“خشية الدوائر” أحد دوافع النفاق. والمواقف السياسية ليست بعيدة عن العقيدة بل العقيدة حاكمة عليها. وللمؤمن سلوكه في مجال السياسة وللمنافق سلوكه كذلك.

الخبر

“صرح المحلل والإعلامي السياسي، “دان سينور” لـCNN : قال لي مسؤول سُني في دولة خليجية قبل عام: هناك مستقبل في الشرق الأوسط وهناك ماضٍ، نريد أن نكون المستقبل، نحن بالعالم العربي السُني ونحن نؤمن أن إسرائيل هي المستقبل.. أعتقد أن الطريقة التي تسير فيها الإدارة الأمريكية وبالتحديد “جاريد كوشنر” هي بإطار بالتطبيع التدريجي الناعم بين الحكومة الإسرائيلية والحكومات العربية عبر العالم العربي السني”. (1موقع “CNN العربية” 15/12/2019، على الرابط:
رئيس وزراء قطر الأسبق يغرد عن الاستعداد لإطلاق صفقة القرن العام المقبل
)

التعليق

من مداخل الشيطان الى نفاق القلوب وهلَكتها أن يرى المستقبل القادم لأعداء الله، ويستحضر سوء الدوائر بالمسلمين؛ فيتخذ موقفا مناقضا لعقيدته ودينه. كم هلك أشخاص وتتابعوا في النفاق بسبب هذا؛ وانظر الى هذه الآيات:

﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ (الفتح:6) فقد كان دافعهم للنفاق أنهم أساؤوا الظن بالله تعالى وأنه قد يجعل الدائرة للمشركين بإدالة مستقرة وأن يضمحل دين الله ويغلب المشركون غلبة دائمة.

وقد عالج القرآن هذا بأن القوة لله وأن جنوده لا يعلمهم إلا هو ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ (الفتح:7)

وقد كان سوء الظن بالله تعالى دافعا لنفاق قوم وهلكتهم قال تعالى ﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾ (الفتح: 12) فقد ظنوا أن الإدالة المستقرة هي للمشركين، وأنهم قد يستأصلون رسول الله والمسلمين بالقتل فلا يرجعون الى أهليهم.

وقد توعدهم ربنا ليصلح قلوبهم، وأخبرهم أن ملك السماوت والأرض له سبحانه ﴿وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا * وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (الفتح: 13 – 14)

وقد وقع آخرون في ولاء الكافرين لا لاعتقادهم صحة ما عليه المشركون من اليهود والنصارى بل لخوفهم من تغير اتجاهات القوة ومعادلات الأوضاع السياسية وخوفهم من تقدم معسكرات الكافرين على المسلمين؛ فيستاءلو نفي فزع وخواء من الإيمان: ماذا سيفعلون عندها..؟ إنها حسبة مصالح لا موازين عقائد..! قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَة﴾ (المائدة 51-52)

وقد عالج القرآن هذا الخلل القلبي أيضا بقوله تعالى ﴿فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ (المائدة: 52) ليعلم العباد أن القوة لله، وأن الغيب له، وأن الأقدار والأحداث لا تتم إلا بإذنه سبحانه.

وقد نص القرآن على مأخذ المنافقين تفصيلا، وبيّن سبحانه أنهم يُمسكون الحبل من المنتصف ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (النساء: 141) ثم رغَّب تعالى بعدها المنافقين في التوبة وبيّن كيفيتها، وأنه لا بد فيها من عبودية “الاعتصام بالله”؛ إذ إن من أسباب النفاق افتقاد هذه العبودية الكريمة؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (النساء: 145-146)

إن للإيمان مأخذ الانحياز لدين الله ورايته، مع الثقة في نصره واليقين في ربه سبحانه. ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (الزخرف: 43)

وإن افتقد العبد اليقين في الله وإحسان الظن به عصفت به الشياطين بالتخويف والفزع من قوى الباطل ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 175) وسلبت منه الإيمان؛ فيبحث عن رضا الباطل وأهله ويطلب العزة عندهم ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ (النساء: 138-139)

إن ما يؤمن به المسلمون هو أن الغيب لله، وأن المقادير بيده سبحانه، وأن المستقبل لهذا الدين كما جاءت البشارات؛ فإن الإسلام لم ينزل ليبقى مستضعَفا أو ليبقى أهله أذلة؛ إنما هي أمور طارئة في فترات تمثل فجوات تاريخية طارئة ما يلبث الإسلام أن يلملم شعث أهله ويعود أقوى، ويستكمل دوره في حياة البشرية بالسيادة والريادة والقيادة بمنهج الله تعالى.

وقد جاءت البشارات النبوية أن هذا الدين لن يترك بيت مدر ولا وبر إلا دخله، أعزَّ من آمن به وأذل  من خالفه. وجاءت البشارات بفتح رومية بعد قسطنطينية. وجاءت البشارات أن بعد الحكم الجبري خلافة راشدة.

والمسلم يعمل لله تعالى لا على جهة الاختبار لله فإن جاءت الرياح مواتية آمن واستقر وإن ابتُلي بشيء انقلب على وجهه؛ فهذا مأخذ مذموم؛ ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ (الحج: 11) فالمسلم يعبد ربه معتزا بدينه ممتنا بقيمة الإسلام ومقدرا لنعمة الإيمان.

والمسلم مكافح بدينه مجاهد في سبيله وهو يعمل على الطريق؛ حتى تأتيه منيّته؛ سواءا أدركته وهو يعمل من أجل التمكين لدينه، أو تمكن فأقام الصلاة وآتى الزكاة وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر. فهو في كل حال عابد لله تعالى طالب للآخرة.

خاتمة

ليس مفاجئا أن يصرح أرباب الطواغيت بحقائق الدوافع للإرتماء في خندق العدو والذوبان في مصالحه وثقافته والتخندق تحت رايته..! فالأفعال الظاهرة والمسارعة في موالاة أعداء الله لا تنتج من فراغ؛ إنما هي كما قال سبحانه ﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ (المائدة: 81).

……………………………….

هوامش:

  1. موقع “CNN العربية” 15/12/2019، على الرابط:
    رئيس وزراء قطر الأسبق يغرد عن الاستعداد لإطلاق صفقة القرن العام المقبل

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة