بالأمس، كان لأهل الضفة وقفة مشرفة، حين خرجوا واستطاعوا أن يفكوا حصار أجهزة الأمن الفلسطينية عن قائد من المقاومة!
سلطة عباس..العار والخيانة
أخي القاريء الكريم.. ربما لو كنت تقرأ هذه السطور في زمن لاحق، أو كنت من أهل هذا الزمن ولكن لست تتابع الأمور، فسيختلط عليك الأمر، وتشعر بأن ثمة خطأ في الكتابة.
في الواقع ليس كذلك، أنت الآن تقرأ الحقيقة.. نعم، هناك سلطة فلسطينية، لها أجهزة أمن مسلحة ومدربة، ولكن هذه الأجهزة تتخصص فقط في قتل من يقاومون إسرائيل، واعتقالهم وتعذيبهم، وأحيانا تسليمهم إلى إسرائيل.
نعم، هذه حالة خيانة كاملة، شديدة الوضوح، شديدة السطوع، شديدة اللهيب والإحراق للنفوس والقلوب والعقول.
فهل يظن عاقل أن من الدين أو الوطنية أو أي شيء أن ينفذ شعب الضفة الالتزام بقوانين السلطة، والخضوع لأجهزة أمنها؟!
حماية إسرائيل: وظيفة الجيوش العربية
الحالة الأقل وضوحا من هذه، هي حالة بقية النظم العربية..
سائر الجيوش العربية وأجهزة الأمن فيها هي نسخة أخرى من أجهزة الأمن الفلسطينية.. تماما كما سمعت.. ولكن دور هذه الجيوش والأجهزة أن تحمي إسرائيل من الذين يفكرون في مقاومتها من خارج فلسطين: الأردن أو مصر أو سوريا أو السعودية أو الإمارات … إلخ!
ولذا ترى مئات الملايين من العرب محبوسين في زنازين أوطانهم، لا يستطيعون أن يفعلوا شيئا إلا أن يتفرجوا ويتفجروا في أنفسهم ومن داخلهم، حتى إن الواحد منهم لربما مات من الغيظ والقهر، وربما أصيب بأمراض الاكتئاب وضغط الدم والقلب ونحوها.
وإذا كان شعب الضفة قادرا على أن ينتفض بين الحين والآخر خارقا قانون سلطته ومنفلتا من أجهزة أمنها.. فإن بقية هذه الشعوب العربية لم تبلغ هذه القدرة بعد!
كيف وصلت الشعوب العربية إلى هذه الحالة؟!
لم تبلغ الشعوبُ هذه القدرةَ بعد لأن مسألة خيانة هذه الأنظمة وعمالتها ليست بذات الوضوح ولا القوة..
وهذه نتيجة مركبة من أمراض عدة مثل:
- مرض الوطنية القبيحة الذي يجعل حدود الاحتلال الأجنبي مقدسة، ويجعل فلسطين بلدا آخر ليس ضمن الوطن الضيق الذي حدده لنا سيدنا الأجنبي!!
- مرض المواطن الصالح الذي يلتزم بالقانون ويعمل وفق الدستور (قانون السفاحين ودستور الخائنين) ويرى أنه في دولة طبيعية يجب أن يحافظ عليها، وأن مؤسسات الدولة هي مؤسسات وطنية يجب أن تُحْتَرم.
وقد عَمِلَتْ سنوات طويلة من الإعلام والتعليم والنخب المغفلة والجبانة على ترسيخ هذه الأمراض حتى صارت متوطنة صعبة الاستئصال، تحتاج إلى أدوية كثيرة وصدمات كثيرة، كما ستحتاج إلى بتر أجزاء عديدة قد فسدت لا يمكن علاجها.
حال المستضعفين في غزة والسودان
هل تصدق عزيزي القارئ أني بينما أكتب هذه السطور الآن، سمعت بكاء طفلي الصغير وقد فزع من نومه.. هُرِعت إليه أنا وأمه حتى هدأناه، فلما عرف الغلام أنه مجرد حلم هدأ، شرب بعض الماء، ثم عاد إلى نومه!!
قفز إلى ذهني وأنا معه، كيف يفعل الرجل في غزة إذا فزع أطفاله، وفزع هو معهم، ومعهم أمه.. ثم لم يكن هذا حلما، ثم لم يستطع لا هو ولا غيره أن يدفع مصدر التهديد والخطر.. ما كل هذه البلايا؟ وكيف يصبر الناس عليها هناك؟!
وقل مثل هذا في السودان وفي الشام وفي أراكان وفي غيرها..
ولقد كنا قبل شهور أحادث زوجي، ولدينا طفل مصاب بالربو، يحتاج بين الحين والآخر إلى جهاز الرذاذ (البَخَّاخ)، فهو يعمل بالكهرباء، وتوضع فيه جرعات المادة الموسِّعة للشعب. ونحن نحتاط لهذا فاشترينا الجهاز ونحرص على بقاء هذه الأمبولات في البيت!
فكنا نقول: كيف يفعل الرجل وزوجته في غزة إذا ضاق نفس الطفل؟!
إن ما ألقي على غزة من القنابل والقذائف والصواريخ، وما تناثر فيها من الركام والغبار والتراب ليصيب الصحيح السليم بأمراض الصدر كلها.. فكيف بالطفل الصغير؟ ثم كيف به إن كان مصابا؟!
وإذا حصل هذا، فمن أين لهم بهذا الجهاز ومن أين لهم بالعلاج؟.. وإذا كان هذان معهم ثم لا كهرباء، فكيف يفعلون؟!
إن مشهد الطفل إذا اختنق وضاق نفسه يعصر القلب ويكتم الصدر ويضيق الهواء، فلو كان المرء يستطيع أن يبذل نَفَسَه للطفل لفعل.. فكيف بحال هؤلاء؟!
هل يملكون شيئا إلا أن يتفرجوا عليه حتى يموت؟!!
وأشدُّ من هذا كله أن طفلا كهذا لن يأتي موته مشهدا مثيرا في الأخبار.. فليس هو كالذي قطعت رأسه أو سالت عينه أو بترت ساقه، أو نحو هذا من المشاهد المثيرة للمشاعر.. إنه يموت لأن رئتاه لم تستطيعا امتصاص الهواء.. خبر مغمور في بحر الأخبار المثيرة!!
الخضوع لهذه الأنظمة: جريمة وكارثة
على أمتنا، بما فيها من الفعاليات والنشاطات والمبادرات، وبما فيها من العلماء والدعاة والنخب أن تتعلم الآن.. الآن قبل الغد.. فنون الخروج على القانون، فنون تعطيل عمل هذه السلطات الخائنة، فنون التمرد على هذه الزنازين..
شيء كالذي فعله أهل الضفة بالأمس، لإنقاذ رجل من أهل المقاومة..
كاد كل خضوع لهذه الأنظمة أن يكون جريمة وكارثة..
إنه لم يتحرر سجين من سجنه إذا كان يحرص على اتباع النظم واللوائح ويخضع لتعليمات سجانيه!!
التحرر قرين التمرد، والحرية بنت الثورة، وما لدينا شيء نبكي عليه.. نحن المساجين في الزنازين، إن لم نتمرد ونثر سنموت متعفنين.. متعفنين بعد أن تكون عيوننا وذاكرتنا قد تكدست وامتلأت من قصص المقتولين والمذبوحين والميتين من إخواننا وأخواتنا وآبائنا وأمهاتنا وأبنائنا وبناتنا!!
ولو أني أقسم على الغيب لأقسمت، ولقد كتبت هذا مرارا، أن حرب غزة ستتوقف إذا تهددت العروش في مصر أو في الأردن أو في الضفة الغربية..
الطريق إلى وقف الحرب
وتأملوا: كيف أن هذا النتنياهو نفسه، كيف هو متصلب أمام صفقة الأسرى، ثم تذكروا معي كيف كان متصلبا في صفقة أسير واحد غاية التصلب قبل الربيع العربي، فلما اهتزت الأرض وسقط مبارك وكاد أن يسقط بشار واهتزت الأرض في الأردن، سارع فوافق على الصفقة التي خرج فيها الرجل الذي يقود غزة الآن!
فلما عادت أنظمة القمع في مصر، وثبت نظام بشار وعبد الله، تصلب من جديد في صفقة 4 من الأسرى لم يأبه لهم تسع سنوات!!
بغير أي انتقاص من عمل الأبطال في غزة، فإن الصفقة المشرفة إنما كان نصيب نجاحها الأكبر للربيع العربي وثورات الشعوب التي أطاحت بالنظم الخائنة!
وهذا نفسه هو الأمل القائم الآن في حرب غزة..
ولعله يكون قريبا!!
المصدر
صفحة الأستاذ محمد إلهامي على منصة x.
اقرأ أيضا
رسالة السلطة؛ لا يؤتمن علماني!