في استجابة طرفي النزاع في ليبيا لتوجيهات الغرب، وتحرير موانيء النفط لصالحه، وجعلها مناطق منزوعة السلاح؛ ثمة تساؤلات عن اتجاه جهود الثوار؛ من يقودها ومن يجني ثمارها..؟
الخبر
“أعلنت حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، المعترف بها دوليا ومقرها طرابلس، يوم الجمعة وقف إطلاق النار كما ناشد رئيس البرلمان في الشرق أيضا بوقف الأعمال القتالية في البلاد.
وعبّرت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة في ليبيا “ستيفاني وليامز” عن ترحيبها اليوم الجمعة بقرارَي وقف إطلاق النار الصادرين في بيانين عن رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، ورئيس مجلس النواب شرقي ليبيا عقيلة صالح.
وجاء في البيان الصادر عن فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الجمعة: “انطلاقا من مسؤوليته السياسية والوطنية، وما يفرضه الوضع الحالي الذي تمر به البلاد والمنطقة وظروف الجائحة، يصدر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني تعليماته لجميع القوات العسكرية بالوقف الفوري لإطلاق النار وكافة العمليات القتالية في كل الأراضي الليبية”.
كما أكد عقيله صالح في بيانه اليوم: “نسعى لتجاوز وطي صفحة الصراع والاقتتال، وسيتم استئناف إنتاج النفط وتجميد إيراداته في حساب خارجي للمصرف الليبي”.
ودعت “وليامز” إلى التطبيق الفوري لدعوة الطرفين “لفك الحصار عن إنتاج وتصدير النفط وتطبيق الإرشادات المالية التي ذُكرت في البيانين”. كما أكدت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا أن الاستمرار في حرمان الشعب الليبي من ثرواته النفطية يعتبر “ضربا من التعنت غير المقبول محلياً ودولياً”. (1موقع رويترز: حكومة الوفاق في طرابلس وبرلمان شرق ليبيا يتخذان خطوات لوقف إطلاق النار
موقع BBC”: إعلان وقف فوري لإطلاق النار في ليبيا وتعليق العمليات العسكرية)
التعليق
حقيقة الخبر أنه توافق بين شرق ليبيا وغربها على وقف إطلاق النار، وعلى استئناف تصدير النفط؛ فهل هو في مصلحة الشعب المسلم في ليبيا أم لمصلحة أوروبا التي يقوم اقتصادها على النفط الليبي..؟
والصراع في ليبيا ليس محليا بين الطرفين بل هو صراع دولي توجد به روسيا وأوروبا وأمريكا. مع الأطراف الإقليمية المتلاعبة كمصر والسعودية والإمارات، وأطراف أخرى كتركيا. والقرار في القتال والهدنة هو نتاج توازنات غربية واتفاقات سياسية خارجية.
وفي تجاوب الطرفين مع الطلب دلالة مهمة نوضحها في هذا السياق..
السؤال الكبير: أين تصب الجهود؟
إننا نريد أن نوضح لإخواننا ولشعوبنا وللمجاهدين عموما، أهمية النظر الى السؤال الكبير؛ أين تصب مجهوداتهم..؟ وفي مصلحة من..؟
فالعدو الذي يمد الطرفين بالسلاح، وإن كان يميل الى كفة حفتر كطاغية مستبد علماني متصهين؛ لكن لا يخلو السياق العام من خضوع الطرفين للأطراف الدولية التي تعبث في ليبيا وتتلاعب بأهلها.
فالعدو وجد أن ثمة خسائر يتحملها من توقف تصدير النفط، ثم توافقت الدول الغربية على القسمة؛ ومن ثم أمرت الطرفين بالتوقف عن القتال؛ فتوقفا. ثم أمرتهما بترك التعرض لمنشآت النفط فتركتها، ثم أمرتهما بأن تكون هذه المناطق ـ محل التنافس الغربي والنزاع الأوروبي الأمريكي الروسي ـ مناطق منزوعة السلاح؛ ففعل الطرفان. وتوقفا. وقد يكون هذا تمهيدا لتقسيم ليبيا بحيث يكون هذا السيناريو هو الأقرب الآن. وإن كان هناك من يفسر الاتفاق تفسيرا ورديا في مصلحة الثورة والليبيين؛ لكن كيف نثق في هذا ونهاية الحبال في يد العدو الصليبي التاريخي..؟!
الليبيون بشقيهما يخضعان ويذعنان، ويعلن الثوار وغيرهم أنهم لا يملكون غير ذلك.
هنا تتساءل عن دور الثوار والمجاهدين وغيرهم؛ فينكشف لك المشهد عن أنهم تروس في عجلة، وأنهم أحد المكونات وليست لهم هيمنة ولا سيطرة على اتجاه الأحداث والنتائج، وأنهم لا يملكون دفة القيادة ولا يحسمون التوجه. وهنا الخطورة. ولهذا يجب أن يكون النظر الى السياق الدولي وسياق الجهد ومعرفة مراكز السيطرة وتحديد دور المجاهدين، ومعرفة في أي اتجاه يجاهدون ويبذلون الجهد والدم والتضحية..
نعم قد يكون هدف المجاهدين في سياق سياسي واضح ولهم فيه الكلمة العليا تحقيق إقامة الدين ـ وهو الهدف الذي نصبو اليه جميعا ـ وفي سياق آخر قد يكون هدفهم دفع الصيال على الدين والدماء والأموال والأعراض، أو منع سيناريو أسوأ مما هم عليه بفتنة طغيان جديد؛ فهذا ممكن لكن عن وعي وعن بينة.. لكن أن يكونوا مجرد أدوات بيد غيرهم يطلقهم متى شاء، ويوقفهم متى شاء؛ وفي الحالين يجني الصهيو صليبي الثمرة؛ فهذه الخديعة والإهانة وتضييع الجهد يجب أن يتوقف، ويجب ألا يسمح المسلمون لأحد بالتلاعب بهم أو العبث بدمائهم وجهدهم.
فالجهاد يحتاج الى استعمال الكثير من السياسة الشرعية، ويحتاج أن يستيقظ المسلمون فلا يكون جهدهم في جيب غيرهم، ولا أن يقطف ثمرةَ جهدهم عدوٌ قابع يرقب المشهد، ويحدد اتجاه السلاح؛ ثم يتدخل في الوقت المناسب فيجني الثمرة من الطرفين، ويكون الشعب المسلم ضحية، ويصبح المجاهدون تاريخا..!
إنها القصة المكررة؛ يبذل المسلمون الجهد في الجزائر لمواجهة الاستعمار ثم يجني الثمرةَ العلمانيون القوميون الفرانكوفونيون، ويجاهد المسلمون في إندونيسيا ثم يجني الثمرة شيوعيون..! ويبذل المسلمون الجهد في مصر ثم يأتي الطاغية عبد الناصر سابقا والطاغية السيسي حاليا فيجنون الثمرة، ويبذل المسلمون الجهد في الجزيرة العربية ثم يقطف الثمرة خونةٌ عملاء للإنجليز ثم للأمريكيين.. وهكذا نخشى أن يبذل ثوار ليبيا ومجاهدوها اليوم الجهد لكن القيادة لغيرهم، فتكون الثمرة لآخرين يئدون المجاهدين ويستأصلونهم؛ ثم يحتلون الشعوب ويذلّونها في دورة جديدة. نسأل الله أن يجنبهم هذا المأزق.
خاتمة
إن دلالة انصياع الطرفين لرغبة الغربي النصراني، على عجل وبدون مقاومة أو مناكفة يطرح تساؤلات كثيرة، ويستلزم التوقف أمامه طويلا، ويستلزم اليقظة والحذر ، وينذر المجاهدين عن اتجاه الجهد وعن اتجاه مصب النهر..
إن القراءة السياسية للمشهد قبل بذل الجهد وبعده أمر محوري وفارق للمسلمين.
دبَّر الله للمسلمين أمرهم، وأرشدَهم الى السداد. اللهم اجعل لنا من لدنك وليا، واجعل لنا من لدنك نصيرا.
……………………………..