الصراع الإسلامي العلماني هو صراع منهجي وقيمي، وهو صراع تتحدد آثاره العملية مباشرة. وما لم يدرك المسلمون منهجية الصراع فلن ينتصروا في المعركة.

مقدمة

قضية الصراع القيمي بين العلمانية والإسلام هي في الأساس صراع عقدي بين حق وباطل، وبين منهج صالح وفاسد، وليست مجرد اختلافات إيديولوجية كما يحلو لبعضهم تسميتها.

فعملية الدفع بين العلمانية والإسلام عملية مستمرة؛ وبدهي أن يكون هناك منتصر، وحتمًا سيكون الإسلام بإذن الله. لكن حتى يمكن الوصول إلى هذه النقطة الفاصلة ينبغي معرفة الكيفية التي تمكّنت بها العلمانية من اختراق منظومة القيم الإسلامية؛ فالعلمانيون اجتهدوا في نشر ثقافة الانحلال بين فئات المجتمع مستثمرين في ذلك كافة الوسائل المتاحة. ومعظم القائمين على هذه اللعبة الانحلالية

يحرصون على التظاهر بتمسكهم بالقيم الإسلامية التي هي عندهم لا تخرج عن دائرة الأذكار القولية التي ليست لها أية ثمرة تكليفية في حياتهم العملية.

فهذا أحد كبار المخرجين السينمائيين الذي اكتشف قطاعاً عريضاً من ممثلات الإغراء العربيات وصنفت بعض أفلامه في فئات البورنو يقول في مذكراته: «أنا واحد من الناس المؤمنين بشكل خطير وتام، ولا أزال وسأظل متمسكًا بالقيم والتقاليد، وأنا حتى الآن إذا أردت السفر إلى الإسكندرية وقلت ذلك لابنتيّ، فإنهما تقولان لي: لا إله إلا الله، فأرد عليهما: محمد رسول الله، وأما مساء كل يوم، وقبل أن أنام أقرأ فاتحة الكتاب ثم أتشهد بالشهادتين..!» هذا في وقت سيطرت

فيه السينما على الساحة الإعلامية وكان لمخرجيها اليد الطولى في توجيه الثقافة الإنحلالية؛ فما هو الواقع في ظل التقنية الحديثة والسماوات المفتوحة؟

دعونا نبدأ القضية من جذورها.

القيم الإسلامية

المدقق للدراسات التي تتناول موضوع القيم الإسلامية يلحظ أنها في تحديدها لماهية المفهوم ضمت شمول الدين الإسلامي كله؛ لذلك فمن الموضوعية التيقن بأن القيم الإسلامية هي الدين الإسلامي نفسه.

يقول اللواء دكتور فوزي طايل، عليه رحمة الله:

“يلحظ الباحث أن فقهاء المسلمين لم يُفردوا أبوابًا خاصة بالقيم؛ لأن القيم الإسلامية هي الدين ذاته؛ فهي الجامع للعقيدة والشريعة والأخلاق، والعبادات والمعاملات، ولمنهاج الحياة والمبادئ العامة للشريعة، وهي العُمُد التي يقام عليها المجتمع الإسلامي؛ فهي ثابتة ثبات مصادرها، وهي معيار الصواب والخطأ، بها يميز المؤمن الخبيث من الطيب، ويرجع إليها عند صنع القرارات واتخاذها.. وهي التي تحدث الاتصال الذي لا انفصام له بين ما هو دنيوي وما هو أخروي في كل مناحي الحياة». (1فوزي محمد طايل: كيف نفكر استراتيجيًّا، مركز الإعلام العربي، القاهرة 1997، ص 30 – 31)

ومن هنا.. فإن أية محاولات لخلخلة منظومة القيم الإسلامية الثابتة، أو طرح مبادرات من هنا أو هناك لجعل تلك المنظومة قابلة لاستيعاب قيم مستمدة من معطيات العقل البشري والخبرات المجتمعية ذات المرجعيات الإلحادية والفاسدة..

كل ذلك يعد محاربة صريحة للدين الإسلامي، ومن ثَمَّ فإن التصدي لهذه المحاربة هو فرض عين على كل من يدرك معالم هذه المشكلة.

القيم من وجهة نظر العلمانيين

القيم عند العلمانيين تقوم على مبدأ «الحرية» فكل فرد تكْفل له الحرية القيام بأي شيء يحقق أهدافه بغض النظر عن الاعتراضات على ما يقوم به من أفعال.

