يتترس الكفار والمنافقون بمصطلح الإرهاب لمحاربة الإسلام، بينما هم مغموسون في جميع دلالات الإجرام لها اللفظ. ومن ورائه يهاجمون عقائد الإسلام وأخلاقه زورا وبهتانا.

مقدمة

إن الله عز وجل خلق الثقلين الجن والإنس ليعبدوه، وسخر لهم ما في السموات والأرض ليستعينوا بذلك على القيام بهذه الغاية العظيمة. وجعل ذلك مرکوزا في عقولهم وفطرهم؛ ولكن من رحمته سبحانه أنه لم يكِلهم إلى ذلك فحسب بل أعانهم بإنزال الكتب وإرسال الرسل ليبينوا للناس غاية خلقهم ومصيرهم، ويعرّفوهم بربهم سبحانه وأسمائه وصفاته وكيفية عبادته، ووعدهم إن هم قاموا بذلك بأن يأمنوا ويَسعَدوا ويَسلَموا في الدنيا على أنفسهم وأعراضهم وعقولهم وأموالهم، وفي الآخرة لهم الأمن التام بدخولهم دار السلام آمنين مطمئنين. وتوعدهم إن هم أعرضوا عن عبادته سبحانه وكفروا به بالخوف والجوع والمعيشة الضنك، والشقاء في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة.

قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف:96]، ولقد ذكّر الله عز وجل مشركي قريش بهذه النعمة العظيمة ليوحّدوه ويتركوا ما هم عليه من الشرك فقال سبحانه: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾ [قريش: 3-4].

نعمة الأمن

إذن فالأمن نعمة عظيمة من نعم الله عز وجل على عباده يطلبها الناس ويبحثون عنها بشتى الوسائل. وهو ضرورة من ضرورات الحياة. ولكن الناس يتفاوتون ويتشتت سعيهم في طلبها، حيث أخطأها الكثير منهم، ووفق الله عز وجل القليل من عباده إلى سبيل تحصيلها وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

وإن المتأمل في عالمنا المعاصر ليرى دون عناء ما يعج به من المخاوف والمزعجات والمقلقات، والقتل، والجوع، والأمراض النفسية والأسرية والاجتماعية، ويرى الهلع على وجوه الكثير من الناس من جراء ما يهدد وجودهم وأعراضهم وأموالهم وقبل ذلك دينهم.

وقد صاحَب ذلك حملة ماكرة خبيثة ملبسة مضللة من الكفار، وأذنابهم المنافقين في وسائل إعلامهم المختلفة وذلك بالتلاعب بالمصطلحات، والتلبيس على الناس في معنی الأمن ووسائله، ومعنى الإرهاب وطرائقه. وجاءوا بزخرف من القول ليصرفوا الناس عن الأسباب الحقيقية للمخاوف وذهاب الأمن فأبعدوهم عن الأسباب الحقيقية لاختلال الأمن في حياة الأفراد والمجتمعات والدول والتي ذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم، وجعلها سننا ثابتة لا تتغير ولا تتحول. وجاءوا بأسباب أمْلتها عليهم أهواؤهم ومصالحهم؛ فجعلوا الحق باطلا والباطل حقا.

يتحدث الأستاذ “ضميرية” عن هذه الحرب الشرسة فيقول:

“وإذا كانت الحروب العسكرية، ليست الميدان الوحيد للنزال والصراع، وليست الوسيلة المضمونة للغلبة على المسلمين، ولا الأداة المشروعة في المواثيق الدولية؛ فإن هناك ميدانا آخر للنزال، وهو ميدان الفكر والإعلام، والدعاية والمعلومات؛ فليكن ذلك وسيلة مأمونة ومضمونة التأثير في التشويه والتشويش والصورة القريبة لهذه الحرب الجديدة التي نراها اليوم ونعيش أحداثها، هي هذه الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين بإلصاق تهمة «الإرهاب» و«التعصب» و«الأصولية».. بعد أن أسقطوا على هذه الألفاظ كل نعوت الشر والسوء.

وقد كان اليهود وراء نشر هذه المصطلحات وإشاعتها، ثم وجدت قبولا عند الدوائر المعادية للإسلام والمسلمين، وانتقلت بعد ذلك، عن طريق العدوى والتقليد الأعمى، إلى الصحافة ووسائل الإعلام العربية، بعد انتشار الصحوة الإسلامية، وفي أعقاب عودة شباب هذه الأمة إلى دينهم، بعد رحلة التيه والضياع والتغريب. في الوقت الذين يصفون أنفسهم بأنهم دعاة الأمن والسلام..!!!

