يتمادى الوثنيون والشيوعيون في الصين، في اضطهاد المسلمين عموما، و”الإيغور” خصوصا. موقف المسلمين مخجل. والغرب يتربص ليستفيد!
تمادي الطغاة، وشهادة موثِقة
تستمر دول العالم الإسلامي، وعموم دول العالم، في السلبية واللامبالاة تجاه انتهاكات عُباد الأصنام الصينيين الشيوعيين في حق مسلمي “الإيغور“؛ بل وعموم مسلمي الصين..
وفي المقابل يزداد النظام الصيني ورئيسه “شي جين بينغ” جرأة وتصميمًا على توسيع هذه الحملات ضد مواطني الصين المسلمين لصرفهم عن الإسلام..
وفيما يلي ننقل تصويرًا لواقع المسلمين في الصين من بعض ما روته امرأة من “الإيغور” تُدعى “غلبهار هايتيواجي”، وكيف وقعت في الاعتقال في معسكرات صينية تمارس الانتهاكات بحق المسلمين في غربي الصين، بعد أنْ عاشت تفاصيل مروّعة لسنوات طويلة في معسكر لـما تطلق عليه السلطات الصينية “إعادة التأهيل”..
مأساة مسلمة
بدأت قصة هذه المرأة بهروبها مع زوجها وابنتيها من وطأة النظام الصيني الباطش، وبعد عناء البحث عن مأوى من بلد إلى بلد استقر بهم المقام في فرنسا، وبعد سنوات طويلة تلقت اتصالًا خادعًا بأنَّ عليها أنْ تعود إلى الصين لِإِنْهاء بعض الأوراق الخاصة بها، وعند عودتها بدأت مأساتها؛ تقول “غلبهار هايتيواجي” ـ في مقالها الذي كتبته في صحيفة “الغارديان” البريطانية تحت عنوان “أرواحنا ماتت” ما مختصره:
“لقد حكموا عليَّ بسبع سنوات من إعادة التأهيل. لقد عذَّبوا جسدي، ودفعوا عقلي إلى حافة الجنون..
كان ذلك منذ حزيران/ يونيو 2017..
وبعد قرابة خمسة أشهر من سجني في زنزانات شرطة “كاراماي”، بين التحقيقات وإساءة المعاملة بشكل عشوائي..
في إحدى المراحل وقع تقييدي بسريري لمدة (20) يومًا كعقوبة، رغم أنني لم أعرف أبدًا سبب ذلك.
قيل لي إنني سأذهب إلى “المدرسة”. لم أسمع قط بهذه المدارس الغامضة، أو الدروس التي تقدمها. قيل لي: إنَّ الحكومة شيدتها “لتصليح” الإيغور..
كانت هذه “المدرسة” تقع في منطقة “بيجيانتان” في ضواحي “كاراماي”. هذا كل ما تمكنت من معرفته عن المكان عند مغادرة زنزانات الشرطة، وذلك بعد أنْ رأيت لافتة عالقة في حفرة جافة بين بعض الأكياس البلاستيكية الفارغة.
كانت “بيجيانتان” منطقة خالية من البشر ولا يوجد فيها سوى ثلاثة مبان، كل منها بحجم مطار صغير. خلف سياج الأسلاك الشائكة، لم يكن هناك شيء غيرها سوى الصحراء الممتدة.
في يومي الأول، قادتني حارسات إلى مبيت مليء بالأَسِرة، ورأيت دلوًا مخصصًا لتقضي فيه حاجتك، ونافذة مغلقة بمصراعها المعدني الذي لا يفتح أبدًا، وكاميرات مراقبة تتحرك يمينًا ويسارًا في الزوايا العليا للغرفة. كان هذا كل ما يوجد في المبيت. لا يوجد مفارش ولا أثاث ولا مناديل مراحيض ولا أوراق ولا مغسلة. لا يوجد سوى العتمة وصوت غلق أبواب الزنزانات الثقيلة..
لم تكن هذه مدرسة بل كانت معسكرًا لإعادة التعليم بقواعد عسكرية ورغبة واضحة في تحطيمنا. فُرض علينا الصمت، ولم نعد نشعر بالرغبة في التحدث على أي حال بعد التعذيب الجسدي الذي شهدناه..
ومرَّت أيامنا بين صوت صفارات الاستيقاظ ووقت الطعام ووقت النوم..
كان الحراس يراقبوننا بشكل دائم؛ لم يكن هناك سبيل للهروب من أنظارهم ولا مجال للهمس أو مسح فمك أو التثاؤب خوفًا من اتهامك بتأدية الصلاة..
كان رفض الطعام مخالفًا لقواعد المدرسة وإلَّا سيتم نعتك “بالإرهابية الإسلامية” التي ترغب في الطعام الحلال..
لم أعد أعرف معنى الوقت ولم يكن هناك ساعة. كنت أخمن الوقت بالاعتماد على مدى برودة أو حرارة الطقس..
ولطالما كان الحراس يرعبونني، لم نر ضوء النهار منذ وصولنا..
كان أحد رجال الشرطة قد وعدني بأنه سيحضر لي هاتفًا، لكنه لم يفِ بوعده..
لا أحد يعلم أنني محتجزة هنا..
لقد كنت أعيش كابوسًا وأنا يقظة. لم أستطع حتى الانفتاح على زملائي المعتقلين تحت المراقبة المستمرة للكاميرات الأمنية. كنت متعبة جدًّا، لم أعد قادرة على التفكير..
كان المعسكر عبارة عن متاهة، حيث يقودنا الحراس في مجموعات حول المبيت. للذهاب إلى الحمامات أو المرحاض أو الفصل الدراسي أو غرفة الطعام، يتم اصطحابنا عبر سلسلة من الممرات التي لا نهاية لها والمضاءة بالمصابيح الفلورية..
تُغلق أبوابُ الأمان الأوتوماتيكية المتاهةَ مثل غُرَف معادلة الضغط..
ظننت أنَّ الدروس النظرية ستخفِف علينا معاناة التدريب البدني، لكنها كانت أسوأ. وفي كل يوم كنت أرى وجوهًا جديدة منتفخ ما تحت أعينهم من تأثير التعذيب..
بحلول نهاية اليوم الأول كنا (سبعة) في زنزانتنا، وبعد ثلاثة أيام أصبحنا (12).. لقد أحصيت (16) مجموعة من الزنزانات، بما في ذلك مجموعتي، كل مجموعة بها (12) سريرًا ممتلئًا. والتي كانت تكفي لحوالي (200) محتجز في “بيجيانتان”.
حُرمتْ هذه الـ (200) امرأة من عائلاتهن. وما زال المعسكر يمتلئ.
يمكنك أنْ تميز الوافدات الجديدات من وجوههن المذهولة وهن يحاولن النظر في عينيك عند مرورهن في الردهة..
نبقى دائمًا في حالة تأهب وانتباه متى ما تأمرنا الصافرة بتحرك ما..
ظننت أنَّ الدروس النظرية ستخفف علينا معاناة التدريب البدني، لكنها كانت أسوأ. فقد كانت المعلمة تراقبنا دائمًا، وتصفعنا كلَّما سنحت لها الفرصة..
ذات يوم، عندما قامت إحدى زميلاتي في الفصل، وهي امرأة في الستينيات من عمرها، بإغماض عينيها غالبًا من الإرهاق أو الخوف، صفعتها المعلمة بقوة قائلة: أتعتقدين أنني لم أرك تصلين؟ سوف تعاقَبين على ذلك.. ثم جاء الحراس وجرُّوها بعنف من الغرفة.. وبعد نحو ساعة، عادت هذه المرأة حاملة معها ما يسمى بـــ”نقدها الذاتي”. وقد جعلتها المعلمة تقرأ ما كتبته بصوت عالٍ. وبوجه شاحب، أذعنت لهذا الأمر، ثم عادت لمقعدها. وكان جلُّ ما فعلته لتُعاقب هو إغلاق عينيها فحسب..!
بعد بضعة أيام، أدركت ما يقصده الناس بـ “غسل الدماغ”. كل صباح، كانت معلمة من “الإيغور” تأتي إلى فصلنا الدراسي الصامت؛ امرأة تشاركنا الأصل العرقي ذاته، مهمتها تعليمنا كيف نكون صينيين. لقد كانت تعاملنا مثل مواطنين ضالين تَوَجَّب على الحزب إعادة تعليمهم. لطالما تساءلت هل خضعت بدورها لإعادة التعليم قبل القيام بوظيفتها..؟
بإشارة منها، كنا نقف جميعًا في وقت واحد، ونلقي التحية عليها: “لاو شي هاو”! كانت تلك التحية بداية (11) ساعة من التعليم اليومي..
كنا نردد صباحًا ما يشبه عهدًا للولاء للصين:
“نشكر بلادنا العظيمة، ونشكر حزبنا، ونشكر رئيسنا العزيز (شي جين بينغ)”.
وفي المساء، كنا نختم اليوم الدراسي بعهد مماثل:
“أتمنى أنْ يزدهر بلدي العظيم، وأنْ يكون له مستقبل مشرق. أتمنى أنْ تُشكِّل جميع الأعراق أمة واحدة عظيمة. أتمنى أنْ يبقى الرئيس (شي جين بينغ) سالـمًا معافى. يعيش الرئيس شي جين بينغ”.
كنا نجلس لساعات دون حراك في مقاعدنا، نكرر دروسنا مثل الببغاوات. علَّمونا التاريخ المجيد للصين وكيف أنَّه نقيٌّ من الانتهاكات..
ولم يتضمن الكتيب الذي حصلنا عليه المكتوب على غلافه: “برنامج إعادة التعليم”، سوى قصص السلالات القوية وفتوحاتهم المجيدة والإنجازات العظيمة للحزب الشيوعي. لقد كان على درجة من التسيُّس والتحيز أكثر مما يُلقَّن في الجامعات الصينية. أضحكني ذلك في الأيام الأولى؛ هل اعتقدوا حقًّا أنهم سيتمكنون من كسر شوكتنا ببضع صفحات من الادعاءات..؟
لكن مع مرور الأيام، تسلل الوهن إلى أرواحنا مثل وساوس الشيطان. لقد كنت مرهقة، حاولت ألَّا أستسلم، لكن ضغوط المدرسة واصلت سحق أجسادنا الموجوعة.
هذا ما يعنيه غسيل الدماغ إذن؛ قضاء أيام كاملة في تكرار نفس العبارات الغبية..
كما لو أنَّ كل ذلك لم يكن كافيًا، كان علينا قضاء ساعة من الدراسة الإضافية بعد العشاء مساءً قبل الخلود إلى النوم، حيث نراجع دروسنا المتكررة باستمرار لمرة أخيرة في اليوم. وكل يوم جمعة، كان علينا الخضوع لاختبار شفهي وكتابي، بالتناوب، وتحت مراقبة قادة المعسكر، يكرر كل واحد منا نفس العهد الشيوعي الملقن لنا.
على هذا النحو، أصبحت ذاكراتنا قصيرة المدى؛ أعظم حليف وأسوأ عدو لنا في الآن ذاته. وكل ما نريده هو أنْ نتمكن من تجنب الإذلال العلني على يدي المعلمة.
بعد مرور فترة لم أعد أستطيع استحضار وجوه زوجي وبناتي بوضوح. لقد تحولنا إلى مجرد حيوانات غبية. ولم يخبرنا أحد إلى متى سيستمر كل ذلك.
كيف لي أنْ أخبر بما عشته تحت رحمة عنف شرطيين من “الإيغور” ـ مثلنا ـ الذين كان بإمكانهم فعل ما يحلوا لهم بأجسادنا وأرواحنا؛ بسبب المكانة التي منحهم إياها زيهم العسكري..؟!
تتكون الشرطة من رجال ونساء غُسلت أدمغتهم تمامًا، وباتوا بمثابة روبوتات مجردة من الإنسانية، يعملون في ظل نظام يتم فيه إدانة من يمتنع عن إدانة الآخرين، ومعاقبة من يمتنع عن معاقبة الآخرين. كان ضباط الشرطة مقتنعين بأننا أعداء يجب هزيمتهم ـ خونة وإرهابيون ـ لذلك سلبونا حريتنا، وحبسونا مثل الحيوانات في معزل عن بقية العالم، وخارج نطاق الزمن في هذه المعسكرات.
وكلما أيقظَنا وقْعُ أقدام الحراس ليلًا، كنت أظن أن وقت إعدامنا قد حان. كان يخالجني نفس الإحساس عندما كانت آلة الحلاقة تمرر بقسوة عبر جمجمتي وتنتزع أيدي أخرى خصلات الشعر التي كانت تسقط على كتفي؛ بينما أغمض عينيَّ التي اغرورقت بالدموع، ظنًّا أن نهايتي قريبة، وأنهم يعدونني للسقالة، أو الكرسي الكهربائي، أو الإغراق. كان الموت يتربص بنا من كل الجهات. عندما أمسكَت الممرضات بذراعي “لتلقيحي”، ظننت أنهم يقومون بتسميمي، إلَّا أنهم في الواقع كانوا يهدفون لقتلنا ببطء شديد بحيث لا يلحظ أحد ذلك..
أثناء استجوابات الشرطة العنيفة، رضخْتُ تحت الضربات، لدرجة أنني قدمت اعترافات كاذبة..
لقد أُمرنا بإنكار هويتنا، وازدراء تقاليدنا ومعتقداتنا، وانتقاد لغتنا، وإهانة شعبنا. لم تعُد النساء اللائي خرجن مثلي من المخيمات كما كنَّ في السابق؛ أصبحن أجسادًا هائمة، وماتت أرواحهن.
لقد تم إقناعي بأنَّ أحبائي؛ زوجي وابنتيَّ إرهابيون. وبسبب ما عشته من بُعد ووحدة وإرهاق وعزلة، لم يسعْني سوى تصديق ذلك..!
إلى زوجي “كريم” وبناتي “غولهومار” و”غولينغار”:
لقد شجبت “جرائمكم”، وتوسلت للغفران من الحزب الشيوعي عن الفظائع التي لم نرتكبها لا أنا ولا أنتم. إني نادمة على كل ما قلته لإهانتكم. أنا اليوم على قيد الحياة، وأريد أن أعلن عن الحقيقة. لا أعلم ما إنْ كنتم ستتقبلونني، ولا أعلم ما إنْ كنتم ستسامحونني. كيف لي أن أخبركم بما حدث هناك؟
لقد أرغموني على تصديق الكذبة الهائلة التي لم يكن بوسع الصين من دونها أنْ تبرر مشروع إعادة التأهيل؛ ألا وهي أنَّ “الإيغور” إرهابيون. وبما أنني، أنا “غلبهار”، وبصفتي امرأة من “الإيغور” عاشت في المنفى في فرنسا لمدة عشر سنوات، فإنني كنت إرهابية أيضًا. لقد تعرضت لموجة تلو الأخرى من الدعايات. ومع مرور الأشهر، بدأت أفقد رُشدي، وتحطمت أجزاء من روحي فقدتها ولن أستعيدها أبدًا.
أثناء استجوابات الشرطة العنيفة، رضخت تحت الضربات؛ لدرجة أنني قدمت اعترافات كاذبة.. لم أصدّق كلمة واحدة مما كنت أقوله لهم. لقد بذلت قصارى جهدي لأكون ممثلة بارعة..”. (“أرواحنا ماتت”: كيف نجوت من معسكر “إعادة التعليم” صيني للأويغور)
تعليق على شهادة أختنا
ونقول وبالله التوفيق:
عموم الاضطهاد
ليس اضطهاد المسلمين في الصين مختصًّا بالإيغور وحدهم؛ بل أينما وُجد المسلم في مختلف أنحاء الصين فإنَّه يجد نفسه عُرضةً لانتهاكات فظيعة لحقوقه، بما في ذلك الإجبار على أكل المحرمات من لحم الخنزير وشرب الخمر، وإكراه الرجال على حلق لحاهم، والنساء على نزع حجابهن.
ولذلك ننصح إخواننا لتغيير ما قد يظنه الناس من أنَّ القضية مختصة بعِرق “الإيغور” وحدهم؛ فإنَّ ذلك قد يجعلها قضية داخلية محدودة، على فظاعتها؛ وقد سمعنا ما مرَّت به أختنا “غلبهار” من خوف المسلمات من غلق العين حتى لا يُتهموا بأداء الصلاة أو الدعاء سرًّا…!
فالمقصود ـ كما هو واضح ـ هو حرب الإسلام ذاته، ومنعه من التواجد في الصين أصلًا، واستبداله بنموذج صيني على هوى حكام الصين الشيوعيين عباد الأصنام..
أين المسلمون؟
كنَّا نظنُّ أنَّ قضية مسلمي الصين والإيغور المضطهدين في الصين بإذابتهم وطمس هويتهم الإسلامية قد تكون حاجزًا وسدًّا منيعًا لتقارب عموم المسلمين مع الصين؛ لكن الواقع يكذب ذلك بشدة؛ فالدول الإسلامية ـ حبًّا في الدنيا وخضوعًا للمنتجات الصينية ونفاقًا للنظام العالمي ـ ما زالت تتسارع في عقد الصفقات تلو الصفقات مع الصين في شتى مجالات التعاون، دون أي تأثير لقضية مسلمي الصين؛ مما يُظهر مدى ضعف ـ أو انعدام ـ عقيدة الولاء والبراء ونصرة المستضعفين المظلومين..
وجوب الاكتفاء الذاتي
لا يخفى الوجود الاقتصادي الصيني الطاغي في كل بلاد الإسلام؛ فأينما وجّهت وجهك تفجعك المنتجات الصينية من أحقرها إلى أهمها؛ ولذلك تبتعد تمامًا فكرة مقاطعة المنتجات الصينية؛ فمهما كانت الأسباب فلن نجد استجابة؛ بل سنجد من يجد مخارجًا ترفع الحرج، ولو صوريًّـا..
والعبرة من ذلك واضحة في لزوم الجد والعمل على الاكتفاء الذاتي الذي يدفع عن المسلمين بلاءًا عظيمًا..
توثيق الجريمة
مما تنشره التقارير الأمريكية وتتداوله وسائل الإعلام بصورة واسعة؛ صور مأخوذة بالأقمار الصناعية تثبت توسعة معسكرات الاحتجاز لشعب “الإيغور” المسلم، على الرغم من ادعاء الصين أنَّ المعسكرات آخذة في الانكماش بسبب عودة الإيغور “الذين تم إصلاحهم” ـ بزعمهم ـ إلى مجتمعاتهم..
عقوبات الشعائر!
ومما تنشره وسائل الإعلام أيضًا التنكيل بأي مسلم يرتبط بأحد شيوخ المسلمين في الخارج. وكثيرٌ من مسلمي الصين يُحرمون من الحصول على جوازات السفر ومن حق التنقل والترحال، بما في ذلك أداء مناسك العمرة والحج، كما أقدمت سلطات الصين على حظر الأذان، وعمدت إلى إزالة المآذن، وهدمت بعض المساجد..
الاضطهاد والتكنولوجيا
الانتهاكات الصينية للمسلمين ليست جديدة مستحدثة بل هي من قديم الزمان؛ إلَّا أنها في زماننا هذا بدأت مع بدء الحرب الأمريكية لأفغانستان بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، واستغلت الحكومة الصينية الفرصة لتطلق على الإيغور صفة “الإرهابيين” وهي في هذا الوقت أكثر خبثًا وأشد وطأة؛ بسبب ما يستخدم فيها الصينيون من وسائل رقابة بالغة التعقيد وتقنيات الذكاء الصناعي التي تتطور بشكل سريع، ويشرف عليها جهاز الأمن في “بكين”.
وقد نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرًا اشتمل على تفصيل للطرق التي عمل من خلالها عملاق التكنولوجيا الصيني “هواوي” على اختبار برامج التعرف على ملامح الوجه، بحيث تكون لديها القدرة على بث “تحذيرات حول الإيغور” إلى السلطات الحكومية كلما تعرفت كاميرات “هواوي” على شخص ينتمي إلى “الإيغور”.
وفي تقرير آخر تم الكشف عن كيفية قيام عملاق التكنولوجيا “علي بابا”، الذي يكافئ شركة أمازون العالمية في الصين، بإرشاد الزبائن إلى كيفية استخدام برامج للتعرف على وجوه “الإيغور” داخل الصور ومقاطع الفيديو.
كما كشف تقرير نشرته نيويورك تايمز كيف ابتكر “هاكرز” في الصين برنامج للتجسس على “الإيغور” من خلال الهواتف الذكية في وقت مبكر يعود إلى عام (2013م)، بما يفيد بأنَّ الحملة قديمة لمراقبة “الإيغور”، وتشمل جمع عينات من الحمض النووي (DNA)، وتسجيل بصمات الصوت، وعمل مسوح للوجوه، ومراقبة “الإيغور” المنفيين في ما لا يقل عن خمسة عشر بلدًا..
الاستعمار الثقافي
ومن سياسات الاستعمار الثقافي المباشر لمسلمي الصين توجه الصين نحو حظر التعليم الديني باللغة العربية، وإزالة الأحرف والرموز العربية من المطاعم والمحلات التجارية، وإغلاق متاجر الكتب الإسلامية، واعتقال أصحابها.
ما وراء الحضور الأمريكي
لوحظ في الآونة الأخيرة اهتمام كبير من وسائل الإعلام الأمريكية بمعاناة مسلمي “الإيغور” بوصفها ـ كما يقولون ـ أقلية تعاني الاضطهاد في الصين..
وحتى الحكومة الأمريكية نفسها تظهر اهتمامًا واضحًا؛ حتى أنها تُسرِّب أخبارًا عن عزمها حظر استيراد القطن والطماطم من الصين؛ نظرًا لوجود احتمال كبير بأنْ تكون تلك المنتجات واردة من مزارع يُسخَّر للعمل فيها عمال مسلمون..
وقد لا يصعب تفسير الاهتمام الأمريكي بجعل قضية مسلمي الصين حاضرة بصورة كبيرة؛ فالهدف الواضح من ذلك هو استفزاز الصينيين للمزيد من الاضطهاد الذي يغذي المواجهة الإسلامية للصين، وتوتير التحالف الباكستاني الصيني خاصة؛ لإضعاف خطط الصين الاقتصادية التجارية العابرة للحدود، والهيمنة العامة على المنطقة..
ولا يُستبعد أيضًا أن يكون من الأهداف الأمريكية جعل المجاهدين من المسلمين يتوجهون لمواجهة الصين؛ بل ولا يُستبعد أنْ تساعدهم أمريكا على ذلك ـ كما حدث من قبل مع الأفغان في مواجهة الاتحاد السوفيتي ـ ولهذا حديث آخر..
أعزَّ الله تعالى مسلمي الصين ووقاهم من كلِّ سوء..
………………………..
هوامش:
- “أرواحنا ماتت”: كيف نجوت من معسكر “إعادة التعليم” صيني للأويغور.
المصدر:
- الشيخ/ عبد الله بن فيصل الأهدل.