ما زال الشعب الفلسطيني يدهشنا بالرجال البواسل الذين يثأرون للإسلام والمسلمين، وينكأون جراح يهود، ويبثون في نفوسهم الرعب ويزجرونهم عن التمادي في إبداء المسلمين في فلسطين..

“معركة جنين” عام 2002م

جنين مدينة فلسطينية تبعد عن القدس الشريف 75 كيلومترًا فقط، وقد شهدت هذه المدينة ومخيمها -كشأن عامة المدن الفلسطينية- الكثير من الهجمات اليهودية الهمجية المسلحة، وخاصة عام 2002م حيث اجتاحت القوات اليهودية جنين وحاصرتها فيما عرف بـــ “معركة جنين”، مما أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 52 فلسطينيًّا ومقتل 23 جنديًّا يهوديًّا، وقد استمرت تلك العملية 10 أيام وأسفرت عن تدمير 150 بناية، في حين أصبح كثير من المباني الأخرى غير صالح للعيش فيه، وأصبحت حوالي 435 عائلة بلا مأوى حسب تقارير الأمم المتحدة.

جنين 2023م والمزيد من الإيغال في دمائنا 

وتتكرر الهمجية الغاشمة؛ فلم يكد يهنأ المسلمون بعيد الأضحى حتى شن جيش اليهود عدوانًا عسكريًّا همجيًّا جديدًا على مدينة جنين الفلسطينية ومخيمها جوًّا وبرًّا، وقامت طائرات اليهود -المروحيَّة والـمُسيَّرة- بتنفيذ مئات الغارات المدمرة، إضافة إلى انتشار آلاف الجنود اليهود ومئات الدبابات والآليات والجرافات والقناصة، واقتُحمت خلالها المستشفيات وأُطلق فيها الرصاص الحي، وفُصل الأطفال عن أهاليهم، ورُوِّعوا بالكلاب البوليسية، وهُدمت البيوت، وغير ذلك من جرائم الحرب، مما تسبب في ارتقاء اثني عشر شهيدًا، ومئة جريح عشرون منهم في حالة خطيرة، ودمار واسع.

وفي المقابل؛ مقتل جندي صهيوني، وعطب عدد من الآليات، وإفشال الاجتياح وإرغامه على الانسحاب.

وبحسب المتحدث باسم جيش الاحتلال الهمجي فإن تنفيذ العملية سيستغرق الوقت الذي تحتاجه للانتهاء من المهمة بهدف إحباط القدرات لتنفيذ عمليات، منوِّهًا إلى أنه خرج خلال العامين الماضين من جنين نحو 50 عملية ضد المستوطنين والجنود اليهود.

انعقاد “الغرفة المشتركة” لفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة

وقد أعلنت “الغرفة المشتركة” لفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، أنها في “حالة انعقاد دائم لمتابعة العدوان الهمجي على جنين”، وأن “المقاومة في كل الساحات لن تسمح للعدو بالتغول على أهلنا في جنين أو الاستفراد بهم”.

ودعت الغرفة كل “فصائل المقاومة في جنين ومخيمها للتكاتف وخوض المواجهة بشكل موحد”.

وأكدت أن “استمرار العدوان على جنين وسلوك الاحتلال هو ما سيحدد طبيعة رد المقاومة”، ودعت “أبناء شعبنا في كل مدننا وقرانا ومخيماتنا خاصة حول جنين لتفعيل المواجهة مع الاحتلال ومساندة جنين وتلقين العدو دروسًا قاسية ردًّا على عدوانه”، كما أنها دعت “المقاومين في كل الساحات للاستعداد للرد على العدوان حال قرر الاحتلال مواصلة جريمته والتمادي في عدوانه”.

ومن تداعيات الحرب في جنين -أيضًا-:

ما صرح به الجيش اليهودي من مغادرة ما بين 1500 إلى 3000 فلسطيني مخيم جنين واعتقال 120 منذ بدء العملية…

بينما صرح رئيس بلدية جنين نضال العبيدي للأناضول:

تهجير 4 آلاف فلسطيني من المخيم فيما يتواصل حصار 13 ألفًا آخرين هناك دون ماء ولا غذاء ولا كهرباء…

وصرح عدو الله تعالى بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اليهود:

لن يكون هناك ملجأ للمسلحين لا في غزة ولا في جنين ولا في سوريا ولا في إيران، كل من يخطط لإيذائنا دمه مهدور.

وردت المقاومة بعملية دهس وطعن في تل أبيب، تبنَّتها حماس؛ أسفرت عن سبع إصابات ثلاث منها خطيرة؛ ردًّا على جرائم الحرب في جنين..

خذلان الحكام العرب وإدانتهم على استحياء

إن هذا التصعيد اليهودي يعتبر الأعنف على الإطلاق ضد أهالي مدينة جنين، وما زال حكام المسلمين ملتزمين بالإدانة والشجب دون أية تحرك عملي لإغاثة المستضعفين في الواقع على الأرض، وهذا أمر لا جديد فيه.

وقد أعلنت كافة المدن الفلسطينية الإضراب غضبًا للهجوم على جنين.

وهكذا تحول كثير من المسلمين إلى جزر منفصلة لا يحملون سلاحًا إلا إذا استُهدفوا بأعيانهم، وإنا لله وإنا إليه راجعون..

حرمة: التعاون مع العدو، وتسليم المسلم لعدوه، والقعود عن نصرة المسلمين..

إن ما يجري في جنين من عدوان يهودي غاشم على أهلنا وإخواننا المسلمين يوجب على كل قادر من المسلمين أن ينصرهم، ومن ينصر إخوانه المظلومين المستضعفين ينصره الله عزَّ وجلَّ؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد:7].

يقول السعدي: هذا أمر منه تعالى للمؤمنين، أن ينصروا الله بالقيام بدينه، والدعوة إليه، وجهاد أعدائه، والقصد بذلك وجه الله، فإنهم إذا فعلوا ذلك، نصرهم الله وثبت أقدامهم، أي: يربط على قلوبهم بالصبر والطمأنينة والثبات، ويصبر أجسامهم على ذلك، ويعينهم على أعدائهم، فهذا وعد من كريم صادق الوعد، أن الذي ينصره بالأقوال والأفعال سينصره مولاه، وييسر له أسباب النصر، من الثبات وغيره1(1) [تيسير الكريم الرحمن صـ(785)]..

وكيف للمسلم أن يخذل أخاه، ويسلمه للعدو والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»2(2) [رواه مسلم (2586) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنـه]..

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلمه..»3(3) [رواه البخاري (2442) ومسلم (2580)]..

قال الحافظ حجر: وقوله: «ولا يُسْلمه» أي: لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه بل ينصره ويدفع عنه..4(4) [فتح الباري (5/97)]..

والواقع الأليم أن اليهود والنصارى نجحوا في تفتيت المسلمين حتى وصلوا إلى درجة أن يُسلم بعضهم بعضًا، ويخذل بعضهم بعضًا، بل وصل بعضهم إلى درجة استنكار نصرة غير أهل بلده، ويصفون من يفكر في ذلك بالإرهاب والتطرف وغير ذلك من الألقاب المستحدثة للتنفير عن الحق وأهله.

إن من واجبات المسلمين -الـمَنسيَّة- اليوم:

القيام بحق الأخوة الإسلامية والتذكير الدائم بها؛ قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ…﴾ [الحجرات:10].

قال السعدي: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ هذا عقد عقده الله بين المؤمنين، أنه إذا وجد من أي شخص كان في مشرق الأرض ومغربها: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فإنه أخ للمؤمنين، أخوة توجب أن يحب له المؤمنون ما يحبون لأنفسهم، ويكرهون له ما يكرهون لأنفسهم..5(5) [تيسير الكريم الرحمن صـ(800)]..

الهلاك في ترك الجهاد

فندعو عموم المسلمين -وقياداتهم خاصة- إلى استشعار المسؤولية العظيمة التي عليهم للدفاع عن المستضعفين في جنين، وتحرير والدفاع عن عموم الأراضي الإسلامية المنتهكة -وخاصة فلسطين والمسجد الأقصى- من بين أيدي المعتدين من اليهود -وغيرهم-، ولن يتحقق لهم ذلك إلا بالرجوع لدينهم؛ عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم»6(6) [رواه أبو داود (3464) وغيره، وصححه الألباني]..

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي -في شرحه لهذا الحديث-: فأكمل حالات المؤمن أن يكون اشتغاله بطاعة الله والجهاد في سبيله، والدعوة إلى طاعته لا يطلب بذلك الدنيا..7(7) [الحكم الجديرة بالإذاعة صـ(14)]..

رسالة لمجرمي اليهود

لا تظنوا أن دماء شهداءنا تمر هكذا سدى وينتهي ذكرها؛ بل هي وقود القلوب والنفوس لمتابعة الطريق؛ طريق جهادنا المقدس ضدكم أيها الخونة المعتدون، وأنتم توقنون جيدًا صدق نبينا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم وصدق نبوته، وتعلمون جيدًا قول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «تقاتلكم اليهود فتُسَلَّطون عليهم حتى يقول الحجر: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله»8(8) [رواه البخاري (3593) ومسلم 2921) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهمـا]..

وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود»9(9) [رواه مسلم (2922) من حديث أبي هريرة رضي الله عنـه]..

فهذا موعدنا معكم أيها اليهود وهو آت يقينًا لا محالة، وسنتمكن من رقابكم ونعاقبكم جراء إفسادكم في الأرض وانتهاك حرمات المسلمين وقتلهم وتشريدهم، وقتلانا في الجنة فرحين منعمين، والدنيا لا تساوي عندهم شيئًا، وقتلاكم في النار.

اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، واخذل اللهم اليهود وأعداء الإسلام جميعًا.

الهوامش

(1) [تيسير الكريم الرحمن صـ(785)].

(2) [رواه مسلم (2586) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنـه].

(3) [رواه البخاري (2442) ومسلم (2580)].

(4) [فتح الباري (5/97)].

(5) [تيسير الكريم الرحمن صـ(800)].

(6) [رواه أبو داود (3464) وغيره، وصححه الألباني].

(7) [الحكم الجديرة بالإذاعة صـ(14)].

(8) [رواه البخاري (3593) ومسلم 2921) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهمـا].

(9) [رواه مسلم (2922) من حديث أبي هريرة رضي الله عنـه].

اقرأ أيضا

الجهاد مستمر في فلسطين

مهانة الترتيبات الأمنية مع المحتل .. ومنظور شرعي

المنافقون في فلسطين وحكمهم

المقدمات قبل استرجاع القدس

الاضطراب العقدي والسياسي .. وضياع الطريق إلى القدس

التعليقات غير متاحة