ليس الإيمان أو الإسلام أن تصدق بخبر الله ورسوله فقط؛ بل لا بد مع التصديق من الانقياد والتزام ما أنزل الله. ونبذ حكم الله جريمة ردة، ولجريمة التبديل سياق وأخوات، ويجب التنبه لما يراد بالمسلمين.
الخبر
1) جاء على موقع عربي بوست:
“صادقت الحكومة التونسية، الجمعة 23 نوفمبر/تشرين الثاني، على مشروع قانون الإرث وهو قانون أساسي مثير للجدل، يتضمن المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة.
وقالت وكالة الأناضول إن الرئيس الباجي قائد السبسي ترأس اجتماعاً لمجلس الوزراء، عُقد بقصر الرئاسة بقرطاج، للنظر في مشروعيْ قانونين أساسييْن.
ويتعلق مشروع القانون الأول بإتمام قانون الأحوال الشخصية، ببند تحت عنوان «أحكام تتعلق بالتساوي في الإرث».
وأضاف البيان أن «مجلس الوزراء صادق على مشروع القانون الأساسي المتعلق بإتمام مجلة الأحوال الشخصية (المساواة في الإرث)»”. (1)
2) وجاء على موقع عربي sputlink أنها “مبادرة رئاسية:”
” وأكد البيان أن الرئيس “السبسي” قدّم مشروع القانون الجديد المتعلق بالمساواة في الميراث، في إطار “مبادرة تشريعية رئاسية”، وبعد المصادقة على مشروع القانون، قرر الرئيس السبسي إحالته على مجلس النواب لمناقشته والمصادقة عليه”. (2)
تمهيدات سابقة
وقد سبق لهذا القرار تمهيدات سابقة:
3) جاء في جريدة “القدس العربي” تحت عنوان “السبسي: “تونس دولة مدنية ودستورها يفرض المساواة في الميراث”
“قال الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إن تونس دولة مدنية ودستورها يفرض المساواة بين الرجل والمرأة في جميع النواحي، بما في ذلك المساواة في الميراث”. (3)
4) وجاء على موقع (BBC) عربي تحت عنوان “جدل “المساواة في الإرث” في تونس تتردد أصداؤه في مصر”:
“ما زالت أصداء دعوة الرئيس التونسي، باجي قايد السبسي إلى المساواة بين المرأة والرجل في كل المجالات بما فيها الإرث، تتردد لتثير جدلا واسعا في تونس من ناحية ودول عربية أخرى وخاصة في مصر من ناحية أخرى.
وكان السبسي أكد في خطاب، بمناسبة العيد الوطني للمرأة، الأحد على ضرورة إجراء مراجعات قانونية من شأنها أن تساوي بين الرجل والمرأة في الميراث وأن يسمح لها بالزواج من غير المسلم، وهو ما أيدته دار الإفتاء في تونس.
لكن الدعوة أثارت حفيظة الأزهر، إذ انتقد عباس شومان وكيل الأزهر دعوة الرئيس التونسي معتبرا أنها “تتصادم مع أحكام الشريعة الإسلامية”. (4)
5) وجاء على موقع “ساسة بوست” تحت عنوان “المساواة في الإرث.. هكذا يغازل السبسي أصوات النساء في تونس”
“تعيش تونس منذ أيام على وقع جدل أثاره رئيس البلاد، الباجي قائد السبسي، عندما قال في خطابه بمناسبة الاحتفال بعيد المرأة 13 أغسطس (آب) الماضي، إن المساواة بين الرجل والمرأة التي أقرها الدستور، يجب أن تشمل جميع المجالات بما فيها المساواة في الميراث”…
“وأشار الرئيس التونسي إلى أن «الإرث ليس مسألة دينية وإنما يتعلق بالبشر، وأن الله ورسوله تركا المسألة للبشر للتصرف فيها»، وفق تقديره”. (5)
الملاحدة يتنادون
كما دعا ملاحدة مصريون الى الموقف نفسه:
6) فقد جاء على موقع “youtube” نقلا عن بعض برامح “التوك شو” دعوة مذيع مصري يطالب بالأمر نفسه، ويدعو الناس الى هذا ويقول لن نمس القرآن في أحكامه لكننا نطبق ما نراه وما نريده. (6)
دلالات الخبر
كان ينبغي لهذا الخبر أن يلقى رفضا واضحا من جماهير المسلمين، لكن مع الرفض من قطاعات وجدت مواقف متسائلة، وبها من الميوعة ما فيها، وجهْل واضطراب..! وهي حالة متماشية مع ما تعيشه جماهير المسلمين من اضطراب وتجهيل. ولهذا اضطررنا للبيان والتعليق.. والتحذير.
