لقد جاء الإسلام معلنا للحق، و مؤيدا للحق في نفس الوقت، وما الطغيان الذي نراه اليوم إلا لأن الحق لا قوة له، ولذلك أمر الله المسلمين بالإعداد . أمر بذلك لأنه لا يوجد مبدأ دون قوة، وسواء كان هذا المبدأ حقا أم باطلا، أرضيا أم سماويا، فلابد له من قوة تحميه.
المهزومون وتلمس المبررات الدفاعية
إنه لمن المؤسف أن يضع بعض الدعاة والمفكرين من المسلمين أنفسهم موضع المتهم المنهزم، الذي يريد أن يبرئ نفسه من تهمه، ويحسن وضعه عند خصمه، إن هذا المنهج الأعوج هو ما يتبناه اليوم بعض من قام بالرد على الملبسين من الكفار والمنافقين في قولهم: إن الإسلام انتشر بالسيف وسفك الدماء، فبادر هؤلاء بالرد عليه بقولهم: إن الإسلام لم ينتشر بالسيف، ولكن بالدعوة والبيان، وإنما كان السيف للدفاع عن النفس وعن الديار فقط !! ولا يخفى ما في هذا الكلام من مخالفة لما ذكره الله عز وجل في كتابه الكريم عن غاية الجهاد وما فيه أيضا من مخالفة لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء وأمراء المسلمين من بعده في تسيير الجيوش لفتح الدنيا وإزالة الطواغيت الذين يصدون عن الدين الحق، وحتى لا تكون فتنة؛ أي شرك. ويكون الدين كله لله، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله:
(والسيف إنما جاء منفذا للحجة مقوما للمعاند، و حدا للجاحد، قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحديد: 25]، دين الإسلام قام بالكتاب الهادي ونفذه السيف الماضي:
فما هو إلا الوحي أو حد مرهف يقيم ضباء اخدعي كل مائل
فهذا شفاء الداء من كل عاقل وهذا دواء الداء من كل جاهل)1(1) “هداية الحيارى” مقدمة الكتاب.
يشوهون بواعث الجهاد الإسلامي بحجة الدفاع عن سمعة الإسلام
ويناقش صاحب الظلال هذه المسألة بكل عزة، فيقول: (إن الباحثين الإسلاميين المعاصرين المهزومين تحت ضغط الواقع الحاضر، وتحت الهجوم الاستشراقي الماكر، يتحرجون من تقرير تلك الحقيقة، لأن المستشرقين صوروا الإسلام حركة قهر بالسيف للإكراه على العقيدة والمستشرقون الخبثاء يعرفون جيدا أن هذه ليست هي الحقيقة، ولكنهم يشوهون بواعث الجهاد الإسلامي بهذه الطريقة .. ومن ثم يقوم المنافحون – المهزومون- عن سمعة الإسلام، بنفي هذا الاتهام! فيلجأون إلى تلمس المبررات الدفاعية! ويغفلون عن طبيعة الإسلام ووظيفته، وحقه في تحرير الإنسان، ابتداء …
والمهزومون روحيا وعقليا حين يكتبون عن (الجهاد في الإسلام) ليدفعوا عن الإسلام هذا الاتهام.. يخلطون بين منهج هذا الدين في النص على استنكار الإكراه على العقيدة، ويبين منهجه في تحطيم القوى السياسية المادية التي تحول بين الناس وبينه، والتي تعبد الناس للناس وتمنعهم من العبودية لله، ومن أجل هذا التخليط – وقبل ذلك من أجل تلك الهزيمة !- يحاولون أن يحصروا الجهاد في الإسلام فيما يسمونه اليوم :
مبررات وبواعث الجهاد الإسلامي
الحرب الدفاعية .. والجهاد في الإسلام أمر آخر لا علاقة له بحروب الناس اليوم، ولا بواعثها، ولا تكييفها كذلك.. إن بواعث الجهاد في الإسلام ينبغي تلمسها في طبيعة الإسلام ذاته، ودوره في هذه الأرض، وأهدافه العليا التي قررها الله، وذكر الله أنه أرسل من أجلها هذا الرسول بهذه الرسالة، وجعله خاتم النبيين وجعلها خائمة الرسالات..
إن هذا الدين إعلان عام لتحرير الإنسان في الأرض من العبودية للعباد، وذلك بإعلان ألوهية الله وحده – سبحانه- وربوبيته للعالمين..
ترى لو كان أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهما قد أمنوا عدوان الروم والفرس على الجزيرة أكانوا يقعدون إذن عن دفع المد الإسلامي إلى أطراف الأرض؟ وكيف كانوا يدفعون هذا المد، و أمام الدعوة تلك العقبات المادية من: أنظمة الدولة السياسية، وأنظمة المجتمع العنصرية إنها سذاجة أن يتصور الإنسان دعوة تعلن تحرير (الإنسان)، نوع الإنسان.. في الأرض.. ملء الأرض.. ثم تقف أمام العقبات تجاهدها باللسان والبيان! .. إنها تجاهد باللسان والبيان حينما يخلى بينها وبين الأفراد، تخاطبهم بحرية، وهم مطلقو السراح من جميع تلك المؤثرات.. فهنا (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) .. أما حين توجد تلك العقبات والمؤثرات المادية، فلا بد من إزالتها أولا بالقوة، للتمكن من مخاطبة قلب الإنسان وعقله وهو طليق من الأغلال)2(2) انظر: في ظلال القرآن (3/ 1433، 3 / 1440) باختصار..
الإسلام ليس ضعيفا كي نضعه في قفص الاتهام
(إن الإسلام يحتاج اليوم إلى من يقدمه للناس كما هو بعزة ووضوح، نعم بحكمة ولكن دون تحريف أو انهزام، والذي أعتقده أن الفرصة هذه الأيام سانحة لمثل هذا التقديم، فلا ينبغي تضييعها، والإسلام ليس ضعيفا كي نضعه في قفص الاتهام، ثم تجهد في الدفاع عنه لإخراجه منه؟
وهكذا أوقعونا في الفخ فقالوا: إن إسلامكم انتشر بالسيف، ودينكم دين إرهاب، وإن نبيكم لم يأت إلا بالدمار للعالم! و أنتم معشر المسلمين تحبون الدماء! فقام المخلصون، وهم إما جهلة، وإما منهزمون، وإما يريدون تجميل الإسلام إلى أن يفتح الله، وإما – وللإنصاف – مجتهدون، يردون: كلا ديننا لم ينتشر بالسيف، انظروا إلى شرق آسيا لم يدخله الإسلام إلا عن طريق التجار، وكلا نحن لسنا إرهابيين، نحن ألطف من خلق الله ! ونبينا نبي الرحمة، حتى الحيوانات لم تهملها رحمته ! أما عن حبنا للدماء فإشاعات مغرضة والله !
ألا دعونا مما قاله رئيس الفاتيكان وأجداده وأبناؤه والمستشرقون من قبله، وقولوا لنا: ماذا قال الله سبحانه؟ و ماذا قال رسوله صلى الله عليه وسلم؟ دعونا من فقه الأزمة هذا الذي يقودكم، وخذونا إلى فقه المرشد الذي دلنا الله عليه ورسوله، وحمله الصحابة ومن بعدهم من كبار الأمة وفقهائها، وعليه ساروا حتى وهم في أصعب حالاتهم أمام الصليبيين والتتار، ذلك أن الهزيمة لا تقاس بكم احتل من أشبار، وإنما بكم احتل من قلوب!
قوام الدین: کتاب يهدي، وسيف ينصر
قال الله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحديد:25].
لقد بينت الآية القاعدة التي يقوم عليها الإسلام، وهي الكتاب، والقوة، وقد قال ابن تيمية رحمه الله: (قوام الدین: کتاب يهدي، وسيف ينصر)، لقد جاء الإسلام معلنا للحق، و مؤيدا للحق في نفس الوقت، وما الطغيان الذي نراه اليوم إلا لأن الحق لا قوة له، ولذلك أمر الله المسلمين بالإعداد (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ…) [الأنفال:60]. أمر بذلك لأنه لا يوجد مبدأ دون قوة، وسواء كان هذا المبدأ حقا أم باطلا، أرضيا أم سماويا، فلابد له من قوة تحميه.
– الإسلام دين السيف؛ لأنه جاء لقيادة البشرية نحو خيرها
فمن حقها أن تبلغها الدعوة، ولا يمكن هذا إلا بتحطيم الأنظمة التي تحول بين الناس وبين أن يسمعوا كلمة الله، والإسلام دين السيف لمنع الفتنة التي يقترفها المفسدون في الأرض، وليكون الدين كله لله “لا بمعنى إكراه الناس على الإيمان، ولكن بمعنی استعلاء دين الله في الأرض” ، قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) [البقرة :193].
وهل نريد هذا فعلا؟! مع كل هذا الضعف: نعم! ومع كل هذا الهوان: نعم! ونحن تحت القصف: نعم! ونحن مشردون: نعم! هذا هو فقه المرشد الذي لا يتغير في الأزمات وغيره فقه أزمة لا يمثل الإسلام، وإنما يمثل النفوس المسحوقة..
– والإسلام دين السيف؛ لأن الصراع بين الخير والشر لا ينقطع
فالحياة قائمة على قانون التدافع، ولو تمكن الشر وحده من الأمر، كما يحصل الآن، لفسدت الحياة، وما الطغيان الذي نراه اليوم إلا لانعدام القوة المقابلة. قال الله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40].. والإسلام دين السيف؛ لأنه فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، نبي الرحمة ونبي الملحمة؛ نبي المرحمة في وقتها، ونبي الملحمة في وقتها، وهذا مقتضي الحكمة التي بعث بها صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل: حلم فقل: للحلم موضع … وحلم الفتى في غير موضعه جهل فهو صلى الله عليه وسلم الذي أمر بقتال الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله.. کما صح عنه، والنص عام والقول: إنه خاص بوقته ضعيف، وهو الذي أمر کما قال الصحابي فيها رواه البخاري: (أمرنا نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية)3(3) البخاري (2925)..
من هم الإرهابيون بحق؟!
لقد آن للمسلمين أن يتحولوا إلى موقف الهجوم بدلا من موقف الدفاع، الذي لصقوا به دهرا طويلا، وليقولوا للعالمين: إذا كان الإرهاب لحفظ الحق، فنحن إرهابيون، ذلك أن الإرهاب ليس وصفا مطلقا، فقد يكون خيرا وقد يكون شرا؛ كالقتل، منه ما هو شر، ومنه ما هو خير، فقتل النفس البريئة شر، وقتل القاتل خيرا وهكذا..
إن من يتهمنا بالإرهاب هم آخر من يحق لهم الكلام عنه، فلسنا نحن الذين استعمرنا وخربنا العالم في القرون الوسطى، وأنهكنا الشعوب وسرقنا خيراتها، ولسنا نحن الذين اصطحبنا رجال الدين ليخدعوا الشعوب باسم الربا ولسنا نحن الذين أشعلنا أقذر حربين في قرن واحد أكلتا ملايين البشر، ومحقتا خيرات الدنيا والقائمة تطول)4(4) انظر: موقع المختصر مقال (بل الإسلام دين السيف) إبراهيم العسعس...
لا يكون الدفاع عن الدين بتجريده من حقه في الجهاد والدفاع عن أهله
(هذا هو قوام الأمر في نظر الإسلام.. وهكذا ينبغي أن يعرف المسلمون حقيقة دينهم، وحقيقة تاريخهم، فلا يقفوا بدينهم موقف المتهم الذي يحاول الدفاع، إنما يقفون به دائما موقف المطمئن الواثق المستعلي على تصورات الأرض جميعا، وعلى نظم الأرض جميعا، وعلى مذاهب الأرض جميعا، ولا ينخدعوا بمن يتظاهر بالدفاع عن دينهم بتجريده في حسهم من حقه في الجهاد لتأمين أهله، والجهاد لكسر شوكة الباطل المعتدي، والجهاد لتمتيع البشرية كلها بالخير الذي جاء به، والذي لا يجني أحد على البشرية جناية من يحرمها منه، ويحول بينها وبينه. فهذا هو أعدى أعداء البشرية، الذي ينبغي أن يطارده المؤمنون، الذين اختارهم الله وحباهم بنعمة الإيمان، فذلك واجبهم لأنفسهم وللبشرية كلها، وهم مطالبون بهذا الواجب أمام الله..
– جاهد الإسلام أولا ليدفع عن المؤمنين الأذى والفتنة التي كانوا يسامونها
وليكفل لهم الأمن على أنفسهم، وأموالهم، وعقيدتهم. وقرر ذلك المبدأ العظيم (والفتنة أشد من القتل) فاعتبر الاعتداء على العقيدة والإيذاء بسببها، وفتنة أهلها أشد من الاعتداء على الحياة ذاتها، فالعقيدة أعظم قيمة من الحياة وفق هذا المبدأ العظيم، وإذا كان المؤمن مأذون في القتال ليدفع عن حياته وعن ماله، فهو من باب أولى مأذون في القتال ليدفع عن عقيدته ودينه..
– وجاهد الإسلام ثانيا لتقرير حرية الدعوة – بعد تقرير حرية العقيدة –
فقد جاء الإسلام بأكمل تصور للوجود والحياة، وبأرقی نظام لتطوير الحياة جاء بهذا الخير ليهديه إلى البشرية كلها؛ ويبلغه إلى أسماعها وإلى قلوبها، فمن شاء بعد البيان والبلاغ فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولا إكراه في الدين ولكن ينبغي قبل ذلك أن تزول العقبات من طريق إبلاغ هذا الخير للناس كافة؛ كما جاء من عند الله للناس كافة. وأن تزول الحواجز التي تمنع الناس أن يسمعوا، وأن يقتنعوا وأن ينضموا إلى موكب الهدی إذا أرادوا. ومن هذه الحواجز أن تكون هناك تظم طاغية في الأرض تصد الناس عن الاستماع إلى الهدی، و تفتن المهتدين أيضا، فجاهد الإسلام ليحطم هذه النظم الطاغية؛ وليقيم مكانها نظاما عادلا يكفل حرية الدعوة إلى الحق في كل مكان وحرية الدعاة، وما يزال الجهاد مفروضا على المسلمين ليبلغوه إن كانوا مسلمين!
– وجاهد الإسلام ثالثا ليقيم في الأرض نظامه الخاص ويقرره ويحميه..وهو وحده النظام الذي يحقق حرية الإنسان تجاه أخيه الإنسان؛ حينما يقرر أن هناك عبودية واحدة لله الكبير المتعال، ويلغي من الأرض عبودية البشر للبشر في جميع أشكالها وصورها…)5(5) انظر: في ظلال القرآن (296-1/294) باختصار شدید..
الهوامش
(1) “هداية الحيارى” مقدمة الكتاب.
(2) انظر: في ظلال القرآن (3/ 1433، 3 / 1440) باختصار.
(3) البخاري (2925).
(4) انظر: موقع المختصر مقال (بل الإسلام دين السيف) إبراهيم العسعس.
(5) انظر: في ظلال القرآن (296-1/294) باختصار شديد.
اقرأ أيضا
التخذيل عن الجهاد..من صفات المنافقين
الجهاد في الإسلام: شبهة وجوابها
أثر الدعوة والجهاد على عقيدة الولاء والبراء في نفس الداعية