظلال ج2 صـ 725.