إن الجهاد في غزة والضفة هو جهاد دفاع وليس جهاد طلب. والأعداء يريدون من حماس أن تكون داجنا كسائر الدواجن التي تحكم بلاد المسلمين…فهل يجوز أن تسلم المقاومة سلاحها؟!
تسليم المقاومة لسلاحها من جنس الانتحار
قال تعالى {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].
تسليم المقاومة لسلاحها هو تعجل منها بالإجهاز على نفسها على أبشع الطرق وهو من جنس الانتحار، لأن الانهزام في وسط الطريق أو آخره ليس كالانهزام في بدايته. فالمنهزم في البدايات لم يزد على مفسدة الانهزام بخلاف من قطع أشواطا في المقاومة ثم انهزم فإن هذا سيء الآثار عظيم المآلات لأنه يأتي بعد معركة كسر العظم التي يبذل فيها كل المستطاع.
فليس تسليم السلاح في هذه الحالة من جنس الاستئسار حتى يقال إن الشريعة رخصت فيه بل هو انهيار لمشروع تحرير الأقصى والقبول بالخضوع للمشروع الصهيوني الكبير: (من النيل إلى الفرات).
وفرق كبير بين أن يستأسر أفراد وبين أن تستأسر دولة أو تنظيم مقاوم فإن هذه من جنس التولي عن جهاد الدفع الذي يتعين على من شهد الواقعة.
قال شيخ الإسلام: (إذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة، وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم … وقتال الدفع مثل أن يكون العدو كثيرا لا طاقة للمسلمين به لكن يخاف إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من يخلفون من المسلمين فهنا … يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع حتى يسلموا ونظيرها أن يهجم العدو على بلاد المسلمين وتكون المقاتلة أقل من النصف فإن انصرفوا استولوا على الحريم فهذا وأمثاله قتال دفع لا قتال طلب لا يجوز الانصراف فيه بحال ووقعة أحد من هذا الباب)1(1) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 539)..
ولا هو من باب الفرار من العدو تحرفا لقتال أو تحيزا إلى فئة. فإن الجهاد في غزة والضفة هو جهاد دفاع وليس جهاد طلب. والأعداء يريدون من حماس أن تكون داجنا كسائر الدواجن التي تحكم بلاد المسلمين.
ولا هو من باب الصلح والهدنة لأن الصلح لا بد أن يوافق المقاصد والأحكام وألا يجر على الأمة مفسدة أعظم منه لذلك نصوا على أن نظر الإمام منوط بالمصلحة فكل صلح يجر المفاسد الدينية والدنيوية على المسلمين فلا يعتد به شرعا وعلى هذا لا يعتد بصلح كامب ديفيد على تقدير أن من أبرمه حاكم شرعي لأنه صلح دائم تبطل بمقتصاه فريضة الجهاد التي هي الدرع الحصينة التي تحمي الأمة.
تسليمها لسلاحها يدل على أنها تشك في نجاعة منهاجها وهي التي ما قام سوقها إلا لأجل نصرة الإسلام وقد أبان ذلك شعارها المعروف: دائرة خضراء اللون في أعلاها مصحف وتحته سيفان متعانقان وتحتهما عبارة “وأعدّوا”.
تسليمها لسلاحها معناه أنها تولت بعد زحف كبير وهذا يفقدها رصيدا جمعته عبر مسيرة نضالية كبيرة وتضحيات جسيمة ويفقدها ثقة جماهير الأمة وأحرارها الذين علقوا عليها آمالا ونظروا إليها على أنها المنقذ الذي طال انتظاره والبديل الشرعي عن الأنظمة الوضعية في حالة شغور الزمان عن قوام بأمر الإسلام.
تسليمها لسلاحها هو خيانة للأمة الإسلامية وخيانة للرعيل الذي قضى نحبه وللمنهج الجهادي الذي رسم خطوطه الكبرى الشيخ فقيه الدعوة حسن البنا رحمه الله تعالى: (الله غايتنا والرسول قدوتنا والقرآن دستورنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا).
تسليمها لسلاحها يقذف اليأس في نفوس العاملين للإسلام ممن يأتي بعدهم ويصيرهم مجرد قطعان مدجنة ولا شك أنهم سيعتاضون عن المنهج الكامل المبارك بمناهج قوم نسوا حظا مما ذكروا به كمنهج الاكتفاء بالجانب العلمي أو الروحي بل ويزرع الشك في حقائق الدين التي قررت وأكدت أن جذوة الجهاد لن تنطفئ وأنه لا يزال ربك ينشئ لهذا الدين من يقوم به. وعند أبي داود بسند صحيح: (لا تَزالُ طائفةٌ من أُمَّتي يقاتِلونَ على الحقِّ ، ظاهِرِينَ على مَن ناوَأَهُمْ ، حتى يقاتِلَ آخِرُهم المسيحَ الدجالَ).
تسليمها لسلاحها سيعصف بكيان الجماعة برمته في كل البلاد الإسلامية وهو عين ما تريده الأنظمة قبل أن يريده الكيان الصهيوني وقد صرح قادة الكيان أنهم لا يخشون الجيوش العربية مجتمعة وإنما يخشون جماعة الإخوان. ولا يخفى أن اندثار هذه الحركة هو اندثار لفصيل كبير وجماعة عريقة في مغالبة الجاهلية. وهذه حقيقة لا ينكرها إلا مكابر.
وللأسف الشديد فقد شاركت طوائف من الأمة في اندثار من يدافع عنها ويحمي بيضتها ونعتته بعين ما نعتته الصليبية الصهيونية حتى إذا اضطرت إلى أن يدفع عنها لم تجده لأنها قد ساهمت في وأده.
سيذكرني قومي إذا جد جدهم …
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر …
الإسلام كتاب يهدي وسيف ينصر
تسليمها لسلاحها وما يعقبه من مفاسد هو أعظم بكثير مما يصيبها عند الثبات والتشبث بالسلاح لأن الصبر على المصيبة هو دون الجزع عندها في المآلات والآثار.
فالسلاح هو اللغة العالمية الوحيدة التي تسترد به الحقوق أو تسلب. فيستعملها المظلوم لاسترجاع حقوقه ويستعملها الظالم للسيطرة على الدول والشعوب.
وما من فكرة حق وعدل أو باطل وظلم ظهرت وتمكنت إلا كان ذلك بقوة السلاح. وحتى الإسلام لو لم يمتلك قوة تحميه وسلاحا يدفع به عن نفسه لوئد في مكة. لذلك كان السيف فيه قرين الكتاب. فالإسلام كتاب يهدي وسيف ينصر. وزوال سيف الإسلام بسقوط خلافته أورث هذا الهوان الذي نعيشه اليوم.
قال الله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحديد:25].
قال شيخ الإسلام ما ملخصه: (فَذكر تَعَالَى أَنه أنزل الْكتاب وَالْمِيزَان وَأَنه أنزل الْحَدِيد لأجل الْقيام بِالْقِسْطِ وليعلم الله من ينصره وَرُسُله وَلِهَذَا كَانَ قوام الدّين بِكِتَاب يهدي وَسيف ينصر وَكفى بِرَبِّك هاديا ونصيرا. فالدين الحق لا بد فيه من الكتاب الهادي والسيف الناصر. فالكتاب يبين ما أمر الله به وما نهى عنه، والسيف ينصر ذلك ويؤيده)2(2) مجموع فتاوى ابن تيمية (ج12/10)..
فالقرآن والسلطان. والدين والدولة كلها عبارات تؤدي نفس معنى الكتاب الهادي والسيف الناصر.
قيمتك من قوة سلاحك
وأيضا فإنه لا يعرف تنظيم ولا دولة سلم سلاحه إلا كانت عاقبة أمره خسرا. فقيمتك من قوة سلاحك فالناس مع صاحب أغلظ عصا . فمن امتلك أسلحة الدمار الشامل كان رأيه مطاعا وقوله مسموعا.
لذلك ترى الغرب الصليبي كالدولة الفرنسية ونحوها تسلح الكيانات التابعة لها في مستعمراتها القديمة لأنه تسعى بكل السبل إلى المحافظة على مصالحها في تلك المستعمرات من خلال تمكين عملائها من التحكم في مفاصل الدولة كالمال والإعلام والإدارة والجغرافيا والوزارات السيادية ولكن يبقى الخيار الواقعي الأهم هو تسليح الكيانات التابعة لها لأنها تدرك أن الشعوب المسلمة ستستيقظ يوما ما، وتثور ولن يوقف عزمها على التحرر إلا قهرها بقوة السلاح. وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون.
الهوامش
(1) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 539).
(2) مجموع فتاوى ابن تيمية (ج12/10).
المصدر
صفحة الدكتور سليم سرار على منصة ميتا.
اقرأ أيضا
لماذا لا تقبل المقاومة بإلقاء السلاح؟..
سَلامٌ بلا خُيولٍ ، أيُّ ذُلِّ؟!