أما الجائز وغير الجائز فيتم تحديده من خلال مبدأ «نسبية القيم» وهذا المبدأ له عدة ركائز أو خصائص:

أولاً: النسبية المكانية للقيم

“لما كان لكل ثقافة معاييرها الخاصة بها فإن” المرغوب فيه “تبعًا لذلك من ثقافة إلى ثقافة، ومن ثم تختلف القيم من ثقافة إلى ثقافة”. (2فوزية دياب: القيم والعادات الاجتماعية، مكتبة الأسرة، القاهرة 2003، ص 61)

معلوم أن العلمانية تطرح لنا الثقافة الغربية بكل ما فيها من مضامين، ومن ثم فإن الحلال والحرام عندهم بمنظور الثقافة الغربية؛ بمعنى لا قيمه له. فما هو الواقع..؟ الإجابة يقدمها د. إبراهيم الخولي الذي يقول:

“المجتمع العلماني نفّض يده من الالتزام بحلال أو حرام نفضًا كاملاً من نقطة البدء الأولى على مستوى النظم والشعوب السابق في كتابه (الانهيار)  نحن أصبحنا مجتمع إباحة الاستباحة، الفرد في الولايات المتحدة استباح كل شيء ولم يعد في قاموسه كلمة حرام أو محرم، بهذا لا تستقيم حضارة ولا تستمر. السفينة كلها تغرق ولا يملك أحد إنقاذها..! وإنقاذها مرهون بالعودة إلى الدين والأخلاق..! (3ندوة العلمانية والفن: الحلقة الثانية، مجلة البيان العدد 162)

ثانيًا: النسبية الزمانية للقيم

أي أنها تختلف وتتغير في المجتمع الواحد بما يطرأ على نظمه من تطور وتغير، وهي في تطورها وتغيرها تخضع للمناسبات الاجتماعية في التاريخ كما تخضع لظروف الوسط الثقافي الذي توجد فيه. (4فوزي دياب، القيم والعادات الاجتماعية، مرجع سابق، ص 65)

إطلاق خاصية النسبية الزمانية بهذه الصورة يوضح سبب تقدير الاتجاه العلماني للنظرية الداروينية. كما أن الخاصية تمكّن أصحاب هذا الاتجاه من وصف القيم الإسلامية بأنها غير صالحة لمواكبة التطورات؛ وعليه كما يرون فإن مدة صلاحيتها انتهت ويجب استبدالها بقيم جديدة صالحة لملابسات الحقبة.

ثالثاً: صلاحية القيم

قول ديوي وهمبر:

“إن الخير والشر والمرغوب فيه أو غير مرغوب فيه، هو ما تقرر الثقافة (والثقافة وحدها هي الحَكم) أنه كذلك فالحر، والأخذ بالثأر، وقتل أسرى الحرب، واحتكار الأقلية لأرض والدكتاتورية، كل هذه أمور تكون مرغوبًا فيها وذات قيمة إذا قررت الثقافة ذلك. فالقيم إذن نسبية إلى طبيعة الإنسان كما تتضح هذه الطبيعة في فعله وتفاعله الاجتماعي الثقافي. (5المرجع السابق ص 68 نقلاً عن:
Dewe Humber: The Develo pment of Human Behavior p 713 – 729
)

إن الثقافة التي يدعو إليها العلمانيون عندنا هي ثقافة غربية انحلالية، ومن ثم وفي ضوء خاصية «صلاحية القيم» تكون تلك الثقافة هي الحكم على تصرفات الإنسان في عالمنا الإسلامي علاوة على ذلك فإنه كلما زادت انحلالية الثقافة اتسعت دائرة المرغوب، وهو في هذه الحالة انحلالي بطبعه.

تساهم وسائل العلمانيين ذات التأثير المباشر في اهتزاز منظومة القيم، وقد نجح الاستمرار الأجنبي في صناعة فئة أطلق عليها «نخبوية» لتتبوأ مناصب قيادية داخل المجتمعات الإسلامية عقولهم في الغرب وأصابعهم على أزرار صنع القرار، وفي ذات الوقت تم سحب النشاط رويدًا رويدًا من تحت أقدام العلماء والمخلصين للأمة الإسلامية.

خاتمة

الصراع الإسلامي العلماني هو صراع منهجي وقيمي، وهو صراع تتحدد آثاره العملية مباشرة. وما لم يدرك المسلمون منهجية الصراع فلن ينتصروا في المعركة.

فالصراع عقدي إيدولوجي، ومنهجي قيمي، وهو صراع قوة كذلك؛ ففي النهاية قد يتركك العدو تتكلم لكنه يمنلك وسائل التأثير وقوة الإعلام وقوة التعليم وقوة مؤسسات الدولة التي يعطيها الشرعية في مواجهة الإسلام، مواربة أحيانا وتصريحا أحيانا، وبقوة غاشمة أحيانا أخرى.

………………………..

المصادر:

  1. فوزي محمد طايل: كيف نفكر استراتيجيًّا، مركز الإعلام العربي، القاهرة 1997، ص 30 – 31.
  2. فوزية دياب: القيم والعادات الاجتماعية، مكتبة الأسرة، القاهرة 2003، ص 61.
  3. ندوة العلمانية والفن: الحلقة الثانية، مجلة البيان العدد 162.
  4. فوزي دياب، القيم والعادات الاجتماعية، مرجع سابق، ص 65.
  5. المرجع السابق ص 68 نقلاً عن:
    Dewe Humber: The Develo pment of Human Behavior p 713 – 729.

المصدر:

  • الهيثم زعفان، مجلة البيان، العدد:194.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة