من الكتب الشاملة في بيان معنى التوحيد، وأثره ومقتضياته في حياة المسلمين والبشرية، ودور لا إله إلا الله في الإلتزام بمنهج الله تعالى، ودورها في إنشاء الأمة، وعودتها، وممارسة وجودها ووظيفتها.
يقع الكتاب في (170) صفحة من القطع المتوسط.
طبع عدة طبعات؛ آخرها عام (2010) لدار الشروق.
يقع الكتاب في أربعة فصول بخلاف المقدمة والتمهيد، وأطولها هو الفصل الأول حيث يمثل محور الكتاب؛ حيث شمل سبعة عناوين رئيسية.
مقدمة
أشار فيها الى أن الحديث مفتوح عن “لا إله إلا الله” ..
ثم عرض لخطأ التركيز على جانب واحد من جوانب “لا إله إلا الله” دون بقيتها.. ثم كانت هذه الفقرة المعالجة للأمر:
“فقد ركز ابن تيمية رحمه الله كثيراً على قضية الصفات؛ لأن الفرق الضالة كانت قد انحرفت فيها انحرافاً شديداً أفسد العقيدة، فكانت تلك هي “أزمة العصر” في زمنه، ولكنه وفّى بقية الجوانب حقها في كتبه وفتاواه.
وركز الشيخ محمد بن عبد الوهاب على قضية الأولياء والأضرحة وعبادة القبور؛ لأنها كانت “أزمة العصر” في زمنه، ولكنه تحدث عن بقية الجوانب فوفاها حقها في مختلف كتبه.
وركز سيد قطب على حاكمية الشريعة؛ لأنها “أزمة العصر” في الوقت الحاضر، ولكنه وفّى الحديث عن الجوانب الأخرى خاصة في “الظلال” و”خصائص التصور الإسلامي” و”مقومات التصور الإسلامي”.
ولكن الذين يتتلمذون على فكر أولئك الشيوخ ينسون! فقد ركز كثير من تلاميذ ابن تيمية على قضية الصفات وحدها كأنما هي وحدها “العقيدة”!
وركز كثير من تلاميذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب على شرك القبور وحده كأنما هو وحده الشرك! وركز كثير من تلاميذ سيد قطب على حاكمية الشريعة وحدها كأنما هي وحدها هي أصل الدين! والأولى بهؤلاء جميعاً أن يعاودوا التتلمذ على فكر شيوخهم كله، ولا يقتصروا منه على الجوانب التي ركز عليها شيوخهم لظروف عصرهم الخاصة!”. (1صـ 7)
ثم أوضح أن قضايا كثيرة يُظن أنها تعالج بعيدا عن “لا إله إلا الله” بينما هي من مقتضياتها كقضية التخلف (2صـ 8)
ومن هنا كان الحديث عن سعة وشمول “مقتضيات” لا إله إلا الله.
ونفي الظن أن قضايا العلم والفن والحضارة والتكنولوجيا هي قضايا علمانية بحتة. بينما هي قضايا مشمولة بـ “لا إله إلا الله” ومقتضياتها. ثم أوضح أسباب ذلك التصور وهو:
- تأثير الغزو الفكري
- انحسار مفهوم “لا إله إلا الله”
- ثورة التكنولوجيا وظن أن العالم قرية واحدة ـ مع أن المسلمين يُذبحون في هذه القرية ويُضطهدون بجميع الأشكال.
- التخلف العقدي أخرج فروض الكفاية بل العين من دائرة “لا إله إلا الله”
“تلك القرية التي يقوم الوثنيون فيها والمشركون واليهود والنصارى بتذبيح المسلمين في وحشية يتعفف عنها كثير من الوحوش.. في البوسنة والهرسك، وبورما، والفلبين، والهند، وكشمير، وفلسطين، وكل مكان على ظهر الأرض! فما نصيبنا نحن المسلمين في تلك القرية إلا التذبيح والتقتيل لمجرد كوننا مسلمين”. (3صـ 11)
ويتساءل..
“ولماذا يباح لفرنسا -أو فرنسا وألمانيا، أو أوروبا المتحدة- أن تناوئ أمريكا في داخل “القرية الواحدة”، ويباح للصين أن تسكن خارج القرية، ويباح لليابان أن تسكن ضاحية خاصة على مشارف القرية، ويطلب من المسلمين وحدهم أن يتنازلوا عن ذاتيتهم، لكي يساكنوا أصحاب القرية الظالمين؟!”. (4صـ 12)
ثم يقرر العلاج:
” أما أننا متخلفون في جميع الميادين.. فنعم!
وأما أن طريقنا لإزالة التخلف هو اتباع منهجهم.. فلا!
إنما طريقنا أن ننطلق من “لا إله إلا الله”، ثم نسعى لاكتساب كل أدوات التقدم العلمي والتكنولوجي بعد إخضاعها لمقتضيات لا إله إلا الله، فنكون أولاً أحراراً في الأرض، مستمدين تحررنا من عبادة الله وحده بلا شريك، ثم نكون بعد ذلك هداة لسكان القرية الظالمة، نهديهم إلى سبيل الرشاد، بدلاً من أن نكون تبعاً لهم فيسحقوننا بأقدامهم كما يفعلون الآن”. (5صـ 13)
تمهيد
عرَض لوحدة الرسالة عبر العصور، ودلالة قوله تعالى عن الأقوام كلهم أنهم عصوا “رسول ربهم” رغم أن لكل أمة رسولا، وبرغم اختلاف الشرائع.
وأن الرسل لم تأت لتقول للناس أن لهم إلها؛ فهذا أمر فطري، بل:
” إنما كانت مشكلة الجاهليات كلها أنها تشرك مع الله آلهة أخرى، وتجسد الإله في صورة محسوسة تلمس وترى، فيجيء الرسل فيدعون قومهم إلى عبادة الله الواحد، الذي يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار”. (6صـ 17)
وناقش أن الدهريين لم ينكروا وجود الله بل هو الميل لنسبة الأمور الى القوانين المعتادة وإنكار الآخرة، لكنهم لم ينكروا وجود الله، ومثلهم اليوم فيمن ينسب الأمور للقوانين الطبيعية خاصة مع فتنة العلم الحديث.
تهبط البشرية بفساد الفطرة فـ:
“تستهول المدى الذي “يفصلها” عن ربها فتشعر بالوحشة! فتروح تطلب أنيساً قريباً تأنس إليه، تراه وتلمسه؛ ليكون وكيلاً عن الله، أو شفيعاً يقربها من الله، أو واسطة بين العبد ومولاه!”.
أو يأتيها الشرك من طريق آخر..
طغاة يتجبرون في الأرض، يستضعفون أولئك الذين غشى الغبش أرواحهم، فيستعبدونهم، فيحلون لهم ويحرمون بغير ما أنزل الله، فيطيعونهم، فيتخذونهم أرباباَ من دون الله..” (7صـ 18، 19)
ودور الرسل ردهم الى الله تعالى بإفراده بالتوجه بالعبادة وتلقي الشرائع.
قضية لا إله إلا الله هي قضية القضايا في حياة الإنسان. وعليها يتحدد منهج حياته في الأرض.. وأن “لا إله إلا الله” معناها عبادة الله وحده، والالتزام بما جاء من عند الله”. (8صـ 22)
بل تقوم الأمة بـ “لا إله إلا الله” فتقوم الأمة الربانية.
وأنه لم تستقم الأمم قبلنا كثيرا على هذا الدين، ثم جاءت هذه الرسالة واتسعت لتستوعب كل متطلبات المجتمع الصالح. إذ أريد لها أن تكون “خير أمة”
ثم أشار الى نمو مقتضيات “لا إله إلا الله” في الرسالة المحمدية
“ولأن “لا إله إلا الله” ـ في الرسالة الأخيرة ـ قد حملت من المقتضيات ـ أو سمِّها التكاليف ـ ما لم تحمله في أية رسالة سابقة، فقد لزم في تقدير الله أن تكون وثيقة جداً وعميقة جداً في حس الأمة التي تحملها، حتى تكون كفئاً للمهمة الضخمة المنوطة بها، لا في حياة الأمة المسلمة ذاتها فحسب.. (9صـ 30)
ولهذا كان توثيقها في نفوس المؤمنين، ثم تتبع ذلك من خلال القرآن الكريم وطرق عرضها في مجال الكون والخلق، ومشاهد القيامة، وإخبات الرسل الى ربهم واستسلامهم له، والدقة المعجزة في بناء الكون، قضية آدم والشيطان، وتعريف الناس بأسماء ربهم الحسنى.
ثم قامت السنة بذلك الربط بدوام الذِكر والتذكر
لم يبدأ بالقضايا القومية أو الأخلاقية أو الاجتماعية بل عولجت على أنها من مقتضيات “لا إله إلا الله”
أبرز مقتضيات “لا إله إلا الله”
أولا: المقتضى الإيماني
أوضح أن التوحيد والإيمان سموّ يقابله هبوط في كل جاهلية كما هو بارز في الجاهلية المعاصرة؛ مثل عدم الإجابة على الأسئلة الأولى والكبرى.
كما تبرز مساحة “الجفاف” في عدم طلب ما وراء المحسوس، وتأثر حياة الإنسان بغياب الإيمان:
” فالظن ـ السطحي ـ بأن الإيمان بلا إله إلا الله لا تأثير له في حياة الإنسان في الحياة الدنيا، ظن لا يصدر إلا عن الذين لم يذوقوا حلاوة الإيمان، ولم تخالط بشاشته قلوبهم، ويحسبون في غفلتهم أن ما هم فيه من المذاقات الدنسة هو أحلى ما يتاح للإنسان تذوقه في الحياة الدنيا! وإذ لم يؤمنوا به فلن يتصوروه ولن يصدقوه!” (10صـ 48)
ثم عرَض لمأساة الإنسان في الأنظمة الجماعية والفردية على السواء.
ثم استعرض أثر الإيمان بالله واليوم الآخر ومفرداته ـ كالإيمان بالقدر ـ وما يسكبه في النفس من طمأنينة ورضا واستقامة.
ثانيا المقتضى التعبدي
وفيه أوضح أن:
” المقتضى التعبدي يقتضي توجيه كل ألوان العبادة لله وحده بلا شريك، كما يقتضي أن يعبد الله بما أمر سبحانه أن يعبد به، لا بما يعنّ للعباد أن يعبدوه به”. (11صـ 53)
لأنها تتصل اتصالاً مباشراً بقضية العقيدة. فليست العقيدة في هذا الدين أمراً مستسراً في داخل الضمير، هُلامِيّ الصورة غير محدد السمات.. إنها في أعماق القلب، نعم. وإنها أمر متصل بالجانب الروحي، نعم. وإنها لا تكون في صورتها الحقيقية حتى تملأ الوجدان، نعم.. ولكنها مع كل ذلك ليست شعاعاً هائماً في القضاء..
إنها تصور معين، تصحبه مشاعر معينة، تصدر عنه أعمال معينة..
تصور معين لحقيقة الألوهية، بقدر ما يطيق الكيان البشري أن يتصور..” (12صـ 53)
وحدد الآفة البشرية التي تدفع الى الشرك
“فالتعظيم الزائد عن الحد آفة من آفات القلب البشري حين يتوجه بالحب إلى شخص معين، أو شيء معين، فينقلب التعظيم إلى تقديس، وينقلب الحب إلى عبادة!”. (13صـ 56)
ثم أوضح دور الكهنة ومخالفة المنطق وصولا الى المصالح المادية والظهور، وسخرية الكهنة من الناس مع تمثيل الجد الظاهر،
وأشار الى عقيدة الإزدواج بين الجانب البشري والجانب الإلهي لرحلة الفضاء الى الأزلي النهائي، واشتراك هذه العقيدة في الوثنيات المختلفة.
ثم جاء الحديث عن الصوفية في الإسلام ودورها، مع التعرض لظروف نشأتها بين علماء العقيدة والكلام والمعضلات الذهنية التجريدية والفقه.
ثم كان اتساع دائرة العبادة لقصور وقت العبادة؛ فتصبح السياسة عبادة:
“السياسة عبادة.. حين تكون تطبيقاً لشريعة الله، وتطبيقاً للعدل الرباني في واقع الأرض، وتنمية للخير في نفوس الناس، وكبتاً للشر، وتعبيداً للناس لربهم وحده، وتحريراً لهم من الطواغيت..
النشاط الاقتصادي عبادة.. حين يكون جمعاً للمال من الكسب الحلال، وإنفاقاً في الطيب من الأمور.. سواء كان نشاطاً فردياً أو جماعياً، أو كان نشاط الدولة..
التعبير الفني عبادة.. حين يكون دعوة -بالأساليب الفنية المشروعة- إلى الخير، ومحاربة للشر، وحثاً للناس أن يجاهدوا لتعمير الأرض بمقتضى المنهج الرباني، وإعلاء لكلمة الله..” (14صـ 62 ـ 63)
المقتضى التشريعي
ارتبطت بـ لا إله إلا الله ، في جميع الشرائع السماوية:
“توجيهات لتنظيم حياة الناس في الأرض”. (15صـ 64)
وأن الرسالات السابقة لموسى وعيسى تمثل دستورا مؤقتا، بينما هذه الرسالة الخاتمة:
“اكتمل فيها التشريع، ليبقى وافياً بحاجات البشرية إلى يوم القيامة”. (16صـ 64)
فهي حقيقة كبيرة تبعها انحراف ضخم فـ
“خلال ثلاثة عشر قرناً كاملة من عمر هذه الأمة لم يدر في خلدها قط أن المسلم يمكن أن يتحاكم إلى شريعة غير شريعة الله، أو أنه يظل مسلماً إذا تحاكم عالماً راضياً إلى شريعة غير شريعة الله.
ولكن القرن الأخير غيّر من أحوال هذه الأمة أموراً كثيرة، ما كان يخطر على بال أحد أن تتغير!”. (17صـ 65)
وأنه برغم التراجع لم تتخل عن الصلاة وعن الحكم بما أنزل الله. (18صـ 65)
وأن التراجع والتخلف والانسحاق أمام التفوق الغربي بينما أوروبا لم تعرف دين الله تعالى قط بل دين “شاوول” (بولس).
ثم أوضح أن قضية التشريع ترتبط بقضية الألوهية برباطين:
فأما الرباط الأول فهو أن التشريع حق خالص للخالق سبحانه وتعالى بمقتضى أنه هو الخالق:
(أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ)). (19صـ 68)
“أما الرباط الآخر فمتعلق بصفات أخرى من صفات الله سبحانه وتعالى إلى جانب أنه “الخالق”، وهي أنه “اللطيف الخبير” و”الحكيم العليم”. (20صـ 69)
وأن حاكمية الله في الشريعة جزء من حاكميته في الكون.
وأن الخروج عن شريعة الله يعني الوقوع في الخضوع لغيره سواء فردا أو حزبا أو الأمة في مجموعها فكلهم بشر، وعبودية لغير الله.
كما مرّ على قضية الثابت والمتغير في حياة الإنسان، وأوضح أن القول أن الجميع متغير لا يعرف ما يقوله وهو يكذب على الإنسان، ويجهل حقيقته، بل وحقيقة الكون.
ثم عرض لشبهات البعض عن الجمود في الحياة الإسلامية بسبب جمود الاجتهاد أو الخضوع للشريعة.
رابعا: المقتضى الأخلاقي
الربط بين الأخلاق والإيمان «حديث أربع من كن فيه..»، وخطورة الفصل بين “لا إله إلا الله” وبين المقتضيات الأخلاقية (21صـ 78)
كما تضمن أول سورة للربط بين العقيدة المنحرفة والأخلاق المرذولة. “سورة العلق” ومناقشتها للطغيان البشري.
ثم الربط بينهما في سورة المؤمنون ﴿قد أفلح المؤمنون..﴾ وفي سورة الفرقان ﴿وعباد الرحمن..﴾، وعرض لكون الأخلاق ميثاقا مع الله ﴿أفمن يعلم أنما أنزل اليك..﴾ في سورة الرعد
بيان أن الشهوات لعمارة الأرض، ولكن:
لا بد لها من ضوابط. والضوابط هي الأخلاق.. (22صـ 82)
زعمت الجاهلية المعاصرة أن الأخلاق أمر مفتعل، ثم أوضح أن:
والحقيقة أن الإنسان كائن أخلاقي بطبعه.. بحكم فطرته التي فطر عليها: (23صـ 82)
وأن القضية والخلاف فقط هو في “المعايير” والمنهج الإسلامي هو الذي تكفل بتحويل الأخلاق الى سلوك عملي
شمول الأخلاق الإسلامية لجميع مناحي الحياة. ثم المقارنة مع الأخلاق المصلحية البراجماتية النفعية للغرب وأن وراء ظهره سكينا دائما.
بينما لم تتغير أخلاق المسلمين لارتباطها بالعقيدة وبمقتضيات لا إله إلا لله، ثم ضرب أمثلة حية لذلك.
وبيّن سبب ارتفاع أخلاقيات الغرب بجانب حال المسلمين هي أن الأمة:
” اليوم ـ إلا ما رحم ربك ـ صِفْرٌ من أخلاقيات لا إله إلا الله، وتبدو الجاهلية إلى جانبها أمة عالية الأخلاق!” (24صـ 88)
المقتضى الفكري
اختلاف المسلم في تصوراته عن الحياة والكون والإنسان وصلتها بالخالق عن تصورات الجاهلية، وأن المعلومات الجزئية عن الكون لا تختلف بين المسلم والكافر ولكن:
حين يتصدى “العلم” لتفسيرها، فهنا يختلف الوضع.. ويختلف كثيراً بين المؤمن والكافر.. (25صـ 90)
ثم ضرب لذلك مثالا رائعا بتجمد المء عند الصفر، ثم قرر أن:
“الكون ليس نظاما ميكانيكيا، فهو دقيق لكن وراءه تدبير”. (26صـ 93)
ثم تحدث عن مراعاة الوجود الإنساني على الأرض وضرب مثالا بتقدير الأقوات فيها. ونفي مشكلة الندرة؛ بخلاف نقطة البدء في الاقتصاد الغربي.
ثم أشار الى نظرية “دارون” وتأثر العلوم الإنسانية بها، مع مصادمتها للوحي ثم إثبات العلم الحديث لخطئها؛ ثم يقرر:
إن هناك مقتضى فكرياً للا إله إلا الله، يجعل المسلم يفكر بمنهج معين، لا يختلط بمناهج التفكير الجاهلي، وإن التقت بعض جزئيات تفكيره مع أفكار غيره، فيما يتعلق بالحقائق العلمية والتجارب المعملية، ولكن المسلم يتناولها بطريقته الخاصة، ويعطيها تفسيرها المستمد من مقررات الكتاب والسنة.. (27صـ 98)
ويقرر أن:
“إن الانفتاح مطلوب، والتبادل الثقافي مطلوب، والمعايشة والمساكنة مطلوبة، ولكن بالعزة التي ينشئها الإيمان في نفس المؤمن، والتميز الذي يصنعه المنهج الإسلامي في فكر المؤمن”. (28صـ 99)
المقتضى الحضاري
النتاج الحضاري من آثار لا إله إلا الله؛ فـ:
“ما حدث من الأمة المسلمة من إنتاج حضاري لم يكن أمراً تطوعياً تقوم به الأمة إن شاءت وتتركه إن شاءت، إنما كان مقتضى من مقتضيات لا إله إلا الله، تلتزم الأمة الإسلامية بأدائه، وتلام إذا لم تقم به”. (29صـ 100)
والإنسان مدفوع بفطرته الى الإنتاج الحضاري؛ ليس مفطورا على الرغبة في “تصنيع” الخامات فحسب بل على الرغبة في “التحسين” المستمر لمصنوعاته.
إن مادة الرسوب في الإنجاز الحضاري هي الرد على سؤال هل كل ما قام به متمشيا مع غاية الوجود الإنساني أم معاكسا لها، والغاية هي تحقيق العبودية لله
“إن “الحضارة” ليست مجرد البراعة في الإنتاج المادي، وإن كان هذا مطلوباً للنجاح والتمكين في الأرض، ولكن هذه البراعة وحدها، من غير الالتزام بالمنهج الصحيح لا تنشئ حضارة حقيقية، أو قل إنها تنشئ “حضارة جاهلية” إن صح التعبير”. (30صـ 103)
المقارنة بين مركزية المسجد في الإسلام ومركزية السوق واللهو الماجن في الحضارة الغربية، ونظرة الى المؤسسات الحضارية الإسلامية، وأشار الى مهمة الشهادة لهذه الأمة على البشرية، ثم ضرورة وجود أدوات تساند الحق لكي يظهر ويقوم بدوره وتتوافد اليه الملايين أفواجا.
المقتضى التعبيري
الرغبة في التعبير حاجة فطرية فـ:
التعبير الفني تعبير غير مباشر، يصل إلى نفوس الناس ويؤثر في وجدانهم من خلال مواقف حية، ومشاعر معروضة، وتصرفات دالة، لا من خلال الموعظة المباشرة.. (31صـ 112)
ثم عرض لدور المسلم في الدفاع عن الدعوة والدين، وألا يخرج الأديب المسلم عن بشريته لكن لا يذيع إلا ما هو خير، وأن يبتعد عن كل تعبير مسف لا يقف عند “الإثارة”..
كما عرض لشعار ” الفن للفن”، و”الفن للحياة”
“والفنان المسلم لا يقبل شعار “الفن للفن” ولا يقبل كذلك شعار “الفن للحياة” بمفهومه الجاهلي المعاصر..
إنما الفن ـ ككل نشاط يقوم به البشر ـ غايته عبادة الله بالمعنى الواسع الشامل للعبادة، الذي يشمل ـ فيما يشمل ـ عمارة الأرض بمقتضى المنهج الرباني.. (32صـ 114 – 115)
ثم عرض لأهداف الإعلام في الأمة الإسلامية؛ ما بين تعريف الناس بحقيقة دينهم، وتعريف المسلمين بكيد أعدائهم، وإعطاء رؤية إسلامية لأحوال العالم المعاصر، وتذكير الأمة برسالتها التي أخرجها الله من أجلها.
الانحرافات التي طرأت على مفهوم “لا إله إلا الله”
لما كانت الرسالة الأخيرة اتسعت مقتضياتها الى قيام الساعة؛ بحيث إن مقتضياتها:
“شاملة لكل صغيرة وكبيرة في حياة الأمة التي تحملها وتتحرك بها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها”.. (33صـ 120)
فناقش أثر الفكر الإرجائي:
“الذي يقول: إن الإيمان هو التصديق القلبي، أو هو التصديق القلبي والإقرار اللساني، وليس العمل داخلاً في مسمى الإيمان!!”. (34صـ 121)
وأثر البحث الفلسفي وقواعد المنطق الوثني الإغريقي، التي قال عنها:
“إنها مهزلة أن تتحكم مقررات البشر، الجاهليين منهم خاصة”. (35صـ 122)
لكن كان بحثا نظريا، زاد أثره السيء واستفحل مع العامل الثاني “التفلت من التكاليف” فإنه:
لو تفلت الناس وهم شاعرون أن إيمانهم في خطر من ذلك التفلت، فقد يحفزهم ذلك إلى العودة، خاصة إذا وجدوا من يذكّرهم.. أما إذا تفلتوا ثم جاءهم من يطمئنهم إلى كمال إيمانهم رغم تفلتهم، فمنذا الذي يجد في ضميره رغبة في العودة إلى تحمل التكاليف التي تفلت منها بسبب من الأسباب؟! (36صـ 123)
ثم جاء “الاستبداد السياسي” ليزحزح جزءا كبيرا من الممارسة عن نطاق مقتضيات “لا إله إلا الله” .. ثم جاء الفكر الصوفي ـ بتأثراته الوثنية الشرقية (الهندية) ـ لتكمل دائرة الانحسار
إن فكرة “الفناء” ـ التي جاهدت من أجلها الصوفية ـ فكرة هندية ليست من الإسلام، وكذلك فكرة خلاص الروح بتعذيب الجسد، أو إهماله، أو إهانته.. (37صـ 127)
ثم جاء دور الغزو الفكري بموجتيه؛ انطلق في الموجة الأولى مع “اللاهوت الإسلامي” علم الكلام
“فقد كانت البلوى التي أصابت عقيدة لا إله إلا الله من هذا العبث هي اصطناع “لاهوت إسلامي”، اشتهر في تاريخ الإسلام باسم “علم الكلام”! ونشأة ما أطلق عليه اسم “الفرق الإسلامية” التي تصطنع تفسيراً إغريقياً فلسفياً للا إله إلا الله، ما أنزل الله به من سلطان!”. (38صـ 132)
ثم جاءت الموجة الثانية في الغزو الفكري المعاصر وحدوث تغير مفزع في خلال قرن واحد:
“استخدمت في عملية التغريب كل الوسائل الممكنة: مناهج التعليم، ووسائل الإعلام، وخاصة الصحافة، ثم المسرح والسينما، و”المرأة المتحررة”، والشواطئ العارية، والمدارس التنصيرية، واستقدام “الفرق” التمثيلية، والغنائية، والراقصة.. وترجمة الآداب الغربية، ونشر الفكر الدارويني “التطوري”، والدعوة إلى الاختلاط، والدعوة إلى القومية والوطنية بدلاً من الاجتماع تحت راية الإسلام، و…”. (39صـ 137)
نواقض لا إله إلا الله
استشهد بكلمة الإمام حسن البنا، رحمه الله؛ حيث قال:
يقول الإمام حسن البنا رحمه الله في البند الأخير من رسالة التعاليم “لا نكفر مسلماً أقر بالشهادتين، وعمل بمقتضاهما، وأدى الفرائض، برأي أو معصية، إلا إن أقر بكلمة الكفر، أو أنكر معلوماً من الدين بالضرورة، أو كذّب صريح القرآن، أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملاً لا يحتمل تأويلاً إلا الكفر”. (40صـ 142)
ثم ذكر مما قاله الفقهاء:
“وأما الإتيان بأعمال لا يأتيها إلا الكافر، فقد عدد الفقهاء منها: السجود للصنم، وسب الرسول، صلى الله عليه وسلم، وإهانة المصحف، والتحليل والتحريم من دون الله..”. (41صـ 143)
ثم ذكر التحليل والتحريم (التشريع بغير ما أنزل الله) .. ثم ناقش احتجاج المرجئة والضلال بأثر ابن عباس وناقش موقفه أمام بني أمية. وأن الأمر اختلف حين وقع تبديل أحكام الله:
“أما حين وقع التشريع بغير ما أنزل الله، وهو لم يقع ـ قبل القرن الأخير ـ إلا مرة واحدة أيام التتار حين حكموا “بالياسق” بدلاً من شريعة الله”. (42صـ 143)
فكان موقف ابن كثير رحمه الله في تفسيره بالتصريح بكفر من فعل هذا..
ثم أشار الى معنى ودلالة إنكار الشرائع المبدّلة فـ
“الإنكار بالقلب ـ الذي هو أضعف الإيمان ـ ليس معناه أن يرفع الإنسان كفيه إلى السماء ويقول: اللهم إن هذا منكر لا يرضيك، ثم ينغمس فيه! إنما مقتضاه ـ كما قال الغزالي ـ ألا يشارك الإنسان في ذلك المنكر ولا بمجرد الحضور فيه ما دام غير مقهور على الحضور فيه!”. (43صـ 148)
ثم ناقش موضوع:
“اعتناق “مذهب” من المذاهب التي تبعد الدين عن الحياة، أو تحصره في زاوية ضيقة منها، كالشيوعية والاشتراكية والعلمانية والقومية.. والديمقراطية!”. (44صـ 148)
وأن موضوع الديمقراطية خصوصا يحتاج الى بيان لما تشتبه بأمر الشورى الإسلامية، والرقابة على الحكام والضمانات التي تكفلها الدولة؛ خاصة مع المقارنة مع النظم الاستبدادية التي يعيش فيها المسلمون.
ثم أوضح ناقضا آخر وهو “موالاة أعداء الله”..
هذا بالإضافة الى نواقض العبادة والاعتقاد؛ ينبغي بيان كل ذلك.
واجب الصحوة الإسلامية
“ولكن الصحوة كما قلنا تواجه حملاً ثقيلاً ينبغي لها أن تدرك ثقله، كما ينبغي لها أن تدرك مدى الجهد اللازم لمواجهته..
إنه ليس مقتضى واحداً وقع العجز فيه فتسهل معالجته.. وليس عند طائفة قليلة من الأمة فيسهل عليها أن تتحرك دون أن تعوق حركتها الفئة القليلة..
إنه عجز شامل، وفساد كبير.. فساد في التصور وفساد في السلوك..
إن الصحوة ليست بصدد “حركة إصلاحية” في جانب واحد من جوانب الحياة، أو بضعة جوانب بعينها.. إنما هي بصدد إعادة البناء..”. (45صـ 159)
هكذا كانت الإشارة الى واجبها ثم أوضح أن واجباتها تتنوع ما بين:
1) بيان مقتضيات لا إله إلا الله
2) التربية السلوكية على هذه المقتضيات.
مع الإشارة الى العقبات التي تواجهها ومنها خطأ التركيز على أحد جوانب معناها دون بقية المعاني.
ثم كانت بشارات التمكين..
“إن الإسلام قادم..
لا نقولها نحن وحدنا.. إنما تقولها أوربا كذلك!
هم يقولونها فزعاً، ونحن نقولها فرحاً بموعود الله:
“إنه تكون فيكم نبوة، فتبقى في الأرض ما شاء الله لها أن تبقى ثم ترفع. ثم تكون خلافة راشدة فتبقى في الأرض ما شاء الله لها أن تبقى ثم ترفع. ثم تكون ملكاً عاضاً فيبقى في الأرض ما شاء الله أن يبقى ثم يرفع، ثم تكون ملكاً جبرية، فيبقى في الأرض ما شاء الله له أن يبقى ثم يرفع. ثم تكون خلافة راشدة على منهاج النبوة”. (46أخرجه الإمام أحمد)
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
……………………………………..
اقرأ أيضا:
- عرض كتاب “هذا الدين” .. سيد قطب
- عرض كتاب “المصطلحات الأربعة”
- المسلمون والحضارة الغربية .. كتاب أم شهادة!