الإسلام حزمة واحدة، والصيام جزء من جملة دين الله، ودين الله يشمل الجهاد والصلاة والدعوة والبيان لتصحيح الفرد والمؤسسات والمجتمع.
مقدمة
فريضة الصيام شعيرة من شعائر الإسلام، والإسلام حركة تحريرية للإنسان، كل من يؤمن بهذا الدين هو مكلف بالحركة به وإبلاغه للناس واستنقاذهم من الهلكة «فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ»(1[صحيح البخاري (5/ 18)]).
يُسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال فيقول الصلاة على وقتها ثم يرتب بعدها بر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله.
يقول عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا»، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ» قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي (2صحيح البخاري [(1/ 112)]).
في حديث آخر يجعل “الجهاد” هو ذروة سنام الإسلام، وفي كتاب الله تعالى يربط التخلف عنه بالنفاق، ويجعل الإيمان والجهاد قرينين، ويأمر بالنصرة للدين ولو ارتد من ارتد، ويجعل الجهاد علامة على المحبة ويثني على عدم الالتفات إلى لوم اللائم في التضحية والنصرة لهذا الدين.
فالدين الذي يشمل الصيام؛ يشمل أيضا الجهاد والحركة بهذا الدين، كما يشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتصحيح حركة المجتمع.
الإسلام حركة تحررية وتحريرية للناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. المسلم يحمل للناس الخير وأثمن ما في الوجود وأعزه، وهو الدلالة على الله تعالى.
الرهبنة والانسحاب بالإسلام من حركة الحياة هو أمر غريب على طبيعة دين الله تعالى، وعلى الصائمين.
الحراك بهذا الدين
الحركة بهذا الدين، حركة الصُوّام القُوّام، تشمل فيما تشمل:
حركة العلماء ببيان الحق
ولا بد أن يكون ببيان الحق بأصوله وفروعه وتفصيلاته، فلا يكفي أن يقولوا للناس صلّوا أو البسي الحجاب أو غضوا أبصاركم، فهذا مطلوب نعم لكنه يأتي ثانيا بعد معنى التوحيد بتحقيق العبودية لله تعالى بقبول شرعه ورفض ما سواه، وإفراد الله بحقه الخالص في التشريع وفي العبادة.
فيجب أن يطالَ العلم والتوجيه والدعوة الأفراد، كما يجب أن يوجَّه نحو المؤسسات التي ترسّخ الإباحية والإلحاد والعلمنة للمجتمعات، كما يجب أن يوجه العلم والدعوة إلى الأنظمة العلمانية التي تفصل الدين عن الدولة وتنحيه جانبا.
ما يجب على العلماء بيانه
وللتوضيح.. فإنه فيجب أن تكون الدعوة وتوجيه العلماء ـ في عصرنا خاصة ـ على ثلاثة محاور:
الأول: أصل الدين ونواقضه
ببيان أن قبول شرع الله ورفض ما سواه، برفض تبديل الشرائع، ورفض التشريع والتقنين من دونه وبغير إذنه وبغير أمره، أن هذا ركن من أركان التوحيد، لا يتم إسلام المرء بدونه؛ فيواجهون العلمانية والإباحية في أصولهما ويواجهون أمر تبديل الشرائع، كما يواجهون حركة الإلحاد.
كما يواجهون أمر ولاء الكافرين، ومظاهرتهم على المسلمين أو التآمر معهم على المسلمين أو مواقف الخذلان للمسلمين، أو الدخول تحت ولاء العدو ورايته أو الانتظام في سلكه.
كما يواجهون به الانحراف في باب العبودية والنسك؛ فيواجهون مظاهر عبادة “الأضرحة” و”المشاهد” وما يرتبط بها من عقائد فاسدة وخزعبلات وفساد، وتواكل وسلبية، وأموال حرام وفواحش، وتواطؤ مع العدو.. الى غير ذلك من أوجه الفساد.
الثاني: مواجهة الانحراف المؤسسي
مواجهة انحراف المؤسسات فيواجهون تلك المؤسسات ـ حتى لو كانت في دول تزعم إقامتها للشريـعة ـ تلك التي تنشر الإباحية، أو تقوم على الربا، أو تظلم الناس وتقهرهم، أو تغير قيم المجتمع وتقوم بتغريبه وتربيته على غير منهج الله حتى يتشرب الناس قيما وأخلاقا مناقضة لهذا الدين؛ فلا بد من إصلاح الأمر ومواجهتها، والتوجيه لإقامة المؤسسات التي تقيم أمر الله وتقوم على وفق حكمه وقيمه، وتشارك في بناء الأمة، دينا ودنيا.
الثالث: التوجيه الفردي
والبناء القيمي وبيان الأحكام للفرد، افعل ولا تفعل، أخلاقا وسلوكا فرديا وأسريا واجتماعيا، وبناء الشخصية الإيجابية والفاعلة، تحْمل العقيدة الصحيحة وتترجمها في المواقف وتمتثل مقتضياتها وأحكامها، وامتثال قيمها وأخلاقها وسلوكها.. ولا يكتفون بالإنتماء لشيخ أو مدرسة أو إطار أو جماعة أو لافتة، كما لا يركزون على قضايا من الدين دون قضايا.
أما إذا رأيت “العلماء” يقولون للناس “غضوا” و”البَسي” وافعل” و”اترك”، ثم يتركون المؤسسات التي نخاف منها على أبنائنا وعلى أجيالنا، ثم يتركون جريمة تبديل الشرائع وترسيخ حق التحليل والتحريم القانوني لغير الله تعالى، ويتركون تجريم ولاء الكافرين والتحذير منه، فاعلم أنهم دخلوا في قبض الأجرة أو الغفلة.. غفلة تشتبه كثيرا بالخيانة.
حركة المجتمع
ومع حركة العلماء والدعاة فلا بد من المحور الآخر، وهو حركة المجتمع واستمرار حشوده وتكتلاته، واستمرار حراكه وتنوع أطروحاته وخياراته لرفض الظلم والحفاظ على الهوية وإقامة الدين.
لا بد من إيجابية وحركة المجتمع، حركة يمتلك فيها من القوة والبدائل ما يحمي بها دينه وحريته ويمنع الفساد والاستبداد والعلمانية والتبعية، ويحمي نفسه من تزييف الحقائق.
نزل القرآن في رمضان، وجعل تعالى صوم الشهر معلَلا بنزول القرآن فيه، وانتصر الإسلام يوم بدر يوم الفرقان، الذي نحن اليوم مسلمون بسببه، وهذا في رمضان، فالفرقان البياني والفرقان الميداني كلاهما في هذا الشهر الكريم..
فليعِ الصائم عن ربه كلامه وبيناته، وليعِ عن ربه أمره بإقامة الحق ومنازلة الباطل ومطاردته.. ﴿وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ، إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ﴾ [النساء: 104]
«الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام». (3البداية والنهاية/الجزء السابع/غزوة القادسية)
خاتمة
إن هذا الدين حزمة واحدة، العقائد مع الشعائر مع الشرائع.. القلب مع العمل مع الإيجابية، الجانب الفردي مع الجانب الجماعي والحراك العام، وإلا أثِم العبد عند لقاء الله تعالى..
فسؤاله تعالى سيكون عن حزمة هذا الدين وجملته، حيث جاء الإسلام ليخرج الإنسان نسيجا مختلفا وخَلقا جديدا وأمة خيّرة صاحبة رسالة.. كنتم خير أمة أخرجت للناس؛ قال أبو هريرة «أنتم خير الناس للناس..
فنعْم العبد ونعم الأمة، ونعْم الإخراج ونعْم هذا الدين.
الهوامش
- [صحيح البخاري (5/ 18)].
- [صحيح البخاري (1/ 112)].
- البداية والنهاية/الجزء السابع/غزوة القادسية.