كتاب “هذا الدين” للأستاذ “سيد قطب” رحمه الله، وهو من أواخر ما كتب وأكثره نضجا، ومما أوصى به أخاه من كتبه التي يراها معبّرة عنه وعما يريد إيصاله للناس.

الكتاب من القطع الصغير، ويقع في (106) صفحة. (1توجد طبعة على “شبكة النت” تقع في 65 صفحة، وقد تم ترقيم المقال منها)

وهو من مطبوعات دار الشروق، وقد طبعَته 16 مرة.

الهدف من الكتاب

التعريف بالإسلام تعريفا شاملا، بنظرة كلية، ليعرف المسلمين، والبشرية، بمزايا ويسر هذا المنهج الرباني وسموه المتفرد، وبإمكانية قيادته للحياة مرة ثانيه تتفيأ ظلاله وتجني ثماره.

منهج المؤلف

هو المنهج الاستقرائي؛ حيث يعرض من نصوص القرآن والسنة وبعض أحكام الشريعة ما يوضح قواعد عامة وصورة كلية للإسلام.

الكتاب يتميز بسهولة اللغة وروعة العرض وعمق الفكرة، والنظرة التاريخية العميقة والنظرة المحملة بالتجارب البشرية المعاصرة والمستفيدة من الإخفاقات المختلفة للمناهج غير الإسلامية لبيان جدارة الإسلام وجدارة منهجه وحاجة البشرية الظامئة إليه.

فصول الكتاب

يقع الكتاب في سبعة فصول، وخاتمة تحت عنوان (وبعد).

وهذه نظرة في فصول الكتاب وأبرز ما ذكره فيها من أفكار رئيسية.

منهج للبشر

طرح الكتاب تساؤلا عن طريق عمل دين الله تعالى؛ حيث يطرح مؤلفه هذا التساؤل أو الإشكال:

“إن البعض ينتظر من هذا الدين ـ  ما دام منزلاً من عند الله ـ  أن يعمل في حياة البشر بطريقة سحرية خارقة غامضة الأسباب!  ودون أي اعتبار لطبيعة البشر، ولطاقاتهم الفطرية، ولواقعهم المادّي، في أي مرحلة من مراحل نموّهم، وفي أية بيئة من بيئاتهم”. (2هذا الدين، صـ 2)

ثم يقرر أن هذا الدين في حياة البشر بجهد البشر وبطاقاتهم ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾. وأما التساؤل عن السبب فلا يسأله مؤمن جاد ولا وملحد جاد:

“المؤمن لا يسأله، لأنه أكثر أدباً مع الله – الذي يعرفه بذاته وصفاته وخصائصه ـ  وأكثر معرفة بطبيعة إدراكه البشري وحدوده، وأنه لم يهیَّأ للعمل في هذا المجال. (3هذا الدين، صـ 4)

والملحد الجاد لا يسأله، لأنه لا يعترف بالله ابتداء، فإن هو اعترف بألوهيته عرف معها أن هذا شأنه ـ سبحانه ـ  ومقتضى ألوهيته، وأنه:﴿لايُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾. لأنه وحده المهيمن العليم بما يفعل”.

ثم يقرر أن هذا المنهج يعمل بهذه الطريقة:

“إنما يتحقق بأن تحمله جماعة من البشر،  تؤمن به إيماناً كاملاً، وتستقيم عليه ـ بقدْر طاقتها ـ وتجتهد لتحقيقه في قلوب الآخرين وفي حياتهم كذلك، وتجاهد لهذه الغاية بكل ما تملك .. تجاهد الضعف البشري والهوى البشري في داخل النفوس. وتجاهد الذین یدفعهم الضعف والهوى للوقوف في وجه الهدى… وتبلغ – بعد ذلك كله – من تحقیق هذا المنهج، إلى الحد الذي تطیقه فطرة البشر، والذي یهیئه لهم واقعهم المادي”. (4هذا الدين، صـ 5). (5هذا الدين، صـ 4).

ثم ضرب مثالا بما تعلمته الجماعة المسلمة في غزة “أُحُد” بعدما لاقت من مخالفة هذه الطبيعة وتساءلت ﴿أَنَّى هَذَا؟﴾.

لكن مع هذا الجهد البشري هناك إرادة الله الفاعلة وبدونها لا يبلغ الإنسان شيئا. إنها حقيقة أخرى تضاف لحقيقة الجهد البشري:

“العلاقة بین الجهد البشري الذي یبذله الناس، وعون الله ومدده الذي یسعفهم به، فیبلغون به ما یجاهدون فیه من الخیر والهدى والصلاح والفلاح.

فإرادة الله هي الفاعلة في النهایة، وبدونها لا یبلغ “الإنسان” بذاته شیئاً، ولكن هذه الإرادة تعین من یعرف طریقها، ویستمد عونها ویجاهد في الله لیبلغ رضاه”. (6هذا الدين، صـ 8).

فهو منهج إلهي لحياة البشر، يتحقق بجهد البشر وطاقتهم، ولكن إرادة الله محيطة بكل شيء.

منهج متفرد

ثم يطرح سؤالا إن كان منهجا للبشر ويتحقق بجهدهم وطاقتهم فما ميزته عن المناهج الأخرى؟

ثم أجاب أنا ملزمون بهذا المنهج لتحقيق صفة “الإسلام” وكوننا “مسلمين”:

“فنحن ملزمون بمحاولة تحقیق ذلك المنهج، لنحقق لأنفسنا صفة الإسلام التي ندعیها. وهي لا تتحقق إلا بشهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله. وهذه الشهادة لا تقوم إلا بإفراد الله بالألوهیة. إفراده بحق وضع منهج الحیاة. ومحاولة تحقیق ذلك المنهج الذي جاءنا به محمد صلى الله علیه وسلم من عند الله”. (7هذا الدين، صـ 10).

ثم نحن ملزمون بتحقيق المنهج لأسباب تتعلق بالمنهج ذاته..

أولا: لأنه

“المنهج الذي یحقق كرامة “الإنسان” ویمنحه الحریة الحقیقة، ویطلقه من العبودیة… هو ـ  وحده ـ الذي یحقق له التحرر الكامل الشامل المطلق – في حدود إنسانیته وعبودیته لله – التحرر من العبودیة للناس بالعبودیة لله رب الناس” (8هذا الدين، صـ 11).

ثانيا: ولأنه

“هو المنهج الوحید المبرأ من نتائج الهوى الإنساني، والضعف الإنساني، والرغبة الإنسانیة في النفع الذاتي، وفي تحقیق ذلك النفع عن طریق التشریع. لشخص المشرع. أو لأسرته. أو لطبقته. أو لشعبه… أو لجنسه.. فواضع ذلك المنهج هو الله . وهو – سبحانه- رب البشر أجمعین.

فهو لا یشرع لیحابي نفسه!  ولا لیحابي طبقة من البشر على طبقة!  ولا لیحابي شعباً على شعب!  ولا لیحابي جنساً على جنس!.”. (9هذا الدين، صـ 12)

بخلاف التشريع البشري الذي يخلو من الهوى والمحاباة.

كما أنه يجعل الضمانة الحقيقية في تطبيق المنهج في ضمير المسلم.

ثالثا: ولأنه وحده

“المنهج المبرأ من نتائج الجهل الإنساني والقصور الإنساني – براءته من نتائج الضعف البشري – فواضعه هو خالق هذا الكائن الإنساني، العلیم بما یصلحه ویصلح له.  وهو المطلع على خفایا

تكوینه وتركیبه، وخفایا الملابسات الأرضیة والكونیة كلها في مدى الحیاة البشریة كذلك…” (10هذا الدين، صـ 13)

رابعا:

“ونحن ملزمون بمحاولة تحقیق ذلك المنهج لأنه – وحده – المنهج الذي یقوم نظام الحیاة البشریة فیه على أساس من التفسیر الشامل للوجود. ولمكان الإنسان في هذا الوجود. ولغایة الوجود الإنساني – كما هي في الحقیقة- لا كما یرسمها الجهل والضعف والهوى البشري، في أي تصور آخر غیر رباني”. (11هذا الدين، صـ 14)

خامسا:

ملزمون بمحاولة تحقیق ذلك المنهج لأنه – وحده – المنهج الذي یتناسق مع نظام الكون كله. فلا ینفرد الإنسان بمنهج لا یتناسق مع ذلك النظام. على حین أنه مضطر أن یعیش في إطار هذا الكون، وأن یتعامل بجملته مع النظام الكوني”. (12هذا الدين، صـ 15)

منهج ميسر

يعرض قول أن البشرية لم تستمر على هذا المنهج السامق الفريد، فترة طويلة، واتجهت الى أخرى لم تكلفهم مشاقا كبيرة، وأنها دعوة “مثالية” الى أفق بعيد لا يصبر الناس عليه طويلا.

“إنه منهج سامق فعلاً. ولكنه في الوقت ذاته منهج فطري. یعتمد على رصید الفطرة، وینفق من هذا الرصید المذخور. ومیزته أنه یعرف طریقه منذ اللحظة الأولى إلى هذا الرصید!.

إنه یعرف طریقة إلى النفس البشریة منذ اللمسة الأولى..”

“وعلى كل رفعته ونظافته وسموه وسموقه… هو نظام “للإنسان”. لهذا الإنسان الذي یعیش على سطح هذه الأرض. نظام یأخذ في اعتباره فطرة هذا الإنسان بكل مقوماتها. وخصائص تكوینه وتركیبه بكل مقتضیاتها.

وحین تستقیم النفس مع فطرتها؛ وحین تلبي حاجاتها وأشواقها، وحین تطلق طاقاتها للعمل والبناء، فإنها تجري مع الحیاة في یسر وطواعیة؛ وتمضي مع خط الفطرة الصاعد، إلى القمة السامقة؛ وهي تجد الأنس والاسترواح والطمأنینة والثقة في خط سیرها الطویل.

فضبط الناحية الجنسية ارتفاع وسمو، ثم توفير الطاقة للبناء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح الحياة، والزكاة المدفوعة للتعالي على الشح، وانطلاق طاقة الإيثار والشعور بالآخرين

وبينما الإسلام يأخذ الناس خطوة وخطوة فالمناهج الأخرى تعتسف الطريق..

“وفي الطریق المعتسف الذي یسلكونه تقوم المجازر، وتسیل الدماء، وتتحطم القیم، وتضطرب الموازین… ثم یتحطمون هم في النهایة تحت مطارق الفطرة التي لا تصمد لها الأجهزة المصطنعة العسوف!” (13هذا الدين، صـ 22)

بينما الإسلام:

“یلقي بذوره، ویقوم على حراستها؛ ویدعها حینئذ تنمو نموها الطبیعي الهادئ وهو واثق من الغایة البعیدة.. ومهما یحدث من البطء أحیاناً، ومن التراجع أحیاناً، فإن هذا شأن الفطرة..” (14هذا الدين، صـ 24)

منهج مؤثر

تلك الإشراقة اللامعة أفرزت عددا كبيرا من الشخصيات النموذجية، وظلوا نماذج من البشر، وأصابوا وأخطأوا، وقاموا وعثروا..

“واستطاعت هذه الفترة أن تقرر في واقع الحیاة البشریة مبادئ وتصورات، وقیما موازین، لم یسبق أن تقررت في تاریخها كله، بمثل هذا الوضوح، وبمثل هذا العمق، وبمثل هذا الشمول للنشاط الحیوي كله. ولم یقع كذلك أن تقررت هذه المبادئ والتصورات والقیم والموازین في واقع البشریة مرة أخرى ـ وفي ظل أي منهج وأي نظام في الأرض كله  ـ بمثل هذا الوضوح، وبمثل هذا العمق، وبمثل هذا الشمول للنشاط الحیوي كله… ثم ـ وهذا هو الأهم ـ  بمثل هذا الصدق والجد والإخلاص والتجرد الحقیقي العمیق.

وقد تناولَت هذه المبادئ والتصورات، وهذه القیم والموازین، كل قطاعات الحیاة الإنسانیة، تناولت تصور البشریة لإلهها، وعلاقاتها به. وتصورها لهذا الوجود الذي تعیش فیه وعلاقتها به، وتصورها لغایة وجودها الإنساني ومكانها في هذا الكون ووظیفتها…

كما تناولت – تبعاً لذلك- تصورها لحقیقة الإنسان، وحقوقه وواجباته وتكالیفه، والقیم التي توزن بها حیاته ونشاطه ومكانته، والتي تقوم علیها علاقاته بربه، وعلاقاته بأهله، وعلاقاته بأبناء جنسه، وعلاقاته بالكون والأحیاء والأشیاء.

ومما تناولته… الحقوق والواجبات السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة.. والأنظمة والأوضاع والروابط التي تنظم هذه الحقوق والواجبات وبالجملة كل قطاعات الحیاة الإنسانیة في شتى صورها وجوانبها الكثیرة”. (15هذا الدين، صـ 28)

رصيد الفطرة

يقرر أنه يوم جاء الإسلام واجه وقاعا ضخما، من العلاقات والأعمال والقيم والتشابك بحيث من يقول بانتصار هذا الدين يومها لقوبل بالاستهزاء والاستنكار. ورغم هذا فلم يتملق رسول الله لقومه ولا للبشرية ولم يتمسكن لهم، بل واجههم بـ ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ .. الى ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾، ورفض مناصبهم ومغرياتهم، ولم يستجب لطلبهم الخوارق.

ولكن هذا المنهج غلب لأنه تعامل من وراء الواقع الظاهري مع رصيد الفطرة المذخور فيها والمكنون بها.

عرّفهم بالله ولفت أنظارهم الى واقع الكون المشهود وخاطب فطرتهم لتتعرف من خلال الكتاب المتلو والكتاب المشهود على الخالق سبحانه.

تغلب به على الواقع الاجتماعي الذي يصل لحد صويحبات الرايات الحمر، ولحد الطبقات الاجتماعية الموروثة في إيران.

لكن واجهه بنداء الفطرة ﴿إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى..﴾ وواجه الواقع الربوي بآيات الصدقة واستجاشة النفوس اليها..

“مغالبة الفطرة للواقع، وانتفاضها من تحت الركام والأنقاض، وانتصارها على الواقع الخارجي الذي أنشأته الجاهلیات… وهي تمثل واقع العقیدة والتصور. وواقع الأوضاع والتقالید… وواقع الاقتصاد والتعامل… وهي أقوى ألوان  “الواقع” الذي یراه من لا یدركون قوة العقیدة، وقوة الفطرة، وكأنه هو الحقیقة الساحقة التي لا قبل بها لفطرة ولا عقیدة!.

إن الإسلام لم یقف مستسلما عاجزا مكتوف الیدین أمام هذا “الواقع” ولكنه ألغاه، أو بدله، وأقام مكانه بناءه السامق الفرید، على أساسه القوي العمیق.

وما حدث مرة یمكن أن یحدث مرة أخرى. فقد حدث ما حدث وفق سنة جاریة، لا وفق معجزة خارقة. وقد قام ذلك البناء على رصید الفطرة المدخر لكل من یستنقذ هذا الرصید، ویجمعه ، ویوجهه، ویطلقه في اتجاهه الصحیح”. (16هذا الدين، صـ 40)

رصيد التجربة

“ولكن البشریة – بجملتها – لم تكن قد تهیأت بعد للإستقامة طویلاً على تلك القمة السامقة. التي تسنمتها تلك الجماعة المختارة على عین الله…” (17هذا الدين، صـ 42)

“ومن ثم استوى المجتمع المسلم – قرابة ألف عام – لا على تلك القمة السامقة؛ ولكن في مستویات متفاوتة، كلها أرفع من مستویات المجتمعات الأخرى في أرجاء الأرض، وذلك مع استمداد تلك المجتمعات من ذلك المجتمع الرفیع، كما شهد التاریخ المنصف . وما أقل التاریخ المنصف!.”. (18هذا الدين، صـ 42)

“وٕاذا كانت الدعوة الى الإسلام في المرة الأولى، لم تجد إلا رصید الفطرة تواجه به واقع البشریة…

فإنها الیوم تجد الى جانب رصید الفطرة المكنون، رصید الموجة الأولى لهذا المنهج الإلهي في حیاة البشریة جمعاء – من آمن بالإسلام، ومن دخل في حكم الإسلام، ومن تأثر على البعد بالمد الإسلامي العریض – كما تجد رصید التجارب البشریة المریرة، التي عانتها في التیه، حین بعدت عن الله، وعانت في ذلك التیه مرارة الحیاة!.

والمبادئ والتصورات، والقیم والموازین، والنظم والأوضاع، التي واجه بها الإسلام البشریة أول مرة ولیس معه إلا رصید الفطرة فأنكرتها أشد الإنكار؛ وتنكرت لها كل التنكر، وقاومتها كل المقاومة، لأنها – یومذاك – كانت غریبة كل الغرابة، وكانت المسافة بینها وبین واقعها سحیقة هائلة…

هذه المبادئ والتصورات، والقیم والموازین، والأنظمة والأوضاع، قد استقرت في حیاة جماعة من البشر – وهي في صورتها الكاملة – فترة من الزمان، ثم استقرت في حیاة العالم الإسلامي العریض – في مستویات متفاوتة – فترة طویلة أخرى. ثم عرفت في حیاة الجماعة البشریة كلها تقریباً، خلاف نیف وثلاثمئة وألف عام… عرفت على الأقل دراسة ورؤیة وفرجة!  إن لم تعرف مزاولة وعملاً وتجربة! ومن ثم لم تعد غریبة – على البشریة-  كما كانت یوم جاءها بها الإسلام أول مرة. ولم تعد منكرة في حسها وعرفها كما كانت یومذاك!.” (19هذا الدين، صـ 43)

وضرب أمثلة لذلك منها حركة الإصلاح الديني لمارتن لوثر، وحركة تحطيم الإقطاع، وحركة المساواة وإعلان حقوق الإنسان، وحركة المذهب التجريبي، وحركات رفض الصور والتماثيل في الكنائس الأوروبية، وغير ذلك.

خطوط مستقرة

“عندما انحسرت موجة المد الإسلامي العالیة عن هذه الأرض؛ وحینما استردت الجاهلیة زمام القیادة، التي كان الإسلام قد انتزعها منها؛ وعندما عاد الشیطان ینفض غبار المعركة عن كاهله، وینهض من عثرته، ویهتف لحزبه الذي عاد یتسلم الزمامَ!.

عندما حدث هذا كله لم ترتد حیاة البشریة تماماً إلى أوضاعها المتخلفة في الجاهلیة الأولى… لقد كان الإسلام هناك – حتى وهو یتراجع عن مكان الصدارة في الأرض – وكانت هنالك من ورائه خطوط عریضة، ومبادئ ضخمة، قد استقرت في حیاة البشریة، وصارت مألوفة للناس، وزالت عنها الغرابة التي استقبلوها بها یوم جاءهم بها الإسلام أول مرة.”  (20هذا الدين، صـ 50)

فبرزت فكرة “الإنسانية الواحدة” فم تعد تتنكر البشرية لهذه الفكرة وإن لم تبلغ الأفق الوضيء لهذا الدين، وفكرة “لإنسانية الكريمة” بما يدفع البشرية الى إعلان “حقوق الإنسان” ولو لم تلبغ الأفق الإسلامي، وجاءت فكرة التجمع على “العقيدة” أو “المذهبية” بالتعبير المعاصر. وأرسى مباديء “الذمة” و”الأخلاق” في التعامل وأخلاقيات في السلم وفي الحروب سواء، مع نظافة المقصد وسمو الهدف والغاية من وراء القتال والحروب. فكانت قوانين اليوم الدولية وهي لا تمثل شيئا مما جاء به الإسلام لكنها تلك الخطوط المستقرة التي عرّف الإسلام بها البشرية.

وبعد

“إن ركام اليوم أثقل والفتنة والعجب بالعلم أعظم، “أضافت العلوم والثقافات والفنون والهوایات مساحات ضخمة الى رقعة الحیاة في واقع الناس وفي مشاعرهم سواء!”. (21هذا الدين، صـ 62)

حقيقة أن البشرية شقيت وتعبت ولكن:

“ولكن البشریة ما تزال في هیاجها الحیواني، وفي خمارها الجنوني، وفي نشوتها المعربدة، وقد ینقضي هذا القرن كله قبل أن تتفتح العیون فعلاً وتصحو الأدمغة من هذا الخمار، وتكف البشریة أو تفكر في أن تكف عن هذا الدوار!.  (22هذا الدين، صـ 62)

كانت الجاهلية الأولى تتسم بالبدواة وخشونتها واندفاعها، ولكن أيضا لها أخلاقها ومعها الجد الصارم في أمر العقيدة”

“لكن اليوم التميع والاستهتار والنفاق”

“ولم يبق إلا زاد التقوى..”

“والأمر كله هو أمر العصبة المؤمنة التي تضع یدها في ید الله. ثم تمضي في الطریق.

وعْدُ الله لها هو واقعها الذي لا واقع غیره، ومرضاة الله هي هدفها الأول وهدفها الأخیر.

وهذه العصبة التي تجرى بها سنة الله في تحقیق منهج الله، وهي التي تنفض ركام الجاهلیة عن الفطرة، وهي التي یتمثل فیها قدر الله في أن تعلو كلمته في الأرض، ویتسلم منهجه الزمام” (23هذا الدين، صـ 63).

بهذه الكلمات ختم سيد قطب رحمه الله هذا الكتاب؛ على صغر حجمه ثقيل الوزن واضح البيان.

……………………………………..

هوامش:

  1. توجد طبعة على “شبكة النت” تقع في 65 صفحة، وقد تم ترقيم المقال منها.
  2. هذا الدين، صـ 2.
  3. هذا الدين، صـ 4.
  4. هذا الدين، صـ 5.
  5. هذا الدين، صـ 4.
  6. هذا الدين، صـ 8.
  7. هذا الدين، صـ 10.
  8. هذا الدين، صـ 11.
  9. هذا الدين، صـ 12.
  10. هذا الدين، صـ 13.
  11. هذا الدين، صـ 14.
  12. هذا الدين، صـ 15.
  13. هذا الدين، صـ 22.
  14. هذا الدين، صـ 24.
  15. هذا الدين، صـ 28.
  16. هذا الدين، صـ 40.
  17. هذا الدين، صـ 42.
  18. هذا الدين، صـ 42.
  19. هذا الدين، صـ 43.
  20. هذا الدين، صـ 50.
  21. هذا الدين، صـ 62.
  22. هذا الدين، صـ 62.
  23. هذا الدين، صـ 63.

لقراءة الكتاب كاملا:

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة