عندما اختار مجاهدوا فلسطين اسم (الأقصى) عنوانا لملحمتهم التاريخية ضد شر البرية، كان حقا على كل مسلم أن يوقن بأن المسجد الذي بارك الله حوله، سيتحول التاريخ عنده لصالح أهل الإيمان، كما تكرر ذلك طوال الزمان منذ بناه إبراهيم عليه السلام..
طوفان الأقصى له ما بعده
كل المؤشرات تؤكد أن معركة طوفان الأقصى ستتمدد وتتطور وتطول، لتتحول من أحداث تخص جزءا صغيرا من فلسطين ؛ إلى صدام واسع المدى، له أبعاده العالمية والإقليمية، وكذلك تداعياته الداخلية في الدول المحيطة بكيان الاحتلال .
وستكون هذه التطورات على هذه المستويات الثلاثة في حال حدوثها – والعلم عند الله – مقدمات لملاحم وصدام عظيم بين عتاة الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين .
فطوفان الأرض المباركة مرشح للتحول إلى ثوران إقليمي حولها، ثم بركان عالمي تتغير موازين القوى حيالها.
فعلى المستويات الداخلية
فإن البلدان المعنية بما كان يسمى بـ( الصراع العربي الإسرائيلي) سيجري جر أنظمتها طوعا أو كرها للعودة لذلك الصراع بصور جديدة، وهو ما سيطيح بمخرجات استراتيجيات السلام الموهوم والتطبيع المزعوم ، خاصة إذا جرى البدء في تنفيذ مخطط (الوطن البديل) للفلسطينيين في سيناء والأردن.
وأما على المستويات الإقليمية ..
فإن الهزيمة الإسرائيلية خلال الأيام الأولى لطوفان الأقصى؛ كانت أيضا هزيمة أمريكية، باعتبار أن كيان العدوان هو في الأصل قاعدة عسكرية متقدمة للأمريكان في صورة دولة.
ولأن إيران عدت ما جرى انتصارا لها قبل غيرها؛ فالمترجح التحرش بها واستدراجها للمواجهة من قبل الحشود العسكرية الأمريكية والغربية التي يتوالى وصولها إلى المنطقة.
ولاشك أن العواصم العربية التي احتلتها إيران، واصطنعت فيها أذرعتها العسكرية تحت مسمى (محور المقاومة) في بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء؛ ستظل أنظمتها تحت خط النار، إذا ما تقرر كسر شوكة طهران، بعد أن تخطت الخطوط الحمر التي رسمت لها بانضمامها إلى تحالف المعسكر الشرقي الجديد، الجامع بين الأعداء الألداء لأمريكا والغرب، وهم الصين وروسيا وكوريا الشمالية.
وأما على المستويات العالمية
فإن الحشود العسكرية الأمريكية والبريطانية الضخمة، لم تأت لمجرد مساندة عصابات نتنياهو المذعور من هجوم المقاومة الإسلامية، وكذلك فإن إرسال أمريكا ثلاث حاملات طائرات إلى شرق المتوسط بكامل التسليح البري والبحري؛ وبصحبة ٢٠٠٠ مقاتل من قوات المارينز وتجهيز أضعافهم (حتى كتابة هذه السطور)، مع قدوم قوات بريطانية بحرية للدعم اللوجستي، وقول بايدن بأن الحرب ستطول؛ وقول وزير خارجيته بأننا نخوض حربا دينية، كل هذا يدل على أن المخطط أكبر من تل أبيب، وأبعد من غزة..
ومن الواضح أيضا أن تلك الحشود المتصاعدة المتزايدة؛ ليست مجرد استعراض للقوة الغربية في وجه ما يسمى (محور المقاومة) بزعامة إيران، ولكن المقصود ما وراء إيران اليوم ، وهو (محور المعسكر الشرقي الجديد) الآخذ في البروز والتحدي.
لذلك ستظل إيران متحسبة لضربات قاصمة طال تأجيلها، وستبقى روسيا متأهبة لخلط الأوراق بعيدا عن حدودها، والصين كذلك ستراقب متربصة ومتحفزة، بل قد تحرك المسار في جزيرة تايوان، إذا تعرض حلفاؤها الرئيسيون لأي هجوم أو عدوان .
وهذا يعني أن الأمور قد تتدحرج نحو حرب عالمية، سيرى الناس بداياتها، ولا يعلم غير الله نهاياتها..
أما طوفان الأقصى الذي بدأ ولم تنته تداعياته ونتائجه؛ فلم تتفجر موجاته إلا بعد أن بلغ الظلم المتعدد الأطراف مداه، وهو ما يستدعي جريان سنن الله عز وجل، في الانتقام من الظالمين.
فنوح – عليه السلام – عندما دعا ربه: (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ) جاء الطوفان العظيم بالانتقام ليبقى تذكرة للمؤمنين (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ * وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) [نوح:11-15] .
وهكذا تجري سنة الله في الأولين والآخرين بهلاك المجرمين: (فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم:٤٧]..
فاللهم نصرا ونشرا لهذا الدين .. و هزيمة وكسرا لتحالف الكفار والمنافقين
المصدر
صفحة الدكتور عبد العزيز كامل.