من أوسع الكتب انتشارا وتأثيرا في الحركة الاسلامية ومجال تصحيح المفاهيم. تأثر به سيد قطب رحمه الله تأثيرا بالغا، بل وأعاد كتابة أجزاء المقدمة في الظلال ـ الأجزاء العشرة الأولى ـ بتأثره الشديد به.

المؤلف: للأستاذ عبد الأعلى المودودي

تمت كتابته عام (1360) من الهجرة، (1940) من الميلاد. من القطع الصغير يقع في (139) صفحة. طُبع طبعات عديدة في مختلف بلدان العالم الاسلامي، وبلغات مختلفة.

الهدف من الكتاب وفكرته الأساسية

تضمن الكتاب فكرة أساسية هي أن هناك مصطلحات أساسية في الاسلام هي مصطلحات (الإله، والرب، والدين، والعبادة) وأن هذه المصطلحات هي:

“أساس المصطلح القرآني وقوامه، والقطب الذي تدور حوله دعوة القرآن” (1المصطلحات الأربعة، المودودي، صـ 5)

“وأنه لا بد لمن أراد أن يدرس القرآن ويسبر غور معانيه أن يتفهم المعاني الصحيحة لكل من هذه الكلمات الأربع ويتلقى مفهومها الشامل” (2المصدر السابق، صـ 7)

وأن الخطورة في الجهل بها تبدو في حقيقة أنه:

“إذا كان الإنسان لا يعرف ما الإله، وما معنى الرب، وما العبادة، وما تطلق عليه كلمة الدين فلا جرم، أن القرآن كله سيعود في نظره كلاماً مهملاً لا يفهم من معانيه شيء. فلا يقدر أن يعرف حقيقة التوحيد، أو يتفطن إلى ماهية الشرك، ولا يستطيع ان يخص عبادته بالله سبحانه أو يخلص دينه له”.

“فإنه لن ينفك يلهج بكلمة لا إله إلا الله ويتخذ مع ذلك آلهة متعددة من دون الله. ولن يبرح يعلن أنه لا رب إلا الله ثم يكون مطيعاً لأرباب من دون الله في واقع الأمر” (3المصدر نفسه، صـ 8)

استهداف الطواغيت والمرجئة له بالهجوم

أثار الكتاب أهمية خاصة .. فقد أراد صاحبه بيان حقائق الدين والمفاهيم الأساسية للإسلام بدون أن يدخل في مجال آخر.

لا زال هذا الكتاب يقوم بمهمة جليلة في توضيح مفاهيم أساسية لدين الله تعالى، وما زال يوضح سعة هذه المفاهيم وسعة دلالاتها، ورفض أن تُقلص مساحة هيمنة الاسلام على الحياة أو تُقلص مساحة عمله وحاكميته.

يعادي العلمانيون بشدة هذا الكتاب لما أوضحه من طبيعة دين الله، ولما له من دلالات تضرب العلمانية في أصولها وتوضح رفض الاسلام والمسلمين لخيار العلمانية بصورها الليبرالية والشيوعية وغيرها، وبيان أن علاقة العبودية بين العبد وربه ترفض العلمانية.

منهج المؤلف

انتهج المؤلف منهج البيان اللغوي للكلمة باستقراء موارد الكلمة في اللغة، ثم بيان استعمال القرآن لهذه المعاني أو لبعضها؛ وذلك ببيان موارد اللفظ في كتاب الله الذي نزل بلغة العرب وخاطبهم بها.

وبيان أن الأولين فهموا معناها لأنها لغتهم وفهموا النقلة المرادة منهم من خلال خطاب القرآن لهم.

ثم حدث ضمور لدلالة هذه المصطلحات وقصٍر لها على معانٍ محددة، ثم ضاقت مساحة تأثر الحياة بها.. حتى صارت معانيها كما يقول:

“إن كلمة (الإله) جعلوها كأنها مترادفة مع كلمة الأصنام والأوثان.

وكلمة (الرب) جعلوها مترادفة مع الذي يربي وينشئ وللذات القائمة بأمر تربية الخلق وتنشئتهم.

وكلمة (العبادة) حددوها في معاني التأله والتنسك والخضوع والصلاة بين يدي الله.

وكلمة (الدين) جعلوها نظيراً لكلمة النحلة (Religion) .

وكلمة (الطاغوت) فسروها بالصنم أو الشيطان” (4صـ 10)

ثم شرع في بيان المصطلح الأول:

مصطلح الإله

ذكر مناسبة معنى الإله لاستخدامه في اللغة أنه ينشأ من احتياج الإنسان، ثم اعتقاده أن أحدا ما قاضٍ للحاجات، وأن يكون هذا القضاء بطريقة غيبية وليس على قانون الأسباب والمسببات، وأن يتجه اليه بشوق وولع. (5صـ 14)

وأن القرآن قد جاء على هذا المعنى فأوضح اتخاذهم للآلهة للحماية في النوائب، واستغاثتهم بهم في الشدائد، وأن هذا يشمل الملائكة والجن وصالحي الأموات من البشر. ومع هذا كانوا يتصورون أن لهذه الآلهة إله قاهر فوقهم وأن كلمتهم تُتلقى عنده بالقبول.

وأنهم يخافون إسخاط الآلهة لئلا يفتقدوا حمايتهم فتنزل بهم النوائب.

وأن من معانيه التي نص عليها القرآن تلقي الشرائع من أشخاص أو هيئات تشرع بغير ما أنزل الله فـ :

“الذي يدعو غير الله ويفزع إليه في حاجاته بعد إيمانه بالله العلي الأعلى، فلا يبعثه على ذلك إلا اعتقاده فيه أن له شركاً في ناحية من نواحي السلطة الألوهية. وعلى غرار ذلك من يتخذ حكم أحد من دون الله قانوناً ويتلقى أوامره ونواهيه شريعة متبعة فإنه أيضاً يعترف بسلطته القاهرة.

فخلاصة القول أن أصل الألوهية وجوهرها هو السلطة سواء أكان يعتقدها الناس من حيث أن حكمها على هذا العالم حكم مهيمن على قوانين الطبيعة، أو من حيث أن الإنسان في حياته الدنيا مطيع لأمرها وتابع لإرشادها، وأن أمرها في حد ذاته واجب الطاعة والإذعان”. (6صـ 23)

استدلال القرآن وتصوره

“فالذي يستدل به القرآن في هذا الشأن هو أنه لا يملك جميع السلطات والصلاحيات في السماوات والأرض إلا الله. فالخلق مختص به، والنعمة كلها بيده، والأمر له وحده، والقوة والحول في قبضته، وكل ما في السماوات والأرض قانت له ومطيع لأمره طوعاً وكرهاً، ولا سلطة لأحد سواه ولا ينفذ فيها الحكم لأحد غيره، وما من أحد دونه يعرف أسرار الخلق والنظم والتدبير، أو يشاركه في صلاحيات حكمه.

ومن ثم لا إله في حقيقة الأمر إلا هو، وإذ لم يكن في الحقيقة إله آخر من دون الله، فكل ما تأتونه من الأفعال معتقدين غيره إلهاً باطل من أساسه، سواء أكان ذلك دعاءكم إياه واستجارتكم له أم كان خوفكم إياه ورجاءكم منه، أم كان اتخاذكم إياه شافعاً لدى الله، أم كان إطاعتكم له وامتثالكم لأمره؛ فإن هذه الأواصر والعلاقات التي قد عقدتموها مع غير الله، يجب أن تكون مختصة بالله سبحانه لأنه هو الذي يملك السلطة دون غيره”. (7صـ 23 – 24)

“ففي جميع هذه الآيات من أولها إلى آخرها لا تجد إلا فكرة رئيسية واحدة ألا وهي أن كلاً من الألوهية والسلطة تستلزم الأخرى وأنه لا فرق بينهما من حيث المعنى والروح. فالذي لا سلطة له، لا يمكن أن يكون إلهاً ولا ينبغي أن يتخذ إلهاً. وأما من يملك السلطة فهو الذي يجوز أن يكون إلهاً وهو وحده ينبغي أن يتخذ إلهاً”. (8صـ 29)

وأن قضاء الحاجات أمر عظيم لا يقدر عليه إلا السلطة العليا المهيمنة، وأن هذه السلطة لا تقبل التجزئة.وعليه فلا ينبغي الخضوع إلا لهذه السلطة الواحدة في مجال الدعاء والاضطرار أو مجال الطاعة القانونية والتشريعية. فجميع ضروب الحكم ترجع اليه تعالى سواء في مجال السماوات والأرض وقوانينهما ونواميسهما أو مجال العلاقات البشرية والأواصر القانونية.

مصطلح الرب

أوضح المأخذ اللغوي له ومعانيه التي يدور عليها وأنها خمسة معانٍ:

التربية والتنشئة والنماء، والجمع والحشد والتهيئة، والتعهد والاستصلاح والكفالة، العلاء والسيادة والتصرف، والتملك.

وأن القرآن جاء بهذه المعاني.. ثم استقرأ موارد هذه المعاني في آيات الكتاب العزيز.

تصور الأمم الضالة

ثم أوضح أن الأمم القديمة، منذ قوم نوح، لم تجحد وجود رب العالمين؛ فلم يسألوا عن من هو رب العالمين أو من هو خالق السماوات والأرض، وكذا قوم عاد وصالح.

وأما قوم إبراهيم والنمروذ

ثم بحث فيما يشتبه على البعض أن قوم إبراهيم يعتقدون أن الكواكب والنجوم مدبرة خالقة، فأوضح أنهم ظنوا أنها شريكة تحت تصرف الإله والرب الأعظم وهو الله، فهو تصور شركي كغيرهم، وأن إبراهيم أخذ تصور أن الله هو الرب من البيئة التي رسخ فيها دعوة الأولين من الرسل.

” فعلى ذلك كان إبراهيم عليه السلام أخذ تصور كون الله رباً وفاطراً للسماوات والأرض عن بيئته التي نشأ فيها.

وأما التساؤل الذي كان يخالج نفسه فهو عن مبلغ الحق والصحة فيما شاع بين قومه من تصوّر كون الشمس والقمر والسيارات الأخرى شريكة مع الله في نظام الربوبية حتى أشركوها بالله تعالى في العبادة”.  (9صـ 50)

“فإنك ترى بالتأمل في الكلمات التي كان يعرض بها دعوته على قومه أن ما قلناه آنفاً يزداد وضوحاً وتبياناً:

﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا﴾ [الأنعام : 81]

﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [مريم : 48]

﴿قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ﴾ [الأنبياء : 56]

﴿قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ﴾ [الأنبياء : 66]

فيتجلى من جميع الأقوال لإبراهيم عليه السلام أنه ما كان يخاطب بها قوماً لا يعرفون الله تعالى ويجحدون بكونه إله الناس ورب العالمين أو أذهانهم خالية من كل ذلك، بل كان بين يديه قوم يشركون بالله تعالى آلهة أخرى في الربوبية” (10صـ 51 -52)

وأن خلاف إبراهيم والنمروذ أن النمروذ كان يريد الانفراد بمجال السلطة السياسية والمدنية بدون قيدٍ بشريعة ولا أمر لرب العالمين، وأن إبراهيم يحاجّه في أن من له السلطة العليا فوق السماوات والأرض هو من يكون أمره نافذا في السلطة السياسية والمدنية وأن لا سلطة مطلقة إلا لله تعالى، وأنكم عبيد يجب أن تتقيدوا بشرعه وأمره التشريعي الديني.

فرعون وقومه

أوضح أنهم لم يبلغ بهم السفاهة ادعاء أنه فاطر السماوات والأرض بل:

“والحق الواقع الذي يشهد به القرآن والتاريخ هو أن فرعون لم يكن يختلف ضلاله في باب الألوهية والربوبية عن ضلال نمرود، ولا كان يختلف ضلال آله عن ضلال قوم نمرود. وإنما الفرق بين هؤلاء وأولئك أنه قد كان نشأ في آل فرعون لبعض الأسباب السياسية عناد وتعصب وطني شديد على بني إسرائيل، فكانوا لمجرد هذا العناد يمتنعون من الإيمان بألوهية الله وربوبيته، وإن كانت قلوبهم تعترف بها شأن أكثر الملحدين الماديين في عصرنا هذا”. (11صـ 59 – 60)

واستدل بآيات كثيرة منها قول مؤمن آل فرعون ﴿تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ﴾ فأثبت أن هناك آلهة أخرى، وقول ملأ فرعون ﴿وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ فعلم أنه كانت لهم آلهة يدعوها ويعبدوها.

وأن أثر شخصية يوسف فيهم كان عميقا.

“فيقول فرعون ـ مثلا ـ تأكيداً لقوله إن موسى عليه السلام ليس برسول الله

﴿فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ﴾ [الزخرف: 53]

أفكان لرجل فارغ الذهن من وجود الله تعالى والملائكة أن يقول هذا القول وفي موضع آخر يقص القرآن الحوار الآتي بين فرعون وبين النبي موسى عليه السلام:

﴿فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ مَسْحُورًا * قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا﴾ [الإسراء: 101-102]

وفي محل آخر يُظهر الله تعالى ما في صدور قوم فرعون بقوله:

﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [النمل: 13-14]” (12صـ 64 – 65)

“ولم تكن دعوى فرعون الأصلية الغالبة المتصرفة في نظام السنن الطبيعية، بل بالألوهية السياسية” (13صـ 71)

ومواجهة موسى له:

“التي كانت سبب النزاع بينه وبين فرعون وآله، فهي في الحقيقة أنه لا إله ولا ربَّ بجميع معاني كلمة (الرب) إلا الله رب العالمين، وهو وحده الإله والرّب فيما فوق العالم الطبيعي، كما أنه هو الإله والرب بالمعاني السياسية والاجتماعية، لأجل ذلك يجب ألا نخلص العبادة إلا له، ولا نتبع في شؤون الحياة المختلفة إلا شرعه وقانونه” (14صـ 72)

ثم أوضح أن ضلال اليهود والنصارى، ثم مشركي العرب؛ لم يخرج عن هذا الخلل التاريخي الذي مرت به البشرية.

دعوة القرآن

“ولأجل ذلك بعث الله أخيراً محمداً صلى الله عليه وسلم. وكانت دعوتهم جميعاً أن الرب بجميع معاني الكلمة واحد ليس غير، وهو الله تقدست أسماؤه. والربوبية ما كانت لتقبل التجزئة ولم يكن جزء من أجزائها ليرجع إلى أحد من دون الله بوجه من الوجوه، وأن نظام هذا الكون مرتبط بأصله ومركزه وثيق الارتباط، قد خلفه الله الواحد الأحد، ويحكمه الفرد الصمد، ويملك كل السلطة والصلاحيات فيه الإله الفذّ الموحد!

فلا يد لأحد غير الله في خلق هذا النظام ولا شريك مع الله في إدارته وتدبيره ولا قسيم له في ملكوته.

وبما أن الله تعالى هو مالك السلطة المركزية، فإنه هو وحده ربكم في دائرة ما فوق الطبيعة، وربكم في شؤون المدنية والسياسة والأخلاق، ومعبودكم ووجهة ركوعكم وسجودكم، ومرجع دعائكم وعماد توكلكم، والمتكفل بقضاء حاجاتكم، وكذلك هو الملك، ومالك الملك، وهو الشارع والمقنن، وهو الآمر والناهي”. (15صـ 88)

العبـــادة

ويدور معناها اللغوي حول المملوك خلاف الحر، والطاعة مع الخضوع، والتنسك والتعظيم، واللزوم وعدم المفارقة، والحبس عن الشيء.

“مفهومها الأساسي أن يذعن المرء لعلاء أحد وغلبته، ثم ينزل له عن حريته واستقلاله ويترك إزاءه كل المقاومة والعصيان وينقاد له انقياداً”. (16صـ 97)

وجاء القرآن بالمعاني الثلاثة الأولى، وذكر الآيات في ذلك، حول العبودية والطاعة والتأله. وأن العبادة عموما تأتي بمعنى الطاعة؛ ومنها عبادة الشيطان وعبادة الأحبار والرهبان.

وتأتي بمعنى التأله وتنبني على معنيين:

” أولهما: أن يؤدي المرء لأحد من الشعائر كالسجود والركوع والقيام والطواف وتقبيل عتبة الباب والنذر والنسك.. ولا عبرة بأن يكون المرء يعتقده إلهاً أعلى مستقلاً بذاته، أو يأتي بكل ذلك إياه وسيلة للشفاعة والزلفى إليه أو مؤمناً بكونه شريكاً للإله الأعلى وتابعاً له في تدبير أمر هذا العالم.

والثاني: أن يظن المرء أحداً مسيطراً على نظام الأسباب في هذا العالم ثم يدعوه في حاجته ويستغيث به في ضره وآفته، ويعوذ به عند نزول الأهوال ونقص الأنفس والأموال”. (17صـ 103)

” أما الآيات التي قد وردت فيها كلمة (العبادة) بمعنيي العبودية والإطاعة، فإن المراد بالمعبود فيها إما الشيطان، وإما الأناس المتمردون الذين جعلوا أنفسهم طواغيت، فحملوا عباد الله على عبادتهم وإطاعتهم بدلاً من عبادة الله وإطاعته، أو هم الأئمة والزعماء الذي قادوا الناس إلى ما اخترعوه من سبل الحياة وطرق المعاش جاعلين كتاب الله وراء ظهرهم.

وأما الآيات التي قد وردت فيها (العبادة) بمعنى التأله، فإن المعبود فيها عبارة إما عن الأولياء والأنبياء والصلحاء الذين اتخذهم الناس آلهة لهم على رغم أنف هدايتهم وتعليمهم، وإما عن الملائكة والجن الذين اتخذوهم لسوء فهمهم شركاء في الربوبية المهيمنة على قانون الطبيعة، أو هو عبارة عن تماثيل القوى الخيالية وهياكلها”. (18صـ 107 – 108)

ثم يؤكد خطورة حصر معنى العبادة في معنى بعينه:

” إن حصر معاني كلمة (العبادة) في معني بعينه، في الحقيقة، حصر لدعوة القرآن في معان ضيقة. ومن نتائجه المحتومة أن من آمن بدين الله وهو يتصور دعوة القرآن هذا التصور الضيق المحدود، فإنه لن يتبع تعاليمه إلا اتباعاً ناقصاً محدوداً”. (19صـ 115)

معنى الدين

ويدور المعنى اللغوي حول القهر والسلطة والأمر، الخدمة والتسخر والعبدية، الشرع والقانون والملة والمذهب، والجزاء والمكافأة والحساب.

وجاء القرآن على هذه المعاني؛ فيأتي السياق بمعنى أو معنيين منها حسب السياق.

الدين: المصطلح الجامع الشامل

ثم يذكر المصطلح الشامل لكلمة الدين

” قد استعمل القرآن كلمة (الدين) فيما يقرب من معانيها الرائجة في كلام العرب الأول.

ولكننا نرى بعد ذلك أنه يستعمل هذه الكلمة مصطلحاً جامعاً شاملاً يريد به نظاماً للحياة يدعن فيه المرء لسلطة عليا لكائن ما، ثم يقبل إطاعته واتباعه ويتقيد في حياته بحدوده وقواعده وقوانينه ويرجو في طاعته العزة والترقي في الدرجات وحسن الجزاء، ويخشى في عصيانه الذلة والخزي وسوء العقاب.

ولعله لا يوجد في لغة من لغات العالم مصطلح يبلغ من الشمول والجامعية أن يحيط بكل هذا المفهوم”. (20صـ 125)

” (الدين) في بعض سياقات الآيات هو نظام الحياة الكامل الشامل لنواحيها من الاعتقادية والفكرية والخلقية والعملية.

فجاء بمعنى إن نظام الحياة الصحيح المرضي عند الله هو النظام المبني على إطاعة الله وعبديته. وأما ما سواه من النظم المبنية على إطاعة السلطة المفروضة من دون الله، فإنه مردود عنده..

ذلك بأن الذي ليس الإنسان إلا مخلوقه ومملوكه، ولا يعيش في ملكوته إلا عيشة الرعية، لم يكن ليرضى بأن يكون للإنسان الحق في أن يحيا حياته على إطاعة غير سلطة الله وعبديتها، أو على اتباع أحد من دون الله”. (21صـ 129 بتصرف يسير جدا).

أهم ما وُجّه للكتاب من نقد

1) ما وجهه البعض حول مفهوم الحاكمية ومساحته في هذه المصطلحات.

والحق أن الشيخ رحمه الله، كان متوازنا في بيان معنى الاعتقاد للألوهية والخلق والرزق والتدبير، وبين حق الله في أن يتوجه العبيد له بالتعبد والتنسك، وأن يتلقى منه عباده التشريعات القانونية والنظام ومنهج الحياة.

وأن تقريره للتشريع كأحد أركان توحيد العبادة، وأحد معاني التأله لله تعالى، وأحد مقتضيات ربوبيته تعالى للخلق، وهو معنى مباشر للدين؛ فهذا بيان لحقيقة الاسلام، دون أن يطغى على بقية جوانب هذا الدين من صحة الاعتقاد بالغيب وإفراد الله بالتنسك.

2) الفهم السلبي لبعض الغلاة بأنهم أسقطوا اعتبار دلالة تلفظ الجموع بـ “لا إله إلا الله” على إسلامهم، بل وعدم اعتبار إسلام عموم المسلمين حتى يتم التحقق من معرفتهم بدلالات هذه المصطلحات.

وهذا غلوّ مرفوض، وتكفير بغير موجِب.

فهذا تأثير سلبي انحرف به البعض الى البحث عن التأكد من معرفة الناس بمعني هذه المصطلحات للحكم عليهم بالاسلام أو الكفر، وهذا قليلا ما حدث، ولكن استغله المرجئة والطغاة فاتهموا عموم التيار الاسلامي المهتم بالتصحيح والإحياء الذي يعلّم الناس العقيدة والخير ومفاهيم الاسلام، اتهموهم واتهموا كل من يبين المفاهيم العقدية وأصل الإسلام وحقيقة الإيمان بأنه يتهم الناس بعدم معرفتهم بهذه المفاهيم وبالتالي فهو يكفرهم..!

بينما كان وما زال المأخذ الصحيح لهذه المفاهيم والمعاني هو:

أولا) تعليمها للناس بدون تهمة، بل سبب البيان أنها تكليف أوّلي قبل أي تكليف يجب تعلمه كالصلاة والزكاة وفرائض الإسلام.

وأما الحكم بالشرك والتكفير فله مناطاته وضوابطه وإجراءاته الشرعية.

والواجب هو تعليم الأمة لا تكفيرها بالعموم.

والأمر الثاني) وجود “ظواهر” شرك في المجتمع يجب السعي للقضاء عليها من خلال البيان وتعليم الأمة كخطوة مهمة في هذا الصدد.

خاتمة

لم يزل أثر هذا الكتاب في التعليم والبيان لحقيقة الاسلام ومعنى الدين، من استقراء كتاب الله تعالى وبيان موراد واستعمالات هذه الألفاظ.

أجزل الله له الثواب وأبقى له الأثر الصالح، وأصلح الله حال أمتنا وقادها للخير بإذنه تعالى.

………………………

اقرأ أيضا:

لقراءة الكتاب كاملا:

التعليقات غير متاحة