يظن بعض المغفلين المعتوهين أن حديثنا عن سقوط الأنظمة الحاكمة كشرط لتحرر فلسطين هو نوع من نزعة التطرف، أو من الثأر لجريمتهم في الربيع العربي، فهو نوع من الخصومة السياسية وليس حديثا مسلحا بحقائق التاريخ البعيدة والقريبة!

لسان حال المسؤول: نحن والصهاينة إخوة

فايننشال تايمز عن مسؤول مصري: حادث تبادل إطلاق النار في رفح كان بسيطا وليس له أهمية سياسية.

هذا التصريح مثلا كما تراه، يصدر عن ذات المسؤولين الذين قتلوا بالفعل في حوادث متعددة فلسطينين غزيين دخلوا إلى مصر إما بالخطأ (كما في حالة الشاب المعاق ذهنيا) أو ألقت بهم موجة بحر (كما في حال الصيادين الغزيين).. وقبل أسبوعين فقط شاهدنا جميع عسكر السيسي عدو الله ينهالون بالضرب بلا رحمة على شاب غزي استطاع التسلل هربا من الجحيم!!

لسان حال المسؤول: نحن والصهاينة إخوة، لا تؤثر على علاقاتنا هذه الحوادث البسيطة!!

حركة المقاومة الفلسطينية لم تندلع أبدا إلا في ظل الأنظمة الضعيفة

على كل حال، ما يهمني الآن قوله، أن أشير إلى حقيقة تاريخية تتوه ربما في دهاليز القضية المتكدسة بالخيانات، وهذه الحقيقة تقول: إن حركة المقاومة الفلسطينية لم تندلع أبدا إلا في ظل الأنظمة الضعيفة.. فأما الأنظمة العربية القوية، فقد استطاعت كبت المقاومة وإخمادها والتنكيل بأهلها.

ولا تسرح بخيالك بعيدا فتحسب أن هذه الأنظمة القوية استعملت قوتها يوما في حرب إسرائيل.. أبدا أبدا.. على العكس، ما كانت قوتها إلا لقهر شعبها، وأما عند إسرائيل فهي أهون من جناح بعوضة!

راجع معي التاريخ:

  1. منذ أن تمكن عبد الناصر من الحكم في مصر، وكانت مصر تسيطر على غزة حتى 1967، لم تستطع حركة المقاومة الفلسطينية أن تتنفس، فما من مقاوم ولا مجموعة مقاومة إلا وعانى السجن والنفي والتعذيب وربما القتل..

وظلت الجبهة المصرية هادئة لا تعمل فيها مقاومة ولا تنشط فيها حركة.. بل كان الإعلام المصري -وعلى رأسه هيكل- يشوهون هؤلاء المقاوِمين بدعوى أنهم يجرون مصر إلى حرب لا طاقة لها بها الآن، وتلمح أو تصرح أحيانا بأن هذه المقاومة قد تكون مؤامرة صهيونية! (تأمل: كيف يكرر التاريخ نفسه).

  1. وقل مثل هذا أيضا عن الجبهة السورية، فما إن تمكن حزب البعث من السلطة هناك حتى صارت جبهة الجولان باردة جامدة متجمدة، كأنه ليس فيها احتلال أصلا.. فليس فيها لا حركة مقاومة سورية ولا فلسطينية.. والجيش السوري ساكن ساكت خافت خامد هامد، لا تحس منهم من أحد أو تسمع له ركزا!

حتى فوجئنا جميعا لما اشتعلت الثورة السورية، كما فوجئ آباؤنا وأجدادنا في السبعينات والثمانينات، بأن الجيش يملك طائرات وبراميل متفجرة وأسلحة كيماوية وأنه قادر على قصف المدن وتحويلها ركاما!!.. قوة حصرية ضد الناس أبناء البلد!

وعلى الجبهة الأردنية نشاط ثم تجميد

لم تنشط المقاومة الفلسطينية إلا في ظل الأنظمة الضعيفة، مثلما هو الحال في الأردن قبل عام 1970، حيث كان نظام الأردن آنذاك يعاني من ظروف تجعله مضطرا لموازنات كثيرة، فكانت علاقته وعمالته للصهاينة غير معلنة ولا مكشوفة.. ثم ما لبث أن كشر النظام عن أنيابه وقضى على هذه المقاومة في أحداث أيلول الأسود.. لتتجمد جبهة الأردن! وما تزال متجمدة حتى الآن!

وأكثر من ذلك، لقد تنازلت الأردن نفسها عن الضفة الغربية كلها (بالمخالفة لدستور الأردن نفسه الذي كان يعتبر الضفة الغربية أرضا أردنية) لكي تهنأ بها إسرائيل، وزعموا أن هذا إنما هو “فك ارتباط”، وأنه مساعدة على استقلال “الدولة” الفلسطينية!

حال المقاومة في لبنان

فأين ذهبت المقاومة الفلسطينية.. ذهبت إلى لبنان.. حيث نظام ضعيف آخر لا يستطيع السيطرة على الأرض والحدود كما هو حال النظام المصري والسوري.. وبقيت ساحة لبنان ساخنة حتى اجتاح الإسرائيليون لبنان وتعاونوا مع حلفائهم من المارونيين وغيرهم لإنهاء الوجود الفلسطيني هناك.

الشاهد هنا، دون الخوض في تفاصيل أكثر، أن المقاومة لم تستطع أن تعيش ولا أن تعمل إلا في ظل الأنظمة الضعيفة.. وهذه الأنظمة الضعيفة جاءها المدد الغربي والإسرائيلي لتكون أقوى وتتمكن من السيطرة على الأوضاع لتقوم بدورها في حماية إسرائيل!

وأما الأنظمة القوية، فلا هي قاومت، ولا تركت غيرها يُقاوم، بل تعقبتهم.

عرفات وعصابة رام الله

ثم خُتِمت القصة المريرة بنموذج السلطة الفلسطينية.. لقد كشفت الانتفاضة الأولى (1987م) أن هذا الشعب السائل صار خطرا، فجيئ له بقيادة تلجمه وتكبله وتقيده.. فجاء عرفات وسلطته، فضرب لنا المثل الأسطع والأوضح..

وها أنت ترى نموذجا منقسما يشعل في وجهك حقيقة “وبضدها تتميز الأشياء”.. فحيث قويت السلطة الفلسطينية فأنت ترى نموذج الضفة الذي يعاني أهله معاناة عظيمة لتنفيذ عملية طعن أو شراء مسدس أو حتى الاختباء من عين العدوين: إسرائيل والسلطة.

وأما حيث ضعفت السلطة واستطاع أهل المقاومة التخلص منها، كما هو حال غزة، فها أنت ترى قلعة مقاومة عنيدة لم تسقط بعد ثمانية أشهر من صب النار عليها صبا، بل لا تزال تأسر وتقصف في معجزة عسكرية مذهلة ستظل أعجوبة مدى الدهر!

اسرح بخيالك وتأمل، ماذا كان يمكن أن يحدث لو كانت الأنظمة في مصر وسوريا والأردن ضعيفة، بحيث تستطيع الشعوب أن تجعل مناطق الحدود بؤر عمل ونشاط وإمداد وإعداد وتجهيز وتهريب؟؟

ترى، هل كانت إسرائيل لتقوى على البقاء والصمود؟!!

إن الحديث عن الحكومات والأنظمة ليس من قبيل المعارضة السياسية ولا الخصومة الحزبية.. هذه أنظمة عدائية أصيلة، لا تؤمن بالوطنية ولا لديها وطنية.. إنما هي شعارات يستعملونها لإحكام عملهم العدائي لا أكثر.

المصدر

صفحة الأستاذ محمد إلهامي.

اقرأ أيضا

مشاهد من طوفان الأقصى

دروس ووصايا من ملحمة الإباء في طوفان الأقصى

طوفان الأقصى.. هل يبلغ مداه الأقصى..؟

التعليقات غير متاحة