ولذلك كان من التخطيط اليهودي الصليبي أن يُرمى الإسلام والمسلمون بهذه التهم، وأن يخلط بينها وبين حق المسلمين في العمل على نشر الدعوة الإسلامية وحمايتها، وتعبيد الناس لرب العالمين، ومحاربة الأعداء لاستنقاذ المسلمين المستضعفين، ورد حقوقهم المغتصبة..

وعند إشاعة هذه التهمة يدخل الإسلام والمسلمون في قفص الاتهام، ويضطرون لإنفاق الجهد في الدفاع عن النفس، والعمل على نفي التهمة بكل الوسائل والأساليب، وعلى جميع المستويات، ویستتبع هذا مواقف التبرير والتنازل والتمحل، ويومئذ يفرح الأعداء الماكرون بنجاح المخطط الذي أتقنوا تنفيذه حيث تبادلوا المواقع مع المسلمين، ووقفوا موقف الهجوم علينا، وهم الغارقون في الطين، والضالعون في الجريمة، والمفسدون في الأرض، بكل ألوان الفساد الديني والخلقي والسياسي والاجتماعي والأسري، بل إنهم هم المفسدون للحياة الفطرية والطبيعية في البر والبحر”. (1يسألونك عن الأرهاب، د. عثمان ضميرية ص 9-10، بتصرف يسير)

ولما كانت الحملة على الإسلام وثوابته ومفاهيمه شديدة وشرسة ولا سيما في هذه السنوات الأخيرة من قِبل الكفار وإخوانهم من المنافقين في ديار الإسلام، أصبح جهاد الدفع في هذه الحرب متعينا على كل قادر بلسانه وقلمه وبيانه وماله، وذلك لرفع اللبس عن المسلمين وإزالة الشبهات وبيان سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين، وذلك بالرجوع إلى القرآن وهدیه ومجاهدة الأعداء به قال تعالى: ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: 52].

دوافع تناول موضوع الأمن

بعض الدوافع التي دفعت إلى كتابة هذا الموضوع المهم ليتبين لنا أهميته، ومن أهم هذه الدوافع ما يلي:

أولا: إبراز نعمة الله

بيان نعمة الله عز وجل على عباده في الأمن وأن كثيرا من الناس في غفلة عن هذه النعمة العظيمة وأكثرهم لا يشكرون، وبيان عظمة هذه النعمة في عصرنا الحاضر بالذات، ولا سيما ونحن نرى من حُرِمها وقد أحاطت بهم المخاوف والأفزاع والقتل والتشريد وسلب الأموال وهتك الأعراض من كل جانب، وبيان أن هذه النعمة لا يقدّرها حق قدرها إلا مَن فقَدها. والحديث عن الأمن هو حديث عن ضرورة من ضروریات الحياة الإنسانية.

ثانيا: بيان المعنى الصحيح للأمن في الدنيا

وأنه أشمل من كونه في الأنفس والعقول والأموال والأعراض فحسب، بل إن أعظم الأمن هو الأمن في الأديان وحماية الناس من أن يفتنوا في دينهم وعقيدتهم.

وهذا المفهوم الشامل قد غاب عن حياة كثير من الناس اليوم. وقد أسهم في تغييبه الإعلام الماكر للكافرين وإخوانهم من المنافقين؛ حيث لم يضعوا للدين وحمايته أي اعتبار في تحقيق الأمن. مع أن الله عز وجل قد أفهمَنا في كتابه الكريم أن أي خلل في أمن الناس فمصدره الخلل في دينهم وإيمانهم، فبضعف الدين والإيمان، أو غيابه يحصل اختلال الأمن في بقية ضروریات الإنسان من نفس ومال وعقل وعرض.

ثالثا: مواجهة التلبيس

وهو تلبيس مضلل للناس في هذا الزمان من أعداء هذا الدين من الكفار والمنافقين الذين انتهزوا الأحداث الأخيرة في توظيفها ضد الدين وأهله، وحاولوا خداع الناس وتضليلهم بتحريف معنى الأمن والإرهاب عن معناهما الشرعي إلى المعنى الذي يريدونه، وتوظيفه في حرب الإسلام وأهله، فانطلى هذا التلبيس على كثير من المسلمين، وأصاب الكثير منهم الخوف والهلع من الكفار.

