في هذا المقال لن نتحدث عن انهيار القوة العسكرية الأمريكية والغربية، إن كان في العراق يوم احتلتها القوات الأمريكية فخسرت الكثير عسكرياً، وقبلها سعت لاحتلال أفغانستان فكانت الهزيمة المنكرة بعد عشرين عاماً من الحرب الضروس التي فتكت بسمعة الولايات المتحدة الأمريكية، فأجبرتها على انسحاب تقازم أمامه انسحابها المهين من فيتنام، وبجوارها الهزيمة الفرنسية في أفريقيا الوسطى، ومعها فشل الاحتلال الروسي والإيراني في تحقيق أهدافه في سوريا على الرغم من استمراره لسنوات وبغطاء غربي، ولكن ظلت ثمة بؤر ثورية جهادية صامدة في وجه احتلال مزدوج، وتحديداً في الشمال السوري المحرر، الذي غدا كياناً يفتخر به.

دعائم قيام الدول الكبرى والإمبراطوريات

عادة ما تقوم الدول الكبرى والإمبراطوريات العظمي على دعامتين أساسيتين: وهما دعامة القوة الخشنة المعتمدة على الجيش والأمن، ودعامة القوة الناعمة المعتمدة على قوى دينية وثقافية وفنية ونحوها، وقد نقل عن المهاتما غاندي قوله: «إن أمريكا تعتمد على قوتين: تتمثل الأولى بالقوة الخشنة وهي العسكرتاريا وجهاز المخابرات الأمريكي السي آي إيه، أما القوة الثانية فهي القوة الناعمة المعتمدة على هوليوود”..

نماذج للقوة الناعمة في الدول العربية والإسلامية

وما يجري للقوى العظمى ينسحب حتى على القوى الأصغر منها، فلكل قوة قوتها الناعمة الخاصة بها، بحسب قوتها وحضورها، فمن كان يجهل قوة الجامعة الإسلامية في السعودية يوم كان علماء كبار يدرسون فيها من أمثال عبد العزيز بن عبد الله بن باز وغيره، فقد شكل علماء المملكة في فترة من الفترات أيقونات المملكة، بحيث كانت تعرف بهم، ومن بينهم من يقضي

حياته وراء القضبان اليوم، وقطر عرفت بقناة الجزيرة، و پاکستان عرفت قوتها الناعمة بجماعة الدعوة والتبليغ وبجامعة الحقانية، وبشخصية الإمام أبي الأعلى المودودي رحمه الله، حيث تعرف كثير من العرب على باكستان من خلال المودودي وكتبه المترجمة، وعرفت مصر بجامع الأزهر، كما عرفت تونس بالزيتونة، وعرفت الجزائر بابن باديس والأمير عبد القادر الجزائري، والمغرب بعبد الكريم الخطابي، ونفس الأمر ينسحب على كثير من الدول.

القوى الغربية تبتلع كل شعاراتها من حقوق الإنسان والديمقراطية

أرجع كثير من المؤرخين سبب انهيار الإمبراطورية الرومانية إلى العامل الأخلاقي، فأول ما تنهار العائلة الصغيرة أمام الأولاد والبنات حين يكذب الأب عليهم ويخدعهم، وما يجري لعالم الأشخاص ينسحب على عالم الدول، وهو نفس ما يحصل اليوم للقوى الغربية التي ابتلعت كل شعاراتها من حقوق الإنسان والحوكمة الرشيدة، والديمقراطية، فاستعذبت معاناة الشعوب عبر دعم جلاديها وقتلتها، إن كان في غزة أو في دمشق وبغداد والقاهرة وكابول وليبيا واليمن والصومال وغيرها، مما شكل انهياراً في القوة الناعمة الغربية التي بنتها لعقود، وإن كان ذلك مفضوحاً للبعض في الماضي لكن أحداث الربيع العربي وثوراته بالإضافة إلى أحداث غزة، فضحت كل شيء، فلم يعد هناك حاجة إلى محللين ومعلقين بعد أن غدا الخبر أقوى وأوضح من التحليل والتعليق.

القوة الناعمة الغربية تتصدع

حين نتحدث عن القوة الناعمة الغربية نتحدث عن ثلاثة أضلاع لهذه القوة، والمتمثلة في:

أ- الجامعات الغربية: التي طالما نظر إليها العالم والشباب تحديداً على أنها محجة وقبلة له التسلح بالعلم والفكر والثقافة.

ب- والضلع الثاني: الإعلام الغربي: الذي سعى طوال عقود إلى نشر مبادئ حرية الرأي وحقوق الإنسان في التعلم والوصول إلى المعلومة بالإضافة إلى حرية الرأي والرأي الآخر.

ت- ويبقى الضلع الثالث الأهم وهو ضلع مؤسسة هوليوود: والتي تعرضت لهزة أخلاقية ومعنوية لم تعرض لها طوال تاريخها، ونحن هنا ستتحدث عن كل ضلع من هذه الأضلاع وما لحقه من أضرار معنوية، أدى في المجمل إلى تصدع القوة الناعمة الأهم في الغرب.

أ- الجامعات الأمريكية والمكارثية الفلسطينية

المكارثية: مصطلح انشر في الخمسينيات من القرن الماضي، وهو عبارة عن سلوك يوجه الاتهامات بالتآمر والخيانة دون الاهتمام بالأدلة. ينسب هذا الاتجاه إلى عضو بمجلس الشيوخ الأمريكي اسمه جوزيف مكارثي كان رئيساً لإحدى اللجان الفرعية بالمجلس واتهم عدداً من موظفي الحكومة وبخاصة وزارة الخارجية، وقاد إلى حبس بعضهم بتهمة أنهم شيوعيون يعملون لمصلحة الاتحاد السوفياتي يومها، وقد تبين فيما بعد أن معظم اتهاماته كانت على غير أساس، وأصدر المجلس عام 1954 قراراً بتوجيه اللوم عليه، ويستخدم هذا المصطلح للتعبير عن الإرهاب الثقافي الموجه ضد المثقفين.

مكارثية بطعم فلسطيني

اليوم تواجه الساحة الدولية مكارثية بطعم فلسطيني، حيث يوجه الاتهام لكل من يتعاطف مع الحق الفلسطيني، ومع ارتقاء أكثر من عشرين ألف ضحية -حتى كتابة هذا المقال- بأنه لا سامي، وأنه مؤيد للإرهاب، ولقد وجدنا هذا في حالة رئيسة جامعة بنسلفانيا – إحدى أرقى القلاع الجامعية الأمريكية- حيث استدعت لجنة التربية والتعليم في مجلس الشيوخ الأمريكي لتوجه لها الأسئلة فيما يتعلق بموقفها من الطلبة الذين يدعون إلى إبادة اسرائيل، وحين سعت الأكاديمية المعروفة للالتفاف على السؤال دون الإجابة عليه مباشرة، لإدراكها حجم دية الجواب الذي ستدفعه، رفضت اللجنة دفاعها، ودعا مانحو الجامعة – وهم من اليهود أو من المؤيدين لهم- إلى المطالبة بعزلها من منصبها، وقد تم ذلك فوراً.

نفس الأمر حصل مع رئيس جامعة هارفارد العريقة الذي طالب المانحون بعزله، وتصدى أكثر من 500 أكاديمي غربي للمسألة وطالبوا بإبقائه في منصبه، وكان اتحاداً يضم 34 مجموعة طلابية في جامعة هارفارد أيضاً قد أصدر بياناً حمل فيه النظام الإسرائيلي المسؤولية الكاملة من جميع أعمال العنف المنتشرة بعد عقود من الاحتلال وذكر البيان: “أن نظام الفصل العنصري هو المسؤول الوحيد عما يحدث في غزة”.

الحوادث ضد الإسرائيليين زادت في العالم بنسبة 500%

وقد انعكس هذا الواقع سلباً على الطلبة الإسرائيليين، فبحسب صحيفة يديعوت أحرنوت فإن الطلبة الإسرائيليين يتعرضون للاستهداف في شوارع مدن مثل نيويورك ولوس أنجلوس ولندن، والحوادث ضد الإسرائيليين زادت في العالم بنسبة 500%. وقد انعكس هذا كله بحسب التقييمات الصهيونية على الأكاديميين الإسرائيليين، إذ عبر باحثون إسرائيليون من تخوفهم من أن المعارضة والاحتجاجات الواسعة للحرب حول العالم وخصوصاً في الولايات المتحدة ودول أوروبا ستلحق ضرراً كبيراً بعملهم داخل مراكز الأبحاث الأكاديمية في إسرائيل، بعد أن رصد مسؤولون إسرائيليون في عالم الأبحاث بعد السابع من أكتوبر بوادر نبذ وطرد أكاديميين إسرائيليين في عالم الأكاديميات داخل إسرائيل وخارجها، عبر وقف التعاون معهم من باحثين أجانب ومنعهم من الحصول على منح لأبحاثهم، وحتى نشرها في المجلات الأكاديمية، ولم يقتصر هذا على الطلبة الجدد بل حتى على الأساتذة الإسرائيليين الكبار الذين لديهم علاقات وصداقات مع زملاء لهم في الغرب، وعلقت رئيسة منظمة Science Abroad الإسرائيلية ريفكا كارمي لصحيفة ذي ماركر الإسرائيلية: «علماؤنا يواجهون تحديات صعبة في الجامعات خارج البلاد، ويعانون مظاهر معاداة السامية، وقسم منهم يتخوفون على سلامتهم وليس على مستقبلهم العلمي فقط.

الرأي العام الأكاديمي العالمي بات يتحول ضد إسرائيل

وتعتقد يديعوت أحرنوت بأن الرأي العام الأكاديمي العالمي بات يتحول ضد إسرائيل بسبب تزايد التظاهرات الغاضبة داخل حرم الجامعات العالمية ضد حربها على غزة، وخصوصاً في جامعات الولايات المتحدة وكندا وأوربا التي يعتقد شريحة كبيرة من طلابها أن الحرب الإسرائيلية تجاوزت رد الفعل والدفاع عن النفس إلى استهداف المدنين بمن فيهم الأطفال والنساء، لكن بنظر الكثيرين أن من ألحق الضرر بالباحثين الصهاينة ومراكز دراساتهم تغريدات مثقفيهم وخبرائهم الداعية إلى إبادة الفلسطينيين وقتلهم جميعاً، وهي السبب الرئيسي وراء الحملة الغربية التي تدعو لمقاطعتهم، فقد ناشد مدير البحث في شركة Chat Gpt

الجيش الصهيوني إلى عدم التوقف عن قصف غزة ودون رحمة، وقد نشرت منظمة (أوقفوا الكراهية الصهيونية) تغريداته، وطالبت في عريضة نشرتها على باحثين وخبراء بالتوقيع عليها من أجل طرده من شركته رغم أن شركته يقودها صهيوني آخر وهو سام ألتمان.

لقد ألحقت الحرب في غزة ضربة حقيقية للجامعات الغربية، ولعل ابتعادها عن الأكاديميين الإسرائيليين يعكس بعض هذا الجانب، ولعل الخسائر المعنوية الكبرى لن يشعر بها الكثيرون الآن، فخسارة القوة الناعمة لا تقاس بالسنوات، كما أن الخسائر في الغالب تكون غير مرئية وغير منظورة، فحروب كسب العقول والقلوب لا سوق بورصة لها، وإنما بورصتها غير مرئية محسوسة ملموسة غير مرئية، ولكن حصائدها بعد حين تماماً كما أن خسارتها بعد حين.

ب- غزة وأسطورة الإعلام الغربي

تعرض الإعلام الغربي عامة والأمريكي خاصة إلى زلزال حقيقي، شبيه بالزلزال الذي تعرضت له دولة الكيان الصهيوني صبيحة السابع من أكتوبر، يوم اصطف الإعلام الغربي مع الجانب التاريخي الخطأ – وهو الكيان الصهيوني – في ترديد سرديته وروايته لما جرى، وقد أهمل وزر ذلك رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو الذي تحدث عن بقر بطون وقطع رؤوس خدج، لتكرر ذلك وسائل الإعلام الغربية ثم تعتذر لاحقاً، فيفضح التحقيق المفصل في صحيفة الليبيراسيون الفرنسية لاحقاً كذب وافتئات كل هذه الروايات التي روجت لها إسرائيل أملاً في حشد الدعم الغربي لها في مواجهة حماس.

الوسائل الإعلامية الغربية تبث الأكاذيب بعد أن ثبت بطلانها

محطة فوكس نيوز أصرت على بث أخبار الاغتصاب على شاشاتها، على الرغم من أن شيئاً من هذا لم يقع، وعجزت معه تل أبيب على عرض سيدة واحدة تؤكد ذلك، أو تأتي بمعلومات محققة في الأمر، إلا أن الوسيلة الإعلامية الغربية ظلت تبث هذه الأكاذيب، ولم تعتذر من مشاهديها بعد أن ثبت بطلانها، طبعاً هذا عدا عما بثته وسائل الإعلام الغربية وحتى العربية المتصهينة لشاحنة المعتقلين الذين اعتقلتهم القوات الصهيونية على أنهم مقاتلو حماس استسلموا في المعركة، ليتبين أنهم مدنيون وقد أفرج عنهم لاحقاً وبعضهم عمال في مؤسسات الإغاثة الدولية، أو في وسائل إعلام عربية، ومع هذا لم تعتذر وسائل الإعلام التي بثت مثل هذه الأخبار لمشاهديها، ولا حتى من أجل مصداقيتها المستقبلية التي فقدتها أمام قرائها ومشاهديها ومتابعيها، وهي نفس الأكاذيب التي ذكرتنا بما تناقلته نفس وسائل الإعلام الغربية من امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وعلاقته مع تنظيم القاعدة، والتي كانت أكاذيب لتبرير الغزو الأمريكي/ البريطالي على العراق، ليتبين كذبها بعد أن دمر العراق وقتل وشردت الملايين من أهله، وحتى اليوم لم تعتذر تلك المؤسسات عن تلك الجريمة بحق الإنسانية.

تحيز الصحف العريقة من أمثال النيويورك تايمز والوول ستريت جورنال

وحين وقعت مجزرة المستشفى المعمداني والتي راح ضحيتها ٥٠٠ شهيد مدني، سارعت الصحف الغربية إلى تحميل المسؤولية لحماس على أن معاقلها وغرف عملياتها في أنفاق تحت المستشفى مرددة بذلك أكاذيب الصهاينة، وبعد وقوع تدمير المستشفى تبين كذب الرواية، فلم تعتذر هذه الصحف العريقة من أمثال النيويورك تايمز والوول ستريت جورنال، بعد أن غيرت الأولى عنوانها الرئيسي ثلاث مرات خلال أقل من ساعة لحرصها على تبرئة الجانب الإسرائيلي من قصف المعمداني وتحميله للمقاومة، في محاولات صبيانية لا يشتريها أحد.

المفارقة أن هذه الصحف لم تكلف نفسها عناء مراجعة ما بثته من أكاذيب، ولا راجعت كل هذه الخطايا التي أقدمت عليها، أملاً على الأقل في استعادة مصداقية بددتها بنفسها، وروجت لآلات كذب حقيقية على رأسها وزير الخارجية أنتولي بلينكن، فكان من المفترض أن تعقد مقابلة معه ليشرح السبب الذي دفعه إلى الترويج لهذه الأكاذيب.

في دراسة مهمة أجرتها المؤرخة الفلسطينية مها نصار، رصدت فيها بأنه منذ عام 1979 وحتى الآن نشرت النيويورك تايمز 2490 مقالة لم يكن منها سوى 46 مقالة لصالح فلسطين، وكتبت بأيدي فلسطينيين، أما الواشنطن بوست فقد نشرت 3249 مقالة مؤيدة لإسرائيل بينها 32 مقالة لصالح الفلسطينيين، وحين أجرت محطة سي بي إس مداخلة للقانونية الفلسطينية نورا عريقات طالبت الأخيرة المذيع بوصف هجمات إسرائيل بالوحشية کوصفه هجمات حماس بالوحشية، لكنه رفض ذلك ولم يكتف بالرفض، بل عاقبت المؤسسة القانونية الفلسطينية بحذف مقابلتها كاملة من موقع المحطة.

المؤسسات الإعلامية الغربية تطارد أصوات العرب

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ بينما طورد كل الصحافيين العرب العاملين في المؤسسات الإعلامية الغربية من خلال منعهم من عرض آرائهم على منصات تواصلهم الاجتماعي، كان زملاؤهم الغربيون يسرحون ويمرحون ويقولون ما يشاؤون عن الحرب في غزة تأييداً للكيان الصهيوني ودعماً له، وهو ما دفع زميلنا بسام بونني إلى الاستقالة من البي بي سي احتجاجاً على انحيازها في تغطية الحرب على غزة، كما طردت البي بي سي أيضاً ستة من الصحافيين بتهمة انحيازهم للفلسطينيين عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

ونشر موقع الجزيرة نت الإنجليزي رسالة من زملاء في محطة البي بي سي وتضمن أكثر من 3000 كلمة ينتقدون فيها موقف مؤسستهم لعدم تعاملها مع الشعب الفلسطيني كبشر خلال تغطية حرب غزة بحسب توصيف الرسالة، وحين قتل زميلنا المصور في قناة الجزيرة سامر أبو دقة علق المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر بكل برود بأنهم لم يعثروا على دليل يثبت استهداف إسرائيل للصحافيين، وهي التي قلت في سبعين يوماً من العدوان أكثر من 90 صحافياً، فكانت حصيلته أكثر مما فقدته المهنة خلال ست سنوات من الحرب العالمية الثانية.

ت- هوليود (تاج القوة الناعمة) تتصدع

الخسارة الأعظم على صعيد القوة الناعمة الأمريكية ما تعرضت له درة تاج القوة الناعمة الأمريكية، وهي مؤسسة هوليود للإنتاج السينمائي، فظهر انحيازها الكامل والسافر للسردية الصهيونية خلال العدوان على غزة، فاستبعدت النجمة سوزان ساراندون من التمثيل لانتقادها العنجهية والبلطجة الصهيونية، وتدخل الممثل المعروف توم كروز لمنع استبعاد وكيلته الممثلة الليبية الأصل مها الدخيل، فعبر لها عن دعمه ومساندته، وذلك لنفس السبب، كما طردت الممثلة ميليسا باروريا 33 عاماً وهي ممثلة فيلم الرعب (سكريم) المعروف بعد أن نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تتهم إسرائيل بالعنصرية والتطهير العنصري.

2000 ممثل وفنان بريطاني يطالبون بالوقف الفوري للحصار والقصف الإسرائيلي على غزة

وقد واجهت رابطة الكتاب الأمريكيين انتقاداً لعدم شجبها حماس، بعد أن التزمت الصمت إزاء غزة وأحداثها، ووصل الخلاف إلى اتحاد الممثلين البريطانيين الذي يضم 74 ألف عضو، لانتقاده القصف والاحتلال والعنصرية الصهيونية، كما طالب في بريطانيا أكثر من 2000 ممثل وفنان بريطاني وقعوا على رسالة مفتوحة من بينهم تشارلز دانس وتيلدا سويتقن وميريام مارغويلز وستيف كوغان، والمخرجين مايك لي ومايكل وينتربوتوم وغيرهما إلى الوقف الفوري الحصار والقصف الإسرائيلي على غزة وجاء في رسالتهم: “اننا نشهد جريمة وكارثة، لقد حولت إسرائيل جزءاً كبيراً من غزة إلى أنقاض، وقطعت إمدادات المياه والكهرباء والغذاء والدواء من 3و2 مليون فلسطيني كما أسسوا موقع: فنانون من أجل فلسطين، وقد انعكس ذلك على دور السينما الإسرائيلية، إذ سحبت إدارة مهرجان ستوكهولم السينمائي الدولي دعوة الممثلة الإسرائيلية أليزا تشانوفيتش من المشاركة في المهرجان وأفادت بأن قرارها جاء “نتيجة للأحداث المأساوية المستمرة والصراع الحالي”.

حملات المقاطعة العربية والإسلامية تطال المنتجات الأمريكية

شظايا حرب غزة وصلت إلى أدوات ناعمة أمريكية وغربية مهمة أخرى، حين طالت حملات المقاطعة العربية والإسلامية المنتجات الأمريكية، والتي قدمت أمريكا للعالم، وجعلت جيل الشباب معجباً بأمريكا بسبها، كمطاعم الماكدونالدز، وستار بكس والبيبسي كولا، والجينز وغيره، فكانت النتيجة تجاوب الشباب مع حملات المقاطعة كرد على العدوان على غزة، لنستيقظ في غضون أيام على صراخ ماركات عالمية من جراء هذه المقاطعة، واعتذار بعضها كماركة زارا عما أقدمت عليه من إعلانات مسيئة، وإنهاء شركة بوما الألمانية للألبسة الرياضية لعقدها مع فريق كرة القدم الإسرائيلي، لتثبت المقاطعة من جديد أنها سلاح قوي وفعال بأيدي الأفراد، حين تستقيل الحكومات عن وظائفها ومهامها، وقد غصت مواقع التواصل الاجتماعي بالمنشورات والصور التي تندد بأمريكا وبسياستها، ولقيت هذه المنشورات والفيديوهات المنددة بالسياسة الأمريكية تفاعلاً ضخماً على مواقع التواصل الاجتماعي من إعجابات ومشاركات ومشاهدات على نطاق واسع، الأمر الذي قد يساعد القوتين المنتظرين وهما الصين وروسيا على حساب التراجع الأمريكي والغربي.

لقد كان الانحياز الأمريكي الأعمى الفاضح للصهاينة ضربة قوية للدبلوماسية الأمريكية لها ما بعدها، وآثار ذلك لن تظهر فقط خلال أيام، بل ستكون هناك تداعيات سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية وإعلامية وثقافية كبيرة، فبعد أن كانت أمريكا إلى حد ما لديها تلك الصورة الذهنية بالقدرة السياسية على وقف المعركة، ظهرت منحازة للقوة الصهيونية بسفور، فبددت بذلك صورتها وقدرتها على وقف العدوان.

الصورة الأمريكية والغربية عامة بعد طوفان الأقصى

هذا الواقع انعكس بخطورة وأثر على الصورة الأمريكية والغربية عامة، فعلى صعيد شريحة الشباب برز الانعكاس واضحاً من خلال استطلاعات الرأي الذي أجرته النيويورك تايمز من تقدم بايدن على منافسه ترامب بنقطتين، 44 مقابل 46، كما كشف الاستطلاع عن قناعة ثلاثة أرباع المشمولين به أن معالجة بايدن الوضع في غزة خطأ. وعلق مهندس مبرمج كومبيوترات بالقول: لا أريد أن أدعم أحداً لا تتفق قيمه مع قيمي، ورأى نصف المشمولين بالاستطلاع أن إسرائيل تقتل المدنين، بينما رأى ثلثهم أنها تتحاشى قتل المدنين، مما يعكس مدى الفجوة بين طبقة الناخبين والقيادة السياسية الأمريكية.

ربما لأول مرة تقسم الحرب الساحة الأمريكية الحزبية بحيث جعلت أمريكا منقسمة وفق الخطوط الحزبية، فجعلت الحزب الجمهوري -والذي ينتمي إليه ترامب- حليفاً لليمين الصهيوني المتطرف، وهو أمر مقلق لكل عاقل أمريكي، وقد تعدى التأثير هذا للمؤسسات الدولية التي كانت على مدار عقود بعيداً عن التجاذبات الغربية على الأقل، فقد هاجمت ميريانا سبولياريتش رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر المجتمع الدولي بقولها: (إن المجتمع الدولي فشل أخلاقياً في غزة حين عجز عن وقف الحرب فيها). ومعلوم أن هذه المؤسسات تعمل بصمت دون توجيه الاتهامات وبسرية، وذلك من أجل كسب كل الأطراف، ولكن يبدو أن الفضيحة الغربية أخرجتها عن صمتها، لا سيما بعد أن طالبها الكيان الصهيوني بنقد حماس ومهاجمتها.

تغير في الرأي العام الغربي ومزاجه

ولعل المظاهرات التي خرجت لأول مرة بهذه الضخامة والكثافة في عواصم القرار الغربي عكست ما يدور في تضاعيف المجتمعات الغربية من تغير في الرأي العام ومزاجه، فحين يصل الأمر إلى رئيسة البرلمان الفرنسي اليهودية الأصل يائيل برون أن ترفض طلب الوقوف دقيقة صمت على موظف في خارجيتها قتل بغارة إسرائيلية في رفح، فهذا يعني أن الوضع وصل إلى درجات خطيرة على المصالح القومية الفرنسية والغربية عامة، من أجل عيون إسرائيل، وهو ما وصفته نائبتها في البرلمان بأنه مقلق ومخجل، بل إن الحكومة الفرنسية لم تضع حتى أسماء أولاد القتيل الموجودين في رفح على قائمة الأشخاص المشمولين بالإجلاء.

شطايا العدوان على غزة أصابت الغرب وقواه الناعمة في مقتل، وفضحت الكثير من أكاذيبيه، ولكن الأهم من ذلك كله أن حالة غربية جديدة اليوم تظهر، وهي تثير المزاج الشعبي الغربي تجاه إسرائيل، ولا أدل على ذلك من مطالبة الكثير من الشباب بتسليم فلسطين للفلسطينيين، لا سيما بعد وصول حكومة متطرفة إلى تل أبيب، وهو الأمر الذي تسبب في هجرة معاكسة لليهود الليبراليين إلى أوروبا، وهو مقلق للغرب، الذي أوجد هذا الكيان الصهيوني لليهود الليبراليين من أجل التخلص منهم، وليس من أجل يهود متطرفين.

كل هذه التفاعلات سيكون لها نصيب كبير من الانعكاسات في مرحلة ما بعد العدوان على غزة، ويبدو أن اليوم التالي للغرب وللصهاينة هو أهم من اليوم التالي لغزة والغزيين والفلسطينيين، بعد كل هذه الخسائر المرئية وغير المرئية التي لحقت بالصهاينة وداعميهم الغربيين.

المصدر

د. أحمد موفق زيدان، مجلة أنصار النبي صلى الله عليه وسلم.

اقرأ أيضا

غزة أم المعارك

لماذا نحتاج أن ندافع عن غزة؟ وكيف نتخلص من العجز؟

دفع عدوان الظالمين مفهوم أصيل في الجهاد المحمدي

من محنة غزة وُلدت المنحة

التعليقات غير متاحة