ثمة إخفاق متكرر، قد وقعت فيه شعوبنا، أنه دائما ما يحصد العلمانيون والليبراليون مجهود الإسلامين والثوار في فلسطين ومصر وباكستان وغيرها.. والآن في ليبيا.

الخبر

لا زالت أصداء زيارة السياسي اليهودي الفرنسي، “برنارد ليفي” إلى الغرب الليبي تشعل حالة من الجدل والرفض في الأوساط الليبية، بالرغم من نفي جل الأطراف الرسمية التابعة للحكومة المعترف بها دوليا علمها بالزيارة.

ولم يعرف حتى الآن الجهة التي سمحت له بذلك، في حين طالب رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري بفتح تحقيق في زيارة ليفي والجهة الداعية لها، مستنكرا هذه الزيارة، في ظل الموقف الفرنسي الداعم للواء المتقاعد خليفة حفتر.

لكن ليفي نشر في تغريدة على تويتر صورة له وهو محاط بعشرات الرجال المسلحين والمقنعين الذين كانوا يرتدون الزي العسكري، مؤكدا أنه في ترهونة.

ويُعدّ ليفي شخصية غير مرغوب فيها لكثير من الليبيين، ولا سيما بسبب دعوته إلى تدخل دولي في 2011. وعُرف بانحيازه للاحتلال الإسرائيلي، كما اشتهر باهتمامه بثورات الربيع العربي حتى قال عنه خبراء ومحللون إنه يحاول ركوب موجة هذه الثورات والاستفادة منها بكل السبل. عُرف بتعصبه القوي للاحتلال الإسرائيلي، فقد رفض وصف حروبها على الفلسطينيين خصوصا بغزة بـ “الإبادة”، بل إنه وصف جيش الاحتلال بأنه الأكثر أخلاقية.

يعد ليفي من أبرز الموقعين على بيان عام 2006 بعنوان: “معا لمواجهة الشمولية الجديدة”، ردا على المظاهرات الشعبية التي اجتاحت العالم الإسلامي احتجاجا على الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم والتي نشرتها آنذاك صحيفة دانماركية”. (1موقع “عربي 21″، على الرابط:
ماذا تعرف عن برنارد ليفي الذي أثار جدلا بزيارته لليبيا؟
)

التعليق

يجب الالتفات في هذا الخبر الى أمرين لهما أهمية خاصة في مصادمات الشعوب وثوراتها وتطلعاتها للعودة الى دينها وهويتها وذاتها المفقودة..

الأول: تمكن الأجهزة الأمنية والمخابراتية

رسالة الأحداث واضحة ومكررة.. فالجماهير تقوم بالثورة، والناس تفرح لما يبدو أنه نصر عاجل “متوهَم”، لكن غيرهم من الشياطين التي زرعها العدو الصليبي، من الأجهزة الأمنية التي تقود الإعلام والقضاء والأحزاب وسائر مؤسسات البلاد وكثيرا من السياسيين، يُغرق المشهد في البلاد بالتفاصيل المربكة، ويفتعل الأزمات المتلاحقة؛ ويقود المشهد من خلال أزمات مفتعلة وتفاصيل تؤزّم الموقف، فيربك المشهد ويقلب الصورة ويصل الى ما يريد من خلال إجهاد الجماهير والنخبة فيجهض الثورات ويسرق الجهود؛ فيعود الناس الى “الحظيرة”، حظيرة الطاعة، والانقياد لمجرم مستبد جديد أكثر شراسة ممن قبله، يستدرك أخطاء مَن قبله؛ لا فيما أغضب الناس من فساد وانحلال وعمالة وتضييع للدين والدنيا، بل فيما تساهل فيه مع الناس ..! فيكون أشد دموية وأكثر بطشا فيسجن ويقتل فترتفع شخصيته بين العبيد الذين يحترمون الطاغية..!

كيف هذا..؟ إنها التفاصيل التالية للثورات؛ فالناس، والنخبة الضعيفة ـ ولو صادقة ـ تخفق في التفاصيل ويتم خداعها؛ والنخبة العميلة ـ وهي كثير ويتصدرون المشهد..! ـ يخونون ويتم استقطابهم؛ والنتيجة واحدة.
وهذه التفاصيل بدورها هي عمل الأجهزة الأمنية التي تربَّت على يد العدو الصليبي وتشربت روحه وعداءه للإسلام وللأمة، وتبنَّت نظرته الدونية للأمة وللناس، وأجادت احتراف استخدام أساليبه في إلهاء الناس وإرهاقهم بتفاصيل وأخبار مكذوبة، ثم يتسللون كالأفاعي فيصِلون الى ما يريدون. ولهذا نحذّر كثيرا من النخبة التي تتصدر المشهد..

فأن تقفز على السلطة نخبة علمانية أيا كان اتجاهها يسارية أو يمينية ملحدة ـ لا فرق ـ فهذه كلها مجافية للدين وللهوية، سريعة الخيانة قصيرة الأنفاس، ملفاتها القذرة كثيرة، سريعة الوقوع في قبضة العدو، سريعة التلون والتنكر لمبادئها ولكلامها نفسه.. إنهم أقرب ما يكونون الى وصف ربنا تعالى في الجبناء سليطي اللسان الموصوفين في قوله تعالى ﴿أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ﴾ (الأحزاب: 19) وهم دائما أدوات للأجهزة المختلفة في إرباك المشهد حتى تسقط البلاد ثانية ـ طواعية أو قهرا ـ في حجر المؤسسات الأمنية العميقة الموالية للغرب والفساد.

وعلى هذا فلو كانت النخبة إسلامية ومؤمنة؛ لكنها ليست بالكفاءة والحصافة التي تفوز فيها في التفاصيل وتتجنب الوقوع في الأخطا والفخاخ المنصوبة لهم، فإنها لن تنجح ولن تفلح، وستتورط الأمة بفعل مكر الأجهزة القذرة ولكن سيكون إثم الإخفاق في نظر الناس لاحقا بالنخبة الاسلامية المتصدرة ولو اسميا؛ فالناس لا تعرف غيرهم ولا ترى في المشهد سواهم..! وحينئذ يتقدم الفجار الأشرار بمرشحهم الذئب فيفوز ويؤيده الناس ويرضون منه بالدماء والضحايا من أجل أن يوفر لهم أمنا موهوما؛ لأنهم هم من خلقوا الفوضى المصنوعة والمشهد المرتبك ثم هم من يفضّونه بعد أن يستولوا على السلطة..! خطة شيطانية لكنها تفلح مع جماهيرنا للأسف..!

ليست المشكلة في ثورة الأمة أن تنتصر في موجتها المندفعة الأولى؛ بل في النجاح فيما يعقبها من التفاصيل؛ ففيها الهزيمة، وقد كانت مرارا.

الثاني: استباحة الدول الكافرة لبلادنا

ثمة أمر آخر يدل عليه الخبر أعلاه، وهو أن بلاد المسلمين مستباحة الى الحد الذي تستباح فيه المناطق التي يسيطر عليها الثوار في ليبيا وتحكمها حكومة الوفاق ويساعدهم فيها الأتراك..!

بل والى الحد الذي يجد هذا العقرب اليهودي قوات خاصة تحرسه، وفي هذا دلالة وإشارة الى قوى سياسية أذِنت له..!

بل والى الحد الذي يتساءل فيه رئيس المجلس الرئاسي عمن أذن له بالدخول..!

إنها مهزلة؛ تدل على أن ادّعاء السيطرة قد لا يكون حقيقيا، وقد لا يوقف المكرات بهم، وقد لا تنفي قدرة العدو على الاختراق المخزي للبلاد، والسلس بالنسبة للعدو.

خاتمة

يجب ألا يضيّع الناس ـ وخاصةً المهتمين بأمر المسلمين ـ دلالات هذه الأخبار؛ فإهمالها اليوم يعني تماديها ويعني الخسارة غدا بل وأن تنقلب الأوضاع ثم يساق المسلمون الى مقاصل الإعدام وظلمات السجون، وتعني كذلك إخفاق الأمة في جولة تكلفهم خسارتُها عقودا عديدة من المعاناة والتراجع.

وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلك «عليك بالكَيْس». ولتحقيق هذا “الكَيْس والفطنة” هنا ثمة خبراء وبصراء بالواقع السياسي، كما أن ثمة علماء ربانيون يجب أن يقودوا الناس بدين الله؛ فالعلماء الربانيون يبصّرون الناس بدينهم، وخبراء السياسة يبصرونهم بواقعهم وبالمكر العالمي الصليبي والصهيوني؛ فيتجنبون الإخفاق ويتجنبون التنازل على حساب العقيدة ويعرفون حدود المواءمة والسياسة الشرعية المشروعة وحدود المداهنة المحرمة.

والله تعالى المسؤول والمرجو أن ييسر للمسلمين أمرهم ويبصرهم ويرشدهم.

……………………………..

هوامش:

  1. موقع “عربي 21″، على الرابط:
    ماذا تعرف عن برنارد ليفي الذي أثار جدلا بزيارته لليبيا؟

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة