عوامل النشأة والتربية التي صنعت الصمود عند الغزاويين

إن التربية التي صنعت رجال طوفان الأقصى هي: تربية إيمانية – حركية- اجتماعية فريدة، جمعت بين العقيدة الواعية، والتجربة العملية بقسوة الواقع، والقدوة الحية، وأثمرت قدرة نفسية وعملية خارقة على التحمل والثبات والتضحية.

مقدمة

أي تربية صنعت رجال طوفان الأقصى، وأهّلت هذه الفئة القليلة المحاصرة والمُجوّعة في رقعة صغيرة ومكشوفة للعيان، – وسط قصف مكثف دمر معظم القطاع، وحصار خانق تسبب في جوع جماعي، وموت آلاف المدنيين جوعًا، ومذبحة غير مسبوقة، والوقائع على الأرض من قنص الأطفال، إلى القصف المتعمد للبنية التحتية المدنية، والحصار والتجويع الدال على أن الحرب الإسرائيلية، تستهدف عموم سكان غزة، حرب من حيث نسبة الضحايا، تفوق حتى أكثر حملات العقاب الجماعي دموية، دمار غزة المادي المروع؛ أظهرت تحليلات بالأقمار الصناعية أن 60% من المباني و90% من المنازل دمرت أو تضررت بشدة، فيما سويت جميع جامعات القطاع الـ12 بالأرض، إضافة إلى 80% من المدارس والمساجد، والعديد من الكنائس والمكتبات والمتاحف، ولم يعد أي مستشفى يعمل بكامل طاقته، وقد سبقت هذه الإبادة الجماعية، 5 حروب متتالية شنت على الغزاويين: حرب 2007، و 2009، و 2012، و 2014،و 2019، –  لتتصدى وتصمد، وتهزم نفسيا التحالف الغربي والتآمر العربي؟ ولتتحمل كل هذا التدمير والتقتيل الذي يفوق الوصف؟

إذ لا أحد يصبر على الجوع، والحصار، والقصف، وفقد الأحبة، إلا بإيمان عظيم، وتربية عميقة. هذا الثبات الذي نراه في غزة، في المقاتلين، في الأمهات، في الأطفال، في الناس الذين دفنوا أبناءهم وخرجوا يقولون: “الحمد لله” — ليس نتيجة شجاعة طبيعية، بل جند من جنود الله اسمه اليقين.

عوامل النشأة والتربية التي صنعت الصمود عند الغزاويين

يعد هذا السؤال من أعقد الأسئلة التي أُثيرت في الأوساط الدينية والفكرية، وأشغلت العلماء قبل عامة الناس.

الجواب على هذا السؤال، مستخلص من خلال جلسة مصغرة مع ثلة من العلماء يسرها الله لي مع القائد المجاهد والشهيد إسماعيل هنية، وقد زارنا في مؤتمر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، لإقامة الحجة على العلماء، وتحميلهم المسؤولية، كما أنه مستخلص من خلال واقع الغزاويين المعيش، والتأصيلات الشرعية والتربوية الواردة في دراسات تربوية حول مجتمع غزة وجهادها الأخير، ويمكن أن نعنون هذه الإجابة بـ:

عوامل النشأة والتربية التي صنعت الصمود عند الغزاويين

 1 – التربية الإيمانية والروحية

أ – غرس العقيدة الصحيحة:

أُنشئت الأجيال في غزة على الإيمان الراسخ بالله، والتوكل عليه، مع فهم عميق لمعاني الجهاد والصبر وربط كل شيء بالحياة الآخرة والثواب المرتقب.

ب – الارتباط الدائم بالقرآن والسنة:

تترسخ في المجتمع الغزاوي حلقات التحفيظ، وحلقات العلم الشرعي التي تصنع عمقاً روحيًا وعقلياً في نفوس أبنائه، وتجعلهم ينظرون إلى الابتلاءات كاختبار وتكليف إلهي.

2 – التربية الجماعية والحركية

أ – فاعلية الحركات الإسلامية:

قامت الحركات الإسلامية كحماس والجهاد، بدور محوري في تربية أفرادها على مفاهيم التضحية والانضباط والسمع والطاعة وخدمة الجماعة، مع تدريب عملي على الشدائد وأخلاقيات العمل الجماعي.

ب –  ثقافة المقاومة والصمود:

ساهم التكاثف الاجتماعي والمؤسسات التربوية، بدءاً من الأسر ومرورًا بالمدارس والمساجد، في تكريس معاني المقاومة والثبات حتى في الظروف الأقسى.

3 – التربية على واقع المعاناة والحصار

أ –  تربية واقعية:

نشأ الأفراد وهم يرون آثار القصف والحصار منذ الطفولة، فاستوعبوا معنى التضحية عمليًا لا نظريًا، ما شكل لديهم مناعة نفسية ضد الخوف والهزيمة.

ب – الاختبار اليومي:

تكرار المحن أدى إلى صقل شخصياتهم وتثبيتهم أمام الشدائد، وجعل الروح الجماعية والتآزر عادة راسخة.

4 – تربية القيادة والقدوة

–  وجود الرموز والقيادات المؤثرة:

أمثال الشيخ أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، واسماعيل هنية، وغيرهم رحمهم الله، الذين جسدوا التضحية والشجاعة، ونقلوا للأجيال روح العزة وأولوية المبادئ على المصالح الشخصية.

5 – الثقافة التعليمية والفكرية

–  الاهتمام بالتعليم الشرعي والمدني:

رغم الظروف القاسية، حافظ الفلسطينيون في غزة على التعليم الأكاديمي والديني، ما عمق الوعي بالقضية، والحقوق، ووسع أفق التفكير الاستراتيجي لديهم.

 6 – تربية المرأة والبيت

أ –  دور الأسرة والأمهات خصوصًا:

النساء في غزة، يمثلن مصنع البطولة، فتربية الأبناء على الشجاعة، وتحمّل المسؤولية، ومساندة الرجال، من أبرز عوامل دوام المقاومة.

ب –  ترابط الأسر وتعاضد أفرادها:

التماسك الاجتماعي يمنح الفرد شعورًا قويًا بالأمن النفسي والانتماء، ما يزيد من قدرة المجتمع على الصمود.

لماذا عجزت الإجابات التقليدية على هذا السؤال؟

لأن هذا النوع من التربية ، غير مسبوق من حيث الجمع بين الإيمان المتجذر، والخبرة العملية بالمحنة، ووجود النموذج القيادي الحي، والثقافة الجماعية الحركية، وهو ما جعل مقاتلي غزة يتحولون إلى نماذج “استثنائية” في الصمود أمام آلة التدمير، ولا تفسره فقط الدوافع الوطنية المجردة، بل أيضاً الروح العقائدية والمجتمعية الفريدة.

جيل الاعتزاز بالإسلام

وكما قال بعض العلماء والمفكرين: “خرج من رحم الحصار والدمار جيل إذا مات شهيداً تمنى أن يعود ليُقاتَل من جديد.” هذا هو جيل الاعتزاز بالإسلام

جيلٌ لا يُساوم على دينه، ولا يُخفي عبادته، ولا يُبرمج نفسه على مقاييس الغرب.

جيل يقرأ القرآن ليحيا به، ويقتدي بالنبي ﷺ لا بالمشاهير.

جيل حين يسجن الفرد منهم يثبت، وحين يشوّه يصبر، وحين يخيّر يختار الله.

جيل شعارهم “إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين”.

جيلٌ يعرف أن العزة في الإسلام، وأن الدين منهج حياة لا بطاقة تعريف.

الخلاصة

إن التربية التي صنعت رجال طوفان الأقصى هي: تربية إيمانية – حركية- اجتماعية فريدة، جمعت بين العقيدة الواعية، والتجربة العملية بقسوة الواقع، والقدوة الحية، وأثمرت قدرة نفسية وعملية خارقة على التحمل والثبات والتضحية.

والحمد لله الذي بنعمته تمم الصالحات..

المصدر

موقع منار الإسلام، الشيخ بن سالم باهشام عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

اقرأ أيضا

التعليم الديني وانتصار الهوية في غزة

غزة التي رأيت

من مؤتة إلى طوفان الأقصى: أثر العقيدة في الميدان

غزة الصابرة والسنن الإلهية

التعليقات غير متاحة