كم يخسر الإنسان طريق ربه بالاستجابة لوطأة شهوة على نفسه، فكم ممن لا يَلتفت لدينه من أجلها، وكم ممن يعرف الحق ويحيد عنه بسببها فيغوى. فيخسر بها خلدا لا ينتهي.

مقدمة

السقوط بسبب شهوات الدنيا قسمة ضيزى ظالمة، لا يرضاها عاقل لنفسه، ولا يرضاها مؤمن لإخوانه، ولا يرضاها مصلحٌ للبشرية، ذلك لأن الله تعالى لا يرضاها لعباده؛ فقد دعا عباده الى دار السلام والى ما عنده في الآخرة محذرا إياهم إيثار العاجلة مهما تزخرفت للناس ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ (الأعلى: 16-19)

وأحد الدوافع لإيثار ما عند الله تعالى “تصوّر” ما عنده والعلم به وتقريبه للأذهان والقلوب؛ لعل امرأً يرغب الى ما هنالك ويرتبط به قلبه فيُصلح الحال ويستقيم راجيا لقاء الله؛ و ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (العنكبوت: 5)

ولهذا نذكر هنا بعض تفصيل ما أعده الله تعالى لأوليائه مما هو بديل عن شهوات الدنيا في مجال النساء لما تضغط به الجاهلية العالمية هذه الأيام على الناس وخاصة المسلمين وخاصة الشباب منهم في هذا المجال حتى بدت شوارعنا ومؤسساتنا، ووسائل الإعلام غارقة فيما حرم الله تعلى من مظاهر وعلاقات. والله العاصم

البديل الأخروي

ومقصود به النظر إلى نفس جنس ما نهاك عن قرب بعض أنواعه في الدنيا؛ فكما يرتدع العبد بما يخاف من عقوبة الله تعالى فهو أيضا يشتاق الى ما أعده، وهكذا يجب أن يكون بين الخوف والرجاء

وهذا تفصيل لبعض ما أعده الله تعالى في الجنة من نفس جنس ما يترك من أجل الله تعالى:

اللؤلؤ المكنون

يقول تعالى: ﴿وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ﴾ [الواقعة: 22 – 23]، قال السعدي رحمه الله :

” أي: ولهم حور عين، والحوراء: التي في عينها كحل وملاحة، وحسن وبهاء. والعِين: حسان الأعين وضِخامها، وحُسْن العين في الأنثى من أعظم الأدلة على حسنها وجمالها .

﴿كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ﴾ أي: كأنهن اللؤلؤ الأبيض الرطب الصافي البهي، المستور عن الأعين والريح والشمس، الذي يكون لونه من أحسن الألوان، الذي لا عيب فيه بوجه من الوجوه؛ فكذلك الحور العين، لا عيب فيهن بوجه، بل هن كاملات الأوصاف، جميلات النعوت. فكل ما تأملته منها لم تجد فيه إلا ما يسُرُّ الخاطر ويروق الناظر”. (1“تفسير السعدي” (ص 991))

المتحببات الى الأزواج

يقول تعالى: ﴿وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً * لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ [الواقعة: 34 – 38].

يقول ابن القيم، حمه الله:

“وذكر المفسرون في تفسير “العُرُب” أنهن العواشق المتحببات الغنجات الشكلات المتعشقات الغلمات المغنوجات، كل ذلك من ألفاظهم، وقال البخاري في صحيحه: عُربًا مثقلة، واحدُها عَروب مثل صبور وصبر وتسميها أهل مكة: العربة، وأهل المدينة: الغنجة، وأهل العراق: الشكلة. والعُرُب المتحببات إلى أزواجهن، هكذا ذكره في كتاب “بدء الخلق”.

قلت: فجمع سبحانه بين حُسن صورتها وحُسن عشرتها، وهذا غاية ما يُطلب من النساء، وبه تكمل لذة الرجل بهن”. (2حادي الأرواح، جـ 1، ص 156)

ويقول النسفى:

“﴿فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً﴾ عذارى؛ كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكارًا، ﴿عُرُباً﴾، جمع عروب وهي المتحببة إلى زوجها الحسنة التبعّل، ﴿أَتْرَاباً﴾ مستويات في السن بنات ثلاث وثلاثين وأزواجهن كذلك”. (3تفسير النسفي، جـ 4، ص 208)

ويقول ابن كثير:

“﴿عُرُباً﴾ متحببات إلى أزواجهن بالحلاوة والظرافة والملاحة”. (4تفسير ابن كثير، جـ 4، ص 369)

وأما “الأتراب” فيقول:

“وقال مجاهد: (الأتراب) المستويات، وفي رواية عنه: الأمثال.

وقال عطية: الأقران، وقال السدي: ﴿أَتْرَاباً﴾ أي: في الأخلاق؛ المتواخيات بينهن ليس بينهن تباغض ولا تحاسد؛ يعني: لا كما كن ضرائر متعاديات.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة عن عبد الله بن الكهف عن الحسن ومحمد: ﴿عُرُباً أَتْرَاباً﴾ قالا: المستويات الأسنان يأتلفن جميعًا ويلعبن جميعًا”. (5المصدر السابق، جـ 4، ص 369)

محصونة ومصونة

﴿وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ﴾ [الصافات: 48 – 49].

يقول ابن كثير:

“قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: ﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ﴾ يقول: اللؤلؤ المكنون، وينشد هاهنا بيت أبي دهبل الشاعر وهو قوله في قصيدة له:

هي زهراء مثل لؤلؤة الغواص   …   ميزت من جوهر مكنون

وقال الحسن: ﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ﴾ يعني: محصون لم تمسه الأيدي، وقال السُدّي: البَيض في عشه مكنون، وقال سعيد بن جبير ﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ﴾ يعني: بطن البيض، وقال عطاء الخراساني: هو السحاء الذي يكون بين قشرته العليا ولباب البيضة، وقال السدي: ﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ﴾ يقول «بياض البيض حين نزع قشرته» واختاره ابن جرير لقوله ﴿مكنون﴾ قال: والقشرة العليا يمسها جناح الطير والعش وتنالها الأيدي بخلاف داخلها والله أعلم”. (6المصدر السابق، جـ 4، ص 10)

ويقول:

“وفي بعض الأحاديث: رقتهن كرقة الجلد الذي رأيت في داخل البيضة مما يلي القشر وهو الغرقىء”. (7المصدر السابق، جـ 4، ص 369)

صالحة الخلْق والخُلق

ويقول تعالى: ﴿فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن: 56 – 59].

قال الطبري رحمه الله:

“قال ابن زيد في قوله ﴿كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ﴾: كأنهن الياقوت في الصفاء، والمرجان في البياض؛ الصفاء صفاء الياقوتة، والبياض بياض اللؤلؤ”. (8“تفسير الطبري” (27 / 152))

ويقول تعالى: ﴿فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن: 70 – 75].

يقول ابن كثير:

“وقيل: خيرات جمع خيرة وهي المرأة الصالحة الحسنة الخُلُق الحسنة الوجه. قاله الجمهور، وروي مرفوعًا عن أم سلمة. وفي الحديث الآخر أن الحور العين يغنين: «نحن الخيرات الحسان خلقنا لأزواج كرام»..

ويقول:«.. قال البخاري: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد حدثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه أن رسول الله قال: «إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون مِيلاً، في كل زاوية منها أهلٌ ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمنون»، ورواه أيضًا من حديث أبي عمران به وقال «ثلاثون ميلاً»، وأخرجه مسلم من حديث أبي عمران به ولفظه: «إن للمؤمنين في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً للمؤمن فيها أهل يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضًا». (9المصدر السابق، جـ 4، ص 357)

قال ابن القيم:

“ووصفهن بأنهن خيرات حسان وهو جمع خَيْرة وأصلها خَيّرة وهي التي قد جمعت المحاسن ظاهرا وباطنا، فكمل خَلقها وخُلقها فهن خيرات الأخلاق، حسان الوجوه..

ووصفهن بالطهارة فقال: ﴿وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة:25]، طَهُرن من الحيض والبول والنجو (الغائط) وكل أذى يكون في نساء الدنيا، وطهرت بواطنهن من الغيرة وأذى الأزواج وتجنّيهن عليهم وإرادة غيرهم .

ووصفهن بأنهن ﴿مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ﴾ أي: ممنوعات من التبرج والتبذل لغير أزواجهن، بل قد قُصِرْن على أزواجهن، لا يخرجن من منازلهم، وقَصَرْنَ عليهم فلا يُرِدْن سواهم.

ووصفهن سبحانه بأنهن ﴿قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾ وهذه الصفة أكمل من الأولى، فالمرأة منهن قد قصرت طرفها على زوجها من محبتها له ورضاها به فلا يتجاوز طرفها عنه إلى غيره”. (10“روضة المحبين” ( ص343- 244 ))

هذا طرف من ذكرهن في القرآن، وقد جاء في السنة ما تحار فيه العقول في وصف جمالهن وحسنهن، ومن ذلك:

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم كأشد كوكب دري في السماء إضاءة، قلوبهم على قلب رجل واحد لا اختلاف بينهم ولا تباغض، لكل امرئ منهم زوجتان من الحور العين، يُرى مخ سوقهن من وراء العظم واللحم من الحسن». (11رواه البخاري (3081) ومسلم (2834))

2- وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحا، ولَنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها». (12رواه البخاري (2643))

فلو أطلت بوجهها لأضاءت ما بين السماء والأرض ، فأي نور وجمال في وجهها ! وطيبُ ريحها يملأ ما بين السماء والأرض ، فما أجمل ريحها..!

وأما لباسها ؛ فإن كان المنديل الذي تضعه على رأسها خير من جمال الدنيا وما فيها من متاع وروعة وطبيعة خلابة وقصور شاهقة وغير ذلك من أنواع النعيم، فسبحان خالقها ما أعظمه، وهنيئا لمن كانت له وكان لها.

خاتمة

إن الله تعالى اختبرنا بالقليل ليعطي لنا الكثير. وأمر نا تعالى بصبر جميل في مقابل خير باقٍ خالد لا ينتهي، ولا مثيل له. فليس الفائز اليوم من فجَر، بل الفائز من عف واتقى فاستقامت نفسه وسعِد قلبه، ثم جوزي يوم لقاء ربه تعالى.

يحتاج المسلمون الى التربية على المنهج الرباني وليس على المنهج الغربي، على منهج العفة لا الفجور، ومنهج طلب ما عند الله لا الإنغماس في المباءة التي تهلك أصحابها.

فاز امرؤ رأى وارعوى، والله الهادي الى صراط مستقيم.

……………………………………….

الهوامش:

  1. “تفسير السعدي ” (ص 991).
  2. حادي الأرواح، جـ 1، ص 156.
  3. تفسير النسفي، جـ 4، ص 208.
  4. تفسير ابن كثير، جـ 4، ص 369.
  5. المصدر السابق، جـ 4، ص 369.
  6. المصدر السابق، جـ 4، ص 10.
  7. المصدر السابق، جـ 4، ص 369.
  8. “تفسير الطبري” (27 / 152).
  9. المصدر السابق، جـ 4، ص 357.
  10. “روضة المحبين” ( ص343- 244 ).
  11. رواه البخاري (3081) ومسلم (2834).
  12. رواه البخاري (2643).

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة