أبدى “نتيناهو” رئيس وزراء الكيان الصهوني فرحا بهذه اللحظة التاريخية، يبدو فيها في قمة العلو ويتهيأ لقطف الثمرة. يجب أن يعلم أن هذا إيذان باقتراب هلاكه هو وشيعته.

الخبر

“اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، الأحد (26/1/2020)، أن بلاده أمامها فرصة تاريخية لا يجب أن تفوتها، في إشارة إلى خطة السلام التي يُنتظر أن يعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تُعرف إعلاميا بـ”صفقة القرن”. وهو ما حدث لاحقا في إعلان (28/1/2020).

وقبل توجهه إلى واشنطن، قال نتنياهو: “نحن في أوج أحداث دبلوماسية دراماتيكية جدا ولكن ذروتها لا تزال أمامنا”. وأضاف: “أعتقد أن فرصة مثل هذه تحدث مرة واحدة فقط على مر التاريخ ولا يجوز لنا أن نفوتها. “وجدت آذانا صاغية في البيت الأبيض لاحتياجات إسرائيل الحيوية”.

وتابع بالقول: “أغادر إلى واشنطن وأنا أحس بأنني أحمل رسالة كبيرة ومسؤولية كبيرة وفرصة كبيرة وأنا مليء بالأمل أننا نستطيع أن نصنع التاريخ”. (1موقع “CNN بالعربية “،26/1/2020 ، على الرابط:
نتنياهو قبل اجتماعه بترامب: نحن أمام فرصة تحدث مرة واحدة في التاريخ.. ولن نفوتها
)

التعليق

ما يرجوه المؤمنون

إن كان الكفار يرجون هذه اللحظة فإن للمؤمنين تصورهم الرباني؛ حيث يأملون في اللحظة نفسها التي تتناهى فيها صيحات الكفار وتكتمل فرحتهم، ويبلغ بالمؤمنين ما يوسوس اليهم باليأس والإحباط وكأن الزمن والأحداث تتجاوزهم؛ فإذا بربهم تعالى يضعهم في قلب الأحداث ويمُد لهم طرفا من عنده فيغيثهم ويعودوا الى الميدان.

هذه اللحظة التي يظن فيها أهل الباطل أنهم “امتلكوا” ناصية الأمور، وأن بيدهم تصريف الأحداث وتوجيهها الى حيث يشاؤون.. اللحظة التي تبدو لهم فيها الثمرة أقرب ما تكون؛ هي اللحظة التي ينتظر فيها المؤمنون وعد ربهم سبحانه ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (يونس: 24) ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ (الأنعام: 44) ﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾ (الحشر: 2)

طبيعة الباطل

إن للباطل أسبابه الموضوعية التي تجعله غير قابل للحياة والامتداد والسيطرة المستقرة، فامتداده يجعله أقرب الى الانطفاء؛ فهو كالفقاعة كلما امتدت انفثأت وانتهت الى بطلانٍ وعرف الناس أنها جوفاء لا نفع فيها.

كما أن للحق أسبابه الموضوعية التي تجعله قابلا للحياة وممتدا فيها ومسيطرا عليها؛ فالحق هو الأصل وهو فطرة الكون وهو فطرة المخلوقات، وبه تصلُح الحياة، وهو المتصل بالله تعالى.

استقراء لطرف من سنن الله

ثمة استقراء لطرفٍ من سنن رب العالمين وما أنزل في كتابه. يقول الشيخ “عبد العزيز كامل”، حفظه الله:

“نعم؛ التغيير قادم بإذن الله..

أولا: لأن تعلق البشر بحولهم وقوتهم؛ إذا انتهى بهم إلى التسليم بأنه (لاحول ولاقوة إلا بالله)..فإن الله بحوله وقوته لابد أن يرفع الضر ، ويقمع أهل الشر ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ (يوسف:110)

ثانيا: ولأن الباطل مهما ظن في نفسه، ومهما ظن الناس فيه أنه استكمل انتعاشه وانتفاشه ؛ أتاه من الله ما لا تُحَمد عقباه لهم؛ قال تعالى: ﴿ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا﴾ (الحشر:2)

ثالثا: ولأن أهل الزور والشرور؛ إذا غرهم بالله الغَرور؛ فانتهي بهم الغُرور الى الادعاء بألا قِبَل لأحد بقوّتهم ؛ تعجّلت عقوبتهم، كشأن الذين قالوا ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنّا قُوَّة﴾..؟ وكالذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد ﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ (الفجر:13-14)

رابعا: ولأن أهل الحق الذين هم أوْلى الناس بنصرة الحق، لن ينصروا الدين إلا بالدين ، ولهذا يحصل التمحيص الذي يتميز به الثمين من الرخيص ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾ (آل عمران:179)

خامسا: ولأن ظن الفجار أنهم أفضل عند الله من الأبرار وأنهم الأحق بالعز والانتصار ..لابد عنده من تدخل الأقدار لتغيير المسار ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ، عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ، وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ (الفتح:6)

قال ابن القيم رحمه الله:

“فمَن ظنَّ بأنه لا ينصرُ رسولَه، ولا يُتِمُّ أمرَه، ولا يؤيِّده، ويؤيدُ حزبه، ويُعليهم، ويُظفرهم بأعدائه، ويُظهرهم عليهم، وأنه لا ينصرُ دينه وكتابه، وأنه يُديل الشركَ على التوحيدِ، والباطلَ على الحقِّ إدالة مستقرة يضمحِلّ معها التوحيد والحق … فقد ظنَّ بالله ظن السَّوْءِ، ونسبه إلى خلاف ما يليقُ بكماله وجلاله، وصفاته ونعوته، فإنَّ حمدَه وعزًَّته، وحِكمته وإلهيته تأبى ذلك.” (2زاد المعاد ، لابن القيم: جـ 3/ 288)

على أن هذا التغيير سيظل مشروطا بتغيير أسبق وأعمق.. نزل به الوحي في قول العزيز الحكيم: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾ (الرعد:11) (3راجع: “نعم؛ التغيير قادم ..!“، للشيخ عبد العزيز كامل)

خاتمة

لا تغب عنك هنا حقيقة كبيرة وهي أن ما أطمعَ هذا الخنزير وأمثاله ومَن وراءه؛ هو خيانة المتحكمين في بلادنا، وخيانة مجموعة من العلماء ـ وليس جميعهم والحمد لله ـ وتفريط جماهير المسلمين أو غلبة فريق آخر على أمره.

ثمة مراجعات واجبة ليكون المؤمنون ستارا لقدَر الله، يصنع الله بهم قدَره ويقبضون الأجرة.

ليس شرطا أن يعود جميع الناس؛ لكن يكفي تيار من الأمة يستطيع تشكيل ملامح المجتمع وتحديد وجهته؛ فإن حدث هذا فخير كثير ثَمَ.

إن في هذه الأمة خيرا كثيرا، ولعل الله تعالى أن يكون قد خبّأ لأعدائه ما يسوؤهم؛ فيوم أُحد ظن “أبو سفيان” أن الأمر انتهى ففوجيء أن الأمور على منحىً مختلف تماما.. فبعد الغزوة جاء “أبو سفيان” ليشمت في المسلمين، فجاء هو ومن معه من المشركين ليخاطب رسول الله، صلى الله عليه وسلم ـ ومن معه من المسلمين وقد التجأوا الى الجبل ـ وليعرف إن كان قُتل كما زعم “ابن قمئة” أو مازال حيًّا..؟

“فنادى أبو سفيان وقال: “أفيكم محمد؟” فأشار النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى أصحابه: لا تجيبوه ـ لئلا يعرف مكانهم ـ فقال: أفيكم ابن أبي قحافة؟ فأشار النبي، صلى الله عليه وسلم: لا تجيبوه، فلم يجبه أحد. فقال: أفيكم عمر بن الخطاب؟ فأشار النبي صلى الله عليه وسلم: لا تجيبوه، فقال أبو سفيان وقال: أما هؤلاء الثلاثة فقد كفيتموهم.

فلم يملك عمر بن الخطاب نفسه، وقام فقال: “أيْ عدو الله، إن الذين ذكرت هم أحياء، وقد أبقى الله ما يسوؤك”. (4ابن هشام: السيرة النبوية، القسم الثاني (الجزء الثالث والرابع) ص93، 94، موقع “قصة الإسلام”)

واليوم نقول لهم “أي أعداء الله؛ قد أبقى الله لكم ما يسوؤكم”. وفي الله تعالى الرجاء وعليه التكلان.

……………………………..

هوامش:

  1. موقع “CNN بالعربية “،26/1/2020 ، على الرابط:
    نتنياهو قبل اجتماعه بترامب: نحن أمام فرصة تحدث مرة واحدة في التاريخ.. ولن نفوتها
  2. زاد المعاد ، لابن القيم: جـ 3/ 288.
  3. راجع: “نعم؛ التغيير قادم ..!“، للشيخ عبد العزيز كامل.
  4. ابن هشام: السيرة النبوية، القسم الثاني (الجزء الثالث والرابع) ص93، 94. موقع “قصة الإسلام”

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة