يبقى العلم وأهله أصل لحركة الخير في المجتمعات المسلمة؛ فهو الذي يضبط المجتمع بمنهج الله وهو الذي يبعث الجهاد. والعلماء العاملون المجاهدون قليل.
مقدمة
الشيخ عمر الأشقر كان أحد وأهم وأبرز مؤسسي حماس، وكان المفتي الأول بالحركة، كان أول رئيس لمجلس شورى الحركة، وكان في الحلقة الأولى التي خططت لمشروع حماس وكتب بيده رؤية لقضية فلسطين.
اهتم الأشقر رحمه الله بزرع العقيدة الصحيحة في نفوس الأجيال، واستطاع من خلال مؤلفاته أن يشرح العقيدة بطريقة حية وعملية، تعمل على إيقاظ النفوس، وتؤهلها للذود عن دينها وعقيدتها، قال الشيخ عبدالعزيز الدميجي:
“عرفت الشيخ الأشقر لما كنت صغيراً من سلسلته السهلة المفيدة في العقيدة”
وهي “سلسلة العقيدة في ضوء الكتاب والسنة” وتشمل كتب:
العقيدة في الله، عالم الملائكة الأبرار، عالم الجن والشياطين، القيامة الكبرى، القيامة الصغرى، الرسل والرسالات، القضاء والقدر.
مولده
ولد عام (1940م) بقرية برقة التابعة لمحافظة نابلس بفلسطين، وهو من بيت علم، إذ إنَّ أخاه هو الدكتور محمد سليمان الأشقر، أحد علماء أصول الفقه القلائل، الذين يمتلكون ناصية هذا العلم ومقاليده.
طلبه للعلم
خرج الشيخ عمر من فلسطين وهو ابن ست عشرة سنةٍ، إلى المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية، وأكمل دراسته الثانويَّة العامَّة هناك، ثمَّ أكمل الدراسة في الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة المنوَّرة، وحصل على البكالوريوس من كليَّة الشريعة، ومكث فيها فترةً من الزمن، ثمَّ غادر إلى الكويت عام (1966م)، واستكمل رحلته العلميَّة بدراسة الماجستير في جامعة الأزهر، ثمَّ حصل على الدكتوراه من كليَّة الشريعة بجامعة الأزهر عام (1980م)، وكانت رسالته في “النيَّات ومقاصد المكلَّفين” في الفقه المقارَن، وعمل مدرسًا في كليَّة الشريعة بجامعة الكويت.
بقي الشيخ بالكويت حتى عام (1990م)، ثمَّ خرج منها إلى المملكة الأردنيَّة، فعُيِّن أستاذًا في كليَّة الشريعة بالجامعة الأردنيَّة، وبعدها عميد كلية الشريعة بجامعة الزرقاء، ثم تفرغ للبحث والكتابة، وأصدر عدداً جيداً من الكتب والأبحاث.
مشائخه
الشيخ د. محمد بن سليمان الأشقر وهو أخوه الكبير وشيخه الأول، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله تعالى ـ والشيخ محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ والشيخ عبد الجليل القرقشاوي من مشايخ الأزهر.
د. محمد بن يوسف الجوراني يتحدث عن الشيخ
مُهيِّئات الحفظ والنُّبوغ في حياة هذا العالِـم الرَّباني منذ الصِّغَر:
أراد الله سبحانه لهذا الفتى منذ نُعومة أظفاره أن يكون له شأن، وأن يكون شَامةً في جبين عصر من العصور، فكان ثمَّة أمارات للحفظ الرَّباني له، وثَمَّة مُهيِّئات وإرْهاصَاتٌ للنُّبوغ والمنزلة الرفيعة، منها:
حفظُ الله له مِن قتل اليهود
يُخبرني الشيخ عن أُعجُوبةٍ وقعت له، وكيف أنجاه الله من قتل اليهود وهو رضيع، فيقول: أخبرتني الوالدة أنَّ الإنجليز حين شَنُّوا الحرب علينا، ودخلوا منازلنا، خرَّبوها وأفسدوها، وكنتُ في ذلك الوقت رضيعاً، ولـمَّا دخلوا بيتنا، كنتُ فيه، فأعمى الله أبصارهم عنِّي، فما أصابني بفضل الله ومنتَّه أذى.
رؤيةٌ منامية في العاشرة من عمره
ففي تلك الحالة المرضية لهذا الفتى اليافع، يرزقه الله تعالى رؤية قلَّ نظيرها لمن كان في سِنِّه، حدَّثني الشيخ؛ قال: رأيت حين كنتُ في العاشرة من عمري، أني أتجوَّل بين حقول القرية، وبينما أنا أمشي، إذ بالطريق ينقسم إلى قسمين: طريق فيه ارتفاعٌ وصعود إلى أعلى الجبل، وهو صعب وشاق، وطريق إلى أسفل الوادي، وهو سهل ويسير.
فاحترتُ أيهما أسلك فرأيتُ فيما أُلْـهِم لي آنذاك النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر الصديق رضي الله عنه، فأشارا إليَّ أنِ اسلُك الطريق العالي المرتفع ولو كان صعباً، فسلكته، وفرحت بها فرحاً عظيماً. فكان بحمد الله هذه الرفعة العلمية، والمنزلة التي بوَّأها الله له في الحياة وبعد الممات، إن شاء الله.
حفظ الله له عن التغرب
توفيقُ الله وهدايتُه بصرفه عن السفر لبلاد الغرب: حدَّثني أيضا أنه كان في مقتبل عمره يرغب بالسَّفر إلى هناك، وكان يودُّ أن يدرس الدراسة العلمية التجريبية، ولكنَّ الله أبدله خيراً من ذلك كلِّه، فها هو يَقصُّ مِن خبره فيقول عن إرادة الله به الخير في عدم سفره:
“أنا أعلم اليوم أن عدم سفري كان هو الخير، فلو قُدِّر لي أن أنطلق إلى تلك الديار البعيدة الغريبة، فالله أعلم بما سيكون عليه حالي، قد أجمع المال والثروة، وقد أتبوأ المناصب، ولكن هل سيبقى لي ديني وإسلامي، وهل سأصبح داعية أدعو إلى لله على بصيرة، في الأغلب لا، لقد أراد الله بي خيراً ورحمني، واختار لي، فسبحانه ما أرحمه وأحلمه”. (1«صفحات من حياتي» (ص28))
جهاد الشيخ
أكد رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” خالد مشعل، على دور العلامة الدكتور “عمر الأشقر”، في تأسيس حركة المقاومة الإسلامية “حماس” ودعْم المقاومة، مؤكدًا:
“أننا كنا نستفتي الشيخ الأشقر في كل أمورنا الأمنية والعسكرية”.
وقال مشعل، في كلمة له ألقاها في بيت عزاء العلامة “الأشقر” مساء السبت (11-8 -2012):
“إن أول مجموعة عسكرية تشكلت في غزة في عام (1983م) أسسها الشيخ “أحمد ياسين”، وكانت هذه المجموعة التي موّلها أهل الكويت الكرام، وكان هذا التمويل بوساطة من قبل الدكتور “عمر الأشقر””.
وأضاف:
“الشيخ عمر الأشقر كان أحد وأهم وأبرز مؤسسي “حماس”، وكان المفتي الأول بالحركة، كان أول رئيس لمجلس شورى الحركة، وكان في الحلقة الأولى التي خططت لمشروع “حماس” وكتب بيده رؤية لقضية فلسطين”.
ماذا قالوا عن الشيخ بعد وفاته ـ رحمه الله
قالت عنه حماس إنه
“رحل بعد حياة حافلة بالعطاء والتضحية والعلم والعمل والدعوة إلى الله، كرَّسها في الدِّفاع عن شعبنا الفلسطيني وقضيته وحقوقه، ودعم مشروع المقاومة والجهاد، والدفاع عن قضايا أمتنا العربية والإسلامية”.
عزّت الحركة الدستورية الإسلامية “حدس” بالكويت الأمة الإسلامية بوفاة فقيدها الشيخ العلامة “د. عمر الاشقر” الذي تتلمذ على يده عشرات الرموز الاجتماعية والشرعية في الكويت والعالم. وقالت الحركة:
“كان الشيخ الفقيد نموذجا للعالم العامل وكانت له مساهمات فكرية ومواقف مضيئة من قضايا الامة”.
قال الشيخ محمد صالح المنجد:
“جمَع بين العقيدة الصحيحة ومنهج السلف والاهتمام بالدعوة والتربية والعبادة والفقه. ومن أوائل من حذّر من ثورة المشرك الخميني ”عمرُ الأشقر””.
الأثر الصالح قبل الرحيل
العقلاء يُبقون لهم آثاراً تدلُّ على حُسْن حالهم، ومِن أحسن الأثر، العِلْم النَّافع، والعمل الصالح، والولد البار، وقد حازها بفضل الله شيخنا: كلها، فعِلْمُه أشهرُ مِن أنْ يُذكر.
مؤلَّفاته
للدكتور عمر الأشقر مؤلَّفاتٌ كثيرةٌ نذكر منها:
- مقاصد المكلَّفين فيما يُتعبَّد به ربُّ العالمين.
- سلسلة العقيدة في ضوء الكتاب والسنَّة، وتشمل: “العقيدة في الله، عالم الملائكة الأبرار، عالم الجنِّ والشياطين، القيامة الكبرى، القيامة الصغرى، الرسل والرسالات، القضاء والقدر”.
- أصل الاعتقاد.
- أسماء الله وصفاته في ضوء اعتقاد أهل السنَّة والجماعة.
- القياس بين مؤيِّديه ومعارضيه.
- الشريعة الإلهيَّة لا القوانين الجاهليَّة.
- الصيام في ضوء الكتاب والسنَّة.
- حكم المشاركة في الوزارة والمجالس النيابيَّة.
- المرأة بين دعاة الإسلام وأدعياء التقدُّم.
- معالم الشخصيَّة الإسلاميَّة.
- نحو ثقافةٍ إسلاميَّةٍ أصيلة.
- جولةٌ في رياض العلماء وأحداث الحياة.
- مواقف ذات عِبَر.
- إضافةً إلى العديد من الأبحاث والدراسات الأخرى.
وفاته
تُوفِّيَ بالعاصمة الأردنية “عمّان” يوم الجمعة، بعد معاناة مع المرض عن عمر يناهز 72 عاماً. جزاه الله خيرا، ورحمه وغفر له، وأبدل الأمة علماء مجاهدين يستكملون الطريق.
……………………………………..
هوامش:
- «صفحات من حياتي» (ص28).
المصادر:
- زينةُ العلماء، وحليةُ الأولياء/ عمر بن سليمان الأشقر، د. محمد بن يوسف الجوراني.
- سيرة حياة ومناقب الشيخ الدكتور عمر سليمان الأشقر …مجلة البدر الالكترونية.
- عمر بن سليمان الأشقر، موقع المعرفة.
- قالوا عن الشيخ الراحل عمر الأشقر، إيمان الشرقاوي.
- وفاة الدكتور عمر الأشقر عن عمر يناهز 72 عاما، موقع قصة الاسلام.