تتوالى الأحداث في الولايات المتحدة الأمريكية ويستطيل شررها، غضبا للتمييز العنصري. وما بين الدلالة على حياة الشعوب وحراكها، وبين مؤهلات السقوط تتوالى الدلالات.

الخبر

شهدت جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، الجمعة، احتجاجات على مقتل مواطن من ذوي البشرة السوداء على يد شرطي، وتحولت إلى أحداث عنف بين المحتجين والشرطة.

وقد شهدت الاحتجاجات أعمال تخريب وتحطيم نوافذ مجلس ولاية أوهايو، في حين ردت الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع. كما سُمعت أصوات إطلاق نار في مدينة دنفر عاصمة ولاية كولورادو، خلال الاحتجاجات، في حين اشتد التوتر في ولاية أريزونا بين المحتجين وعناصر الشرطة. وفي نيويورك، أوقفت الشرطة 40 شخصا خلال الاحتجاجات، كما سحلت امرأة على الأرض ونقلتها إلى سيارة الشرطة. وفي مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا، اعتقلت الشرطة مراسل شبكة “سي إن إن” وفريقه أثناء تغطيتهم للاحتجاجات.

وانتشرت لقطات مصورة عبر مواقع التواصل، الإثنين الماضي، يظهر فيها شرطي يثبت “جورج فلويد” من ذوي البشرة السوداء على الأرض وهو مكبل اليدين لأربعة دقائق واضعاً ركبته فوق رقبته أثناء اعتقاله، فيما يقول الأخير أكثر من مرة “لست قادراً على التنفس”. ويظهر في الفيديو أن الضابط قد استمر في الوضعية نفسها رغم غياب فلويد عن الوعي، وتم فحص نبضه بعد حوالي ثلاث دقائق من توقفه عن التنفس حتى مات”. (1موقع “الأناضول “،  على الرابط:
احتجاجات تتحول لأعمال عنف في أنحاء الولايات المتحدة
موقع CNN  بالعربية، على الرابط:
بالصور.. اشتباكات وأعمال عنف وحرائق في مينيسوتا الأمريكية بعد مقتل فلويد
)

التعليق

وصلت هذه المظاهرات لتشمل كافة الولايات، ثم استمرت في حوالي (30) ولاية، ثم امتدت الى بيت حكمهم “البيت الأبيض”..

تزامن الأمر مع ضغوط ما سببه فيروس “كورونا” اقتصاديا واجتماعيا؛ مع ارتفاع معدل البطالة الى (40%)، وتزامن كذلك مع التوجهات اليمينية “القومية المتطرفة” للرجل الأبيض. وهو اتجاه عالمي يتهدد عدة دول أوروبية؛ فوزير الداخلية الألماني يشتكي من خطورة التوجهات اليمينية وأنها تهديد خطير لألمانيا. (2راجع: الداخلية الألمانية: “اليمين المتطرف” أكبر تهديد يواجه البلاد)

وهنا نقرر أمورا ونشير الى دلالات هذه التحركات الشعبية..

أولها) لا شك أن أن الشعوب الحية المتحركة والتي تمتلك من الحرية ما يجعلها رافضة للذل، وأن لا تفوت حادثة قتل ظالم كهذه لتمر بلا نكير؛ بينما في أوضاع الاستبداد ـ وخاصة في العالم الإسلامي ـ يتجرع أضعاف هذه الحوادث ويكون منتهى أملهم هو “استلام الجثة”..! ثم دفنها بعدد صغير من افراد الأسرة والسلاح على رؤوسهم ـ لا شك أن أوضاع الحريات تجعل في الناس من الشعور بالكرامة والدفاع عن الحقوق ما يجعلهم ممتنعين عن الظلم أو عن التمادي فيه، وبالتالي يحصلوا ـ ولو في ظل هذه الأوضاع الجاهلية ـ على قدر من الحقوق أكثر مما يحصل عليه الراضون والراضخون تحت قوى الاستبداد. ولا أدل على ذلك من أن كل هذا الحراك لمقتل شخص واحد، بينما مليون شهيد في سوريا لم يحرك احدا.

بل بينما طلبت زوجة الشرطي القاتل، الطلاق، لاعتراضها على جريمته؛ فعندنا الأوضاع مختلفة تماما إذ يغرق في الجرائم قطاعات ضخمة.

ثانيها) أن القوة الظاهرة لأوروبا وأمريكا وغيرها (قوة الدولة)؛ إنما هي قوة ظاهرة وأنها تخبيء خلفها من الضعف والتناقضات ما يليق بحالة الكفر وعقائد الإلحاد.. فلن يقيم الكفار مجتمعات مستقيمة بل يقيمون مجتمعات لها معاناتها؛ فإن حصلت على حقوق وحريات سياسية بعد معاناة طويلة، وتميزت بهذه الحريات؛ إلا أنها لرفضها لدين الله تعالى تخبيء خلفها من الآفات ما يكفل بتدمير المجتمعات وسقوطها.. فالتمييز العنصري والاستعلاء العرقي (آفة)، والإباحية الأخلاقية (آفة)، وتدمير الأسرة وازدراء الحياة الأسرية واحتقارها بل ورفض تكوين الأسرة (آفة)، والربا بأشكاله الفاقعة والمدمرة وتكدس الأموال في جيوب أسرٍ معينة تملك الإعلام ومن ثَم السياسة هذه أيضا (آفة مدمرة)؛ إذِ الأمور تؤول حينها الى الصهاينة ورأسماليي الصهونية المسيحية.

وكل هذه فروع عن غياب العقيدة الصحيحة والقيم الربانية والأحكام الشرعية الضامنة لاستقامة الدارين. فالتشريع الذي يذهب بالأهواء يمينا وشمالا، ثم القيم المهتزة عند المجتمع؛ كل هذه علامات انهيار.

القاعدة المقررة هي أنه لا يستغني أحد عن شريعة الله التي تفضل بها وأنعم بها على خلقه.

والأمر الثالث) أننا لا ندري ما يضنع الله لعباده المستضعفين والذين بغى عليهم هؤلاء الكفار وسلطوا  على بلاد المسلمين التدمير العقدي والقيمي، والتدمير السياسي والاجتماعي، والتدمير الاقتصادي، ثم بالحروب..

فإنهم إما محاربون بأنفسهم كما في أفغانستان والعراق، أو بأيدي ميليشياتٍ موالية لهم كميليشيات الرافضة في العراق، أو بأيدي حكومات العسكر كما في سوريا ومصر؛ فتكون المذابح المروعة، أو بهندسة الحرب الأهلية كما في ليبيا واليمن، أو بأيدي سفهاء وصبيان الأمراء كما في السعودية والإمارات فتضيع أموال المسلمين وتسود البلادَ حالةٌ من السفاهة والأحقاد، ومع قمع الدعاة والعلماء والمصلحين.

وإن للمستضعفين شكواهم لربهم تعالى. ولله تعالى استجابته لعباده. وهي استجابة موقوتة يعلم تعالى مستقرها ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ (الأنعام: 67). ولا يعلم أحد من أين يأتي الفرَج وعلى يد مَن؟ فكم من أحداث عظام كان مبناها على شرر لم يتصور صاحبه أن سيكون من الأحداث الكبيرة ما كان.

بل على غرار ذلك فإن القوى الكبيرة المتحكمة في العالم هي نفسها جميعا على هذا المنوال؛ فهي جميعا تحمل عوامل ضعفها وسقوطها، بل إن هذه القوى نفسها مرشحة للصدام المدمر لها جميعا بسبب تكالبهم على المظالم وتحكم الأهواء فيهم والرغبة في اللصوصية العالمية لثروات المستضعفين.. مع التعصب القومي.

خاتمة

إننا نقول هذه الكلمات، لا لنقول أن هذه الأحداث بعينها هي المدمرة لأمريكا أو غيرها؛ بل لنقول أن هذا مثال كاشف لما تحتويه تلك الدول وتلك الحضارة من قيم هابطة وما تحمله من عوامل سقوط، والدلالة على إمكانية أن يرفع الله تعالى يد الكفار عن المسلمين وأن يشغلهم بأنفسهم.

بل نقول قولا آخر.. وهو أنه على المسلمين أن يستغلوا أدنى فرصة تأتيهم وأن يترقبوا رفع يد العدو عنهم..

يجب أن يكون عندنا من الجاهزية بحيث لو رفع الله يد الكفار وأذرع تسلطهم عن المسلمين ألا يبقى المسلمون في حالة انتظار لمجيء قوة كافرة أخرى ترثهم كما يورَث المتاع..! بل يجب أن يمتلكوا أمرهم ويقيموا دينهم وأن يعودوا لربهم ويقيموا المنهج الرباني ويمتلكوا من القوة والاستقلال ما يجعلهم قوة لا تتبع أحدا؛ بل يصبحوا قوة متميزة بدينها تستأنف وظيفتها في البشرية ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ وتنتمي لهويتها وتاريخها، وتنفض عنها غبارا كثيرا قد آذاها من تراكم السنين تحت سيطرة وتوجيه عملاء الطغاة.

……………………………..

هوامش:

  1. موقع “الأناضول “، على الرابط:
    احتجاجات تتحول لأعمال عنف في أنحاء الولايات المتحدة
    موقع CNN بالعربية، على الرابط:

    بالصور.. اشتباكات وأعمال عنف وحرائق في مينيسوتا الأمريكية بعد مقتل فلويد
  1. راجع: الداخلية الألمانية: “اليمين المتطرف” أكبر تهديد يواجه البلاد

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة