عندما تخبُر الأمور وتظهر الدوافع باعترافات فاعليها تدرك أن ما يظهر للإعلام ويحث الناس على الموت من أجله ليس حقيقة. بل الحقيقة تكمن في مقامرات خبيثة الدوافع فعادت على أصحابها بالتوريط والبلاء.
الخبر
“استشهد سياسيون وصحفيون يمنيون، بتصريحات سابقة للجنرال السعودي أنور عشقي لفضح دور السعودية والإمارات في صناعة جماعة “الحوثي” وتمويلها بالمال والسلاح حتى قوت شوكتها واستخدمها التحالف فيما بعد كـ”فزاعة” ومبرر لاحتلال اليمن.
كما أشار الى أن وصول الحوثيين للحكم كان باتفاق وتنسيق مع الأمريكيين..!
وبحسب المقابلة فإن “أنور عشقي” كان أكّد في لقاء قديم له مع قناة “روسيا اليوم”، أن الإمارات دعمت الحوثيين في اليمن بالمال مقابل ضرب “فئة معينة”، لم يسمها حينها، إلا أن مراقبين اعتبروا أن الفئة هي حزب الإصلاح اليمني.
كما أكد “عشقي” أنه لعب شخصيا دور الوسيط بين السعودية والحوثيين في دعمهم للسيطرة على اليمن.
وتابع:”ولكنهم خذلونا واحتلوا صنعاء وخانوا العهد وتوقيع وتعهد الحوثي مازال في مكتبي””. (1رابط الفيديو على اليوتيوب من تصريحاته لـ “روسيا اليوم”، على الرابط:
المستشار في مجلس الوزراءالسعودي كنت أنا الوسيط بين السعوديةوالحوثيين في دعمهم للسيطرة على اليمن) (2موقع “وطن”، 3/11/2019، على الرابط:
“الآنَ حَصْحَصَ الحق”.. “شاهد” أنور عشقي يُبرئ سلطنة عُمان ويكشف عن الممول الحقيقي للحوثيين: كنت أنا الوسيط“)
التعليق
مناقضة للعقل والشرع وأصول السياسة
هذا التصريح الأشبه بالاعتراف يوضح طرفا من مصائب الأمة؛ إذ ما كان يقوله البعض “تحليلا” وقراءة للأحداث يُبدي به أحد صناع القرار في بلاد الحرمين. وهو يعترف بأنهم دعموا طائفة من الرافضة التابعين لإيران، في مخاطرة لا يفعلها عاقل فضلا عن متابع؛ فضلا عن صناع قرار يدركون علاقتهم بإيران ويدركون الطبيعة العقائدية لهؤلاء.
والثمن الموهوم والذي تبخر لاحقا، هو مواجهة طائفة من السنة تستهدف مشروعا إسلاميا تقيم فيه الشريعة وتعطي للشعوب حريتها وتواجه المشروع الصهيوني وتسعى في تحديث الأمة وامتلاك القوة واستقلال القرار.
تخوف آل سعود من “الإخوان المسلمين” وهجومهم عليهم لأسباب:
أولا: أنها أوامر غربية من نصارى أمريكا الى المملكة وإمارات الخليج بمواجهة التيار الإسلامي في مصر واليمن وغيرها بالنيابة عن نصارى أمريكا وأن يمولوا هذه المواجهة؛ فبينما الإشراف للغرب فالتمويل والتنفيذ بأيدي إقليمية.
ثانيا: لئلا تكون ثمة صورة مغايرة لما يدعونه من تحكيم شكلي للشريعة؛ فيسقط النموذج، أو ينافسونهم على الشرعية السياسية.
ثالثا: التخوف من صورة “الملكية الدستورية” التي تحدد صلاحيات الحاكم وتعطي للأمة قدرا كبيرا من التمثيل الشورِي والمشاركة في اتخاذ القرار وفي مراقبة تصرفات الحاكم والقيام بالحسبة عليه. فهم يريدون أن يتمحض لهم القرار استبدادا، والأموال استئثارا، بدون مراقبة أو تعقيب.
وبرغم تطمين “الإخوان المسلمين” أنهم لا يستهدفون تصدير الثورات، وأنهم يرون في المملكة ردءا للمشروع السني في مقابل المشروع الرافضي لكن ذلك لم يُجْد أثرا.
مقامرة عمياء
وعندئذ نجد البغض يدفع للاتجاهات الإحيائية الإسلامية الى مقامرة تضخيم عصابة لا يأمن عاقل أن يمكّن لها جزئيا؛ فضلا عن أن يضع في يدها دولة، وهو يعلم أنها مجرد أداة لعدو لدودٍ صراعُه مع أهل السنة عقائدي، ومجازرهم في بضع سنوات في العراق قاربت المليون قتيل، ومثلهم في سوريا.. فيا لله العجب أن يرى فيهم أحمق إمكانية للتعاون والتحالف في مواجهة فئة من أهل السنة هم أحد امتدادت أهل السنة مهما كانت الاختلافات الفروعية معهم..!
الثمن الفادح؛ ماذا لو احترموا إرادة الأمة..؟!
وأمام ما يشبه التلاعب بالأمة ومقدراتها وأمام المغامرات السفيهة يعودون للتصحيح بالغرز في الوحل اليمني واستعداء أهلها، والدخول بأنفسهم في حرب لم يكونوا بحاجة اليها لو احترموا شعب اليمن وإرادة الأمة المسلمة واحترموا ثورته وتضحياته واحترموا قوى الشعب اليمني الموجودة، وعندها كان حجم الحوثيين بطبيعته قزما صغير آخر ما يحلمون به منطقة “صعدة” لا أكثر؛ لم يحلموا أن يكونوا هم قادة اليمن وممتلكي مقدراته وممثليه..!
والثمن مليارات الأموال تنفق، وآلاف أرواح جنود بلاد الحرمين تزهق، ومئات الآلاف من أهل اليمن الكرام، رجالا ونساء وصبيانا تزهق ظلما، ثم حصارمن آل سعود من جانب، ومن الحوثيين لمناطق أخرى، وتجويع لأبرياء، تفتك بهم المجاعة وتفتك بهم الأوباء، وتتعطل مدارسهم وتتوالى عليهم الأحزان ويصبحوا أكبر عدد من المهددين بالأوبئة في العالم.
مجرد الموقف الصحيح والإرادة الصحيحة تجاه الأمة كانت لتغير الموقف برمته.
نتيجة الحماقة
ثم تسفر النتائج عن تغول الحوثيين وتوحشهم، وابتلاعهم لليمن، ثم تهديدهم لأراضي بلاد الحرمين معلنين أن إيران تهدد بلاد الحرمين من الجنوب كما تهددهم من الشمال ناحية العراق، ومن الشرق من الخليج نفسه. وهل يطوّق عاقل الحبل حول عنقه بنفسه وإرادته..؟!
ثم يجد الناس أن الحوثيين يديرون المعركة بخطوات مدروسة بين استيعاب الضربات ثم توجيهها الى المملكة ثم الهجوم حتى يطلب آل سعود المهادنة والمصالحة، ويذهبون الى إيران طالبين للتفاوض من موقف ضعيف هش؛ فيكسب الإيرانيون من جديد؛ لا بجهد منهم بل بنزق وحمق آل سعود وخبث مآربهم. ثم يتباكون أن الحوثيين خانوهم ولم يوفوا بعهودهم معهم أن يقاتلوا “فئة بعينها” على حدد تعبيره. وهو تباكٍ فاضح ومُدين لهم ولسياساتهم ومآخذهم وتلاعبهم بالأمة.
للمزيد: [بين دخول صنعاء ووساطة باكستان]
إن الحوثيين ليسوا أبطالا، ولم ينالوا ما حصلوا عليه إلا بتوافق مع أمريكا ـ التي يهتفون زورا ضدها بالموت ..!! ـ ومع آل سعود الذين يبكون الآن من خيانتهم..! ولولا ذلك لكانوا ميليشيات تتقافز كالقرود بين جبال صعدة.
إن الناس تضع ثقتها في قيادتها على أساس أنهم أصحاب فهم وإدراك وأصحاب إرادة صحيحة ومآرب خيرة لأمتهم؛ أما أن يجد الناس أن من بيدهم التفكير والمعلومة هم أصحاب نزق وتلاعب، وعمى وأهواء، ومغامرات طائشة؛ فهذا مؤذن بالخطر والهلاك.
كل هذا ناتج تنحية الأمة عن المشاركة من جانب، ووقوع السلطة في الخيانة من جانب آخر؛ فلا السلطة أقامت الدين ورفعت شعبها الى المستوى المطلوب لإقامة دين الله، ولا الأمة تدخلت في الوقت المناسب وأخذت على يد حكامها حينما انحرفوا ووقعوا في الخيانة للدين وللأمة وسقطوا في التبعية للكافرين.
إن الثمن يجده المسلم اليمني في بيته وفوق رأسه دمارا وهلكة، ويجده المسلمون في بلاد الحرمين في شباب يموت في معركة مبدؤها نزق وسببها خبث وتآمر، ويدفع الناس من أموالهم ما يكون محقا لبركة ما أعطاهم الله من الرزق.
يجب أن تقوم الأمة وعقلاؤها بواجبهم، والأخذ على يد السفهاء والضرب على يد المفسدين.
أخيرا
يجب إدراك مسألة فارقة ومحورية، وهي أن الثقة غير مطلقة لا في الإخوان ولا في غيرهم ولا في سلطة ما. بل هو إنصاف وعدل وتعريف بالبعيد عن الحق المتآمر عليه، والمظلوم القريب من الحق.
والأهم هو ألا تسلم الأمة لتيار بعينه ولا لسلطة بعينها ولكن يجب أن تكون الأمة مشاركة وحاضرة، تصحح للمخطيء وتعين المحق وتمنع الانحراف، وتكون حاضرة دائما فقد يبدأ البعض مخلصا وينقلب، وقد يضيع صاحب حق أراد بأمته خيرا لعدم من يعينه.
وتبقى الصورة النموذجية والمطلوبة فيما كان عليه رسول الله واصحابه والقرون المفضلة بفهمهم وعملهم، وبالاجتهاد بالطرق العلمية الأصولية الموروثة فيما استجد من اجتهاد.
نسأل الله تعالى أن ينصر دينه، ويُعلي راية الإسلام، ويمكِّن لنا ديننا الذي ارتضاه لنا.
…………………………………
هوامش:
- رابط الفيديو على اليوتيوب من موقع “روسيا اليوم”، على الرابط:
المستشار في مجلس الوزراءالسعودي كنت أنا الوسيط بين السعوديةوالحوثيين في دعمهم للسيطرة على اليمن - موقع “وطن”، 3/11/2019، على الرابط:
“الآنَ حَصْحَصَ الحق”.. “شاهد” أنور عشقي يُبرئ سلطنة عُمان ويكشف عن الممول الحقيقي للحوثيين: كنت أنا الوسيط“