منهج السلف في باب الأسماء والصفات، سهل في إدراكه، منضبط في أركانه، فهو منهج يقوم على الأخذ بنور الوحيين، وسلوك طريق النبيين والصديقين، ومنه استخرجوا القواعد التي سار عليها السلف في باب أسماء الله وصفاته، وهي قواعد تتميز بسهولة فهمها وتطبيقها .
تنبيهات مهمة على أسماء الله الحسنى
التنبيه الأول: أسماء الله الحسنى كلها توقيفية
ومعنى أنها توقيفية: أي إنه يجب الوقوف فيها على ما جاء في الكتاب والسنة، فلا يزاد على ذلك ولا ينقص، بل يكتفى بما وردت به نصوص الشرع لفظا ومعنى، فعقل الإنسان لا يمكنه إدراك ما يستحقه سبحانه من الأسماء، فوجب الوقوف في ذلك على النص، حتى لا تقول على الله تعالى بغير علم، فكل من سمى الله عز وجل بما لم يسم به نفسه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو أنكر شيئا مما سمی به تعالى نفسه؛ فقد ارتكب جناية في حق الله وعرض نفسه لشديد العقاب.
وقد ورد في القرآن الكريم أفعال أطلقها الله تعالى على نفسه المقدسة مقيدة ولم يتسم منها باسم، كقوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: 30]، وقوله: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: 67]، وقوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ [البقرة: 15]، وقوله عز وجل: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾ [الطارق: 15- 16]، وقوله سبحانه: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء: 142].
فلا يجوز لأحد أن يسمي الله -جل وعلا-: الماكر أو الناسي أو المستهزئ أو الكياد أو المخادع، أو نحو ذلك مما يتعالی عنه سبحانه؛ وذلك لأنه تعالى لم يسم نفسه بذلك، ولا سماه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، ولما في ذلك من الدلالة على معنى مذموم، ولأن في إطلاقها على الله غير مقيدة، نوع من مثل السوء فيكون مطلقها قد أقام بالله تعالى مثل سوء، والله سبحانه منزه عن ذلك، ويمتنع الوصف والإخبار بمطلق هذه الأفعال، ولكن يجوز ذلك مقيدا كما جاء في الشرع، كأن تقول: «الله يستهزي بالكافرين» ونحو ذلك.
يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى -: (ومن هنا يعلم غلط بعض المتأخرين وزلقه الفاحش في اشتقاقه له سبحانه من كل فعل أخبر به عن نفسه اسما مطلقا فأدخله في أسمائه الحسنى! فاشتق له اسم الماكر، والخادع، والفاتن، والمضل، والكاتب ونحوها من قوله: ﴿وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾ ، ومن قوله: ﴿وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ ، ومن قوله: ﴿لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ ، ومن قوله: ﴿يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ﴾ ؛ وهذا خطأ من وجوه:
أحدها : أنه سبحانه لم يطلق على نفسه هذه الأسماء؛ فإطلاقها عليه لا يجوز.
الثاني: أنه سبحانه أخبر عن نفسه بأفعال مختصة مقيدة، فلا يجوز أن ينسب إليه مسمى الاسم عند الإطلاق.
الثالث: أن مسمى هذه الأسماء منقسم إلى ما يمدح عليه المسمى به، وإلى ما يذم، فيحسن في موضع، ويقبح في موضع، فيمتنع إطلاقه علیه سبحانه من غير تفصيل.
الرابع : أن هذه ليست من الأسماء الحسنى التي يسمى بها سبحانه ؛ كما قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾
وهي التي يحب سبحانه أن يثنى عليه ويحمد بها دون غيرها.
الخامس: أن هذا القائل لو سمي بهذه الأسماء، وقيل له: هذه مدحتك وثناء عليك، فأنت الماكر الفاتن المخادع المضل اللاعن الفاعل الصانع، ونحوها لما كان يرضى بإطلاق هذه الأسماء عليه ويعدها مدحة، ولله المثل الأعلى سبحانه)1(1) طريق الهجرتين» (404)، وانظر: «المفاهيم المثلی، ولید بن محمود حسن بتصرف واختصار (ص219)..
التنبيه الثاني: الأسماء الجامدة ليست من أسماء الله تعالى
فليس من أسمائه عز وجل: الدهر، والشيء ونحو ذلك؛ لأن هذه الأسماء لا تتضمن معنى يلحقها بالأسماء الحسنى، فالأسماء الحسنى أعلام وأوصاف، ولأن الله تعالى لم يتسم بها، ولم يسمه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار»2(2) البخاري (4826)، مسلم (2246)..
فهذا الحديث قد يفهم منه أن «الدهر» اسم من أسماء الله الحسنى، وهو ليس كذلك.
فهو أولا: اسم جامد لا يتضمن معنى يلحقه بالأسماء الحسنی.
وثانيا: إن اسم الدهر اسم للوقت والزمان.
أما معنى قوله تعالى: «وأنا الدهر»، فهو كما قال الإمام الخطابي رحمه الله: (أي: أنا صاحب الدهر، ومدبر الأمور التي ينسبونها إلى الدهر، فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور، عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها، وإنما الدهر زمان جعل ظرفا لمواقع الأمور …)3(3) فتح الباري» (8/ 438). اه.
ومما يدل على قول الإمام الخطابی رحمه الله أنه تعالى قال في الحديث القدسي: «أقلب الليل والنهار» والليل والنهار هما الدهر، فلا يمكن أن يكون المقلب “بكسر اللام” هو المقلب بفتحها.
التنبيه الثالث: المثل الأعلى
ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء، ولم يمنع عدم النظير في الدنيا السلف من فهم ما أخبروا به من ذلك.
فهكذا الأسماء والصفات، لم يمنعهم انتفاء نظيرها ومثالها من فهم حقائقها، ومعانيها، بل قام بقلوبهم معرفة حقائقها، وانتفاء التمثيل والتشبيه، والتعطيل عنها، وهذا هو المثل الأعلى الذي أثبته الله تعالى لنفسه فقال: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الروم: 27]، وقال سبحانه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -: (والله سبحانه وتعالى لا تضرب له الأمثال التي فيها مماثلة لخلقه؛ فإن الله لا مثل له، بل له المثل الأعلى، فلا يجوز أن يشترك هو والمخلوق في قياس تمثيل، ولا في قياس شمول تستوي أفراده، ولكن يستعمل في حقه المثل الأعلى، وهو أن كل ما اتصف به المخلوق من كمال، فالخالق أولى به، وكل ما تنزه عنه المخلوق من نقص، فالخالق أولى بالتنزيه عنه، فإذا كان المخلوق منزها عن مماثلة المخلوق مع الموافقة في الاسم، فالخالق أولى أن ينزه عن مماثلة المخلوق وإن حصلت موافقة في الاسم)4(4) شرح الرسالة التدمرية للشيخ عبد الرحمن البراك (ص 165)..
التنبية الرابع: في بيان أن هذه الأسماء ليس لها عدد محدد
أسماء الله تعالی لیست محصورة بعدد معين، وذلك لما ثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرجا». قال: فقيل: یا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال: بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها»5(5) رواه أحمد (1/391)، والحاكم والطبراني في «الكبيره وصححه الألباني في «الصحيحة» (199)..
فما استأثر الله تعالى به في علم الغيب عنده، لا يمكن لأحد حصره ولا الإحاطة به.
وأما ما جاء في الحديث: «إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما» فهذا لا يقطع بالحصر للأسماء في هذا العدد، ولو كان المراد ذلك لكانت العبارة: «إن أسماء الله تعالى تسعة وتسعون اسما» أو نحو ذلك، فمعنى الحديث إذا: إن تسعة وتسعين اسما من أسماء الله عز وجل من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة.
التنبيه الخامس: المضاف إلى الله تعالى قسمان
1- أعيان: وهي الذوات المنفصلة المستقلة بنفسها عما سواها، والمراد بها هنا: ما نسب إلى الله نسبة خلق وإيجاد، وهي إذا أضيفت إلى الله تعالى فإما أن تضاف إلى أنها مخلوق من مخلوقاته كقوله تعالى: ﴿هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ﴾ [لقمان: 11]. وإما أن تضاف لمعنى يختص به المضاف عن غيره، كأن تقتضي التشريف أو العناية أو أنها تمتاز عن غيرها من الأعيان، وذلك بما يناسب السياق، كما جاء في القرآن: ﴿نَاقَةُ اللَّهِ﴾ [الأعراف: 73]، ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ﴾ [الحج: 26].
والإضافة الأولى تقتضي بيان ذلك المضاف ونوعه وكمال من أوجده وأتقن صنعته فكان في أحسن تقويم وأفضل نظام، والثانية تقتضي تشريف المضاف وتعظيمه في نفسه.
2- صفات: وهي المعاني والأعيان القائمة بالذوات، والمراد بها هنا: ما نسب إلى الله تعالى على أنه وصف قائم بذاته، كالعلم، والقدرة، والحياة، والوجه، والیدین. وهذه الإضافة تقتضي نسبة الصفة إليه تعالى، وأن تترتب عليها آثارها، وأن تنسب هذه الآثار للموصوف بها.
التنبيه السادس: دلالة أسماء الله تعالى على ذاته وصفاته تكون بالمطابقة وبالتضمن وبالالتزام
دلالة الأسماء الحسنی قسمان:
1- دلالة عامة: وهي الدلالة على العلمية والوصفية، وهذا القسم من دلالتها لا علاقة له بدلالة الأفراد المعنية من أسماء الله، بل هي دلالة مطلقة من حيث هي أسماء الله الحسنى، وقد تقدم الكلام عليها.
۲- دلالة خاصة: وهي تستفاد من كل اسم من أسماء الله الحسنى بعينه، وهي ما دل لفظها على الذات وخصوص صفة، كدلالة: «الرحمن» على ذات الله تعالی وعلى صفة الرحمة، وهي باعتبار الدلالة اللفظية ثلاثة أنواع:
أ- دلالة مطابقة: وذلك بدلالة الاسم على جميع أجزائه: «الذات والصفات» دلالة اللفظ على كل معناه.
ب- دلالة تضمن: وذلك بدلالة الاسم على بعض أجزائه.
ج- دلالة التزام: وذلك بدلالة الاسم على غيره من الأسماء أو الصفات التي تتعلق تعلقا وثيقا بهذا الاسم وإن كانت خارجة عنه.
يقول الشيخ السعدي – رحمه الله تعالى -: (ودلالة الأسماء على الذات والصفات تكون بالمطابقة، والتضمين، والالتزام؛ فإن الدلالة نوعان: لفظية، ومعنوية عقلية، فإن أعطيت اللفظ جميع ما دخل فيه من المعاني فهي دلالة مطابقة؛ لأن اللفظ طابق المعنى من غير زيادة ولا نقصان، وإن أعطيته بعض المعنى فتسمى دلالة تضمن؛ لأن المعنى المذكور بعض اللفظ وداخل في ضمنه، وأما الدلالة المعنوية العقلية فهي خاصة بالعقل والفكر الصحيح؛ لأن اللفظ بمجرده لا يدل عليها وإنما ينظر العبد ويتأمل في المعاني اللازمة لذلك اللفظ الذي لا يتم معناها بدونه، وما يشترط له من الشروط، وهذا يجري في جميع الأسماء الحسنى كل واحد منها يدل على الذات وتلك الصفة دلالة مطابقة، ويدل على الذات وحدها أو على الصفة وحدها دلالة تضمن، ويدل على الصفة الأخرى اللازمة لتلك المعاني دلالة التزام؛ مثال ذلك: ﴿الرَّحْمَنِ﴾ يدل على الذات وحدها وعلى الرحمة وحدها دلالة تضمن، وعلى الأمرين دلالة مطابقة، ويدل على الحياة الكاملة، والعلم المحيط، والقدرة التامة ونحوها دلالة التزام؛ لأنه لا توجد الرحمة من دون حياة الراحم وقدرته الموصلة لرحمته، للمرحوم وعلمه به وبحاجته)6(6) انظر: «الحق الواضح المبين» (ص 106، 107)..
التنبيه السابع: ما ثبت الدعاء به فهو اسم من أسماء الله الحسني
لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾، فما ورد في القرآن الكريم أو في السنة النبوية الصحيحة، ودعي به فهو اسم من أسماء الله عز وجل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ومن أسمائه التي ليست في التسعة والتسعين: اسمه السبوح …، وكذلك أسماؤه المضافه؛ مثل: أرحم الراحمين، وخير الغافرين، ورب العالمين، ومالك يوم الدين، وأحسن الخالقين، وجامع الناس ليوم لاريب فيه، ومقلب القلوب، وغير ذلك مما ثبت في الكتاب والسنة، وثبت الدعاء بها بإجماع المسلمين)7(7) «مجموع الفتاوى» (2/493-491)..
التنبيه الثامن: ما ورد مقيدا من الأسماء الحسنى في القرآن الكريم: فلا يكون اسما إلا بهذا الورود
مثل اسم «المنتقم»؛ فلم يرد إلا مقيدا في قوله تعالى: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ﴾ [السجدة: 22]، وفي قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ﴾ [إبراهيم: 47].
وكذلك إذا ورد في الكتاب والسنة اسم فاعل يدل على نوع من الأفعال ليس بعام شامل، فلا يعد من الأسماء الحسنی؛ مثل: الزارع، الذاري، المسعر.
التنبيه التاسع: الأسماء المتضمنة صفة واحدة لا تعد اسما واحدا
بل كل صيغة من صيغ الاسم تعد اسما مستقلا، مثال ذلك: «القادر»، «القدير ، المقتدر» متضمنة لصفة القدرة، وتعد ثلاثة أسماء، وأسماء مثل: «العلي»، «الأعلى»، «المتعالي»، تعد ثلاثة أسماء مع تضمنها لصفة واحدة هي صفة العلو.
فالقادر اسم، والقدير اسم، والمقتدر اسم، مع أنها كلها متضمنة صفة واحدة؛ لأن بعضها يزيد بخصوصية عن الآخر، وقد وقع الاتفاق على أن اسمي «الرحمن»، «الرحیم» اسمان، مع كونهما متضمنين صفة واحدة، فتغير مباني وألفاظ الأسماء يدل على فرق في المعنى، وإذا تغير المعنى صار اسما مستقلا بذاته.
التنبيه العاشر: الأسماء المقترنة التي لا يصح فيها إطلاق اسم منها دون الآخر تكون كالاسم الواحد
مثل: اسمي «القابض، الباسط »، واسمي « المقدم، المؤخر»؛ فكل مجموعة من هذه الأسماء وإن كانت تحوي اسمين مختلفين؛ لأن كل اسم منها يحمل معنى غير الآخر، لكنها تكون كالاسم الواحد في المعنى؛ فلا يصح إفراد اسم عن الآخر في الذكر؛ لأن الاسمين إذا ذكرا معا دل ذلك على عموم قدرته وتدبيره، وأنه لا رب غيره، وإذا ذكر أحدهما لم يكن فيه هذا المدح، والله له الأسماء الحسنی8(8) انظر: «المنهاج الأسنی وحاشيته» (1/ 164، 165)..
التنبيه الحادي عشر: هل نصوص أسماء الله الحسنى محكمة أم متشابهة؟
يجيب على ذلك د. شحادة ؛ فيقول: (المحكم هو البين الواضح الذي لا يحتاج في معناه إلى غيره، وذلك لوضوحه، أما المتشابه فهو ما لا سبيل إلى إدراك حقيقته و كنهه.
ونصوص الأسماء الحسنى من النصوص المحكمة أيما إحكام، بل هي من أحكم المحكمات، فمعانيها واضحة، ومن له علم بالعربية يستطيع التفريق بين اسم واسم، فنفهم من اسم «الرحمن» غير ما نفهمه من اسم «العزیز»، ونفهم من اسم « الغفور» غير ما نفهمه من اسم «الجبار».. وهكذا، وكذلك فإن من إحكام الأسماء الحسنی تضمنها صفات الكمال، وأنها ليست أعلاما مجردة، فنعلم أن اسم الله «الحكيم» متضمن للحكمة الكاملة، وأن اسم الله «العزيز» متضمن للعزة الكاملة، وبهذا يتبين أن أسماء الله محكمة.
وأما ما تضمنته الأسماء من الصفات ففيه تفصيل: فإذا أريد معنى الصفة، فإنه أيضا -محکم- وليس بمتشابه؛ لأننا نفهم القدر المشترك بين الصفتين؛ أي: صفة الخالق، وصفة المخلوق من حيث اللفظ، والمعنى العام الذي يجعلنا نفهم معنى الخطاب.
وأما إذا أريد حقائق الصفات وكيفياتها فهذا من المتشابه الحقيقي الذي لا يعلم معناه إلا الله عز وجل فلا يعلمه من البشر أحد)9(9) «المنهاج الأسني في شرح أسماء الله الحسنى» (1/26- 27)..
التنبيه الثاني عشر: أفعال الله تعالى صادرة عن أسمائه الحسنى وصفاته ، وأما أفعال المخلوق فعنها صدرت أسماؤه وصفاته
وفي ذلك يقول ابن القيم – رحمه الله تعالى -: (فالرب – تبارك وتعالى – فعاله عن كماله، والمخلوق كماله عن فعاله، فاشتقت له الأسماء بعد أن كمل بالفعل، فالرب لم یزل کاملا، فحصلت أفعاله عن كماله؛ لأنه کامل بذاته وصفاته، فأفعاله صادرة عن كماله، کمل ففعل، والمخلوق فعل فكمل من الكمال اللائق به)10(10) «بدائع الفوائد» (1/ 147)..
التنبيه الثالث عشر: لا يدخل في أسماء الله تعالى ما جاءت النصوص مخبرة به أو ذكره بعض أهل العلم على وجه الإخبار لا على وجه تسمية الله تعالى ودعائه به
فباب الإخبار يتوسع فيه مما لا يتوسع في باب التسمية والصفة؛ فقد أجاز بعض أهل العلم الإخبار عن الله تعالى بأنه موجود، وأنه شيء، وأنه ثابت، لكنهم لم يدخلوا مثل هذا في أسمائه وصفاته، وكل ما اشترطوه أن يخبر عنه باسم حسن أو ليس بسيء، أما أسماؤه سبحانه فيشترط أن تكون حسنی.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -: (ويفرق بين دعائه والإخبار عنه، فلا يدعى إلا بالأسماء الحسنی؛ وأما الإخبار عنه: فلا يكون باسم سييء؛ لكن قد يكون باسم حسن، أو باسم ليس بسيئ، وإن لم يحكم بحسنه، مثل: اسم شيء، وذات، وموجود …، وكذلك المريد، والمتكلم؛ فإن الإرادة والكلام تنقسم إلى: محمود ومذموم، فليس ذلك من الأسماء الحسنى بخلاف الحكيم، والرحيم والصادق، ونحو ذلك، فإن ذلك لا يكون إلا محمودا)11(11) مجموع الفتاوى (6/142) باختصار..
ويقول ابن القيم – رحمه الله تعالى -: (فباب الأفعال أوسع من باب الأسماء، وقد أخطأ أقبح الخطأ من اشتق له من كل فعل اسما، وبلغ بأسمائه زيادة على الألف فسماه: «الماكر، والمخادع، والفاتن، والكائد» ونحو ذلك، وكذلك باب الإخبار عنه بالاسم أوسع من تسميته به، فإنه يخبر عنه بأنه: «شيء، وموجود، ومذكور، ومعلوم، ومراد» ولا يسمى بذلك)12(12) مدارج السالكين (3/ 415 – 416)..
الهوامش
(1) «طريق الهجرتين» (404)، وانظر: «المفاهيم المثلی، ولید بن محمود حسن بتصرف واختصار (ص219).
(2) (البخاري (4826)، مسلم (2246).
(3) «فتح الباري» (8/ 438).
(4) شرح الرسالة التدمرية للشيخ عبد الرحمن البراك (ص 165).
(5) رواه أحمد (1/391)، والحاكم والطبراني في الكبيره وصححه الألباني في «الصحيحة» (199).
(6) انظر: «الحق الواضح المبين» (ص 106، 107).
(7) «مجموع الفتاوى» (2/493-491).
(8) انظر: «المنهاج الأسنی وحاشيته» (1/ 164، 165).
(9) «المنهاج الأسني في شرح أسماء الله الحسنى» (1/26- 27).
(10) «بدائع الفوائد» (1/ 147).
(11) مجموع الفتاوى (6/142) باختصار.
(12) مدارج السالكين (3/ 415 – 416).
اقرأ أيضا
العلم بأسماء الله الحسنی وصفاته العلا
أنواع الإلحاد في أسماء الله وصفاته
كيف يكون الإيمان بالأسماء والصفات