بين نهش الروس والغرب والصفويين والعلمانيين تقع تركيا فريسة، كما تقع شعوبنا أيضا فرائس لمختلف الذئاب. ولا بدمن إيجاد حل استراتيجي للخروج من المأزق.

مقدمة

تنخرط تركيا حاليا في عملية درع الربيع وانغمست في العمليات في إدلب.

تتراوح تركيا بين نواتج جرائم النظام، وجرائم الروس، وجرائم الإيرانيين وأذنابهم. يضاف الى هذا معاداة غالب المحيط العربي خاصة دول الثورات المضادة. وهنا نلقي نظرة على المعضلة التاريخية والتي يجب إيجاد حل جذري لها بإذن الله تعالى.

المعضلة التاريخية

تبقى المعضلة التاريخية والاستراتيجية التركية أنها بين تحالفات وعداءات بين “الرافضة الصفويين الفرس” في إيران، و”الروس الأرثوذكس” في الشرق، والغرب الأوروبي الأمريكي “الكاثوليكي البروتستانتي”؛ فتركيا بين رافضة صفويين ومسيحية ـ شرقية وغربية ـ معادية تاريخية وواقعيا.

وفي جميع الأحوال كانت المعضلة هي الفراغ من القوى السنية الأخرى.

تاريخيا.. أسقط العثمانيون ـ للأسف ـ القوة السُنية المملوكية في مصر والشام، وعجزت عن الالتحام بالقوى السنية بقيادة “ظهير بابر” في الهند المسلمة؛ بسبب الحاجز الصفوي الرافضي.

كانت القوة المملوكية السُنية في مصر آنذاك تمتلك قوة كبيرة وصلت الى “إريتريا” في إفريقيا، والدفاع عن سواحل الهند الإسلامية الجنوبية بأسطول إسلامي دولي ضخم، مع سيطرتها على الحجاز والشام الى حدود السلطنة التركية، والى الغرب في الشمال الإفريقي.

قام العثمانيون بدور التمدد الواسع وعبء الدفاع مع ما وقعت فيه من خطأ في الممارسات؛ لكن بحمية إسلامية عظيمة ومخلِصة.

في المقابل تسبَّبَ هذا التمدد في الترهّل الإمبراطوري؛ وصارت الأطراف من دولة الخلافة المترامية بين “ضعف” فتقع فريسة لاحتلال العدو، أو “قوة” فتستقل عن الدولة الجامعة، أو تشعر بالضعف فتستدعي هي الكافرين ليعطوها استقلالا عن الدولة الأم وتقع في تبعيتهم عن رضا وطواعية..!

والحل الذي افتقده العثمانيون بالأمس ـ وتفتقده تركيا اليوم بعد محاولاتها للتخلص من العبء العلماني والتعصب القومي ـ هو وجود القوى السنية المتحالفة؛ عربية وغير عربية، بحيث تتعدد مراكز القوى الإسلامية ولا تتحمل نواة بعينها عبء الدفاع عن الأمة بأكملها، ولا تقع بلاد المسلمين في الضعف والتهميش والفراغ من العلم والقوة؛ وبالتالي لا تقع فريسة للجهل والمرض والضعف والتخلف ومن ثَم التبعية.

واليوم تتأرجح دولة “تركيا” الحديثة ـ بسبب مسحة من التوجه الإسلامي ـ بين الطوائف نفسها بعداءات مضافة يقوم بها ممثلوا النصرانية الغربية من الأنظمة؛ العلمانية المظهر، الصليبية التوجه والمشرب، الموجودة في بلاد المسلمين؛ فإذا بهم مرة أخرى بين الصفويين الإيرانيين من جانب وبين التأرجح بين الروس الأرثوذكس والغرب الكاثوليكي البروتستانتي بتاريخه وعداءاته، ومع فارق القوة والذي دخل عليه بعض التحسن لكنه لم يعتدل كاملا بل ثمة شوط بعيد.

الصراخ عن خطر “الخلافة العثمانية” الذي يطلقه العلمانيون، بغض النظر عن خلافنا معهم في التوجه العقدي، هو في الحقيقة غير موجود؛ وعموما فالخير للجميع في هذه المرحلة في وجود قوى سُنية قوية ومستقلة ومتحالفة.

وهذا الحل الجذري لحال المسلمين ـ والذي كان مهيأ لانتشال المنطقة من ورطتها ولو على مراحل ـ كان قد بدأ في ثورات الربيع العربي؛ والذي كان يفتح الطريق أمام الشعوب الإسلامية السُنية في المنطقة أن تبني قوتها وتتحرر، وتحدد هويتها الإسلامية وتحررها، وترجع لدينها وشريعة ربها وهويتها الحضارية، وتبدأ عملية امتلاك القوة والتحديث لتحجز مكانها وتأخذ دورها لتستقل بنفسها وتقوم بدورها في المنطقة وفي حماية نفسها وأمتها.

كانت الثورات المضادة هي خدمة للقوى الثلاث المعادية تاريخيا للأمة، مضافا اليها القوى العلمانية وهي مندوب عن القوى الغربية على الخصوص.

تناهش الذئاب وتبادلها

معضلة تركيا أنها ستظل تلهث في صراعها بين ذئاب كثيرة. وستبقى تلهث؛ فإن تخلصت من الذئب الروسي نهش الذئب الغربي، وإن توقف الغربي نهش الروسي، وإن توقفا نهش الذئب الصفوي، وفي كل الأحوال تبقى القوى العربية العلمانية لا تمثل أمتها ولا نفسها بل هي مجرد برازخ وأخاديد للقوى الغربية، تمجد التبعية للغرب على مختلف الأصعدة، تمثيلا لمدى الاحتلال الغربي المسيحي، الذي يصرخ تخويفا من “الاحتلال” العثماني التركي، وهو وهْم؛ فغاية الأتراك أن تتحالف مع قوى سنية في العالم الإسلامي كما فعلت مع باكستان وماليزيا.

يبقى لتركيا محاولاتها للحفاظ على نفسها ودينها ـ إن صدقوا في التوجه الإسلامي؛ ففي هذا خلاف وملاحظات وتناقضات ومراحل ..الخ “.

لكن المنطقة العربية الإسلامية يبقى لها أن تبحث عن نفسها ودينها وقوتها واستقلالها، وألا تعادي نفسها ومصالحها وألا تتنكر لدينها وهويتها، وألا ترى معادلات الأمن في مصالح فئوية داخلية وتربيطات مع الصهاينة وإثبات التبعية للغرب..!! فهذا ليس أمنا؛ بل هذا حشد على جناح طائر يكاد يجرفه ـ أو يجففه..! ـ سد النهضة هنا أو حروب أهلية في سوريا وليبيا واليمن، أو تذهب به مغامرات شاب طامح في السلطة كما في الخليج.

كان يجب أن تكون القوى السنية العربية والتركية كل منهما عمقا للآخر وفرصة للتحالف واستفادة من التحديث؛ فلا يبقى الأتراك نهشا للذئاب ولا يبقى العرب مستباحين للذئاب نفسها.. هذا لإنقاذ المنطقة؛ ولإقامة الدين الذي أمر الله الأولين والآخرين بإقامته والذي من أجله قامت الحياة وخلق الله الخلق.. ولاستئناف الدور الحضاري والتاريخي للأمة.

دور المجاهدين

إن مايجري في هذه الايام من حرب مصيرية في الشمال الغربي من سوريا بين الروس والباطنيين من رافضة ونصيريين من جهة، وبين المسلمين السنة ممثَّلين في الأتراك ومَن تحالَف معهم من الفصائل المجاهدة من جهة أخرى.. إن مايجري هناك لَمعركة مصيرية لها ما بعدها.

وينبغي للمجاهدين في هذه الساعات الحرجة أن يرصّوا صفوفهم ويوحّدوا كلمتهم وأن يتناسوا خلافاتهم أمام هذا العدوّ الروسي الباطني الحاقد الشرس الذي جاء ليستأصل الاسلام من بلاد الشام.  وأن يعلموا، في ضوء فقه الموازنات والمآلات والأولويات، بأن التحالف مع الأتراك ـ على علاتهم ـ  في رد العدو الصائل الحاقد  هو أهون المفسدتين. ومَن رأَى من الفصائل أن ينأى بنفسه ولا يشارك مع الأتراك فلا يثرَّب عليه؛ كما ينبغي له أن لا يثِّرب على مَن شارك؛ لان المسألة اجتهادية يسعُها الخلاف ولا ترقى الى أن تكون مسألة يفاصَل عليها. هدانا الله وإخواننا المجاهدين للحق وثبتنا عليه.

خاتمة

يجب أن تصحَح البوصلة الاستراتجية للمنطقة. العقيدة هنا مهمة فهي أساس للتوجهات الإستراتيجية الصحيحة. والتوجهات الدينية ليست معادية لمصالح الأمة بل العكس تماما؛ فهي خادمة وفي الاتجاه الاستراتيجي الصحيح.

ألا ليتهم يعقلون ولا يعادون الله ودينه..

وأخيرا يبقى السؤال الكبير والبسيط والمنطقي قائما: “وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر..”.

……………………………..

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة