ثمة مواقف مظلمة لعلماء السوء؛ اشتروا بها الدنيا وباعوا دين الله؛ فلم يخالفوا أمرا راجحا؛ بل صادموا ثوابت العقيدة وإجماع المسلمين؛ لاسترضاء أرذل الخلق من الطغاة..!

مقدمة

إن أراد رموز الضلالة والغواية سوءا ببلادنا وأمتنا، واستخدموا في ذلك من سقط من العلماء حقيقة رؤية 2030 والتمندل بالعلماء المقال الأول.. وإن كان في سلف الأمة نماذج مضيئة المقال الثاني، وإن كان من العلماء المعاصرين أيضا نماذج مضيئة المقال الثالث من قاموا بالحق وأضاؤوا للخلق؛ فقاوموا السوء وتبديل الدين..

فهناك نماذج سيئة نذكرها لأجل اجتنابها والتحذير منها وأخذ العبرة..

مواقف مظلمة

في الوقت الذي يشهد فيه التاريخ الإسلامي نماذج مضيئة من المواقف المشرفة الصادعة بالحق من العلماء الربانيين فقد شهد في الوقت نفسه علماءَ سوء يلهثون وراء الدنيا ورئاساتها، همُّهم ما يهوى الحكام الظلمة من المخالفات فيبرروا لهم ظلمهم وانحرافهم رغبة أو رهبة.

إنه ليس أشنع من خيانة المستأمَن، ولا أبشع من تفريط المستحفَظ ﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ﴾ ولا أخس من تدليس المستشهَد فيا ضيعة العمر إن نجا السامع وهلك المسموع ! ويا خيبة المسعى إن وصل التابع وانقطع المتبوع ! قال ابن القيم رحمه الله:

علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم، ويدعونهم إلى النار بأفعالهم، فكلما قالت أقوالهم للناس هلموا، قالت أفعالهم: لا تسمعو منهم..

فلو كان ما دعوا إليه حقا كانوا أول المستجيبين له، فهم في هذه الصورة أدلاء وفي الحقيقة قُطّاع الطرق. (1الفوائد ص81)

تحذير وتذكير

وهذه بعض الأبيات للقاضي الجرجاني رحمه الله تعالى  يحذر العلماء من إهانة علمهم وأنفسهم بالركون إلى الدنيا وأهلها والحذر من أن يستخدمه الظلمة في تأصيل ظلمهم فيقول :

“ولم أقض حق العلم إن كان كلمـــا         بدا طمـــع صيرته سلمـــــــــــا

ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي        لأخدم من لاقيت لكن لأخدمــــا

أأشقى به غرسا وأجنيه ذلـــــــــة         إذا فاتباع الجهل قد كان أحزمــا

ولو أن أهل العلم صانوه صانهـــــم           ولو عظموه في النفوس لعظما

ولكن أهانوه فهان ودنســــــــــــوا           محياه بالأطماع حتى تجهمــــا” (2طبقات الشافعية 460/3)

أمثلة لمواقف مظلمة لبعض علماء السوء

من هذه المواقف المظلمة لبعض علماء السلاطين

الكذب، ووضع الأحاديث

مثل من يضع الأحاديث والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لتوافق هوى حاكم عابث لاعب..

كمن وضع حديث «لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل أو جناح» فوضع زيادة (أوجناح) ليتقرب به إلى الحاكم وليبرر به لعب السلطان في زمانه بالحمام وجواز السبق فيها.

وقد ذكر ذلك علماء الحديث أن من أسباب وضع الحديث المسارعة إلى تبرير مخالفة الحاكم عن الشرع.

تبرير قتل العلماء وسجنهم

مواقف علماء السوء الذين كانوا بطانة لبعض الخلفاء وتزيين ظلمهم واستعدائهم على علماء السنة بالقتل والسجن والأذى..

كما حصل ذلك من «ابن دؤاد» ورؤوس المعتزلة في تأليب «المعتصم» على علماء السلف الرافضين للقول بخلق القرآن.

وقد مر بنا قول أحدهم محرضا على قتل الإمام أحمد: اقتله ودمه في رقبتي.

وكما كان من بطانة الحجاج بن يوسف وتبرير قتله لثلة من أهل العلم ووصفهم أنهم من الخوارج كما حصل لسعيد بن جبير وابن أبي ليلى رحمهما الله تعالى..

وكأولئك الذين ألّبوا السلطان على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فسُجن عدة مرات حتى مات في سجنه الأخير وبقي ذكره وتراثه حيا لم يمت.

فتوى المسابح المختلطة

شيخ معمم في اللاذقية أيام الوحدة مع مصر يقول عن المسابح المختلطة في خطبته بعد الموافقة على فتح هذه المسابح:

إنه الجيل القوي المتين الذي سيحرر فلسطين..!! (3خواطر ومشاعر للأستاذ محمد المجذوب)

تكفير التيار الاسلامي..!

وفتوى لشيخ الأزهر تابع فيها وزير الداخلية «زكي بدر» في تكفير الإخوان المسلمين في مصر وأنهم ليسوا مسلمين لكنهم أطلقوا على أنفسهم هذا اللقب ظلما وعدوانا على الدين الإسلامي. (4الوطن العربي 1989/2/3)

زيارة أندية الروتاري

زيارة شيخ الأزهر لأندية الروتاري الماسونيه: ذكر ذلك الشيخ «عبد الودود شلبي» في كتابه «من شيخ أزهري إلى شيخ الأزهر.. الأزهر إلى أين؟؟» قال فيه:

“أتوقف معك عند قضيتين أثارتا الجدل، وأشعلتا في النفوس ثورة الألم والغضب.

أولى هاتين القضيتين: زيارتك إلى أندية الروتاري فمن البدهيات أن ننأى بأنفسنا عن مواطن الشبهات ….إلخ الرسالة”. (5كتاب من شيخ أزهري ص35)

منافقة الكفار وأمواتهم..!

  • قول شيخ الأزهر عند موت أحد البطارقة النصارى:

“لقد مات حبيب الله حبيب الشعب”. (6المصدر السابق)

  • وزيرالأوقاف وشؤون الأزهر يأمر بصلاة الغائب على (باتريس لومومبا) رئيس الكونغو وهو شيوعي قُحّ. (7المصدر السابق)

إطراء مكفّر

نافق أحمد حسين الزيات (رئيس تحرير مجلة الأزهر) جمال عبدالناصر وادعى أن الوحدة الناصرية مع سوريا أفضل من الوحدة المحمدية. (8المصدر السابق)

كذب نبرأ منه

في مقابلة لرئيس شؤون الحرمين وإمام الحرم المكي مع قناة (الإخبارية السعودية) قال فيها:

“إن السعودية وأمريكا هما قطبا هذا العالم بالتأثير، ويقودانه إلى الأمن والاستقرار..

وأن الجانبين بزعامة الملك «سلمان» والرئيس الأمريكي «ترامب» يقودان العالم والإنسانية إلى مرافيء الأمن والسلام والاستقرار والرخاء”

اللهم إنا نبرأ إليك مما قال، ونعوذ بك من الحَوْر بعد الكَوْر.

كثيرون هم الهلكى فلا تغترّ

والحاصل أن أغلب شيوخ السلطة في البلاد الإسلامية على هذه الشاكلة أو قريبا منها؛ كل ذلك حباً للدنيا الفانية، وإيثاراً لها على الآخرة الباقية؛ فتبّاً لها من دنيا يباع الدين من أجلها.

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى:

كلُّ من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبَّها؛ فلا بدَّ أن يقول على الله غيرَ الحقِّ؛ في فتواه وحكمِه، وفي خبرِه وإلزامِه؛ لأنَّ أحكام الربِّ سبحانه كثيراً ما تأتي على خلاف أغراض الناس، ولا سيَّما أهل الرياسة والذين يتَّبعون الشَّهوات؛ فإنَّهم لا تَتِمُّ لهم أغراضُهم إلاَّ بمخالفة الحقِّ ودفعه كثيراً..

فإذا كان العالِم والحاكم محبين للرياسة، متَّبعين للشهوات لم يتمَّ له ذلك إلا بدفع ما يضادُّه من الحقِّ، ولا سيَّما إذا قامت له شبهةٌ، فتتَّفقُ الشبهةُ والشهوةُ، ويثَورُ الهوى، فيَخفَى الصوابُ، ويَنطمِسُ وجهُ الحقِّ!

وإن كان الحقُّ ظاهراً لا خفاءَ به ولا شبهةَ فيه أقدمَ على مخالفته، وقال: لي مخرج بالتوبة.

وفى هؤلاء وأشباههم قال تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾ (مريم:59).

وقال تعالى فيهم أيضا: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ (الأعراف:169).

فأخبر سبحانه أنهم أخذوا العرضَ الأدنى مع علمهم بتحريمه عليهم، وقالوا: سيُغفَر لنا! وإن عَرضَ لهم عرضٌ آخر أخذوه..

فهم مُصرُّون على ذلك، وذلك هو الحامل لهم على أن يقولوا على الله غير الحق، فيقولون: هذا حكمه وشرعه ودينُهُ! وهم يعلمون أن دينه وشرعه وحكمه خلافُ ذلك، أوْ لا يعلمون أن ذلك دينُهُ وشرعُهُ وحكمُهُ!

فتارةً يقولون على الله ما لا يعلمون، وتارةً يقولون عليه ما يعلمون بطلانه”. (9الفوائد، ص100)

سؤال وجوابه:

شبهة جواز ترخص العالم

والفرق بين كتمان الحق وقول الباطل، وبين العالِم وبين أفراد الأمة..

فقد يقال إن العالِم إذا خاف على نفسه من قول الحق فله أن يأخذ بالرخصة ويسكت عن قول الحق أو الرد على الباطل؛ فلماذا يلام على ذلك وقد أعذره الله عز وجل، وفي التاريخ الإسلامي مواقف لعلماء سكتوا عن قول الحق خوفاً على أنفسهم؟

جواب الشبهة

والجواب على هذا السؤال يتضمن عدة وجوه:

الوجه الأول:

الفرق بين القطع أو غلبة الظن، وبين التوهم

صحيح أن من خاف على نفسه الأذى من قتل أو سجن أو عذاب أو غيره جاز له السكوت عن قول الحق؛  ولكن هذه الرخصة جائزة في حق من يقطع أو يغلب على ظنه إصابته بالأذى من قول الحق.

أما أن يكون الأمر لا يعدوا أوهاماً وظنوناً كاذبة ليس لها أساس من الواقع فهذا لا يبرر له السكوت ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران:175)

الوجه الثاني:

رفع الإثم بخلاف درجة سيد الشهداء

ومع القول بجواز الأخذ بالرخصة ـ إذا غلب على ظن العالم إصابته بالأذى من ذلك ـ فإن الأخذ بالعزيمة هي الأفضل والأعلى موقفاً وأجراً وثواباً، كما جاء في الحديث الصحيح «سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله». (10رواه الحاكم في مستدركه (4884) وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وصححه الألباني في الجامع الصحيح (3675))

بينما الرخصة فيها الأخذ بالدون وغاية ما فيها رفع الإثم.

الوجه الثالث:

السكوت عن الحق خوفا، بخلاف قول الباطل والمداهنة

إن المسألة التي نحن بصددها ليست في السكوت عن الحق؛ إذاً لكان الأمر أهون، ولكن مصيبتنا من بعض أهل العلم قولهم الباطل بتحريف الأدله عن معانيها. هذه هي المصيبة وهنا لا رخصة لأحد في ذلك.

فلئن جاز السكوت عن قول الحق في بعض الظروف فإنه لا يجوز قول الباطل مطلقاً إلا في حالة الإكراه الملجئ فهنا يجوز قول الباطل باللسان والقلب ينكره وهو مطمئن بالإيمان.

هذا إذا كان المكرَه فرداً عادياً في الأمة لا يتأثر بقوله أحدٌ؛ أما في حق المتبوعين من العلماء الذين تقتدي الأمة بهم فلا يجوز له الترخص، بل  يجب عليه الصبر ولو قُتل، لأن ما سيقوله من الباطل تحت الإكراه سيتظلل به فئام كثيرة من الناس.

الوجه الرابع:

فائدة الإنكار مع عدم تغير المنكر عاجلا

هناك من يقول ما فائدة الأخذ بالعزيمة بقول الحق أو رد الباطل مع الجزم بأن الأذى من سجن أو قتل سيكون مآله مع أن شيئاً لن يتغير بإنكاره وإنما يجرّ على نفسه الأذى من دون مصلحة تذكر.

وهنا نذكّر من يقول مثل هذا الكلام بحديث «سيد الشهداء» السابق، ونقول ماذا قدم؟ وماذا تغير بقوله وإنكاره إلا قتله؟

ولكنه قتل شهيداً وليس شهيداً عادياً وإنما سيد الشهداء كحمزة رضي الله عنه.

فقول الحق لا يشترط فيه أن يتغير الباطل، ولكن حسْب قائله أن باع نفسه لله عز وجل وضحى في سبيله، ولا بد أن يكون لذلك أثر في الأمة في عاجل أمرها أو آجله، وكفى بمنازل الشهداء ثواباً يستحق ذلك.

وهنا تصبح هذه المواقف في حقيقتها انتصارا لا هزيمة.

واجبنا نحو ديننا وما يراد له من التبديل

إن واجب التصدي لمشروع المبدّلين للدين أمر لا خيار لنا فيه، ولا سيما على علماء الأمة ودعاتها وطلبة العلم فيها؛ فهو فرض عليهم لا سيما إن لم تحصل الكفاية في بيان خطره والتصدي له كما هو الواقع.

إن مصير ديننا وأعراضنا وأُسرنا وأبنائنا وبناتنا وأموالنا في خطر عظيم.

وتحديد هذا المصير بيد الله عز وجل ثم بما يجريه على أيدي أوليائه من العلماء والدعاة والمصلحين، من قومة صادقة متظافرة تحُد من هذا السيل الجارف الذي يحمل زبداً رابياً من الفساد والتبديل لدين الأمة وأعراضها وأموالها.

إن تبعات بيان الحق والتصدي للباطل مهما بلغت المشقات فيها أقل وأهون من تبعات وتكاليف السكوت على الباطل وأنه مهما لاح في السكوت من السلامة والأمن على الحياة والرزق والمنصب فإن تكاليفها فاحشة إذا ما قيست بتكاليف قول الحق. إنها تكاليف عظيمة في الدين والنفس والعرض والمال.

إن الناس إذا استخذوا للباطل وسكتوا عليه فإن هذا يكلفهم أولادهم إذا نشأوا في حمأة الباطل وعلى عينه، ويكلفهم أموالهم التي لا يحميها شرع ولا سياج، ويكلفهم أعراضهم في النهاية حيث لا يملك الأب أن يمنع فتاته من الحياة التي يريدها بها أهل الرذيلة من اختلاط وسفور ونزع ولاية وليّها عليها؛ تذهب مع من تشاء وتعمل في أي مكان تشاء..

فهل نبقى ننتظر هذا المصير البائس والعياذ بالله عز وجل؟

دور الفرد اليوم

وقد يقول قائل وماذا عسى أن أقوم به في وجه هذه الرياح العاتية من النفير وأنا فرد واحد؟

وللجواب على ذلك أوجه خطاباً إلى أهم شريحتين في المجتمع عسى أن يكون فيهما نواة قومة صادقة يبارك الله فيها وينفع بها ويزيل بها شعور الإحباط واليأس الذي خيم على كثير من القلوب:

الخطاب الأول:

إلى علماء البلد وطلبة العلم فيها

يا معشر القراء يا ملح البلد      ما يصلح الملح إذا الملح فسد

أنتم الذين يعقد الأمل عليكم بعد الله عزوجل في التصدي لكل مبدل ومحرف لشريعة الإسلام. وكم لكم من الأجر عند الله عز وجل إن قمتم لله تعالى صادقين في نصرة الدين والذّب عنه؛ فلكم أجركم وأجر كل من اهتدى بسببكم واستتضاء بقناديلكم.

وكم من الإثم والأوزار التي لا تقوى ظهوركم على حملها من أوزاركم وأوزار الذين يَضلون بسبب سكوتكم أو تمسُّح المبطلين بكم وتوظيفكم في حرف الأمة عن دينها، كونوا قناديل للأمة ولا تكونوا مناديل للظلمة.

إن العامة من الناس قد يعذرون لجهلهم فما عذركم أنتم وقد علمتم ووعيتم واقعكم.

إن أهل الباطل يسعون بوسائل الترغيب والترهيب لتوظيفكم، أو على الأقل لتحييدكم وإسكاتكم، ومحاولة الاستفراد بكل عالم على حدة والسعي بكل وسيله للحيلوله بين اجتماع أهل العلم مع بعضهم وتشاورهم وتقوّي بعضهم ببعض ووقوفهم صفا واحدا أمام الباطل..

فاللهَ اللهَ أن يؤتَى الإسلام من قبلكم، وابذلوا الجهد في لمّ شمل العلماء وتكثيف الاجتماعات وتداول الآراء في الخروج من فتنة التبديل، وإجهاضها بالمواقف الشرعية المتزنة، وإظهار الغضب لدين الله عزوجل وشريعته، والحذرَ الحذرَ من الإحباط واليأس والشعور بعدم القدرة..

أما أن يبقى كل عالِم في بيته يلتمس لنفسه المعاذير فهذا ما يريده المبدلون.

[للمزيد إقرأ: أمور تعين على الثبات]

الخطاب الثاني:

إلى دعاة البلد وعقلائه وأهل الغيرة فيه

إنه وإن استعمل الباطل قوّته في إرهاب الناس وتخويفهم لكي لا يكون له معارض فإنه لا يجوز بحالٍ أن ينعزل المسلم أو ينام في بيته بحجة أنه لا يستطيع فعل شيء، أو قولِه، لأنه لو فعل شيئا أوقال فإن السجن ينتظره.

إن هناك وسائل كثيرة لتحصين النفس والأهل والأولاد والأقارب والجيران والأصدقاء لا يتسبب عنها ذلك الأذى الذي يترتب على المعارضة الصريحه المعلنة للممارسات الباطلة.

فهذا وقت التعاون بين الدعاة والمثقفين وتكثير اللقاءات والمشاورات والإتفاق على برامج علمية ودعوية من شأنها أن تحصن المجتمع من هذه المتغيرات والمفاهيم المنحرفة وتجعله يرفضها، وذلك ببيان الأدلة على بطلانها وحرمتها وشناعتها وإن تلبس بها بعض الناس؛ فكونهم يفعلونها وهم يقرون بحرمتها وأنهم مذنبون أهون بكثير من فعلهم إياها وقد تطبعت في حياتهم من غير إنكار.

وهذا هو دور المربي في مدرسته وبيته ومسجده، ودور المحاضر والداعية والشيخ في درسه، والخطيب في خطبته، وصاحب القلم في بحثه ومقاله، ودور المرأة المسلمة مع أهلها وصديقاتها.

واحرصوا على إثارة خلق الغيرة وتحريكها في النفوس لأن الغيرة على الأعراض لا يجادل فيها أحد حتى من غير المتدينين.

[للمزيد اقرأ: من قيم الإيمان]

خاتمة .. انفُضْ غبار اليأس

وفي الختام أوجه النصح لنفسي ولكل مسلم بأن نحسن الظن بربنا عزوجل، وأن ننفض غبار اليأس والإحباط عن أنفسنا، وأن نتواصى فيما بيننا على ذلك؛ بدايةً من النفس والأهل والأولاد والأقربين وجيراننا وإخواننا، وأن نبث المفاهيم الصحيحه النقية في مجالسنا ونحذّر من المبدّلين ومناهجهم..

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ…﴾ (التحريم:6) وقال سبحانه: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.

كما علينا أن لا ننسى سلاح الدعاء فهو أقوى الأسلحة..

وذلك بسؤال الله عزوجل الثبات على الحق والوفاة عليه، والدعاء للإسلام والمسلمين بالعزة والتمكين، وعلى المفسدين المبدلين بأن يحبط الله كيدهم ويرده في نحورهم..

مع علمنا ويقيننا بأن كيد المفسدين لا يرده الله إلا عن الصابرين المتقين؛ فلنحرص أن نكون منهم وإلا تأخر نصر الله لنا وأصابنا ضرر المفسدين.

قال عزوجل: ﴿وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾.(آل عمران :120)

والله أكبر والعاقبة للمتقين .. والحمد لله رب العالمين.

………………………………………………..

هوامش:

  1. الفوائد ص81.
  2. طبقات الشافعية 460/3.
  3. خواطر ومشاعر للأستاذ محمد المجذوب.
  4. الوطن العربي 1989/2/3.
  5. كتاب من شيخ أزهري ص35.
  6. المصدر السابق.
  7. المصدر السابق.
  8. المصدر السابق.
  9. الفوائد، ص100.
  10. رواه الحاكم في مستدركه (4884) وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وصححه الألباني في الجامع الصحيح (3675).

لقراءة بقية السلسلة:

القنديل والمنديل .. وما يجري على الدين من تبديل (1-4) بيان الجريمة

القنديل والمنديل .. وما يجري على الدين من تبديل (2 – 4) قناديل من علماء السلف

القنديل والمنديل .. وما يجري على الدين من تبديل (3-4) قناديل معاصرة

 

التعليقات غير متاحة