ويبين ابن القيم رحمه الله تعالى خطر التلبيس عند قوله تعالى: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 42] فيقول:

“فنهى عن لبس الحق بالباطل وكتمانه. ولبسه به: خلطه به حتى يلتبس أحدهما بالآخر. ومنه التلبيس، وهو التدليس والغش الذي يكون باطنه خلاف ظاهره. فكذلك الحق إذا لبس بالباطل يكون فاعله قد أظهر الباطل في صورة الحق وتكلم بلفظ له معنيان: معنى صحيح، ومعنی باطل فيتوهم السامع أنه أراد المعنى الصحيح ومراده الباطل فهذا من الإجمال في اللفظ”. (2الصواعق المرسلة، ص 929)

ولخطورة تلبيسهم نجد من أبناء المسلمين من هو سمّاع لهم يردد ما يزخرفون به دون تفكير وتمحيص.

رابعا: فضح أعداء الأمن

وهم الأعداء الحقيقيون لأمن الناس الذين يتترسون وراء مكافحة الإرهاب، والحرص على توفير الأمن للناس؛ مع أنهم مصدر الإرهاب والخوف والجرائم والفساد. وبيان ذلك بالأدلة الموثقة من أقوالهم وأفعالهم وجرائمهم الشنيعة، وإفسادهم للدين والنفس والعقل والمال والعِرض بشتی وسائلهم، وبيان ما تعانيه مجتمعاتهم من الأمراض النفسية والاجتماعية البشعة التي أتلفت الأنفس والأموال والأعراض.

وساعدَهم في ذلك أناس من المنافقين من بني جلدتنا غرَّتهم أنفسهم، وشياطينهم من الإنس والجن فراحوا ينفّذون ما يريده الغرب الكافر في تغريب الأمة، والسير بها في ركاب الغرب، ووضعوا أنفسهم جنبا إلى جنب في خندق الكفار في مواجهة مُصلحي الأمة ومجاهديها بحجة مكافحة التطرف والإرهاب.

خامسا: بیان عظمة دين الإسلام

وأنه إنما جاء رحمة للعالمين، وأنه مهما بحث الناس عن الأمن والسلام بعيدا عنه فلن يجدوا إلا الخوف والشر والشقاء. ومن أراد الأمن والراحة والسلام في الدنيا والآخرة فلن يجدها إلا في ظل الإسلام والإيمان.

سادسا: مقاومة حرب الكفار والمنافين لعقيدتنا

وهي الحرب الموجهة اليوم من الكفار، وأذنابهم من المنافقين على عقيدة الإسلام الراسخة، وعلى أهلها المتمسكين بأصولها وثوابتها، واتهام هذه الفئة من المسلمين بأنهم منبع الفكر الإرهابي، وأنهم متطرفون لأنهم ينادون بعقيدة الولاء والبراء وما تقتضيه من موالاة المؤمن ومناصرته، وعداوة الكفار وجهادهم، وفضح كل ما يستخدمونه في هذه الحرب من وسائل الإعلام، والمال في تمرير هذه الدعوى والتي انخدع بها بعض المنتسبين لهذا الدين، بل بعض المنتسبين للعلم..! وأخذوا يرددون ما يقوله الأعداء، دون وعي لخطورة هذا الأمر..!!

خاتمة

إننا نستهدف كذلك التحذير من توجه أنظار كثير من الناس اليوم إلى توفير الأمن على أنفسهم وأرزاقهم في الحياة الدنيا فحسب، ونسيان الأمن الحقيقي والسعادة الكبرى في الآخرة، وعدم أو ضعف الحرص على توفيرها، وفعل الأسباب التي توصل إلى الأمن يوم الفزع الأكبر، والفوز بدار الأمن والسلام، والتي أعدها الله عز وجل لعباده المتقين.

وهل الفزع إلا فزع الآخرة؟ وهل الأمن إلا أمنها..؟

……………………

الهوامش:

  1. يسألونك عن الأرهاب، د. عثمان ضميرية ص 9-10، بتصرف يسير.
  2. الصواعق المرسلة، ص 929.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة