في طريقنا إلى الله تعالى يأتينا شهر رمضان المبارك لنتزود منه إلى بقية الطريق، ولا بد من إعداد لاستقباله لتحقيق الفائدة المرجوة بإذن الله تعالى.

مقدمة

في مناسبة حلول شهر رمضان يستطيب للمسلم أن يجعل من رمضان علامة يقف عندها في مسيرته؛ فيحاسب نفسه، ويضع خطة العمل للمستقبل.

وإنها لعادة حسنة، وعرف طيب للمسلمين، أن يتخذوا من رمضان مغلاقاً لفترة مضت، ومفتاحاً لفترة أقبلت..

فعلى حين يختم غير المسلم سَنة من عمره ويفتتح سنة أخرى بالعربدة، والاستغراق في الشهوات والمعاصي، ومحاربة الله تعالى، وتعدِّي حدوده ومحارمه؛ فإن للمسلم شأنا آخر:

خشوع وإخبات، وقيام بحق الله من العبادة والشكر، وتضرع إليه تعالى ليتقبل الطاعات، ويتجاوز عن السيئات، ويسدد الخطا، وينير السبيل لعباده فيما يستقبلون من أيام.

وقد كان رمضان ـ ومازال ـ موسماً من مواسم الخير يغتنمه الأتقياء للاستزادة من صالح العمل، ويلقي بظله الظليل على العصاة والغافلين؛ فيتوبون، ويعاهدون ربهم على الإقلاع عما هم فيه.

وقد يصْدُقون العهد، وقد يفشلون ويقعون في مهاوي الغفلة والنسيان؛ فالسعيد السعيد من جعل رمضان مجدداً للعزم والطاعة، وحافزاً للتمسك بحبل الله، وفرصة يتزود فيها بزاد التقوى، والشقي الخاسر من مرَّ به رمضان كغيره من الشهور، لم يُعِرْهُ التفاتاً، ولم يتعرض لنفحات الله، عز وجل، فيه.

مدرسة رمضان ستفتح أبوابها

مدرسة ستفتح أبوابها بعد أيام قليلة .. فهل ترى نحيا فندرك هذه المدرسة ونلتحق بها؟ وإذا الْتحقنا بها هل نخرج منها مع الفائزين أو الخاسرين..؟

إنها مدرسة رمضان .. مدرسة التقوى والقرآن، وموسم الرحمة والغفران، والعتق من النيران.

أيامٌ معدودة وتستقبِل الأمّة هذا الزائرَ المحبوب بفرحٍ غامِر، وسرورٍ ظاهرٍ.

ماذا أعددنا ونحن على أيام من هذا الشهر العظيم، هل أعددنا نيةً وعزماً صادقاً بين يديه؟ هل بحثنا عن قلوبنا لنعرف عزمها وصدقها فيه؟

لا يستوي من لا يتجاوز اهتمامه وتفكيره في استقبال رمضان شراء الحاجيات وتكديس الأطعمة الرمضانية، ومن يجعل كل اهتمامه غذاء الروح والتفكير في تطهير وتزكية النفس والإقبال على الله تعالى في هذا الشهر المبارك.
لسان حاله:

كيف أستفيد من هذا الموسم؟ كيف أستعد وأخطط لأن أكون من العتقاء من النار، من الذين تشتاق لهم الجنة، من الذين يغفر الله لهم ما تقدم من ذنوبهم.

إن الإعداد للعمل علامة التوفيق وأمارة الصدق في القصد، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً﴾، والطاعة لا بد أن يُمهَّد لها بوظائف شرعية كثيرة حتى تؤتي أكلها ويُجتنى جناها، وخاصة في شهر رمضان حيث الأعمال الصالحة المتعددة.

ولهذا نقول: من الآن، اصدق عزمك على فعل الطاعات، وأن تجعل من رمضان صفحةً بيضاءَ نقيّة، مليئةً بالأعمال الصالحة، صافيةً من شوائب المعاصي. قال الفضيل: “إنما يريد الله عز وجل منك نيتك وإرادتك “.

