عرفات ليس يومًا لإضاعة الأوقات .. في تدبير الخَرْجات والروحات .. أو التماشي في الأسواق والطُرقات لإعداد التمتع بالعطلات ..
إنّه يوم الشَرَف لتشريف اللهِ له .. فلا أعظم منه لتعظيم العظيم – سبحانه – له .. حتى عَدَّه النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا قبل العيد فقال: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام مِنىً عيدُنُا أهل الإسلام)1(1) رواه أبو داود وصححه الألباني..
فهو عيد العبادة والعباد .. لأن الله (يباهي بأهل عرفات أهل السماء)2(2) رواه أحمد وصححه الألباني. .. وينزل فيه الرب فيتفضل بالمن والكرم حتى إنه ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة)3(3) رواه مسلم ..
ولهذا لا يُرى الشيطان أدحَرَ ولا أخزى منه في ذلك اليوم ..
لذلكم؛ فنحن مدعوون فيه ألا نخلي لحظة من لحظاته ولا نقضي نَفَسًا من أنفاسِهِ إلا في أحوال قربى .. تقربنا إلى الله زلفى ..
وهذه عشر مهمات .. في اهتبال غنائم يوم من عمرك بسنوات، سما حتى تسمى (يوم عرفات)
١- نم ليلته مبكرًا بنية التَقَوِّي على أعمال التَقْوَى ، ولتقوم قبل السَحَر لسُنَّة السحور ، فصيام ذلك اليوم (يكفر السنة التي قبله ، والسنة التي بعده)4(4) رواه احمد والترمذي بإسناد صحيح...
٢- قم ليلة عرفات بما يتيسر من ركعات ، خاشعًا في قيامك وركوعك .. وداعيًا الله متبتلاً باكيًا أو متباكيًا في السجود.. بأن يجود الله عليك – وهو الجواد الكريم – بما يحب وما تحب من خيري الدنيا والآخرة ..
٣- لا تنس في وقت السَّحَر أن تُكثر من التطهُر بالتوبة والاستفغار ، لعل اسمك يسجل في سجل المستغفرين بالأسحار .. ثم تجهز للتطهر بماء الوضوء مستحضرًا – وكأنك ناظرًا – إلى خروج آخر ذنوبك مع كل قطرة تخرج من أعضائك ، وداعيًا في دعاء المتوضئين .. بأن يجعلك الله من التوابين ويجعلك من المتطهرين..
٤- بعد صلاتك فجر عرفة مع الجماعة .. ابدأ مع المصلين في سنة التكبير المقيد الى آخر أيام التشريق .. مستحضرًا مع كل تكبيرة أن اللَهَ أكبر كبيرًا ..ومستذكرا نعمه عليك .. لتشكره مع كل ما تذكره حمدًا كثيرًا ..
ولْتَجلِس بعدها في مصلاك حتى شروق الشمس متقربًا للرحمن بتلاوة القرآن . ومتنقلًا بين صنوف الأذكار .. بادئاً في يوم خير الدعاء بأدعية وأذكار الصباح والمساء ..
٥ – شارك الحجاج والمعتمرين ..إن لم تكن معهم – بعد جلوسك للذكر في مصلاك .. بركعتي الإشراق .. فليس على الله بعزيز أن تنال معهم أجر حج وعمرة تامة.. تامة.. تامة ..
٦ – نَمْ إن شِئتَ شيئًايسيرًا ،جاعلًا ساعة نومِك طاعة..بأن تنوي بها التمكن والاستطاعة .. أن تكون من الذاكرين الله كثيرًا، في خير يوم طلعت عليه الشمس.. وذلك حتى تغرب الشمس .
٧- ركعات الضحى مثنى مثنى .. إن شئت اثنتان أو ثمان أو أكثر .. فاستفتح بها خيرَ نهار.. متنقلًا ومنوعًا بعدها بين الطاعات حتى لا تمل: ذكرا وحمدا وشكرا.. و تسبيحا وتكبيرا .. مع تخلل ذلك بالتلاوة والاستفغار .. مكثرا بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء .. مخللا إياه بشهادة التوحيد .. فخير ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم والنبيون من قبِلهِ: لا إله إلا الله وحده لاشريك له .. له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير..
٨- بعد صلاة الظهر مع المصلين ثم التكبير مع المكبرين .. اُخْْل بنفسك تاليًا متدبرًا كتاب ربك .. واستمع – إن شئت- لخطبة عرفات .. وعرِّف نفسك أثناءها بآفاتها ، واعترف أمامها بذنوبها … وواعدها على الارتقاء بها .. داعيًا اللَهَ أن يجعلك من شهود صعيد عرفات في قابل السنوات ..
٩- بعد شهودك صلاة العصر في جماعة .. تهيأ لبدء أثمن ساعات العُمر .. مقبلًا غير مُدبر .. على الدخول في رحاب رحمات الرحمن قارعًا بابَهُ .. ومقارعاً عِدُوه .. فلعلك تدحر إبليس في ذلك اليوم وتخزيه وتُصَغِّره بالذكر والشكر والتوبة والاستغفار .. فتمسح في لحظات ما حملك في سنوات من الأوزار..
10- أقبل بقلبك بعد الصلاة الوسطى على أجَلِ أعمال القبول وأسرع طرق الوصول .. قارئا للقرآن … وكأن تستمع بأذني قلبك لكلام الواحد الديان .. وهو يخاطبك وتخاطبه .. وتستمع إليه وهو يستمع إليك .. فهو أعلم بك منك .. وأقرب من نفسك إليك .. وأسْمِعْهُ – وهو السميع العليم – شكواك واقترب إليه بنجواك…وتَعَوَُذ بوجِهِهِ أن يتسرَّب إلى ظنك أن ذنبك كبير على مغفرته .. أو أعظم وأوسع من رحمته ..
وبذات اجتهادك في دعائِك لنفسِك .. ادْع لغيرك مِنْ أهلِك وأحبابك وجيرانك وأقرانك.. الأحياء والميتين.. وجميع إخوانك المسلمين – حتى تغرب الشمس- متضرعا بأن يرحم الله غربتنا في زمن الغربة .. وأن يجعل عاقبتها طوبى لا عقوبة .. وأن يشفي صدور قوم مؤمنين .. بنصرة الدين وجبر المستضعفين وقهر الطغاة المتجبرين ..
وألِحَّ في دعوة إفطار الصائم التي لا تُردُّ .. بأن يردنا الله إليه ردا جميلًا .. وأن يتقبلنا بقبول حسن .. وألا يردنا خائبين .. بل يجعلنا من عتقائه الناجين الفائزين…
الهوامش
(1) رواه أبو داود وصححه الألباني.
(2) رواه أحمد وصححه الألباني.
(3) رواه مسلم .
(4) رواه احمد والترمذي بإسناد صحيح.
المصدر
الدكتور عبد العزيز كامل.
اقرأ أيضا
خير أيام الدنيا .. ماذا يشرع فيها؟