إن صانعي القانون يريدون أن يجعلوا من الإنسان آلة، يريدون من القاضي أن يغمض عينيه فلا ينظر، وأن يصم أذنيه فلا يسمع، وأن يمسك لسانه فلا يتكلم، وأن يتجرد من إنسانيته فلا يحس ولا يشعر ولا يفكر.

القانون يحرم علينا الكلام

إن القانون يحرم على الموظفين وعلى الأخص القضاة أن يبدو رأيهم في المسائل العامة، ويعد ذلك منهم اشتغالا بالسياسة، والسياسة عند صانعي القانون هي كل ما يمس المسائل الاجتماعية والاقتصادية والمالية، وكل ما تعلق بتنظيم الدولة وصلتها بالأفراد والجماعات والدول، وكل ما اتصل بنظام الحكم، بل كل ما اتصل باستقلال الدول وحريتها وكرامتها.

إن صانعي القانون يريدون أن يجعلوا من الإنسان آلة، يريدون من القاضي أن يغمض عينيه فلا ينظر، وأن يصم أذنيه فلا يسمع، وأن يمسك لسانه فلا يتكلم، وأن يتجرد من إنسانيته فلا يحس ولا يشعر ولا يفكر.

كيف يتجرد القاضي؟

وهل يستطيع القاضي أن يتجرد من الإحساس والشعور، ويتخلص من نعمة العقل والتفكير، وهو يعيش في وسط مشاكل الحكم والإدارة، وبين نضال الأحزاب والجماعات، وفي دوامة الاجتماع والسياسة، تطالعه في كل يوم مناظر الكادحين المحرومين، وتملأ سمعه أنات العاملين المظلومين، وتعرض عليه في كل صباح ألوان وضروب من الرِّق الاجتماعي، والإجحاف السياسي، والاستغلال المحرم!

القاضي لا يتجرد في أمة محتلة

وهل يستطيع القاضي أن يتجرد كما يشاء القانون في أمة محتلة، وُلد شيوخها وشبابها في ظل احتلال أجنبي لا يزال جاثمًا على صدرها، يحتل أرضها، ويسيطر على أرزاقها، وينهب أقواتها، ويضغط حريتها، ويتدخل في سياستها، ويستعين على أبنائها الأحرار الأبرار بإخوان لهم باعوا نفوسهم للشيطان، وفتنهم عن دينهم ووطنهم الحكم والسلطان؟!

هل يستطيع القاضي أن يتجرد في أمة أذلها الاحتلال، وأرهقتها الأغلال، وأفقرها المحتلون في مالها وأخلاقها، وبثوا الفساد في ربوعها، وأغروا العداوة والبغضاء بين أبنائها، وجعلوهم أحزابا متعددة كل حزب بما لديهم فرحون، تحسب كل حزب جَمِيعًا وقلوبهم شتى، بأسهم بينهم شديد، بدأوا حياتهم مجاهدين يكافحون الاحتلال، ويطالبون بالاستقلال التام أو الموت الزؤام، فلما ألقى إليهم المحتلون بكراسي الحكم ومغانمه تحلق هؤلاء المكافحون الأفذاذ حولها، وسالموا المحتلين على كل شيء غيرها، وانقلبوا بفضل هذه الكراسي أعداء يكافح بعضهم بعضا، ويأخذ بعضهم برقاب بعض، يسفكون دماءهم، وينهشون أعراضهم، ويقطعون أرحامهم.

القاضي لا يتجرد في أمة كلها فوضى

هل يستطيع القاضي أن يتجرد في بلد يسمح فيه بتعذيب المتهمين أشد العذاب ليعترفوا بما فعلوه أو بما لم يفعلوه، فتخلع أظافرهم، ويضربون مرة بعد مرة حتى يغمى عليهم، وتكوى أجسامهم بالنار، وتوشى بآثار السياط، ويمنع عنهم الدواء والطعام والماء، وتهتك أعراضهم فيوضع الحديد والخشب في أدبارهم، ويهَدَّدون بأن يفعل مثل هذا في أمهاتهم وزوجاتهم وبناتهم، ويحتل الجنود بيوتهم أياما وأسابيع وليس فيها إلا النساء، ثم يبلغ هذا كله أو بعضه للقائمين على القانون فلا يفعلون شَيْئًا، ثم تثار هذه الاتهامات أمام المحاكم ويرددها أكثر من متهم، وتؤيدها الأوراق الرسمية والكشوف الطبية فلا تحاول النيابة العامة أن تحقق في هذه الاتهامات الفظيعة لتحمي على الأقل سُمعة القانون وسمعة القائمين عليه.

هل يستطيع القاضي أن يتجرد في بلد يعلم كل من فيه أنهم يعيشون في فوضى، وأن الحق للأقوى، وأن القانون المسكين إنما هو أداة لجر المغانم والترخيص بالمظالم، وأن وظائف الدولة وخيراتها مقصورة على الأنصار والمحسوبين والمنسوبين، وأن النفاق هو وسيلة النجاح في الحياة، وأن التحلل من الأخلاق والإباحية هو أول ما يقرب إلى ذوي النفوذ والجاه؟

هل يستطيع القاضي أن يتجرد في بلد يعيش في عهد الإقطاع، تقوم الحياة فيه على استغلال الأقوياء القاعدين للضعفاء العاملين، فالضعيف يشقى لينال اللقمة الجافة، ويكدح ليحصل على اللباس الخشن، بينما يتحول كدح الضعيف وشقاؤه ذهبا نضارا يصب في جيوب القاعدين المترفين، فيستحلونه لأنفسهم ويحبسونه عمن هو أحق به منهم، فإذا شكا الضعيف الكادح هذا الوضع، استُعينَ عليه بالحاجة طورا، واستُعينَ عليه بالقانون طورًا آخر، حتى برم الضعيف بضعفه وبالقانون، وبدأ يتمرد على الوضع الذي هو فيه وعلى القانون الذي يحميه.

القاضي لا يتجرد في أمة تنحرف عن الدين والخُلُق

هل يستطيع القاضي أن يتجرد في بلد إسلامي ينص دستوره على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام بينما يتنكر حكامه وحكوماته للإسلام، ويتنمرون لكل من يخدم الإسلام، ويطاردون من يتعاونون على البر والتقوى، ويحمون من يتعاونون على الإثم والعدوان؟

هل يستطيع القاضي أن يتجرد في بلد ينسلخ من الأخلاق وينحرف عن الفضائل، وينكر البر والتراحم، وينأى عن مُثُلِه العليا تشبها بسادته وكبرائه واقتداءً بمترفيه؟

متى يستطيع القاضي أن يتجرد؟

إن القاضي قد يستطيع أن يتجرد في أمة تحترم شرائعها، وتنفذ نصوص قوانينها، ويتواصى بالحق والعدل أفرادها، أما في أمة لا منطق لها، تتدين ولا تحترم دينها، وتقنن ولا تنفذ قوانينها، وتعلن أن شعارها الحق والعدل والحرية وما ذلك من شعارها، أما في أمة لا يتواصى أفرادها بالحق، ولا يدعون إلى الخير ولا يأمرون بمعروف ولا يتناهون عن منكر، أما في أمة هذا شأنها فإن القاضي لا يمكنه أن يتجرد ولو حرص على التجرد، لسبب واحد بسيط هو أنه لا يستطيع.

فليغضب من شاء

إن أناسا ستحمر أنوفهم عندما يقرؤون هذا الكلام غضبا وحِمية لأصنام العصر الحاضر، وما الأصنام إلا هذه القوانين التي هم عليها عاكفون، هذه القوانين التي يطيعها المسلمون فيما يغضب الله، وتُحرِّم بها الحكومات الإسلامية ما أحل الله، وتُحِل بها ما حرم الله.

إنهم سيغضبون لأن كاهنا من كهنة هذه الأصنام قد عقها وكفر بها، وسيعجبون كيف أن قاضيا من خدام القانون يهاجم القانون ويكفر بالقانون، وسيتنادون من كل مكان أن خذوا على يد هذا الرجل قبل أن يحطم أصنامكم ويهدم نظامكم، ولكن هيهات. إنها ليست فكرة فرد ولكنه وعي أمة، إنه ليس نداء اللسان ولكنه نداء الإيمان، إنه الكفاح في سبيل الإسلام، إنه جهاد .. جهاد نتقرب به إلى الله.

أَنَا قَاضٍ وَلَكِنِّي مُسْلِمٌ

ولو كنت قاضيًا غير مسلم لسبَّح لساني بحمد القانون كما يفعل الغربيون، ولو كنت قاضيا مسلما يجهل الإسلام لقلدت الأوروبيين وأظهرت الإيمان بالقانون، ولكني قاضٍ مسلم تهيأ له بفضل الله أن يعرف من الإسلام ما لا يعرفه قضاة كثيرون، وعلم من مخالفة القوانين الوضعية للإسلام ما لا يعلمه إلا القليلون.

تجرد القاضي المسلم كُفر

إن القاضي المسلم يستطيع أن يتجرد كما يوجب عليه القانون في كل ما يمس المصالح الفردية، وكل ما يتصل بالمناورات الحزبية، أما ما يمس الإسلام ونظمه في التشريع والاجتماع والحكم، وما يمس العدالة الاجتماعية والقضائية، وما يمس الحقوق والواجبات، وما يمس الأخلاق والفضائل والمُثُل الإنسانية، وما يمس أمن الدولة في حاضرها ومستقبلها، أما هذا كله فلا يستطيع القاضي المسلم أن يتجرد فيه إلا إذا كفر بالإسلام، وإلا إذا كان حيوانا يفكر كما يفكر الحيوان، ويأكل كما تأكل الأنعام.

وأي مسلم يأتي ما يعلم أنه مخالف للإسلام فهو فاسق، فإن أتاه مستحِلا إتيانه فهو مرتد عن الإسلام كافر بالله، ولا شك أن كل مسلم يكره لنفسه أن يتصف بإحدى هاتين الصفتين فيما بينه وبين الله، وفيما بينه وبين الناس.

لا طاعة على مسلم في معصية الله

والإسلام يوجب على المسلم أن يطيع الله ورسوله أولاً، وأن يطيع أُولِي الأَمْرِ ثَانِيًا، ولكن الإسلام يوجب على المسلم أن لا يطيع أحدًا في معصية الله فطاعة أولي الأمر لا تجب فيما يُخْرِجُ المسلم عن طاعة الله، وذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59].

فهذا النص يعطي الحكام حق الأمر، ويرتب على الأفراد واجب الطاعة ولكنه يقيد الحق والواجب معًا ولا يطلقهما، فليس لآمر أن يأمر بما يخالف الإسلام، سواء كان المأمور موظفًا أو غير موظف، وذلك ظاهر من قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]، ومن قول الرسول – صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الخَالِقِ»، وقوله: «مَنْ أَمَرَكُمْ مِنَ الوُلاَّةِ بِغَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ فَلاَ تُطِيعُوهُ».

على المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر

والإسلام يوجب على المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وذلك قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]. وقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110]. وقوله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71]. وقوله: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج: 41]. وقوله: {كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 79].

وقد جاءت أحاديث الرسول – صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مبينة لهذه المعاني ومؤكدة لها، من ذلك ما روي عن أبي بكر – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – أنه قال في خطبة خطبها: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَأُونَ هَذِهِ الآيَةِ وَتُؤَوِّلُونَ على خلاف تأويلها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ – صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ ” مَا مِنْ قَوْمٍ عَمِلُوا بِالمَعَاصِي وَفِيهِمْ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَفْعَلْ إِلاَّ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ”».

وَقَالَ – صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «[لَتَأْمُرُنَّ] بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُسَلَّطَنَّ عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ، ثُمَّ يَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ».

وَقَالَ: «مَا أَعْمَالُ البِرِّ عِنْدَ الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ إِلاَّ كَنَفْثَةٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ، وَمَا جَمِيعُ أَعْمَالِ البِرِّ وَالجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ عِنْدَ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ المُنْكَرِ إِلاَّ كَنَفْثَةٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ».

وَقَالَ: «أَفْضَلُ شُهَدَاءِ أُمَّتِي رَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ بِالمَعْرُوفِ وَنَهَاهُ عَنْ المُنْكِرِ فَقَتَلَهُ عَلَى ذَلِكَ فَذَلِكَ الشَّهِيدُ، مَنْزِلَتُهُ ‘ فِي الجَنَّةِ بَيْنَ حَمْزَةَ وَجَعْفَرَ».

وَقَالَ: «بِئْسَ القَوْمُ قَوْمٌ لاَ يَأْمُرُونَ بِالقِسْطِ وَبِئْسَ القَوْمُ قَوْمٌ لاَ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَلاَ يَنْهَوْنَ عَنْ المُنْكِرِ».

وقال: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ».

والأمر بالمعروف هو الترغيب في كل ما ينبغي قوله أو فعله طبقًا لنصوص الشريعة الإسلامية.

والنهي عن المنكر هو الترغيب في ترك ما ينبغي تركه أو تغيير ما ينبغي تركه طِبْقًا للشريعة الإسلامية.

ومن المتفق عليه أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس حَقًّا للأفراد يأتونه إن شاءوا، ويتركونه إن شاءوا، وليس مندوبًا إليه يحسن بالأفراد إتيانه وعدم تركه، وإنما هو واجب على الأفراد وليس لهم أن يتخلوا عن أدائه، وفرض لا محيص لهم من القيام بأعبائه.

وقد أوجب الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتقوم الجماعة على الخير، وينشأ الأفراد على الفضائل، وتقل المعاصي والجرائم، فالحكومات تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، والجماعات تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، والأفراد يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وبذلك يستقر أمر الخير والمعروف بين الجماعة، وَيُقْضَى على الفساد والمنكر بتعاون الجميع على البر والتقوى، ومكافحتهم الإثم والعدوان.

ذَلِكُمْ هُوَ حُكْمُ الإِسْلاَمِ

وهكذا يوجب الإسلام على كل مسلم عصيان الحكومات والحكام فيما يؤمر به من معصية الخالق، ويحرم الإسلام على كل مسلم أن يطيع قانونًا أو أمرًا يخالف شريعة الإسلام ويخرج على حدود ما أمر به الله ورسوله.

وهكذا يوجب الإسلام على كل مسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فيأمر بما أمر به الله، وينهى عما نهى عنه الله، ويوجب الإسلام على كل مسلم رأى منكرًا أن يغيره بيده كلما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وإلا فبلسانه وقلمه، فإن لم يستطع فبقلبه، {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286].

عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُؤَدِّيَ وَاجِبَهُ

هذا هو حكم الإسلام، وتلك هي سبيل المؤمنين، وقد أظلنا زمن فشا فيه المنكر وفسد أكثر الناس، فالأفراد لا يتناهون عن منكر فعلوه، ولا يأمرون بمعروف افتقدوه، والحكام والأفراد يعصون الله ويحلون ما حرم الله، والحكومات تسن للمسلمين قوانين تلزمهم الكفر وتردهم عن الإسلام، فعلى كل مسلم أن يؤدي واجبه في هذه الفترة العصيبة.

ومن واجب كل مسلم سواء كان موظفًا أو غير موظف، قاضيًا أو غير قاض، أن يهاجم القوانين والأوضاع المخالفة للإسلام، وأن يهاجم الحكومات والحكام الذين يضعون هذه القوانين أو يتولون حمايتها وحماية الأوضاع المخالفة للإسلام، وعلى المسلمين في أنحاء الأرض أن يتعاونوا على تغيير القوانين والأوضاع المخالفة للإسلام وتحطيمها بأيديهم، فإن عجز أحدهم أو بعضهم عن الاشتراك في تحطيمها بيديه فعليه أن يسل عليها لسانه ويهاجمها بقلمه متعاونًا مع إخوانه الذين يستطيعون التغيير بأيديهم، فإن عجز أحد المسلمين أو بعضهم عن العمل أو القول الذي يهدم به القوانين والأوضاع المخالفة للإسلام، فعليه أن يهدمها في نفسه، وأن يلعنها ويلعن القائمين عليها في قلبه.

وكفى المسلمين أداءً لواجبهم ونجاحًا فيه أن يتعاون أقصاهم وأدناهم دَارًا، وأقواهم وأضعفهم إيمانًا، على تغيير المنكر وهدم هذه الأصنام والطواغيت.

إن أول ما يجب على المسلم أن يتعاون فيه مع أخيه المسلم هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والله – جَلَّ شَأْنُهُ – يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]. فليتعاون المسلمون على هدم هذه المنكرات الفاشية يُعِنْهُم اللهُ وَيَمُدَّهُمْ بِنَصْرِهِ، ويد الله مع الجماعة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.

لِيُؤَدِّ كل مسلم واجبه في محاربة القوانين والأوضاع المخالفة للإسلام، وما على المسلم وهو يؤدي واجبه بأس مما يقوله أو يفعله الجاهلون، ما دام على بَيِّنَةٍ من دينه، وعلى يقين من أمر ربه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105].

المصدر

كتاب: “الإسلام وأوضاعنا القانونية” عبد القادر عودة، ص7-12.

اقرأ أيضا

شبهة أن قبول القوانين الوضعية ليست رداً لأمر الله .. (1-3)

شبهة أن قبول القوانين الوضعية ليست رداً لأمر الله .. (2-3)

حكم الاحتكام إلى القوانين الوضعية (لابن باز)

الإسـلام شريعـة تحكـم حيـاة الأمـة

متى ولمن .. السمع والطاعة؟

التعليقات غير متاحة