 الإخلاص عنوان الصوم

أحلى اُعطيات الصوم وأغلى معانيه: “الإخلاص”.

والإخلاصُ لله خَلاصٌ وتجرّد بعيداً عن أوحال الأرض.

والصومُ هو العبادة الوحيدة التي خُصت بالنسبة إلى الله “إلا الصيام فإنه لي”.

قال الإمام أحمد:

“لا رياء في الصوم. فلا يدخله الرياء فيفعله، من صَفّى صُفِّى له، ومن كَدّر كُدِّر عليه، ومن أحسن في ليله كوفي في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفي في ليله، وإنما يكال للعبد كما كال”.

والجنة لا تطلب إلا قلباً خالصاً لله.

والصوم يُعلّم الناس “الإخلاص”، فما صام منافقٌ مراءٍ.

والغاية الواحدة في مصطلح القرآن هي “الإخلاص”، وهي محور دعوات الرُسل قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ﴾ [الزمر: 2] ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ﴾ [الزمر: 11] ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي﴾ [الزمر: 14] ﴿وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [الأعراف: 29].

و”الإخلاصُ” هو “التعرّي عما دون الله” و”نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق”.. أن يكون سكونُ العبد وحركاته لله تعالى خاصة وإخراج الخلق عن مُعاملة الرب.

و”الاخلاص” أشد شيء على النفس؛ لأنه ليس لها فيه نصيب كما قال سهل. بن عبد الله التُستري، رحمه الله.

والصدق في الإخلاص من أشد الأمور على النفوس، يقول سفيان الثوري:

“ما عالجتُ شيئاً عليّ أشد من نيتي، إنها تتقلب عليّ”.

والإخلاص هو الحرية في أكمل مراتبها، “لا لا يا قيود الأرض”.

الإعداد والتخطيط المسبق للاستفادة من رمضان

أولاً: بادرْ إلى التوبة الصادقة، المستوفية لشروطها، وأكثِرْ من الاستغفار.

ثانياً: تعلَّمْ ما لا بد منه من فقه الصيام وأحكامه وآدابه، والعبادات فيه؛ كالاعتكاف والعمرة وزكاة الفطر وغيرها.

ثالثاً: اعقد العزم الصادق والهمّة العالية على استغلال رمضان بالأعمال الصالحة؛ قال تعالى: ﴿فإذا عزم الأمر فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾، وقال جلا وعلا: ﴿وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً﴾.

وتحرَّ أفضل الأعمال فيه وأعظمها أجراً.

رابعاً: خُذ ورقة واكتب خطة شهر رمضان الإيمانية، وخطة شهر رمضان العلمية، وكذلك الاجتماعية والدعوية.

اكتب: سأقرأ من القرآن كذا، وسأشارك في الدعوة في مجال كذا، وسأقرأ من الكتب كذا وكذا، اكتب وسلِ الله التوفيق، واعلم أنه يعطي كل ناوِ ما نوى إما عيناً أو عوضا.
خامساً: استحضر أن رمضان كما وصفه الله عزَّ وجلَّ أيام معدودات، فهو موسم فضيل، ولكنه سريع الرحيل.

واستحضر أيضاً أن المشقة الناشئة عن الاجتهاد في العبادة سرعان ما تذهب بعد أيام، ويبقى الأجر، وشَرْحُ الصدر بإذن الله، أما المفرِّط فإن ساعاتِ لهوه وغفلته تذهب سريعاً، ولكن تبقى تبعاتها وأوزارها .
سادساً:حاول أن تصوم رمضان وتجعلة مائة رمضان.

وذلك بالدعوة إلى الله، وإفطار الصائمين، وإطعام المحتاجين، وكفالة الأرامل والمساكين.

خاتمة

ينبغي للمسافر أن يتوزود لبقية الطريق، خاصة إن كان الطريق يستغرق العمر ثم يُستكمل بعده..! فكن على استعداد وعزم موفور، ولا تغفل وكن يقظا فيما يأتيك من الخير؛ فلا يفوتك إن شاء الله.

………………………………

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة