يتساءل المتسائل لماذا الحديث عن غزوة بدر في كل عام وهي غزوة بسيطة من الناحية الكمية والمادية ، فأين تكمن أهمية غزوة بدر ليخصها كل من القرآن الكريم والسنة النبوية بالذكر والتفصيل، وليهتم السلف الصالح ومن سار على دربهم بها، نعم في تجدد الذكريات تجد النفوس سلوتها، وتستذكر الأجيال تاريخها، وتأنس القلوب لسجلات أبطالها، ومن أعظم هذه الذكريات نجد غزوة بدر الكبرى التي نسأل الله تعالى أن يجدد بتدارسها الإيمان في القلوب، ويبعث من خلالها الكريم الوهاب الهمم والعزائم بما تحمله الذكرى من دروس وإشراقات.
أين تكمن أهمية غزوة بدر؟!
– غزوة بدر هي يوم الفرقان حيث قال عز وجل: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأنفال:41]، وسميت بالفرقان لأن الله عز وجل فرق فيها بين الحق والباطل، وفصل فيها بين عهدين، عهد الاستضعاف الذي امتد لمدة 13 سنة، حيث ذاق المسلمون كل أنواع الإهانة والتعذيب والسطوة والتنكيل، وعهد النصر والتمكين والإحكام والاستخلاف، فكانت هذه المعركة سببا في مذلة المشركين ومعزة المسلمين.
– غزوة بدر هي أول معركة الله هو الذي يرتبها لا النبي عليه الصلاة والسلام، فلو نظرت إليها تجد أنها من تدبير الله وحده، قال الله تعالى: (وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا) [الأنفال:42].
– غزوة بدر أول معركة تنزل فيها الملائكة (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) وكان مصير البشرية منوطاً بنتائجها، مصير الدين والإيمان مربوط بهذه الغزوة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم دعا وابتهل لما حمي وطيس المعركة واستدارت رحى الحرب بشدة واحتدم القتال وبلغت المعركة قمتها بقوله : “اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبداً “1(1) رواه مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب (1763).، وهذا سر الأهمية الأولى لهذه الغزوة، ولها أهميات أخرى سنشير إليها في هذا العرض بحول الله تعالى عبر إشراقات خمس.
1) الإشراقة الأولى: الإعداد قبل الجهاد
لا بد لكل حدث يقع من مسببات وإعدادات قبلية، تُحدّد المسار والمسير لتحقيق الأهداف وبلوغ المرام، كما لا بد لكل بناء من أساس ينبني عليه، ولابد لكل عمران من قواعد تشده وتحمله. فغزوة بدر الكبرى حلت بعد مرور خمس عشرةَ سنة هيّأ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الأجواء والظروف والنساء والرجال الذين سينتصرون ويرفعون اللواء خفاقا في السماء. فبصحبته تلقوا التربية الربانية والأخلاق السامية، والتي أهلتهم للانتصار على الشرك ومن والاه. فمنذ بعثته صلى الله عليه وسلم وهو يجمع ويحضن أصحابه في دار الأرقم بن أبي الأرقم وذلك بعيدا عن أنظار المشركين ومسامعهم. ففي سرية تامة كان الصحابة يحضرون المجالس ويتعلمون من رسول الله صلى الله عليه وسلم الدين والحكمة ومكارم الأخلاق وكل ما ينفعهم في دنياهم وأخراهم. كانوا يذكرون الله ويتلون كتابه فازداد الإيمان وقويت القلوب ثم تهيؤوا للخروج من أجل مجابهة الكفر والطغيان. فكذلك الشأن بالنسبة لكل متطلع لإسقاط الاستبداد والقضاء على الفساد والتحرر من الاستعباد ، ما عليه إلا أن يحكم البدايات لتخلص النيات وتتحق الغايات ويتم اقتحام العقبات رغم الظروف والإكراهات، وهذا لن يتحقق إلا بالتأسي بتدبير الرسول صلى الله عليه وسلم المؤيد بالوحي لغزوة بدر من خلال تدابير أربعة تستنبط منها دروس أربعة وهي:
أ) الدرس الأول: أسبقية التربية على الجهاد
فلا جهاد بلا تربية، ولا تربية بلا تنظيم، ولا تنظيم بلا نواظم، وكل ذلك يتطلب تخطيطا وتنفيذا ومتابعة وتقويما، فالذي لا يصبر على محاضن الذكر ومجالس القرآن ورباط الجوامع لا يقوى على رباط الثغور ومجابهة الخصوم. فلا مناص إذن من تربية الرجال فالذي يشد الأرض جبال وليست سهول ومجاري.
ب) الدرس الثاني: توحيد وتجميع قِوى الإيمان
فالشتات لا يفضي لمنفعة ولا لمصلحة، فعلينا أن نتحد ونجمتع على قلب رجل واحد نقتدي به ونهتدي كما فعل الصحابة مع مربيهم ومعلمهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، نجتمع على حب الخير وبثه في الناس، لكي تُجمَع قوى الإيمان وتُوَحد على كلمة واحدة ثم تناهض الشرك، لذلك وجدنا الرسول صلى الله عليه وسلم الله سارع إلى بيعتي العقبة الأولى والعقبة الثانية في إطار الإعداد القبلي للغزوة الحاسمة الفاصلة بدر الكبرى.
ج) الدرس الثالث: توسيع جبهة الرفض عبر الميثاق
هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم والصحب الكرام من أرض عاشوا فيها شتى أصناف التضييق والتنكيل إلى أرض أوسع وأفسح أهلها أهل ترحيب وتمكين. هاجر صلى الله عليه وسلم لحماية الدعوة وبناء الدولة، فرسخ الأسس الإيمانية بناء للمسجد، والاجتماعية مؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، والاقتصادية تأسيسا للسوق، والدستورية عبر عقد وثيقة المدينة ، فقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة يهودا ومشركين، وأعرابا ومنافقين، فلم يتجه فكره إلى رسم سياسة الإبعاد أو المصادرة والخصام، بل قبِل بوجودهم وعرض عليهم معاهدة تقضي أن لهم دينهم وله دينه، وأن المسلمين من قريش ويثرب أمة واحدة، واتفق المسلمون واليهود على الدفاع عن يثرب إذا هاجمها عدو، وللفرد الحق في مغادرة المدينة إذا أراد كما له الحق في المكوث فيها إذا رغب في ذلك.
فبالوثيقة جمع رسول الله شمْل الأمة ووحد الكلمة وأرسى الصفوف وأقام الأركان والقواعد. وحال يثرب قبل الوثيقة حالنا اليوم شتات وفتات، تباعد وتنافر، أقليات وعصبيات، طباع وأنانيات، أحزاب وجمعيات، يمين ويسار، أصناف وألوان..فليس لنا بعد الله إلا التداعي لميثاق جامع على أرضية إسلامية لا يقصي إلا من أقصى نفسه.
د) الدرس الرابع: التأهب والجندية
فقد أعدّ رسول الله رجالاته طيلة عامين بعد الهجرة بكثرة المعارك والسرايا وذلك في إطار التأهب والجندية، فالخامل المتقاعس لا يصلح لحرب ولا لفتح ولا لقتال.. فبهذه التحركات والإعدادت يصاب الكفار والمشركون بالذعر والرعب فيسهل على المسلمين هزيمتهم.
2) الإشراقة الثانية: وضوح وسمو الأهداف
كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أهداف قبل خوض المعركة، تتمثل في اعتراض قافلة أبي سفيان بعد أن أذن الله تعالى للمومنين في الجهاد. ولما بلغ الخبر إلى مسامع قريش أعدت جيشا عرمرم للدفاع عن قافلتهم واستنقاذها من أيدى المسلمين. فهدف خروج المسلمين تحول من قافلة وعير إلى تكبير ونفير فكان ببدر ما كان.. أما قريش فخرجت بدافع الرياء والكبرياء، والغرور وحب الظهور، والفسوق والفجور، كما أصرت على الخروج للقتال رغم علمها بأن قافلتها أُفلِتت من قبضة المسلمين، حينها قال أبو جهل :“والله لا نرجع حتى نرِد بدرا، فنقيم عليها ثلاثا، ننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونسقى الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا، فلا يزالون يهابوننا أبدا”2(2) هذا كله في سيرة ابن هشام في غزوة بدر الكبرى من قول ابن إسحاق وأخرج الطبري بعضه عن ابن عباس وبعضه عن عروة بن الزبير..
أما المسلمون فاستشارهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخيّرهم في القتال أو عدمه، حينها قام سعد بن معاذ – زعيم الأوس- فقال: “والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل، قال: فإنا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك، فامضِ يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنا لصَبْرٌ في الحرب، صِدْق عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسِر على بركة الله”3(3) هذا كله في سيرة ابن هشام في غزوة بدر الكبرى من قول ابن إسحاق وأخرج الطبري بعضه عن ابن عباس وبعضه عن عروة بن الزبير..
فجل الصحابة أبدوا أهبتهم وحماستهم إلا القليل منهم، حينها أنزل الله تعالى قوله : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ) [الأنفال:7].
فخيرهم الله عز وجل كذلك بين طائفتين ثنتين : إما العير أو النفير. وبعدما علم سبحانه بميولهم إلى استحواذ العير من غير نفير، أراد الله لهم عكس ذلك لإحقاق الحق وإظهاره وإذلال الكفار والمشركين.
أيها الأحباب الأكارم إياكم والقعود والتقاعس، ثم إياكم والخمول والتثاقل إلى الأرض، فإن الله لا يرضى لكم غير ذات الشوكة لتمكينكم ولعزتكم ورفع هممكم. وإذا عزمتم الخروج لميادين التدافع مع المفسدين المستبدين فإياكم والرياء والسمعة والغرور وحب الظهور، كما حذر الله تعالى في قوله: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [الأنفال:47] .
إذن لا مناص في حياتنا من تحديد أهداف وغايات، تلاميذ كنا أو طلابا أو أطرا أو تجارا أو أزواجا، فبِسُمُو الغاية تعظم النتائج، وبِعُلُو الهمم تصِل القمم، فإذا كان بعض الصحابة قنعوا بالسهل الهين وبالصغير والقليل فإن الله تعالى لم يرض لهم سوى ما هو أعظم: عبادة الله تعالى، إعلاء كلمة الله تعالى، تتبيث الإيمان وتدمير الشرك ومن والاه، وإلحاق المذلة والهزيمة بقريش.
وللرد على من قال وادعى أن المسلمين قصدوا القافلة بدافع النهب والسرقة نقول: رسول الله خرج لاعتراض القافلة لأسباب شرعية وسياسية واقتصادية واجتماعية.
شرعية لأن الخروج كان دفاعا عن النفس واستردادا لِما ضاع للمسلمين لمّا غادروا مكة، فالزاد زادهم والمال مالهم، فخروج المسلمين إذن ليس سطوة وإنما نزعا للحقوق والمستحقات.
وما مرد حال الأمة اليوم من خذلان وانحطاط وتخلف وتأخر إلا لقبولها ورضاها بغير ذات الشوكة والتقاعس والقعود والوهن وحب الظهور والفساد والمجون..
3) الإشراقة الثالثة: التخطيط المحكم ومراعاة الزمان و المكان
وقعت غزوة بدر صبيحة يوم الجمعة في السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وقعت فى سهل بدر حيث تواجد مياه الآبار والوادي، وحيث عبور ومرور القوافل التجارية والتقاء القبائل، فرسول الله صلى الله عليه وسلم بتوصية من خباب بن المنذر غوّر جل الآبار ليمنع كفار قريش من الارتواء واستعمال الماء، فكانت المعركة والصحابة صيام في رمضان. هذا الشهر الفضيل الذي وقعت فيه أغلب المعارك الإسلامية حيث انتصارات المسلمين المتتالية.
نستفيد إذن أن الأعمال الجليلة تقع أحداثها في الأوقات المناسبة والمباركة وفي الأماكن الملائمة لحجمها وشأنها. فلخوض المعارك لا بد من تخطيط مسبق وتحديد الأهداف واختيار الزمان والمكان المناسبين.
4) الإشراقة الرابعة: الغلبة للأتقى فإن غابت التقوى فللأقوى
غزوة بدر وقعت بين معسكر الكفر ومعسكر الإسلام، فمن الجانب المادي عدد المسلمين لم يتجاوز 314، وكان معهم 70 جملا وفرسان، بمعنى كانوا يتناوبون على الركوب لمسافة تقدر بـ 257 كلم في الصحراء، وأسلحتهم بسيطة تتمثل في بعض السيوف والرماح وبلا خوذات ولا دروع. ولكن كان معهم القائد العام المدبر لشؤون المعركة ورافع المعنويات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فبصحبته كان الانضباط في صفوف جيش المسلمين والسمع والطاعة وروح الجندية والجهاد، والشوق إلى لقاء الله تعالى. كما كانت لديهم خطة عسكرية محكمة رسمها القائد الهمام صلى الله عليه وسلم بمعية قادة الجيش، وتعد غزوة بدر أول معركة في تاريخ المسلمين تقام بخطة عسكرية مسبقة.
أما كفار قريش فعددهم 1300 مقاتل، مجهزين بأسلحة متقدمة، ومدربين أفضل تدريب، ومعهم 200 فرس، و600 درع، أما الجمال فلا تعد من كثرتها، ومعهم كعادتهم الخمور والمعازف والراقصات.
فلا مجال للمقارنة بين المعسكرين من حيث الماديات، لكن الذي يملكه المسلمون يفتقده المشركون، إنه المدد الغيبي والدعم الرباني، فالله تعالى ناصر جنده ووكيل أوليائه، (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:249] ، أنزل الله تعالى غيثا رحمة للمسلمين ووبالا على المشركين، وأنزل ملائكة تتبث وتقاتل مع المومنين، وقلّل سبحانه المشركين في عيون المومنين، كما أن رسول الله نفخ قليلا من التراب فأصيب الأعداء في عيونهم (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ) [الأنفال:17]، وحدد مصارع القوم ليرفع معنويات المومنين ويقوي عزيمتهم.
الغلبة إذن للأتقى، فالذي يخاف الله تعالى لن يهزمه هم ولا غم ولا يصيبه فشل ولا رسوب في حياته، وإن غابت التقوى فالغلبة للأقوى.
5) الإشراقة الخامسة: أسباب النصر والتمكين
انتهت الغزوة بحمد الله تعالى بنتائج مبهرة، 70 مشركا قتل و70 مشركا أسر، وفرّ الباقون تاركين الخيل والجمال والسلاح والرماح فغنمها المسلمون، ولم يستشهد إلا أربعة عشرة من الصحابة وهم عند ربهم يرزقون.
أما النتائج الاستراتيجية فالدولة الإسلامية ازدادت قوة، وراية الإسلام رفعت عاليا، والدعوة توسعت، ازداد الإيمان والإيقان في القلوب. أما المشركون انهزموا وضعفوا وانكسروا، فبرز بعد ذلك المنافقون.
فيأيها الأحباب الكرام، إذا كنا نطمح في الانتصار والاستمرار والانتشار، فلا بد من توفير الأسباب الثلاثة التالية:
أ) الالتجاء والاستمداد: فكان رسول الله يدعو ربه يوم بدر ويلح في الدعاء “اللَّهُمَّ نَصْرك الَّذِي وَعَدَّتْنِي”4(4) رواه مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب (1763)..
ب) الاستعداد والاجتهاد: لا بد من الجد والكد والاجتهاد في الدراسة والدعوة والتواصل وخدمة العباد.
ج) الاقتداء والاسترشاد : فلا بد من وجود قيادة ربانية للاقتداء والاهتداء ومنهاج نبوي حتى لا نزيغ عن الطريق القويم، ولنا جميعا أسوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم القائد المربي، ومنهاجنا ما جاء به كتاب الله وسنة رسول الله.
كما ينبغي أن نحرص على اجتناب أسباب الهزيمة والتي تنحصر هي الأخرى في ثلاثة :
أ) الاستغناء: أن يستغني الفرد بما أوتي من مال وجاه أو سلطة ونفوذ، ولا يهتم بأمور الأمة ولا بمعاناة الناس، قال الله تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى) [العلق:6-8]، قال الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى : “مازلتم بخير ما دمتم تقولون “نحن” فمن قال “أنا” هدم ما بنى “.
ب) الاستعلاء: التكبر على الخلق، والتطاول في البنيان والغرور القاصم للظهور وهو ثمرة الاستغناء.
ج) الاستجداء: أن تبيع دينك بدنياك مخافة الاعتقال أو السجن، أو مخافة ضياع فرصة عمل، أو طمعا في كسب امتياز ما، فلا خير فيمن يستجدي خوفا أو طمعا.
على سبيل الختم
هذه بعض الدروس والعبر التي يسر الله استخلاصها من حدث غزوة بدر سوقتها لكم عسى أن تتولانا العناية الربانية لنصير من ذوي الهمم العالية والعزمات الحانية فنقوم قومة بانية، لإبطال الموجود وإيجاد المفقود والفوز بالفتح الموعود .
الهوامش
(1) رواه مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب (1763).
(2) و(3) هذا كله في سيرة ابن هشام في غزوة بدر الكبرى من قول ابن إسحاق وأخرج الطبري بعضه عن ابن عباس وبعضه عن عروة بن الزبير.
(4) رواه مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب (1763).
المصدر
موقع منار الإسلام، د. عثمان غفاري.
اقرأ أيضا
غزوة بدر الكبرى.. وقفات وتأملات