مناقضة عقيدة المسلم وأصل دينه
لا يتم لأحد “أصل الإيمان” ولا “أصل الاسلام” ولا تحقيق “عبادة الله وتوحيده”، إلا إذا صدّق بالله وبخبره، وضم الى هذا التصديق الانقياد والاستسلام والخضوع بالطاعة والدينونة والالتزام بحكمه تعالى.
فمن خالف هذا فصدّق وأقر بخبر الله ورسوله لكنه ﴿نبَذ﴾ حكمه أو ﴿صدَف عنه﴾ أو ﴿أبى﴾ أو ﴿استكبر﴾ عن حكم الله ورده؛ فقد هدم أصل الدين.
فأهل الكتاب لم يكذّبوا بالتوراة ولكنهم ردوا حكمها فكان هذا ردة عما يؤمنون به ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (البقرة، الآية 101)
ولما حرّم الله عليهم قتل النفوس والإخراج من الديار وأسْر بعضهم، فالتزموا بعضها وأسقطوا حكم بعضها فلم يلتزموه؛ كان ما تركوا التزامه كفرا به ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ (البقرة، الاية: 85)
والله تعالى فرّق بين جريمة “التكذيب” وجريمة “الصدف” عن آيات الله ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ﴾ (الأنعام، الآية 157)
فالتكذيب يكون للخبر والصدف “الإعراض” يكون للحكم. وهما جريمتان مستقلتان.
والله تعالى فرّق بين جريمة “التكذيب” وجريمة “التولي” على نفس المنوال ﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ (القيامة، الآية 31-32)
والله تعالى فرّق بين التكذيب وبين الاستكبار، ولا تلازم بينهما ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (الأعراف، الآية: 36)
ونقول “لا تلازم بينهما” لأن إبليس رأس الكفر لم يكذّب خبر الله بل ﴿أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ (البقرة، الآية 34) فهذا رد لأمر الله.
ولا بد من معرفة معنى الاستسلام لله “فالاسلام هو الاستسلام لله وحده، فمن استسلم لله ولغيره كان مشركا، ومن لم يستسلم لله كان مستكبرا، والمشرك والمستكبر كلاهما كافر، والاستسلام ان يستسلم لله وحده فيطيعه وحده ويعبده وحده”. (7)
والاستسلام لا يتحقق إلا بقبول الأحكام. وقبولها هو التزامها في المجال الديني الشخصي والدنيوي العام. وهذا يقتضي قبول الأحكام من الله وحده، في جميع مجالات الحياة.
فمن خوطب من المسلمين بجريمة التبديل هذه فلا بد من كراهتها وردها والبراءة منها.
جريمة مستمرة
ليست هذه هي أول جريمة تبديل، لا لتونس ولا للأنظمة العلمانية التي قامت بعد إسقاط الحكم بشريعة الله تعالى.. فالأنظمة العلمانية قامت بتبديل كثير من أحكام الله تعالى في جميع مجالات الحياة، بل بدّلت جملة الشريعة.
وتلك الجريمة قامت عندما “صدَفَت” عن المصدر الرباني الذي يجب أن يكون مصدر التشريع وله الخضوع وحده وهو مقتضى قول “لا اله إلا الله”.
ولكن هذه الأنظمة تركت للناس مجال “الأحوال الشخصية”، ولهذا لم يفهم أو لم يدرك الكثير من الناس جريمة “تبديل أحكام الله” وظنوها خللا في الأخلاق العامة أو تفريطا في الوعظ..! في حين أنها جريمة “تبديل لحكم الله”.
والجديد أن العلمانيين والليبراليين والملاحدة عموما، أرادوا الولوج الى دائرة الأحوال الشخصية والأسرة، والتي من خصائصها أن أحكامها شديدة الارتباط بالعقيدة ومباشرة في التطبيق، وشديدة الالتصاق بالأخلاق، وذات صلة واضحة بتوارث الأجيال لها.. ولهذا وجد الناس أن بيوتهم وحياتهم مهددة تهديدا مباشرا.
تطورات تُراد
وما أن تُقَر مثل هذه الجرائم “القانونية!” إلاويراد أن يتبعها مجموعة من “الجرائم المتلازمة” كالأسرة المكونة من الأم فقط (single mother)، بإقرار حق الزنا للأم وعدم سؤالها عن الأب، وأن يكون المولود باسم الأم فقط.
كما يراد محو خانة الدين من البطاقة الشخصية ليحل الزواج “المدني” محل الزواج الشرعي، والمقصود به عدم اشتراط ديانة الزوجين، فيكون للمسلمة! أن تتزوج نصرانيا أو يهوديا أو وثنيا..
إنه تدمير وفساد يراد بالمجتمعات نفسها بعد الفساد والتدمير للأنظمة الحاكمة وسلخها عن الاسلام بل وعدواتها له.
إن ما يراد هو ترسيخ العلمانية لتصبح “علمانية مجتمعية” وليست علمانية “نخب محدودة” وأن يقطع الفساق شوطا مستغلين هذا التبديل، ليصعب على المجتمع الرجوع الى دينه.
هل ينجحون..؟
لقد جرت محاولات تاريخية للردة فكانت الردة عن الزكاة زمن الصحابة، ثم حركات ردة الباطنية عبر التاريخ، حتى كان ينادى بأن “معدّا” رسول الله، بأرض تونس نفسها (وهو المعز الفاطمي) وبلغ أن بعض النساء ممن اعتنق هذا الفكر الباطني الخبيث أن كنّ يتصدقن بفروجهن ! كما حكى الشاطبي، رحمه الله، بالمغرب.
وجاء التتر، وجاء الصليبيون، وجاءت حملات التغريب مع الاستعمار وبعده.
وفشل كل هذا، وبقيت هذه الأمة هويتها الاسلام وبوصلتها هذا الدين، تبحث عن مخرج، وتنتظر يوم الخلاص من هذه الأنظمة العميلة عقديا وسياسيا.
إنهم يؤخرون عودة هذا الدين ـ أو هكذا يحاولون ـ لكن الله تعالى قرر في كتابه أنْ ستنتصر كلمتُه ويغلب جندُه ويظهر دينُه، وسيُلقى هؤلاء في مزبلة التاريخ مع أمم قد خلت من قبلهم من الجن والانس.
يجب على الأمة أن تقف موقف رفض واضح، ويجب على كل مسلم أن يُشهد الله بالبراءة من جريمة تبديل أحكامه، وأن يعلّم من يعلم من لا يعلم، وأن يحذّر المخلصون أمتهم، والله غالب على أمره.
……………………………………………..
هوامش:
- موقع عربي بوست: بتاريخ 27/ نوفمبر 2018، تحت عنوان الحكومة التونسية تقر قانون المساواة في الميراث بين المرأة والرجل.. «الإرث» في انتظار موافقة البرلمان ومعارضة حركة النهضة
- موقع عربي sputlink ، بتاريخ 23 نوفمبر 2018، تحت عنوان: تونس: السبسي يصادق على قانون مساواة المساواة في الميراث
- جريدة “القدس العربي”، بتاريخ 23 نوفمبر 2018، تحت عنوان “السبسي: تونس دولة مدنية ودستورها يفرض المساواة في الميراث“
- 4. (BBC) عربي تحت عنوان، جدل “المساواة في الإرث” في تونس تتردد أصداؤه في مصر.
- موقع “ساسة بوست” بتاريخ 17 أغسطس 2018، تحت عنوان “المساواة في الإرث.. هكذا يغازل السبسي أصوات النساء في تونس“.
- “youtube” نقلا عن بعض برامح “التوك شو” “90 دقيقة | الرئيس التونسي باجي السبسي يأمر بإحالة قانون المساواة في الميراث إلى البرلمان“. بتاريخ 13 أغسطس 2018.
- ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج10 صـ 14، ج28، صـ 32 أمراض القلوب وشفاؤها ج1 صـ 41.
اقرأ أيضا: